تأليف امل شانوحة
علّية القصر
كان جيمي (12 سنة) الأخ الأوسط لإحدى عشر ابناً للثريّ آدم أندرسون .. ترتيبه السادس بينهم ، وهو أضعفهم شخصية.. لذلك لم يولِ إخوته إهتماماً بآرائه وأفكاره ، كأن لا وجود له !
اما والده فاعتاد أخذ قراراتٍ مصيرية لعائلته دون مشاورتهم ، لهذا فاجأهم قبل ايام من بدء المدارس بخبر إنتقالهم الى قلعةٍ أثريّة قديمة أُعيد تجديدها ! مما أغضب زوجته لبعدها عن الأحياء السكنية ، وتواجدها بأطراف قريةٍ إنجليزية .. بعكس اولاده الذين فرحوا بالإنتقال لقصرٍ ملكي فيه العديد من غرف النوم .. وهذا يعني ان كل واحدٍ منهم سيحظى بغرفته الخاصة ، عكس فلتهم القديمة الذين تشاركوا غُرفها ، مما تسبّب بالعديد من الشجارات بينهم
***
بعد اسبوع أمضوه في حزم أمتعتهم .. وصلوا للقصر بحلول الظلام ، بعد رحلةٍ دامت ست ساعاتٍ متواصلة ..
وكان الوالدان مرهقين تماماً ، بينما الأبناء الذين تتراوح اعمارهم بين (17 و5 سنوات) في قمّة نشاطهم وحماسهم وهم يتراكضون في ارجاء الحديقة الواسعة ..
ثم تجمّعوا امام والدهم ، اثناء فتحه الباب الخشبي الضخم للقصر (الذي يُشبه قلاع القصص الخيالية) ..
وفور إشعاله انوار القصر ، إنطلقوا بفرح بين طوابقه الثلاثة لاختيار غرفهم ..
وبالطبع لم يحصل جيمي على أيٍّ من الغرف الكبيرة التي كانت من نصيب اخوته الكبار .. كما فضّل والداه إعطاء الغرف المجاورة لجناحهم لأبنائهما الصغار ..
فلم يكن امامه سوى العلّية .. فصعد بحذر على أدراجها الضيقة الكئيبة المثيرة للرعب ، مُتوجهاً للغرفة العلويّة ..
ولأنه انطوائيّ بطبعه ، لم يجد مشكلة بالعيش بعيداً عن صخب اخوته
***
حين فتح باب العلّية .. وجد غرفتها لا تتعدّى الثلاثة امتار : فيها سريرٌ صغير ومدخنة وخزانة حائط ..
فاستلقى على السرير وهو ينظر بشرودٍ وضيق نحو السقف الخشبي القريبة منه ، بجسمٍ مُرهق من رحلتهم الطويلة..
وانتبه على وجود حفرة بالحائط فيها فانوس قديم ، فالكهرباء وُصّلت حديثاً بالقلعة القديمة ..
واثناء بحثه عن زرّ التحكّم بلمبة السقف ، وجد ذراعاً خشبية خلف سريره .. فشدّه نزولاً ، لتفتح الواحاً خشبية كانت تغطي النافذة الزجاجية في وسط الغرفة ، ليظهر منها نور القمر والنجوم وهي تسطع فوق الحديقة الخلفية للقصر ! فانبهر جيمي بجمال المنظر الذي أقنعه بغرفته المتواضعة
وبعد دقائق .. فتح حقيبته الصغيرة لإخراج اغراضه التي لم تكن سوى ثياب أخوته قديمة ! فطبعه خجول يمنعه من سؤال والديه عمّا يريد ، بعكس اخوته الذين يلحّون باستمرار لحين حصولهم على جميع طلباتهم
وحين فتح الخزانة ، وجد فيها ثلاثة عرائس خشبية ! وضعها جانباً ، لترتيب اغراضه ..
