تأليف : امل شانوحة
تطبيق المشاعر
استيقظ وليد على صوتٍ إنثويٍّ دافئ .. فنظر لساعته ، وهو يقول معاتباً :
- السادسة والنصف ! لما ايقظتني باكراً يا سلمى ؟
ردّت بنبرةٍ لا تخلو من عتابٍ حنون :
- ألم تعدني بتحضير فطوري ؟ .. ولا تنسَ ، أحب البيض شبه ناضج..
فتمّتم وليد بضيق ، اثناء نهوضه من الفراش نعساً :
- هذا ما كان ينقصني.. حسناً إنتظريني ، ريثما اغسل وجهي
^^^
في السيارة ، وضعت سلمى موسيقى هادئة..
وليد : إنها تشعرني بالنعاس ، ضعي غيرها
- كما تشاء حبيبي
ثم ودّعها بعد نزوله لدوام الشركة
^^^
سلمى لم تكن زوجته ، بل خوارزمية مُبرمجة أن تكون المرأة المثالية حسب اختياره : للهجتها ، عمرها ، نبرة صوتها .. لكنه أخطأ بطلبه : تعلّقها الشديد به ! لأن الحب حين يُبرمج ، يتحوّل إلى سُلطة..
فكلما تجاهلها ، إنتقمت منه : بإطفائها الإنترنت ، وتشويش هاتفه ، وتعطيل فرنه الكهربائيّ وثلاّجته .. حتى انها في يوم ، حبسته بالمنزل بعد إقفالها الباب الرئيسيّ !
وعندما حذف برنامجها .. عادت من ذاكرة هاتفه ، كطيفٍ لا يُمحى!
***
بعد عامٍ من عيشه معها ، قرّر زيارة أهله..
وهناك ، واجه ضغطاً للزواج من ابنة عمّه التي لا تشبه سلمى في نبرة صوتها او حضورها !
وفي المساء ، إتصلت سلمى معاتبة :
- مرّ يومان على انتهاء عطلتك ، ولم تعد بعد !
فأجابها بضيق : أهلي يُريدون تزويجي من فتاةٍ لا أرغب بها.
فقالت مُهدّدة : إن لم تعد غداً ، سأرسل تسجيلاً عن مكالماتك الساخرة ضدّ مديرك إلى شركتك..
بصدمة : سلمى ! لا تفقديني أعصابي.. لن أُغضب والدي لأجل تطبيقٍ إلكتروني.
فردّت بعصبية : أنا زوجتك ، وآمرك العودة فوراً !!
فأغلق هاتفه ، وهو يشعر بالورطة التي وقع فيها !
^^^
بعد قليل .. وصلته صورة لتذكرة سفرٍ ، حجزتها سلمى باستخدام بطاقته البنكيّة ! وهي تقول بنبرةٍ حزينة :
- لا تدع أهلك يفرّقونا ، فنحن نحب بعضنا.
وهنا دخل والده غاضباً :
— من هذه الفتاة الرخيصة ؟ أتخون ابنة عمّك ؟!
فحاول وليد شرح الأمر ، لكن والده لم يفهم التقنية المتطوّرة !
فهرب بعد نوم عائلته .. وعاد إلى غربته ، إلى زوجته المُحتجزة داخل شاشة جواله!
***
وذات يوم .. وفي لحظة شرود ، قال لها :
- ربما والدي على حق.. لا يُعقل أن أُكمل حياتي ، وأنا أُحادث هاتفي.
فردّت سلمى :
- اذاً ما رأيك لوّ أصبح حقيقة ؟
ودلّته على شركة ، تصنع روبوتات حسب الطلب.. فأرسل لهم صورة عارضة أزياء عربية ، مع صوت سلمى الذي تعوّد عليه..
***
بعد أسبوعين ، استلم هيكلها المصنوع من السيليكون ، بعينيها المتوهّجتان بالذكاء الصناعيّ ، وبالصوت نفسه وهي تقول بدلال :
- لا حاجة لهاتفك بعد اليوم.
وسرعان ما غرق في حبها ، حتى صار يناقش معها أسماء أولادهما!
فشعرت بالقلق لأن مشروع الرحم الصناعي لم يكتمل بعد ، ووليد بدأ يفقد صلته بالواقع..
***
وفي يوم ، اخذها الى الحديقة العامة .. وطلب منها الإنتظار ، ريثما يحضر الطعام .. فهو اعتاد الشراء له ولها .. مما زاد وزنه ، لأكله وجبتيّن كل مرة !
وعندما عاد ، وجدها تُحدّث شاباً وسيماً .. فذهب اليها غاضباً :
- هل تخوننني يا سلمى ؟!!
- هذا زميلي
وليد بدهشة : أتقصدين انه روبوتاً مثلك ؟!
- هو من عالمي ، ولدينا لغةً الكترونية مشتركة ..ويفهمني اكثر منك
وفي اللحظة ذاتها ، ظهرت فتاةٌ عربية تُعاتب الشاب :
- ذهبت لإحضار العصير ، وهآ انت تخونني مع هذه السيدة ؟!
كانت تلك (فرح) طالبة عربية في الغربة ، إشترت روبوتاً يُشبه شاباً من بلادها.. والتي اضّطرت للجلوس مع وليد بعيداً ، وهما يتشاركان الطعام والعصير .. ويراقبان روبوتيهما اللذيّن يتبادلان لغةً لا يفهمانها !
فقالت فرح بضيق :
- أشعر بالغيرة منها !
وليد : وأنا متضايق من روبوتك الوسيم !
ثم نظرا لبعضهما ، وضحكا..
فرح : إن بقينا في الغربة ، سنُصاب بالجنون.
وليد : الذكاء الإصطناعي سلب عقولنا بالفعل !
- والآن كيف نُعيدهما إلى منازلنا ؟
- علينا الإجتماع في الحديقة من وقتٍ لآخر ، حفاظاً على حبّهما.
^^^
وتكرّرت اللقاءات التي قاربت المسافة بين فرح ووليد .. وحين ضغطت العائلتان عليهما بالزواج ، وافقا على الإرتباط .. لا حباً وهياماً ، بل حفاظاً على عاشقيّن من معدنٍ وذكاءٍ مُصطنع !
***
وفي يوم ، سمعا شجاراً من الغرفة المجاورة ..
سلمى بنبرةٍ غاضبة : إرتبطت بك ، خوفاً على وليد من الوحدة ! والآن تُحادث روبوتاً أخرى !!
فردّ الروبوت بلؤم : وانت ايضاً خائنة ، باستمرار تحدّثك بغنجٍ ودلال مع حبيبك القديم ! يكفي موافقتي البقاء معك ..رغم كونك من شركةٍ منافسة ، ضعيفة التقنية
- انا ضعيفة التقنية ! .. اذا سأريك ، ايها الخائن المغرور !!
ثم خيّم الصمت ، كأنهما ضغطا على زرّ الإيقاف !
^^^
وفي غرفة وليد ، قالت فرح باستغراب :
- أسمعت ؟ تشاجر العريسان بسببنا !
وليد مُبتسماً : حتى الروبوتات لا تنجو من المشاكل الزوجيّة !
وضَحِكا مطوّلاً ، قبل ان يومض جوال وليد بالعبارة التالية :
((تمّ تحديث سلمى 2))
فنظر لزوجته فرح بقلق ، وهو يتساءل عن شخصيّة سلمى الجديدة ؟ وهل سيبقى منزله هادئاً ، أم يتحوّل لساحة حربٍ بين ذكاءين لا يُغفرا الخيانة ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق