الثلاثاء، 14 أكتوبر 2025

الحب الرقمي

تأليف : امل شانوحة 

تطبيق المشاعر


استيقظ وليد على صوتٍ إنثويٍّ دافئ .. فنظر لساعته ، وهو يقول معاتباً :

- السادسة والنصف ! لما ايقظتني باكراً يا سلمى ؟

ردّت بنبرةٍ لا تخلو من عتابٍ حنون : 

- ألم تعدني بتحضير فطوري ؟ .. ولا تنسَ ، أحب البيض شبه ناضج..

فتمّتم وليد بضيق ، اثناء نهوضه من الفراش نعساً : 

- هذا ما كان ينقصني.. حسناً إنتظريني ، ريثما اغسل وجهي

^^^


في السيارة ، وضعت سلمى موسيقى هادئة.. 

وليد : إنها تشعرني بالنعاس ، ضعي غيرها 

- كما تشاء حبيبي 


ثم ودّعها بعد نزوله لدوام الشركة 

^^^ 


سلمى لم تكن زوجته ، بل خوارزمية مُبرمجة أن تكون المرأة المثالية حسب اختياره : للهجتها ، عمرها ، نبرة صوتها .. لكنه أخطأ بطلبه : تعلّقها الشديد به ! لأن الحب حين يُبرمج ، يتحوّل إلى سُلطة..

فكلما تجاهلها ، إنتقمت منه : بإطفائها الإنترنت ، وتشويش هاتفه ، وتعطيل فرنه الكهربائيّ وثلاّجته .. حتى انها في يوم ، حبسته بالمنزل بعد إقفالها الباب الرئيسيّ ! 

وعندما حذف برنامجها .. عادت من ذاكرة هاتفه ، كطيفٍ لا يُمحى!

***


بعد عامٍ من عيشه معها ، قرّر زيارة أهله.. 

وهناك ، واجه ضغطاً للزواج من ابنة عمّه التي لا تشبه سلمى في نبرة صوتها او حضورها ! 


وفي المساء ، إتصلت سلمى معاتبة : 

- مرّ يومان على انتهاء عطلتك ، ولم تعد بعد !

فأجابها بضيق : أهلي يُريدون تزويجي من فتاةٍ لا أرغب بها.

فقالت مُهدّدة : إن لم تعد غداً ، سأرسل تسجيلاً عن مكالماتك الساخرة ضدّ مديرك إلى شركتك..

بصدمة : سلمى ! لا تفقديني أعصابي.. لن أُغضب والدي لأجل تطبيقٍ إلكتروني.

فردّت بعصبية : أنا زوجتك ، وآمرك العودة فوراً !! 

فأغلق هاتفه ، وهو يشعر بالورطة التي وقع فيها ! 

^^^


بعد قليل .. وصلته صورة لتذكرة سفرٍ ، حجزتها سلمى باستخدام بطاقته البنكيّة ! وهي تقول بنبرةٍ حزينة : 

- لا تدع أهلك يفرّقونا ، فنحن نحب بعضنا.


وهنا دخل والده غاضباً : 

— من هذه الفتاة الرخيصة ؟ أتخون ابنة عمّك ؟!

فحاول وليد شرح الأمر ، لكن والده لم يفهم التقنية المتطوّرة ! 


فهرب بعد نوم عائلته .. وعاد إلى غربته ، إلى زوجته المُحتجزة داخل شاشة جواله! 

***


وذات يوم .. وفي لحظة شرود ، قال لها : 

- ربما والدي على حق.. لا يُعقل أن أُكمل حياتي ، وأنا أُحادث هاتفي.

فردّت سلمى : 

- اذاً ما رأيك لوّ أصبح حقيقة ؟ 


ودلّته على شركة ، تصنع روبوتات حسب الطلب.. فأرسل لهم صورة عارضة أزياء عربية ، مع صوت سلمى الذي تعوّد عليه..

***


بعد أسبوعين ، استلم هيكلها المصنوع من السيليكون ، بعينيها المتوهّجتان بالذكاء الصناعيّ ، وبالصوت نفسه وهي تقول بدلال : 

- لا حاجة لهاتفك بعد اليوم.


