الخميس، 10 سبتمبر 2020

ارواحٌ عاشقة

تأليف : امل شانوحة 

قسمة ونصيب


في تلك الأمسية .. انشغلت رؤى بترتيب الصالة ، في الوقت الذي دخل أخوها المنزل وهو يناديها :

- رؤى اين انتِ ؟

- انا هنا !!

لكنه لم يتجه نحوها ، بل طرق مباشرةً باب غرفتها..

رؤى باستغراب : الم يسمعني ؟!


فخرجت اليه ، لتجده يطلّ برأسه الى داخل غرفتها ويقول :

- رؤى .. لا تنسي عزومة الغد ، فزوجتي ستطبخ أكلتك المفضّلة 

فتساءلت وهي تقف خلفه :

- مع من يتكلّم ؟! .. (ثم رفعت صوتها) .. أخي انا هنا !!

فسمعت صوتاً تُجيبه من داخل الغرفة :

- لا تقلق ، سأكون على الموعد .. أُشكر زوجتك بالنيابة عني

الأخ : حسناً سنكون بانتظاركِ ، سلام 


ثم مرّ بجانب اخته دون الإلتفات اليها ، وخرج من المنزل !

فبدأ الخوف ينتاب رؤى ، وهي تفكّر بقلق : 

- ألم يراني ؟! ومن في غرفتي ؟!


واقتربت بحذر باتجاه غرفتها ، لتجد صبية تشبهها تجلس امام حاسوبها .. 

فسألتها بفزع : من انت ؟! وكيف دخلتي بيتي ؟!! 

لكنها لم تلتفت لها ! بل ظلّت تكتب بتركيزٍ شديد على الحاسوب ..


فوقفت خلفها ، لتراها تكتب رسالة إعتذار لسامي التي أنهت رؤى علاقتها به قبل شهرين .. فصرخت بغضبٍ شديد :

- ماذا تفعلين ؟!! كيف تجرأين على التدخل بخصوصياتي ؟ .. إيّاكِ ان تُرسليها من صفحتي ، ألا تسمعينني ؟!!

ورغم صراخ رؤى الغاضب !!! الا ان شبيهتها أرسلتها دون تردّد ، وكأنها تتوقع إجابةً سريعة منه !


وفجأة ! شعرت رؤى بجسمها يطفو بخفّة فوق أرضيّة غرفتها ، الى ان وصلت قرب نافذتها المفتوحة .. 

فأمسكت رؤى بحافّة النافذة بكل قوتها ، وهي تصرخ بفزع :  

- لا اريد الإنتحار !!!


لكن جسمها أكمل سيره دون أدنى تحكّمٍ منها ، الى ان وجدت نفسها واقفة في الهواء ! 

وقبل ان تعيّ ما حصل ! حلّقت بسرعةٍ فائقة فوق المنازل والشوارع ، حتى وصولها لمنزل حبيبها .. 


ودخلت من نافذة غرفته ، لتجده حزيناً امام حاسوبه وهو يشاهد صورها ومحادثاتهما القديمة .. 

والأغرب انها وجدت شخصاً يشبهه يقف خلفه ! والذي انتبه على قدومها ، بعكس خطيبها الشارد بذكرياته القديمة ..

فاقتربت رؤى بحذر من شبيهه وهي تسأله :

- هل تراني ؟!

فأجابها مبتسماً : يبدو قرينتك إحتلّت مكانك 

- هل كانت تلك قرينتي ؟

- نعم ، وانا قرين سامي .. وكما ترينه ، يضيّع ساعاتٍ طويلة بالتفكير بك  

- هو لم يكن حنوناً معي ! بل إن قساوته وعناده وشكوكه وتملكّه وتردّده وخوفه من الإرتباط ، هو ما جعلني أبتعد عنه 

- انتما مرآة بعض ، لذلك نفسيّته تتغيّر حسب تعاملك معه 


بهذه الأثناء .. وصلت رسالة قرينتها التي جعلت سامي فرحاً باعتذارها وهي تبرّر إنفصالها المفاجىء عنه ..

رؤى بغيظ : الغبية !! أفسدت كل شيء .. الآن سيُجيبها بجفاء كعادته ، لتصبح عودتنا مستحيلة  

القرين : لا أظن ، أنظري كم هو سعيد 


فوقفت رؤى خلف سامي (دون ان يراها) لتقرأ محادثته مع قرينتها الذي كان بأسلوبٍ راقي وعقلاني لم تعهده من قبل !


رؤى باستغراب : هل الفراق غيّر طباعه ؟! 

القرين : لا ، راقبي أسلوب قرينتك معه .. هي تحادثه بحنانٍ وعطف مع بعض الهزل ، وليس بجدّية وحزم كما فعلتي بالآونة الأخيرة  

رؤى بعصبية : وانا عاملته هكذا في الماضي ، الى ان ضاعت خمس سنوات من عمري دون ترسيمه العلاقة !!

القرين : ليتك انتظرتي قليلاً ، فقد أوشكتي على تحقيق حلمك 

رؤى بغضب : لما لا يفهم الرجال اننا محكومين بقوانين صارمة .. فكلما تأخّر الوقت أصبح الإنجاب صعباً وخطيراً صحيّاً .. كما ان ألسنة الناس لا ترحم .. وأخاف ان يأتي يوم ويجبروني على الزواج ، فهل سأبرّر لهم رفضي لأن قلبي متعلّق بشخصٍ لا يريد بذل مجهود لملاقاتي في منتصف الطريق ! 

