السبت، 12 فبراير 2022

الروح المُحتجزة

تأليف : امل شانوحة 

 

إنتقام المظلوم 


في وقت الظهيرة .. تجوّلت امرأة في ارجاء سوبرماركت أُعيد افتتاحها بعد اجراء تعديلاتٍ عليها ، إثر حريقٍ سابق ..

وحين وصلت للخلفيّة ، سمعت بكاء ولدٍ خلف باب المخزن المُغلق بأكياسٍ مُكدّسة على بابه ! 


فحثّها فضولها وحسّها الإنساني على إزاحة الأغراض ..ودفعت الباب بكتفها عدّة مرات ، حتى فتحته .. لتجد مخزناً فارغاً ، وآثار الحريق واضحة على جدرانه السوداء ..

فأنارت جوّالها ، لترى ولداً (10 سنوات) يقف ووجهه للحائط !


فنادته من بعيد : يا ولد !! تعال لأخرجك من هنا 

وفجأة ! شدّ عامل السوبرماركت ذراعها ، لإخراجها بالقوة من المخزن .. وهو يعاتبها :

- من سمح لك بفتح الباب ؟!!

وقبل إقفاله من جديد ، أوقفته بعصبيّة :

- إنتظر !! هناك ولداً بالداخل 

العامل : انت تتوهمين , لا يوجد احد .. 

مقاطعة بحزم : إن لم تخرجه في الحال ، سأصرخ بعلوّ صوتي !!


فارتبك العامل ، وشقّ الباب قليلاً وهو يقول : 

- أنظري بنفسك , لا يوجد احد بالداخل

فأطلّت من جديد ، لتنصدم باختفاء الصبيّ !

المرأة بدهشة : كان هنا قبل قليل ، اين ذهب ؟! 

 

وفور شعور العامل بتيار هواءٍ بارد يتجه نحوه كزوبعةٍ هائجة ، حاول دفع الباب بكل قوته .. قبل إيقافه من جديد :  

السيدة : لحظة !! جوالي وقع بالداخل 


فدفع الجوال بقدمه نحوها ، قبل إغلاقه الباب والعرق يتصبّب من جبينه ! فقالت بامتعاض : 

- ترميه بقدمك , شكراً لذوقك .. سأبلغ الإدارة عمّا حصل

العامل : غرفة المدير في الطابق العلويّ , وإن اقتربت من المخزن ثانيةً سأضّطر لطردك من المتجر

وأعاد تكديس الأغراض خلف الباب !

 

والصادم أن المدير وافق على تصرّف عامله الغير لائق ! 

ولعدم وجود دليلٍ ضدّهما ، لم تذهب للشرطة ..رغم خوفها على الولد المسجون هناك ! 

***


في المساء ، وقبل نومها .. وصلتها رسالة غريبة على جوالها :

((مازلت عالقاً داخل المخزن , ارجوك ساعديني))

فقرّرت التصرّف في اليوم التالي ..

***


في الصباح .. دخلت الى زقاقٍ ضيّق يطلّ على خلفيّة السوبرماركت .. ووقفت قرب النافذة العلويّة للمخزن المغلق ، مُناديةً الولد بحذر :

- يا ولد !! انا السيدة التي حاولت إنقاذك البارحة  


فظهر من النافذة : نصف وجه الولد ويديه ، بعد وقوفه فوق أحجارٍ وأخشاب جمعها من زوايا المخزن..  

- لا استطيع الصعود اكثر من ذلك 

السيدة : أصمد قليلاً  

وصوّرته بالجوال ليكون دليلاً للشرطة على احتجازهم له ..


ثم عادت غاضبة الى السوبرماركت ، مُحاولةً فتح باب المخزن من جديد .. إلاّ أن العمّال طردوها بأمرٍ من المدير ! 


فأسرعت لمركز الشرطة لتريهم صورة الولد المحتجزّ ، بالإضافة لاستغاثته على جوالها .. 


فأرسلوا دوريّة الى هناك ، مما أربك المدير الذي أمر موظّفه بفتح المخزن للشرطيين اللذين لم يجدا سوى آثار مخزنٍ محترق .. 


وبعد حديثهما مع المدير على انفراد ، طلبا من السيدة التسوّق في مكانٍ آخر ! بعد تأكّدهما من الإشاعة : بموت عامل توصيلات صغير حرقاً قبل سنوات ، لتحتلّ روحه الشريرة المخزن  

ورفضت السيدة تصديق كذبتهم , وأصرّت على نقلهم الولد المُعنّف لمكانٍ آخر .. بعكس الشرطة التي سمعت الإشاعة من قبل !

***  


في تلك الليلة .. نامت السيدة وهي مُغتاظة من إهمال الشرطة .. 

واستيقظت آخر الليل بعد إحساسها ببرودةٍ مفاجئة ، لتنصدم برؤية الولد بجانب سريرها ! 

وكادت تصرخ .. لولا وضع أصبعه على فمه ، مُطالباً بالهدوء 


فسألته بفزع : كيف وصلت الى هنا ؟!

