الخميس، 4 يناير 2024

الحِوار الأخير

تأليف : امل شانوحة

 

ذنوب الماضي


في ليلةٍ ماطرة على طريقٍ جبليّ ، تسارعت سيارة الشاب فوق شارعٍ زلِق خالي من السيارات خلال عاصفةٍ رعديّة .. ورغم علمه بأن القيادة بهذه الظروف الصعبة فيها خطرٌ على حياته ، لكنه لم يتحمّل خبر نقل امه الى الطوارىء ! ولم يشعر بالرعب إلاّ بعد تعطّل المكابح الذي زادت من نبضات قلبه ، ولسانه الذي يلهج بالدعاء.. وعرقه الذي تصبّب ، تناغماً مع دموع عينيه الخائفتين على امه في المستشفى ، وزوجته وطفلته الذي تركهما في بيت الجبل ، بعد شعوره أنها رحلته الأخيرة مع القدر !


وحينما رأى الشجرة الكبيرة على حافّة المنعطف الجبليّ من بعيد ، إرتعدت مفاصله بعد تلويح شخصٍ يُشبهه هناك ! 


وفجأة عمّ الظلام ، مع ارتفاع صوت الإرتطام المخيف لمقدّمة سيارته التي انغرزت بجذع الشجرة الضخمة التي منعته من الإنحدار نحوّ الوادي السحيق


وبصعوبةٍ بالغة فتح عينيه ، ليجد نفسه جالساً تحت الشجرة ! برفقة شبيهه الذي مدّ يده نحوه ، وهو يقول :

- لنتشارك سيجارتنا الأخيرة ، فهي تساعد على التقاط انفاسك من أثر الصدمة

فسأله برعب : من انت ؟!

- قرينك الذي سيصبح عاطلاً عن العمل بعد دقائق ، لحين لقائنا مجدّداً يوم القيامة


فأمسك الشاب بيده الدامية السيجارة المُشتعلة ، ودخّن بأنفاسٍ مُنقطعة وهو يراقب سيارته التي أصبحت كومة حديد ، بعد ارتطامها بالشجرة التي خسرت معظم اغصانها من الحادث المروّع!

وتنهّد بضيق :

- ماذا الآن ؟!

القرين : إلى أن يتوقف قلبك وعقلك نهائيّاً ، سأبقى بجوارك لحين إنتقال روحك مع ملك الموت .. والى ذلك الوقت ، سنتشارك ذكرياتنا معاً


وصار يذكّره بطفولته المشاغبة ..وجميع المقالب والأعمال الشريرة التي كانت من أفكار القرين ، التي انتهت بعقابات متعدّدة للشاب من والديّه ومعلميه في المدرسة

الشاب بقهر : الجميع اتهمني بأنني ولدٌ مشاغب ، مع اني نفّذت خططك الشريرة

القرين : انا لم أفعل شيء سوى الوسّوسة .. وطالما أطعتني ، فستعاقب على ذنبك وحدك


ثم ذكّره بهروبه المتكرّر من المدرسة ، ومشاغبته بالفصل ، وتنمّره على زميله ضعيف الشخصيّة.. عدا عن معاندته لوالديّه ، وإثارة المشاكل بين الأقارب بنقل النميمة بينهم..الى ان وصل لسن المراهقة : وتدخينه السجائر ، وتركه الثانويّة وتسكّعه بالطرقات.. 


ثم سرد مطوّلاً تفاصيل اكبر ذنوبه بعد خداعه لمراهقةٍ بريئة أحبته بجنون ، والذي تسلّى بها عقب إيهامها بالزواج ! ليصدمها بخطبته لزوجته الحاليّة بالطريقة التقليديّة .. وتخلّيه عن حبه الأول التي انتحرت خوفاً من عائلتها.. بينما أخفى موضوعها عن زوجته التي أنجب منها طفلته الوحيدة التي ربّاها على الأخلاق والفضيلة ، رغم مطاردة شبح حبيبته في كوابيسه لسنواتٍ عدّة !