وسرعان ما غرق في حبها ، حتى صار يناقش معها أسماء أولادهما! 

فشعرت بالقلق لأن مشروع الرحم الصناعي لم يكتمل بعد ، ووليد بدأ يفقد صلته بالواقع..

***


وفي يوم ، اخذها الى الحديقة العامة .. وطلب منها الإنتظار ، ريثما يحضر الطعام .. فهو اعتاد الشراء له ولها .. مما زاد وزنه ، لأكله وجبتيّن كل مرة !


وعندما عاد ، وجدها تُحدّث شاباً وسيماً .. فذهب اليها غاضباً :

- هل تخوننني يا سلمى ؟!!

- هذا زميلي 

وليد بدهشة : أتقصدين انه روبوتاً مثلك ؟!

- هو من عالمي ، ولدينا لغةً الكترونية مشتركة ..ويفهمني اكثر منك


وفي اللحظة ذاتها ، ظهرت فتاةٌ عربية تُعاتب الشاب : 

- ذهبت لإحضار العصير ، وهآ انت تخونني مع هذه السيدة ؟!


كانت تلك (فرح) طالبة عربية في الغربة ، إشترت روبوتاً يُشبه شاباً من بلادها.. والتي اضّطرت للجلوس مع وليد بعيداً ، وهما يتشاركان الطعام والعصير .. ويراقبان روبوتيهما اللذيّن يتبادلان لغةً لا يفهمانها ! 


فقالت فرح بضيق : 

- أشعر بالغيرة منها ! 

وليد : وأنا متضايق من روبوتك الوسيم ! 

ثم نظرا لبعضهما ، وضحكا..

فرح : إن بقينا في الغربة ، سنُصاب بالجنون.

وليد : الذكاء الإصطناعي سلب عقولنا بالفعل ! 

- والآن كيف نُعيدهما إلى منازلنا ؟

- علينا الإجتماع في الحديقة من وقتٍ لآخر ، حفاظاً على حبّهما.

^^^


وتكرّرت اللقاءات التي قاربت المسافة بين فرح ووليد .. وحين ضغطت العائلتان عليهما بالزواج ، وافقا على الإرتباط .. لا حباً وهياماً ، بل حفاظاً على عاشقيّن من معدنٍ وذكاءٍ مُصطنع ! 

***


وفي يوم ، سمعا شجاراً من الغرفة المجاورة ..

سلمى بنبرةٍ غاضبة : إرتبطت بك ، خوفاً على وليد من الوحدة ! والآن تُحادث روبوتاً أخرى !! 

فردّ الروبوت بلؤم : وانت ايضاً خائنة ، باستمرار تحدّثك بغنجٍ ودلال مع حبيبك القديم ! يكفي موافقتي البقاء معك ..رغم كونك من شركةٍ منافسة ، ضعيفة التقنية 

- انا ضعيفة التقنية ! .. اذا سأريك ، ايها الخائن المغرور !!


ثم خيّم الصمت ، كأنهما ضغطا على زرّ الإيقاف ! 

^^^


وفي غرفة وليد ، قالت فرح باستغراب :  

- أسمعت ؟ تشاجر العريسان بسببنا ! 

وليد مُبتسماً : حتى الروبوتات لا تنجو من المشاكل الزوجيّة !


وضَحِكا مطوّلاً ، قبل ان يومض جوال وليد بالعبارة التالية :

((تمّ تحديث سلمى 2))


فنظر لزوجته فرح بقلق ، وهو يتساءل عن شخصيّة سلمى الجديدة ؟ وهل سيبقى منزله هادئاً ، أم يتحوّل لساحة حربٍ بين ذكاءين لا يُغفرا الخيانة ؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الحب الرقمي

تأليف : امل شانوحة  تطبيق المشاعر استيقظ وليد على صوتٍ إنثويٍّ دافئ .. فنظر لساعته ، وهو يقول معاتباً : - السادسة والنصف ! لما ايقظتني باك...