وبعد قليل ، سقطت نظّارته على الأرض .. وحين انخفض لإلتقاطها ، رأى صندوقاً خشبياً اسفل سريره .. فسحبه بصعوبه ، لاحتوائه على اشياء ثقيلة!
وما وجده بداخله أسعده كثيراً : ففيه منظارٌ قديم الصنع ، وقصص اطفال بطبعاتٍ قديمة تعود لأكثر من مئة سنة (لهذا خلت من الرسوم التوضيحية)
في البداية .. ركّب قطع المنظار بجانب نافذته لمراقبة الفضاء .. وبرغم قدمه الا انه كبّر القمر أضعاف التلسكوب الحديث الذي يملكه اخوه الكبير ، الذي يمنع اخوته الإقتراب منه ..
وأكثر ما لفت انتباهه في الصندوق هو دفترٌ قديم مكتوب بخطٍ طفوليّ كأنه مذكّرات .. وكان عنوانه :(سجينة في قصر جورج الثالث) وهو اسم هذه القلعة .. وملصقاً على غلافه : صورة للكاتبة الصغيرة في حديقة قصرها ، التي كتبت في المقدمة :
(هذه مذكّرات الأميرة ماري جورج ، ذات الإحدى عشر ربيعاً .. سأدوّن فيها معاناتي من غدر الأقارب والأصدقاء ، قبل إقدامي على الإنتحار في حال لم يخرجني عمي قريباً من هذه العلّية الكئيبة)
فتوقف جيمي عن القراءة بعد ان أربكه كلامها ! فهو يعيش في غرفتها ، وألعابها مازالت في خزانته ..
لكن لماذا تفكّر طفلة بالإنتحار ؟ ولما حبسها عمها هنا ؟ وهل كانت فعلاً إحدى اميرات القرن الماضي ؟
اسئلةٌ كثيرة دارت في رأس جيمي ، قبل ان يقطع تفكيره صوت جرس المطبخ .. حيث اتفقت الأم معهم على الإجتماع على مائدة الطعام كلما سمعوا رنينه ..
فأسرع في إعادة كل شيء مكانه قبل اكتشاف اخوته جمال غرفته فيحتلّوها ، كما يفعلون دائماً مع العابه وأغراضه الأخرى
وما ان اعاد الصندوق تحت سريره ، حتى فتح اخوته الكبار باب الغرفة (دون استئذان) وهم يتأمّلونها باشمئزاز :
- غرفتك سيئة جداً يا جيمي !
فأجابهم : لا بأس انها تعجبني
- تبدو كعلبة كبريت ، لوّ رأيت غرفنا لما قبلت العيش هنا
جيمي : لا يهم ، لننزل للأسفل قبل ان يغضب ابي
واثناء نزولهم الأدراج ، قال أحدهم :
- الدرجات مهترئة وصغيرة ، ومن السهل الإنزلاق عليها
اخته : عليك الحذر يا جيمي اثناء ذهابك للدورة المياه
- لوّ كنت مكانك لطلبت من ابي استبدالها بغرفةٍ اخرى
جيمي بحزم : الغرفة تعجبني !! فكفّوا عن مضايقتي
***
على مائدة الطعام .. أخذ كل ولدٍ يصفّ جمال غرفته..
وبينما كان جيمي يتناول طعامه بصمت ، سأله والده :
- وانت يا مايكل ؟
- جيمي يا ابي
- آسف ! دائماً أنسى اسمك
فتنهّد بضيق : لا يهم
- ما رأيك بغرفتك ؟
- جيدة
امه : وأيّ غرفة اخترت ؟
جيمي : غرفة العلّية
- لكنها بعيدة جداً عن بقية الغرف
- لا بأس امي ، أنا احب الهدوء
وهنا قالت أخته : غرفته سيئة يا ابي .. وتفوح منها رائحة الرطوبة ، ولا نوافذ بها وإضائتها خافته
الأب : ان كانت سيئة هكذا ، فهناك غرفة بالقبو .. يمكننا وضع سريراً فيها..
