الأحد، 28 يوليو 2024

مصعد المحبة

كتابة : امل شانوحة 

 

الفارق الإجتماعي


كان القهوجي (الموظف الستيني) في طريقه للطابق العلويّ بالشركة ، لأخذ طلبات موظفي الإدارة ، عندما صعدت معه المديرة الجديدة (بنهاية الخمسينيات) التي لم  يطقها احد منذ استلامها الشركة قبل عام..

وكانت المرة الأولى التي يلتقي بها ، فهي لديها سكرتيرتها المُختصّة بمشروبات الضيافة.. ولم تمضي دقيقة ، حتى علقا بالمصعد بعد تعطّله المفاجئ !


وفور إنطفاء انوار المصعد ، صرخت بعلوّ صوتها فزعة :

- إفتحوا الباب !! .. إفتحوه الآن !!!

فحاول الرجل تهدأتها : 

- سيدتي ! بضعة ثواني وتضيء انوار الطوارىء


وبالفعل أُضيء نورٌ خافت بسقف المصعد .. لكن هذا لم يُهدّئها ، بعد إنهيارها على الأرض باكية :

- رجاءً إفتحوا الباب !! لديّ رهاب من الأماكن المُغلقة

الرجل : سيدتي ! اهدأي قليلاً

فأمسكت يده ، وهي ترتعش خوفاً :

- حاول إصلاح العطل ، رجاءً !!

وقد فاجأته بتصرّفها ، فهي معروفة بغرورها وغطرستها على بقيّة الموظفين !


فضغط على زرّ بالمصعد ، مُتحدّثاً مع مسؤول المصاعد الذي وعدهما بإرسال فنيّ لإصلاح العطل بالحال


في هذه الأثناء .. حاول الساعي تهدئة المديرة المنهارة ، والتي تمّتمت بأحداثٍ من ماضيها ، كانت السبب بخوفها الحاليّ !

- كلّه من ذلك اللعين !! جعلني اكره الدراسة ، بسبب غرفة الفئران القذرة

الرجل باهتمام : عمّن تتحدثين ؟!

فنظرت اليه ، بعد جلوسه بجانبها :

- مدير مدرستي المُختلطة بالمرحلة الإبتدائية .. كان دائماً يُهدّدنا بغرفة الفئران ..وفي يوم تحدّيته ، فرماني فيها .. والتي بالحقيقة كانت غرفة ادوات التنظيف لخادم المدرسة ، بإنارتها المعطّلة ذلك اليوم .. وتركني هناك طوال النهار.. ولسوء حظي علقت مع فأرةٍ صغيرة ! ولم يسمع احد صراخي لساعات ، بعد ان نساني هناك.. ولم يتذكّرني إلاّ بعد قدوم والدي لأخذي بنهاية الدوام.. وكان هذا سبباً في طرده ..

الرجل : هو استحق ذلك ، فقد سبّب لك رِهاباً مُزمناً

- نعم ، الأماكن الضيّقة تصيبني بالهلع

- غريب ان مديرك يُشبه مديري ! فهو ايضاً طُرد لعقابه إحدى الطالبات.. بأيّ مدرسة تعلّمتي ، سيدتي ؟


وللصدفة الغريبة كانا بنفس المدرسة الإبتدائية بإحدى القرى الشعبيّة : هو بالصف السادس ، وهي بالصف الثالث !

وما ان عرفا انهما من نفس القرية ، حتى تبادلا الأحاديث عن اهم الشخصيات المشهورة بزمانهما : كرئيس بلديّتهما المعروف بسمنته المُفرطة .. والعجوز الفضوليّة التي تدخلت بشؤون معظم الجيران ! والشاب الوسيم : فاتن الصبايا والمراهقات .. والعروس التي توفيّت بطلقٍ ناريّ يوم عرسها ..واحداثٌ كثيرة أُشتهرت بقريتهما في فترة طفولتهما ومراهقتهما .. كما علمت انه صديق اخوها الكبير، وانها التقت به عدة مرّات في منزلهم.. وانه لاعبها بالأرجوحة ، وتحدّاها بتسلّق الأشجار ! بل الأغرب انه كان حبها الأول الطفوليّ ، دون أن تبحّ له بذلك.. 