وفجأة ! ظهرت روح المراهقة المخدوعة وهي تجلس بجواره ، مُراقبةً الوادي بعينيها الشاحبتين..

الشاب بصدمة : ألستِ ميتة ؟!

فردّت بنبرةٍ غاضبة : بل قلّ مقتولة ، بعد ان سحبت روحي من جسدي.. ولكونك تحتضر ، سمحوا لي بلقائك ايها الوغد !!

الشاب بندم : ارجوك سامحيني ، فهو من وسّوس لي بالتلاعب بمشاعرك الصادقة


وأشار لقرينه الذي رفع يديه مستسلماً ، قائلاً للصبيّة :

- انا لم اقترح عليه تركك.. بالعكس !! كنت سعيداً بذنوبكما معاً.. لكنه تخلّى عنك وتزوّج بأخرى بخطوةٍ جريئة ، صدمتني ايضاً !

الشاب : ارجوك سامحيني ، حبيبتي

الصبيّة بغضب : الآن اصبحت حبيبتك ! مُحال ان اسامحك ، فبسببك أُعذّب بالنار منذ فترةٍ طويلة لعلاقتي المُحرّمة معك ، ولجوئي للإنتحار.. لهذا رغبت برؤية ملك الموت وهو يسحب روحك الخبيثة للجحيم !!

الشاب : صدّقيني ، تغيّرت مباشرةً بعد وفاتك .. ووقفت امام قبرك ، وأن أعدّ ربي بتحسين تصرّفاتي .. وبالفعل أصبحت زوجاً مُخلصاً وأباً حنوناً .. وتوظّفت بالحلال وأرضيّت اهلي ، بعد اعتنائي بأبي المرحوم طوال مرضه.. كما نويّت الإهتمام بأمي التي تحتضر الآن


فظهر صوت من خلف الشجرة : مُتّ قبل قليل

الشاب بصدمة : امي !

الأم بحزن : كم كانت صدمتي كبيرة ، وأنا اسمع حوارك مع قرينك عن ذنوبك السرّية !

الشاب باكياً : رجاءً امي سامحيني

الأم معاتبة : هل ربّيتك لتلعب ببنات الناس ؟!

فقالت الصبيّة لها :

- ارأيتي يا خالتي ، والله أحببته اكثر من روحي .. لكني غبيّة ، لتصديقي وعوده 

فردّت عليها : وهذا خطئِك ايضاً .. فواجبك كفتاة ان تحافظي على نفسك طاعةً لربك ، ومراعاةً لسمعة عائلتك

فأخفضت الصبيّة رأسها بندم : 

- للأسف ، عرفت ذلك متأخراً .. وحالياً أحترق بالجحيم ، على امل ان يسامحني ربي بنهاية المطاف


وهنا نظرت الأم للسماء :

- هاهو ملاك الرحمة قادماً نحوي ، لأخذي للجنة

ابنها بخوف : هل ستتركيني يا امي ؟!

الأم : عليك ان تُعاقب على جميع ذنوبك .. لحين حصولك على غفران ربك ، وسماحه بإجتماعنا سويّاً في الجنة .. كان الله في عونك ، يا بنيّ

ثم انتقلت مع الملاك للسماء..


بينما ارتعدت اوصال ابنها ، بعد نزول ملكٍ آخر بهيئةٍ مخيفة من السماء باتجاهه

فأسرع القرين برميّ سيجارته ، قائلاً :

- آسف يا صديقي ، حان وقت عودتي لعالم الشياطين بعد انتهاء مهمّتي.. فبصراحة ، يُخيفني ملك الموت كثيراً


وما ان اختفى القرين ، حتى خرجت يدٌ ناريّة من الأرض !

فقالت الصبية بغضب : 

- هاهو ملاك العذاب يأمرني بالعودة للجحيم الذي سنجتمع فيها قريباً ، ايها الخائن الماكر !! 