جيمي مقاطعاً بضيق : لا اريد ، غرفتي تعجبني
الأم بقلق : ومن سيوقظك الى المدرسة ؟
- لديّ منبه يا امي
الأم : الأفضل ان تشارك اخوك الأصغر غرفة نومه
الأخ الأصغر بعصبية : لا اريد احداً معي !!
فصرخ جيمي بغضب : قلت غرفتي جيدة ، الا تسمعونني !!!
الأب معاتباً : جيمي ! إخفض صوتك يا ولد
جيمي بقهر : لما لا تصغون إليّ ؟! الغرفة تعجبني .. أتدرون لماذا ؟ لأنها بعيدة عنكم !!
ثم أسرع راكضاً الى فوق..
الأب باستغراب : ما مشكلة هذا الولد ؟!
الأخت بقلق : إن بقيّ في تلك الغرفة الكئيبة ، سيُجنّ حتماً
الأخ الأكبر بسخرية : هو اساساً متخلّف عقلياً
وضحك اخوته عليه ، بينما والداه قلقين عليه
***
لم يستطع جيمي إنهاء مذكّرات ماري تلك الليلة ، فغداً اول يوم مدرسة
فقال في نفسه :
- أملك بعض المال في حصّالتي ، سأشتري قفلين غداً .. واحدة أضعها في الغرفة ، والثانية خارجها .. سأقفلها كلما خرجت منها ، هكذا لن يسرق اخوتي القصص قبل إنتهائي من قراءتها جميعاً
ثم وضع المذكّرات في الدرج ، وهو يقول بنعاس :
- لا أصدّق ان طفلة بمثل عمري كتبت مئة صفحة ! يبدو انها عانت الكثير من عمها ! سأعرف قصتها في عطلة الأسبوع
***
ومرّت الأيام .. دون إقتراب اخوته من غرفته التي لم تثرّ اهتمامهم ، حتى إن والديه لم يرهقا انفسهما بالصعود اليه ! ومع ذلك أبقى على الأقفال زيادةً في الحرص
***
في عطلة الأسبوع .. أنهى جيمي قراءة مذكّرات ماري التي اتضح انها بالفعل اميرةٌ يتيمة ، بعد مقتل والدها الملك بعمر 8 سنوات .. وكان مرجحاً ان تصبح ملكة البلاد برعاية عمها الذي فضّل سجنها بعلّية القصر وإخبار الناس بموتها بالسلّ كوالدتها .. ولم يشكّ احد بخبثه بعد قيامه بجنازةٍ ضخمة ومسيرةٍ علنية لجثمانها بعد استبدالها بجثة طفلةٍ قروية نبشها رجاله من القبر بعد دفنها مباشرةً .. ووضعها في عربةٍ مكشوفة ، مُخفياً وجهها بوشاحٍ حريريّ ..
وتلك الخطة وغيرها من الأفعال الشريرة والقرارات الظالمة وصلت لماري من خلال خادمتها العجوز التي وكّلها العم بالإهتمام بها ، وهي التي جلبت لها القصص والتلسكوب لتسليتها في سجنها الإنفرادي..
وختمت ماري مذكّراتها بسطورٍ مُبهمة ، حيث قالت :
(الليلة أتت خادمتي باكية ، ومعها قارورة دواء .. قالت إن فيها تعويذة سحريّة تمنحني جناحين للوصول الى الجنة لملاقاة والدايّ .. كلامها أخافني ، خاصة بعد ان حضنتي بقوة وهي تخفي دموعها .. من بعدها أقفلت الباب عليّ كما تفعل دائماً .. أنا متردّدة بشربه .. وبنفس الوقت أشعر باشتياقٍ شديد لأهلي ، والمللّ يكاد يقتلني .. وليس لديّ شيئاً اخسره ، بعد ان نشر عمي الظلم في انحاء البلاد التي كانت مزدهرة في عصر والدي العادل .. سأشرب الدواء بعد قليل .. وأخبركم إن كانت التعويذة السحرية نجحت ام لا .. إنتظروني))
فقال جيمي بغيظ :
- طالما لم تكتب شيئاً بعدها ، هذا يعني انها شربت السمّ .. فلما خانتها الخادمة ؟ ولما قرّر العم قتلها بعد ثلاث سنوات من حبسها ؟ هل ثورة وزرائه ضدّه هي السبب ؟ .. سأقوم ببحثٍ شامل عن سكّان القصر في مكتبة المدرسة
ثم أعاد المذكّرات الى الصندوق.. واستلقى على سريره وهو يشعر بالأسى على ماري ..