وتابعت الإستماع له ، وهو يستذكر ماضيه بقهر :

- كنت من الأوائل في مدرستي .. وقبل تخرّجي من المتوسطة ، توفيّ والدي .. وكان عليّ إستلام قهوته ، للصرف على امي واخوتي البنات .. بعدها بسنوات ، توظّفت بهذه الشركة ..وأصبحت ساعي الموظفين

السيدة : اما انا ، فسافرت مع اهلي للخارج ..ودرست الإدارة العامة ، وعدّت لاستلام اهم شركة بالبلد

- سبحان الله ! درسنا في نفس المدرسة الإبتدائية .. وكنتِ انتِ المشاغبة الصغيرة ، وانا من المتفوّقين فيها.. لكن الدنيا غيّرت مصيرنا ، وأصبحت قهوجي بسيط في شركتك !

- لا تحزن ، سأرفع راتبك

الرجل : لا اريد زودة لا استحقها

- بل استحقيّتها ، بعد تهدأتك روعي .. لا أدري ماذا سيحصل لي ، لوّ علقت مع شخصٍ آخر.. اكيد سيستغلّ ضعفي ، للضغط عليّ لاحقاً

- لا تقلقي سيدتي ، لن يعلم احد بما حصل في المصعد ..فأنت ابنة قريّتي ، واخت صديقي القديم


وبعد خروجهما من المصعد .. صافحته شاكرة ، وعاد كلاهما الى عمله

***


لكن مع مرور الأيام .. بدأ يتقرّب الساعي منها ، بإحضاره بعض الهدايا البسيطة : كالأطعمة المميّزة بقريتهما .. ورغم شوقها لتذوّقهم ، إلاّ انها لم ترغب بمعرفة احد نشأتها في قريةٍ شعبيّة ، فالجميع يعرف انها مُغتربة .. لهذا تضايقت من قدومه المتواصل الى مكتبها ، امام موظفيها الذين يحسبون لها الف حساب

***


وبعد شهرين ، إتهمه المحاسب بسرقة المال من خزنة رواتب الموظفين ! 

فأسرع الساعي الى مكتبها وهو يترجّاها بتخليصه من المصيبة ، فهو لم يسرق بحياته.. 

المديرة : حسناً اهدأ ..سأردّ لك جميل المصعد ، وأخلّصك من هذا الإتهام ..لكن بشرط !!

الساعي : ماذا ؟!

- ان تنقل عملك لشركةٍ اخرى

فسألها بصدمة : أتطرديني من شركتك ؟!

- بل أحميك من نظرات الموظفين ، بعد الفضيحة الشنيعة .. والأفضل ان تعمل بشركةٍ بعيدة عن هنا.. وسأعطيك تعويضك مُضاعفاً..

مقاطعاً بعصبية : لا اريد حسنة منك !! فقط أعطني تعويضي كاملاً

- كما تشاء

فقال بحزن : سأنزل الى مكتبي ، لأرتّب اعراضي

^^^


بنهاية الدوام .. راقبته من نافذة مكتبها الفخم ، وهو يخرج مقهوراً من الشركة ..حاملاً صندوق اغراضه ، بعد استقالته الجبريّة .. دون علمه باتفاق المديرة مع المحاسب على اتهامه ظلماً ، لطرده بعد تعلّقه بها ! عقب خطئه بالإفصاح عن مشاعره نحوها ، كونها امرأة عانس وهو ارمل .. فهي لن تتغاضى عن الفارق الإجتماعي بينهما ، رغم نشأتهما في البيئة ذاتها !


وبعد ذهابه بسيارة الأجرة ، أغلقت ستارة مكتبها بحزن :

- انا ايضاً احببتك منذ طفولتي ، لكن لا يمكنني تجاهل كلام الناس.. سامحني رجاءً ..

ومسحت دمعتها ، لتعود لأعمال مكتبها الروتينيّة المُملّة !


هناك 6 تعليقات:

  1. قرأت بالإنترنت : ماذا لوّ علقت بالمصعد مع مديرك الذي تكرهه ؟
    فخطرت ببالي هذه القصة .. اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. صار كل ابطالك قساه كالحجر ..او مجرمين وقتله ..لااااا ماعدت اتحمل ..ذهبت بالامس للحكيم في الشفخانه ..فكتب لي jaqlinase
    500 مجم كل 6 ساعات ..واخبرني ان انام على الجنب اللي بيريحني ..وحذرني كثيرا منك ومن ابطالك ..على فكره بقى ..
    وانني لاطالب بتعويض بسيط ..
    يعني فقط نعامة مشويه ..بالمضيفات التركيه محشيه 😍 ..
    مع السلاطات والمخللات والطحينات ..
    وزجاجة فيروز مثلجه اذا امكن بالله عليكم ..
    والحساب عندك اي امل ..
    لا تحلفي ..والله ماهي راجعه ..