- تركت الشرطة باب المخزن مفتوحاً .. فاختبأت في سيارتك ، قبل إحتجازهم لي بعد رحيلكِ .. 

السيدة : ولما يحبسونك هناك ؟! 


فلم يجبها على سؤالها ، بل أخذ يتجوّل في غرفة نومها وهو يقول : 

- منزلك جميل ، أتعيشين وحدك هنا ؟

- نعم .. لم تخبرني بعد عن إسمك ؟ وعنوان أهلك ؟ 

الولد : لا يهم اسمي .. ولا أكترث لأهلي ، فهم أجبروني على العمل في سنٍ صغيرة .. كل تفكيري الآن ، هو إيجاد مسكناً جديداً لي .. لهذا اخترت منزلك الجميل

- عليك أن تسألني اولاً إن كنت موافقة ام لا ! 

فاقترب من سريرها ، وهو ينظر بعينيها بلؤم :

- موافقتك لا تهمّني 

 

وفجأة ! سمع الجيران صوت صراخها من داخل الشقة .. واتصلوا بالشرطة التي وصلت بعد فوات الأوان .. ليجدوها شاحبة الوجه في سريرها ، كأنها رأت شبحاً أفزعها حتى الموت !


وانتشر لغز موتها في المنطقة ، خاصة لإيجاد شقتها مقفلة من الداخل ولا أثر لاقتحام اللصوص .. وعجزت الشرطة عن اكتشاف القاتل ! 

***


ورغم أن الجريمة أفزعت الجميع ، إلاّ أنها أفرحت صاحب السوبرماركت الذي علم برحيل الروح الشريرة التي سكنت مخزنه لأكثر من خمس سنوات .. 

لذا قرّر الإستفادة من مخزنه المغلق ، لتوسيع محله .. وبدأ بدهنه وتنظيفه ، وشراء المزيد من الخزائن الحديديّة لوضع البضائع الجديدة بداخله 


في المقابل .. شعر سكّان عمارة المغدورة بأمورٍ خارجة عن الطبيعية ! وانتشرت الإشاعة بينهم : بأن روح القتيلة احتلّت المبنى .. وانتقلوا منه الواحد تلوّ الآخر ، ليخلو المبنى من السكّان قبل نهاية العام 


بعكس السوبرماركت التي ازدهرت ، وأصبحت وجهة الزبائن في المنطقة 

***


وفي احد الأيام ، وقبل ساعة من الإقفال المسائي .. دخلت سيدة لقسم المنظّفات في المخزن , واحتارت بين منتجين .. وعندما رأت صبياً يعمل هناك ، سألته :

- ما سعر هذا المنتج ؟ فأنا نسيت إحضار نظّارتي

فأجابها الصبيّ : لن تحتاجيها بعد اليوم 


وفجأة ! تلاعبت الأنوار في المخزن ، ليعلو صراخ السيدة الهستيريّ .. ولم يستطع العمّال فتح الباب المقفل من الداخل ! 


فأسرع المدير لمتابعة ما يجري من كاميرات المراقبة للمخزن ، ليشاهد السيدة تطير بالهواء وهي ترتطم بأرفّف الخزائن .. وتتناثر دمائها في كل مكان ، الى أن سقطت بقوة على الأرض دون حراك! 

فعلم المدير بعودة روح الصبي الملعونة لمخزنه من جديد  .. 


وبعد الحادثة ، أجبرت الشرطة المدير على إقفال متجره نهائياً.. 

وآخر ما قاله المدير لعمّاله قبل تسريحهم : 

- لندعّ روحه اللعينة تستمتع بالمكان المهجور .. ولوّ باستطاعتي رؤيته لقتلته من جديد 

ثم سافر للعيش في فلّته بإحدى المناطق الساحليّة ..

***


بعد سنتين .. قرّر مراهقان إقتحام المحل المهجور لتصوير الشبح الصغير.. فتسللاً من نافذة المخزن مساءً ، بعد إنارة جوّالاتهما .. حيث شرح أحدهما قصة الشبح اثناء تجوّلهما بين الخزائن الفارغة: 

- القصة باختصار .. ولدٌ في 12 من عمره ، يعمل في ترتيب البضائع بالمخزن .. وفي ذلك اليوم ، رفض مديره إعطائه سلفة لدفع إيجار بيت اهله .. وعندما عاد ، وجد عائلته مرميّة في الشارع بعد طردهم من الشقة مع اغراضهم .. فقرّر الإنتقام من رئيسه ، بحرق بضائع المخزن ..لكن النار علقت بملابسه الشتويّة ..واحترق حتى الموت تحت انظار مديره الذي لم يحاول اطفائه رغم وجود إنبوبة الإطفاء في مكتبه ! ومن وقتها لازمت روح الصبي المكان ، فقرّر المدير عزل المخزن عن بقيّة المتجر 

فأكمل صديقة : إلى أن أتت السيدة الفضوليّة وأطلقت سراحه

- بالضبط !! والآن دعنا نصوّر المخزن المهجور ، ونشره على اليوتيوب لزيادة عدد متابعينا


وفجأة ! شعرا بزوبعة هواءٍ باردة تقترب منهما .. فأسرع أحدهما بالقفز من النافذة العلويّة ، بينما علق الثاني بالداخل !