وقبل ان يغفى ، تّمتم قائلاً :
- لا تحزني يا ماري .. على الأقل والديك يحبانك ، اما انا فلست مهماً لعائلتي .. فقبل قليل ذهبوا جميعاً ، دون ان يصعد احدهم لإخباري عن النزهة ! أشعر وكأني مسجون مثلك يا سموّ الأميرة..
وفجأة ! انطفأت لمبة غرفته ..
فتلمّس طريقه الى ان فتح باب غرفته ، ليرى الأدراج مظلمة تماماً .. فخاف ان يتعثّر إن نزل عليها !
وبجميع الأحوال ، القصر فارغ بعد ذهاب عائلته ..
فعاد الى سريره ، محاولاً تجاهل مخاوفه بوجوده وحده في قصرٍ قديمٍ ومظلم .. وقرّر النوم لحين عودة اهله واصلاحهم الكهرباء ..
فجأة ! أضيئت المدفأة من الداخل ..
ثم خرجت منها فراشة زهرية مضيئة حلّقت فوق سريره ، الى ان وقفت على أرضيّة الغرفة .. ثم بدأ شعاعها يزداد شيئاً فشيئاً ، لدرجة انه أغمض عينيه من قوة وميضها ..
ثم خفّ النور تدريجياً .. ففتح عيناه ، ليجدها وقد تحوّلت لطفلةٍ شقراء !
فصرخ فزعاً :
- ارجوك لا تؤذيني ايتها الجنّية !!
- انا ماري يا جيمي ، الا تذكر صورتي على غلاف مذكّراتي ؟
بدهشة : ماري !
- نعم
- كيف هذا ! انت ..
- مقتولة منذ مئة سنة ..
جيمي : يعني ما توقعته صحيحاً ! الخادمة أعطتك سمّاً
- نعم ، لهذا رفضت مقابلتها في عالم الأرواح بعد خيانتها لي
- وهل أجبرها عمك على ذلك ؟
ماري : صحيح ، لكنه لا يعلم انها أطلعتني على جميع خططه وقراراته من خلال تنصّتها عليه .. فهو اختارها خرساء ، دون معرفته انها تجيد الكتابة .. فكتبت لي كل يوم عمّا يحصل داخل القصر ، وعن أوضاع سكّان القرية .. ثم تحرق الأوراق في المدفأة .. (واقتربت الطفلة اكثر من سريره) .. لما اراك مرتبكاً هكذا ؟! الا تصدّق ما اقوله ؟
- لا ! انا فقط متفاجئ من ظهورك امامي
- أردّت مواستك بعد شعوري بحزنك
- انا غاضبٌ من اهلي
- سنتكلّم عن ذلك في يومٍ آخر ، أتيت الآن لآخذك الى الفضاء الذي تعشقه
- وكيف ستفعلين ذلك ؟
ماري مبتسمة : لا مستحيل في عالم الأحلام .. إغمض عينيك ، وسأجعلك تنام على الفور لتشاهد أجمل حلمٍ رأيته في حياتك ..
وبالفعل .. ما ان وضع رأسه على الوسادة ، حتى غرق في نومٍ عميق
***
في اليوم التالي .. استيقظ جيمي سعيداً بعد زيارته لعدة كواكب برفقة ماري .. كما انتقل معها لزمن الماضي لمشاهدة الحروب القديمة التي خاضتها بريطانيا ..