    ردحذف
    الردود
    1. والله من قائمتك الطويلة ، لا يمكنني إهدائك سوى زجاجة العصير الباردة .. اما البقية ، فستظل في قائمة احلامك

      حذف
  3. ✍️ساهر ...

    {وفي السماء رزقكم وماتوعدون}
    والله ياناس عجيب أمر هذه الآية منذ
    أن قرأتها وتدبرت المعنى والمضمون،

    المال رزق والحب رزق والزواج رزق والبنون رزق، وكذلك الطعام والشراب والصحة والعافية كلها أرزاق، ولكنها
    قَدَرِيَة بيد رب العالمين تماماً كالحياة
    والموت بمشيئة الله ليس للإنسان يد
    فيها قد كُتِبَت ونحن أجنةً في بطون أُمهاتنا..
    الوحي جبريل عليه السلام أتى إلى
    النبي ﷺ فقال له يا محمد إن عائشة
    زوجتك، فوضع الله حب أُم المؤمنين
    عائشة في قلب الرسول ووضع حب الرسول في قلب أُمنا عائشة..
    ومن وجهة نظري وبفكري المتواضع
    أنها رسالة من الله لكل البشر بأن أمرالزواج قَدَر من أقدار رب العباد..

    أحياناً نسمع بفتاة ذات حسن وجمال
    يتهافت عليها الخطاب فترفضهم،
    ثم بطيب خاطر تقبل بالزواج من رجل يكبرها سناً مع فااااارق العمر !!

    ناس تبحث عن الحب وماتلقى..
    وناس جاهم الحب لين عندهم

    والله ياناس عجيب أمر هذه الآية
    {وفي السماء رزقكم وماتوعدون}

    علمتني الحياة:
    أن من أراد أن يتعلم دروس من واقع
    الحياة ويعرف معنى الحكمة.. فاليقرأ مدونة الأخت والصديقة والأستاذة الرااائعة أمل شانوحة،

    تحياتي/ ساهر ،،،

    ردحذف
    الردود
    1. ✍️ساهر...
      أهلاً مجدداً أخت أمل..
      أنتِ أجبتِ بنفسك أن إطلاعك وسعيك ومتابعتك بإستمرار للقصص إجتماعية وثقافية الواقعية إستطعتي التعمق وأكسبتكِ خيراً..

      الأرزاق مكتوبة وبالنسبة لي أنا تعلمتها في الصف الثالث إبتدائي في المدرسة وأيضاً في حلقات تحفيظ القرآن الكريم حفظتها في تلك الحقبة الزمنية عندما كنت طفلاً(الإيمان بالقدر خيره وشره)
      ولكن نحتاج تردد سماعها من حين لآخر نذكر بيناتنا البعض دائماً حتى لانحزن على مافات ونؤمن بما سيأتي ونستبشر بما هو قادم،
      السحر حق، لكن أرىٰ أن الحسد متخفي كأفعى أو عقرب في جحور بعض النفوس المريضة مندسين يبثون سمومهم وبالكاد
      أن نسمع لهم همساً أو نشعر بهم.. يتبسمون أمامنا يعيشون بيننا،
      لهم ملامح وتصرفات لاتوحي بخبثهم، وللأسف هم من الأقربين لم نتوقع منهم أذى إستغلوا ثقتنا.. إعتقدوا أن حسن النوايا غباء!! حظوا بالإحترام والحب، يحسدون مع سبق الإصرار والترصد ،
      ولكن سنة الله في عباده يسلط عليهم من طينتهم وبنفس سواتهم وإن طالت السنين يخرجهم الله من جحورهم وينكشف أمرهم أذلاَّء صاغرين ليس لهم حظ ولا نصيب من الدنيا،
      حمانا الله منهم اجمعين،

      تحياتي/ ساهر ،،،

      حذف
    2. فعلاً ليس هناك اسوء من القريب الحقود الحسود .. احسنت التعبير مجدداً ، اخ ساهر .. تحياتي لك

      حذف

الحبل المعقود

تأليف : امل شانوحة  القدر المكتوب ما ان دخلت العيادة حتى شعرت بشيءٍ غريب نحو الطبيب الوسيم ، ذوّ الكاريزما القوية والنظرة الثاقبة .. وهو يجل...