ثم سُحبت لباطن الأرض..


وهنا اقترب ملك الموت من الشاب ، وهو يقول : 

- لقد توقف قلبك وعقلك قبل قليل في جسدك المحشور بسيارتك المحطّمة ، وحان وقت حسابك

الشاب بخوف : هل سأنتقل مباشرةً للجحيم ؟

- ليس قبل دفنك ، وسؤالك من قبل ملكيّن القبر

ثم اشار الملك للسيارة :

- انظر هناك !!


فرأى الناس والشرطة مُجتمعين حول سيارته ، وهم يحاولون اخراج جثته!

الملاك : سآخذ روحك الآن .. ولا تظنه بالأمر الهيّن ، لأنك ستشعر وكأني أقلع قلبك من بين ضلوعك


فصرخ الشاب بألمٍ شديد ، دون ان يسمعه احد من المتواجدين هناك ! لتنتقل روحه الخائفة مع ملك الموت للسماء ، بانتظار حسابه الذي يبدو سيطول قبل رؤية والديّه الصالحيّن بالجنة مُجدّداً !


هناك 8 تعليقات:

  1. انا لم اقترح عليه تركك.. بالعكس !! كنت سعيداً بذنوبكما معاً.. لكنه تخلّى عنك وتزوّج بأخرى بخطوةٍ جريئة ، صدمتني ايضاً !
    هذا دليل على انو هو احقر من قرينه ههه

    ردحذف
    الردود
    1. ✍️ساهر...
      أهلين نايا،
      الغيبه..النميمة..الغدر...الخ
      من صنع بعض البشر.
      أما الشيطان لايأمر وإنما وظيفته
      "تحريك الوتد" الوسوسة!!!

      تحياتي،،،

      حذف
  2. ✍️ساهر...
    جمعة مباركة أمل،
    طابت جمعتكم جميعاً،

    "حركت الوتد "
    يقال أن شيطانا أراد الرحيل من مكان كان يسكن فيه مع أبنائه
    فرأى أحد أولاده خيمة فقال: لا أُغادرن حتى أفعلن بهم الأفاعيل
    فذهب إلى الخيمة
    فوجد بقرة مربوطة بوتد ووجد امرأة تحلب هذه البقرة وولدها بجانبها فقام فحرك الوتد
    فخافت البقرة وهاجت
    فانقلب الحليب على الأرض ودهست ابن المرأة فقتلته دهسآ
    فغضبت المرأة فدفعت البقرة وضربتها بشدة وطعنتها بالسكين طعنا مميتا فسقطت البقرة وماتت
    فجاء زوجها فرأى طفله و البقرة على تلك الحال فطلق زوجته وضربها
    فجاء قومها فضربوه
    فجاء قومه فاقتتلوا واشتبكوا
    فتعجب الشيطان فسأل ولده ويحك ما الذي فعلت ؟؟؟
    قال لا شيء فقط
    حركت الوتد .

    هذه وظيفة الشيطان
    " تحريك الوتد"

    شكراً أمل،،

    ردحذف
  3. وهاكم قصه مليحه وفصيحه ونصيحه ..
    احسنتم ايها الكاتبون الحالمون ..
    لا اعتقد ان للقرين ذنب هاهنا ..
    والا فما معنى الاراده الحره ..
    ونعتقد ان وصفه بالخاءن الماكر تحامل لو لم يعدها بشيء ..اي اتفقا تراضيا فلم يكذب ولم يعد.... اما ان يسرق الفقير لجوعه فذاك قد يستساغ نوعا ..فلا نحرمه الطحين ونعسر عليه كل ابواب الحلال ونطالبه بالعفه والاحصار ..طبعا سيكون اثما ايضا هذا مفروغ منه بداءة ..ولكن ليس المحصن المتخم كالمحروم الجوعان ..
    وعليه .. ايها القاضي ..حضرات المستنفعين والافاقين وكل اولءك الطبالين والزمارين والرقاصين ..نطالبكم حازمين ..بان تنزلوا اشد العقوبه بموكلي وموكلتي ..
    وصلبهم وحرقهم احياء على مرأى ومسمع اولءك الثلة من الحاسدين المنافقين المتلمظين شفاههم والسنتهم ..😭
    الذين لو ودوا وخلوا ففعلوا ..