وفي المدرسة .. تفاجأت معلمة العلوم بإجاباته الذكية حول الفضاء ، وأعطته علامةً جيدة .. وكذلك فعل استاذ التاريخ الذي أُعجب بسرد جيمي لتفاصيل دقيقة لأحداث معركةٍ قديمة
***
ومرّت الأيام وهو يتسامر مع روح ماري ..الى ان سألها في إحدى الليالي:
- أجريت بحثاً مطولاً هذا الصباح .. وعلمت ان عمك أشاع بين الناس ان روحك الشريرة أحرقت القلعة ! وقتلتِ وزرائه وخدمه ، وتمكّن هو بصعوبة الهرب من انتقامك الغاضب .. فهل كلامه صحيح ؟
ماري بقهر : أكاذيب عمي لا تنتهي .. فهو من خطّط للقضاء على منافسيه وحرق القصر الريفيّ للإنتقال للعاصمة .. وطلب من خادمتي قتلي في نفس اليوم الذي عزم فيه وزرائه على مأدبةٍ كبيرة في قبو القلعة ، بنيّة إحراقهم جميعاً ..
- وماذا حصل بعد موتك ؟
- إنتقلت للسماء لرؤية والدايّ اللذان كانا متشوقان لملاقاتي
جيمي بحزن : على الأقل يحبانك .. اما انا ، فلوّ هربت من هنا لن يلاحظ أحد اختفائي !
- بصراحة يا جيمي هذا خطؤك ، فأنت لا تخبرهم بما تريد ..ولا تبين قهرك حين يعطوك اغراض اخوتك القديمة .. ولا تطلب هدايا لنفسك في الأعياد ، لهذا يتجاهلوك .. عليك ان تحب نفسك اولاً ، ولا تعامل نفسك بازدراء او تقلّل من قيمتك .. فطالما تضع نفسك في المركز الأخير ، لن يقدّمك أحد الى المركز الأول .. فالناس تعاملك كما تعامل نفسك
- لكني احب الإيثار !
ماري : وهو شيءٌ جيد ، لكن ليس على حساب نفسك ..فمن حقك ان يعدلوا بينك وبين اخوتك
فتنهد بقهر : أتدرين .. أحلم ان ارحل الى مكانٍ بعيد
فسكتت قليلاً .. قبل ان يتغير صوتها الطفولي الى صوتٍ اكثر نضجاً ، لتقول بجدّية :
- اذاً ارحل معي
- الى اين ؟
- الى كل مكانٍ وزمانٍ تحلم به
جيمي باهتمام : وكيف افعل ذلك ؟
- أفتح درج الخزانة
ففتحه ، ليجد قارورةً سوداء ..
ماري : هيا أشرب الدواء
جيمي بقلق : أليس هذا هو السمّ الذي أعطتك إيّاه الخادمة ؟!
- بل تعويذة سحرية تنقلك الى عالم الخيال لتحقيق جميع امانيك .. وطعمه لذيذٌ ايضاً .. فقط ستشعر ببعض النعاس
- لكن ..
ماري مقاطعة بحزم : إشربه !! لنصبح صديقين للأبد
فمسك جيمي القارورة بترددٍ وارتباك ..
بهذه اللحظة .. فتح اخوه الأكبر الباب ، ليرى خيالاً مخيفاً في الغرفة!
فنزل الأدراج وهو يصرخ فزعاً :
- ابي ، امي !! شيطان في غرفة جيمي
وهنا عاتبت ماري جيمي بغضب :
- كنت وعدّتني أن لا يراني احد ؟!
جيمي بخوف : آسف ! نسيت إقفال الباب
- لقد خنتني مثل عمي وخادمتي ، سأرحل للأبد !!