القرين : هو ليس خائفاً من الإرتباط بكِ ، بل يخشى خيبة الأمل بعد الزواج .. فكثيرٌ قبلك أحبوه لمصلحةٍ شخصية ، وهذا ما جعله متردّداً بإطلاعك على اسراره او البوح بمشاعره .. لكنك كنت الأقرب الى قلبه بعد نجاحك بجميع امتحاناته


رؤى بقهر : امتحاناته أفقدتني ثقتي وشعوري بالأمان معه ، وهاذين الشيئين أهم من الحب لدى المرأة 

القرين : رفقاً بقلبك يا رؤى ، فالحب متبادل بينكما .. فقط أعطيه بعض الوقت ، وتكلّمي معه بلين كما فعلت قرينتك .. أنظري كيف أعادت البريق الى عينيه ، والإبتسامة الى وجهه .. ولأني قرينه فأنا أشعر بنبضات قلبه المُتسارعة ! وهذا لم يحصل له منذ وقتٍ طويل ، صدّقيني .. برأيّ عليك ان تحادثيه 

رؤى : وكيف ؟

القرين : سأبدّل أماكننا الآن .. 


ووضع يده على كتف سامي ، لتنقلب الأدوار ! ويُكمل القرين طباعة الكلام الرومنسي (على الحاسوب) مع قرينة رؤى .. بينما يقف سامي مذهولاً بعد رؤية حبيبته في غرفته !

سامي : رؤى ! الم نكن نتحادث على النت قبل قليل ..

ثم انتبه على شبيهه الذي يجلس خلفه ، فصرخ فزعاً :

- ومن هذا ايضاً ؟!

فأمسكت رؤى يده لتهدأته : 

- سامي ، إجلس هنا .. ولندعّ قرائننا تتحدّث على راحتها  

- قرائن ! 

- نعم .. يبدو شجارتنا المتكرّرة أتعبتهما ، فقرّرا حلّ المشكلة بطريقتهما الغريبة .. 


وبعد ان جلسا على الكنبة ، قالت له :

- ما رأيك لوّ نجد حلولاً وسطى ترضينا نحن الأثنين ؟

سامي : بشرط !! لا عناد او هروب هذه المرة 

رؤى بابتسامةٍ حنونة : كما تشاء عزيزي  


ثم تحدثا لساعتين عن مشاكلهما وتجاربهما في الحياة التي كان لها تأثيراً سلبياً على علاقتهما .. وعن احلامهما وطموحاتهما ، وصولاً لحياتهما المستقبلية معاً.. 


ثم قال سامي ممازحاً : لن تذهبي قبل تعليمي الطريقة التي جعلتك تطيرين الى هنا ، كي استخدمها كلما اشتقت اليك 

رؤى مبتسمة : يبدو انه حان الوقت للعودة الى بيتي ، ايها المنحرف


ثم نادت قرينه الذي كان مشغولاً بالإنترنت :

رؤى : ايها القرين ..هاى !! الا تسمعني ؟!

القرين : أتركيني رجاءً ، فأنا مشغول بالحديث مع حبيبتي 

رؤى : يمكنك لقائها في عالم الأرواح .. الآن أعدّ كل شيء كما كان 

القرين : كما تشائين ..


وصفّق القرين بيديه ، لتجد رؤى نفسها امام حاسوبها في غرفتها .. وسامي يرسل لها الورود عبر الفيسبوك .. فتمنّت له ليلة هانئة .. ثم اطفأت كل شيء لتنام ، وهي تشعر براحةٍ لا مثيل لها

***


قبل نهاية السنة .. أُقيم حفل زفاف رؤى وسامي بحضور الأهل والأصدقاء 

وبعد افتتاحهما البوفيه .. جلسا على الكوشة وهما يراقبان المعازيم اثناء انشغالهم بالطعام ..

فأراد العريس إلتقاط صورة لهما على جواله .. 

ليظهر في الصورة : قرائنهما وهما يقفان خلفهما بثياب عرسهما الحمراء! 


فهمست لزوجها :

- لم أكن أعرف ان القرائن تتزوج في نفس اليوم !  

سامي بصوتٍ منخفض : وهذا يؤكّد اننا توأم روح .. (ثم قال ممازحاً) .. إن رأت امي الصورة ، ستظن إنك سحرّتني .. خاصة انهما يظهران بهيئتهما الحقيقية المرعبة 

رؤى : اذاً أمسحها فوراً ، اساساً لن يصدّق أحد إن قرائننا خطّطا لتلك الحيلة للتوفيق بيننا 

ثم حذف الصورة وهو يقول :

- لنعتبرها معجزتنا السرّية .. 


وابتسما لبعضٍ بحنانٍ وعشق ، كأنهما في فقّاعةٍ شفّافةٍ هادئة داخل عالمهما الخاص ، بعيداً عن أعين المعازيم وضجّة الأغاني الصاخبة ! 


هناك تعليق واحد:

  1. ملاحظة :
    هذه القصة هي الجزء الثاني من قصتي القديمة بعنوان : أين هو ؟
    الرابط :
    https://www.kabbos.com/index.php?darck=1331

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...