    ومن نافلة الفعل ايضا ..وبالمره يعني ..مادمتم مجتمعين ..😭 نطالبكم بمحاكمة الكاتبه ..
    ومصادرة ممتلكاتها وكتبها..ونفيها الى خارج المجره ..
    وحبذا لو نفينا جنينا اليماني المتنكر ايضا ..😈
    ولنبدأ عامنا الجديد متمثلين قول الشاعر :

    فأما الحسان فيابينني ...واما النعاج.. فيابينني ايضا 😭
    - فكرة القصه راءقه حقا ..احسنتم امل ..




    ردحذف
    الردود
    1. ارأيت يا ابن اليمن (جني بلقيس) يريد عاصم طردنا من المجرّة .. على الأقل اعجبته القصة التشاؤمية .. تحياتي له وللجميع

      حذف
  4. اعجبتني القصه .. وكأنها حقيقيه ، سلمت يداك ..

    ردحذف
  5. مرحبا بكم معشر الانس..
    هههههـ ااااخ منكم معشر الانس " لقد شعرت بصدمة ذاك القرين المسكين وهاهو الان في حالة انهيار عصبي واكتئاب من تصرفاتكم ..

    يقال ان ابليس وفرعون اجتمعا في الجحيم ولما رأى فرعون ابليس قال فرعون لأبليس ابتعد عني عليك اللعنة فانت اغويتني وانا هنا بسببك فرد عليه ابليس قائلا لما سمعتك تقول لقومك انا ربكم الأعلى وقفين شعر رأسي و اقشعر بدني منك رغم اني مطرود من رحمة الله لم افكر يوما ان اقول للناس كما قلت انت لقومك.

    ايها الناس انها امرأة طيبة. القلب لطيفة مسكينة فمن أجلكم تركت ملذات الحياة ومتعتها لدرجة أنها عزفت عن الزواج واصبحت راهبة وامتطت فروسية الكتابة الأدبيه بشتّى انواعه حيث صارت تنسج القصص منذ اكثر من عشرون عام نعم عشرون عاما وهي منعكفة على حاسوبها تنسج قصة تلو القصة من اجل متعتة خيالكم يامعشر ناكرين المعروف ..وبماذا جازيتموها بعد هذه السنين كلها! ماذا جازيتموها بعد ان ذبلت زهرة شبابها من اجل اثراء مخيلتكم بالقصص الهادفة والشيقة والممتعة! !!!
    للأسف اتهمتموها بالـ... وامرتم بهدم كوخها وتارة تصفونها بالمكتئبة وحيّنا بالمتشائمة وها انتم تقررون نفيها خارج المجرة..

    املااانو ياليتكِ كُنتِ ترابا هههههههه

    وكما قال الشاعر
    ونخلة غضة الافنان باسقتا
    والسيف والرمح مع معجون الأسنان

    شكرا امل على هذه القصة واكثر ما امتعني بالمشهد حينما اخذ القرين يدخن سيجاره

    مع تحيات جنّي بلقيس أبو بلقيس هههههه

    ردحذف
    الردود
    1. لقب جديد يضاف اليك .. حسناً سنناديك من اليوم ب(ابو بلقيس) .. شكراً لدفاعك عني ايها الجني العادل

      حذف

العقد الأبدي

كتابة : امل شانوحة  العاشق المهووس رغم وسامة إريك إلاّ أن الطلّاب تجنّبوا مصاحبته في مدرسته المتوسطة ، لغرابة طباعه ! فوالداه وأخوه الكبير م...