- لا يا ماري ، ارجوك لا تتركيني
- اذاً أشرب الدواء بسرعة ، لنرحل سوياً من هنا
وحين سمع خطواتٍ راكضة باتجاه غرفته ، أسرع بشرب الدواء .. ليشعر على الفور بآلامٍ حادة ، جعلته يتلوّى بسريره وهو يقول :
- انه مؤلم يا ماري ، كيف خدعتني هكذا ؟!
- ومن ماري ايها الصغير ؟
فنظر لمصدر الصوت ، ليرى شيطاناً ضخماً يقول له :
- لوّ كنت كبيراً لأخذت روحك المُنتحرة الى الجحيم ، لكنك صغير وسيسامحك الرب
جيمي بفزع : اين ماري ؟ .. اريد ماري !!
ثم بدأ جسمه ينتفض ، الى ان فارق الحياة ..
وحين وصل والداه واخوته ، وجدوه جثةً هامدة فوق سريره ..
فانهاروا بالبكاء فوق جثمانه..
بينما كانت روح جيمي تطفو فوقهم ، وهو متفاجىء من حزنهم عليه!
***
في يوم التأبين .. طفت روح جيمي فوقهم ، ليستمع باستغراب الى خطب اخوته الحزينة التي يصفون بها كرمه وطيبته وحنانه واهتمامه بإخوته الصغار وغيرها من صفاته الحميدة !
فصرخ جيمي معاتباً (دون ان يسمعوه) :
- لما لم تمدحوني في حياتي ؟ لما أشعرتموني بقلّة أهميتي ، واستخفّيتم بآرائي وافكاري ؟!!!!
صوت انثويّ : نعم هذا ذنبهم
فالتفت خلفه ، ليرى روح ماري هائمة قربه :
- ماري !
- آسفة .. هربت بعد ظهور الشيطان ، وهو من شجّعك على الإنتحار كما فعل معي سابقاً
جيمي بحزن : وماذا أفعل الآن ؟
- إمسك يدي ، سآخذك الى السماء لتعريفك بوالدايّ .. ثم نذهب لرؤية الكواكب ، وهذه المرة لن يكون حلماً
- هل سأتمكّن من السير فوقها وملامسة تربتها ؟
- نعم .. وسأنقلك للماضي لتشارك بالحروب ، او حتى لرؤية المستقبل
فنظر نظرة أخيرة الى اهله ، وهم منهارون بالبكاء اثناء تنزيل جثته في قبرٍ حفروه في حديقة القصر..
ماري : لا تقلق عليهم ، الحياة ستمضي وينسوك كما حصل معي .. هيا لننطلق الى الفضاء
فأمسك يدها واختفيا بالسماء
***
وهنا استيقظ جيمي في السيارة على صوت والده يقول لهم :
- هآقد وصلنا يا اولاد الى قصرنا الجديد !!
فقال جيمي بنفسه ، وهو يلتفت حوله بارتبك : (ماذا ! أكان مناماً ؟)
ثم توجه متردّداً الى داخل القصر ، بعكس اخوته الذين انطلقوا بحماس لاختيار غرفهم ..
وحين ارادوا رؤية العلّية ، أوقفهم جيمي بحزم :
- لا احد سيصعد الى فوق !!
- لماذا ؟
- لأن معلمتي أخبرتني بوجود جنّية تسكن العلّية إسمها ماري ، أحرقت القصر للإنتقام من عمها الذي استولى على ملكها .. وستنتقم من أيّ شخص يقترب من غرفتها الموجودة في الطابق العلويّ
وأخذ يخبرهم بقصصٍ مرعبة عنها ، جعلت اخوته الصغار يبكون فزعاً ..فحاولت امه إقناعه إنها إشاعات ، لكنه أصرّ وبقوة على عدم فتح غرفتها وتحرير روحها الشريرة ..