وفشلت محاولاته لإنقاذ صديقه الذي ظلّ يصرخ في الظلام ، الى أن أختفى تماماً .. لتجده الشرطة بعد ساعة ، غارقاً في بركة دمائه ! حينها أصدر رئيس البلديّة قراراً بهدم المتجر المسكون ..


واجتمعت الناس لمشاهدة عمليّة الردم .. وبعد تسويته بالأرض ، صفّقوا بارتياح بعد انتهاء الكابوس 

*** 


في اليوم التالي ، وفي شرفة فلّته الساحليّة .. إبتسم مدير السوبرماركت وهو يقرأ خبر الردم بالصحيفة ، قائلاً في نفسه :

((اين ستعيش الآن ايها الحقير الصغير))


ثم ارتشف كوب القهوة .. ليبدأ بالسعال القويّ الذي أيقظ زوجته التي أسرعت للشرفة ، لتجده يحلّق فوق كرسيه ! وقبل إمساكها قدمه ، رمته زوبعة الهواء لخارج الشرفة ، وسط دهشة الزوجة المرتعبة !


ورغم تأكيدها مراراً للشرطة والجيران بما حصل ، إلاّ أنهم أصرّوا على انتحاره .. فلم تكترث لهم ، وأخلت الفيلا بعد تيقنها بإحتلالها من روحٍ غاضبة !


وبعد رحيلها ، قال روح الصبي للسيدة الفضوليّة :

- أخبرتك انني سأعوّضك عن شقتك الصغيرة بمكانٍ فخم ، وهآ نحن نعيش بفيلا قرب البحر .. وإن ملّلنا من هنا ، نحتلّ قصراً او ناطحة سحاب او مدينة بأكملها , فالبشر جبناء ويخيفهم وجودنا

روح السيدة : لطالما تمنّيت العيش في مولٍ تجاريّ 

- اذاً إختاري أحدها ، وسنخطّط معاً للإستيلاء عليها  

وابتسما بخبث


هناك 5 تعليقات:

  1. مقال رائع ...
    ولكن هل تؤمنين بقصص هذه الاراوح ...التي تلازم المكان بموت صاحبها ظلما او قتل وغيره ?

    ردحذف
    الردود
    1. في طفولتي عشت انا واهلي في فيلا بمكة المكرمة لثلاث سنوات ، وكنا نشعر بروح رجل غاضب يراقبنا في بعض الغرف ، خاصة عند البئر الذي لا يمكننا الإقتراب منه ليلاً ..

      وحين سألنا صاحب الفيلا : اخبرنا انه قديماً عند حفر البئر ، سقط عامل بالحفرة العميقة ومات على الفور , ولم يستطيعوا اخراجه ، فطمّموا البئر فوقه ، وحفروا بئراً آخر على مقربة منه

      لهذا كان الأطفال حينما يزورونا ، يبكون عند اقترابهم من البئر وهم يرتجفون بخوفٍ شديد ..

      وعندما نذهب للمدرسة وتبقى امي وحدها بالفيلا ، تشعر برجل يلبس عباءة بيضاء يمشي بين الغرف ، وكان الأمر مزعجاً لدرجة اجبرتنا على ترك الفيلا..

      فنعم اؤمن بوجود الأشباح المختلفة تماماً عن الجن ، وعادة تكون لأشخاص ماتوا قتلاً ، او لم يأخذوا حقهم بغسلٍ وكفن والصلاة عليهم .. ولوّ لم اعش التجربة بنفسي ، لما صدّقت بالأشباح

      حذف
    2. بما انك عشتي التجربه فلن اجادلك ...

      حذف
  2. السلام عليكم اذا كنتي تذكريني انا صاحب اقتراح قصة خطف الأطفال وكتبي قصة (المهاجر العربي) عن القضية في السويد في الأيام السابقة خرجت مظاهرة كبيرة في العاصمة السويدية من طرف العوائل و المتضررين من السوسيال وتم شن حملة شرسة في الواقع التواصل الاجتماعي ضد السوسيال الإعلام السويدي حاول تلميع صورة السوسيال واتهم هذه المظاهرة من قبل اسلاميين إرهابيين ضد السلطات لكن الناس لم تهتم الان ستتم عمل أكثر من مظاهرة في المدن الباقية حبيت اطلعك على اخر المستجدات ويارب يرجع جميع أطفال المسلمين والأجانب إلى عائلاتهم وينتهي كابوس السوسيال

    ردحذف
    الردود
    1. خير إن شاء الله .. الخوف أن يجنّدوا اولاد العرب بالحرب العالمية الثالثة القادمة ، وربما هذه نيّتهم منذ البداية ، والله اعلم .. إطلعني على المستجدّات ، وشكراً لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...