بالنهاية رضخ الوالدان لمخاوفه ، وقرّرا إقفال باب الأدراج الموصلة للعلّية .. بعد موافقة جيمي على مشاركة أخيه الأصغر غرفة نومه
***
بعد ايام .. وقبل ذهاب جيمي الى المدرسة ، توجه الى الحلاّق (ومعه ماله الذي جمعه من مصروفه) لقصّ شعره بشكلٍ عصريّ وجذّاب ، على عكس عادته .. والتي أعجبت كثيراً اصدقائه !
ليس هذا فحسب .. بل شارك بالصف بثقةٍ وحماس ، فاجأت معلّميه ! فهو بالعادة يبقى صامتاً ، رغم تفوقه بالإمتحانات الكتابية ..
كل هذا لتذكّره نصائح ماري (في منامه) أن يحب نفسه اولاً ، ليحبه من حوله
***
بعد عودته الى المنزل ، إستغربت عائلته من مظهره المختلف ! بل ايضاً طالب والديه بشراء ملابس تناسب شخصيته الجديدة
الأم : لكن لديك ملابس كثيرة
جيمي : جميعها ملابس اخوتي القديمة ، وانا اريد ملابس جديدة تناسب ذوقي .. سأذهب معك لاختيارها بنفسي
الأم باستغراب : حسناً ، كما تشاء !
***
وظلّ جيمي يتغير بشكلٍ مستمر للأفضل ، وبدأت نفسيته تتحسّن مع ازدياد اصدقائه بعد اشتراكه بنشاطات اخرى غير العلمية : كالرياضة والمسرح ، مما جعله محبوباً في مدرسته
وفي أحد الأيام ، تشاجر مع اخيه الأكبر .. وبدل ان يتصادم معه ، قال له بهدوء :
جيمي : لن أغضب منك ، لأنك بكيت كثيراً بعد موتي .. وقلت في خطبتك يوم تأبيني : عن اليوم الذي أنقذتك من المتنمّر ، بعد قذفي الكرة على وجهه اثناء عراكه معك .. لهذا أسامحك ، ولن أغضب منك مهما فعلت .. فأنت اخي الأكبر الذي أحبه ويحبني
وبعد دخوله غرفته ..
أخوه بدهشة : فقد جيمي عقله أخيراً !
***
قبل نهاية السنة .. تقدّم جيمي من والديه الجالسين في الصالة ، وهو يحمل ورقة عليها اسماء ثلاثة العاب ذكية ، قائلاً :
- اعلم انه لا وجود لبابا نويل .. لهذا سأطلب منكما ان تحضرا لي هذه الألعاب على العيد ، فهي ستنمّي مهاراتي العقلية .. تصبحا على خير
وبعد ذهابه ، قال الأب :
- لقد تغيّر كثيراً منذ انتقالنا الى هنا !
الأم : نعم لكن للأفضل .. فمديرته أخبرتني انه أوقف المتنمّرين عن ايذاء الضعفاء في مدرسته ، ليصبح محبوباً بين التلاميذ
- يبدو أن للقصر تأثيراً جيداً عليه
***
في صفّ جيمي .. جلست طالبة جديدة جميلة بجانبه ، بعد ان اختارته من بين الطلاّب ..
فابتسم لها ، وهو يقول بنفسه :
(كلامك صحيح يا ماري : فحين نحب أنفسنا تُحبنا الناس ، فهم يعاملونا بذات القيمة التي نعطيها لأنفسنا.. جيد انك أمتّني في المنام لأرى محبة اهلي وقيمتي عندهم ، لذلك لم أعد غاضباً منهم او من أيّ شخصٍ آخر)
وهنا وقفت فراشة زهرية على نافذة صفه (التي بجانبه)..
فتساءل في نفسه :
(ترى هل كانت ماري حقيقة ، ام مجرّد منام ؟! .. بجميع الأحوال : شكراً لك يا صديقتي ، يا أميرتي الصغيرة)
وظلّ مبتسماً وهو يراقب الفراشة الزهرية اثناء طيرانها ، الى ان اختفت في السماء !
مبدعة، في انتظار المزيد من القصص.
ردحذف