الأحد، 6 أكتوبر 2019

البيتزا المخيفة

تأليف : امل شانوحة

الدليفري الخبيث !

في ظهر ذلك اليوم .. نزلت الخادمة (شاهدة) من سيارة السيدة ليلى لشراء الخضار .. 
وبعد قليل ..لحقتها السيدة لشراء فاكهتها المفضلة , وهي تلبس ثياباً فاخرة وقلادةً ذهبية ثمينة , لفتّت انظار البائع نحوها !
وفور ملاحظة الخادمة لنظراته الطامعة , طلبت من سيدتها العودة الى السيارة لحين دفع الحساب .. 

وبعد ذهابها , قالت للبائع :
- انه عقدٌ مزيف
البائع باستنكار : أحقاً ! يبدو لي حقيقياً وغالي الثمن
شاهدة : لا ابداً .. هي تحب ان تبدو كإمرأةٍ ثريّة , لكنها لا تملك شيئاً .. حتى انها لم تدفع أجرتي عن الشهرين الماضيين .. أعانني الله على تصنّعها المزيّف
وأخذت منه الأكياس , ثم ركبت السيارة..

في الطريق .. نصحت سيدتها بلبس العقد في المناسبات الخاصة فقط .. 
لكن ليلى رفضت خلعه , لأنه الذكرى الوحيدة من امها التي خسرت ثروتها بالبورصة , ولم تترك لها سوى الشقة التي تعيش فيها , وهذا العقد الذي رفضت ليلى بيعه بأصعب ظروفها المادية .. لأن معاش والدها التقاعدي بالكاد يكفي مصاريف حفلاتها الإجتماعية مع اصدقائها القدامى من الطبقة الراقية
***

بنهاية الإسبوع .. عزمت ليلى اصدقائها على العشاء في منزلها , كعادتها في بداية كل شهر .. 
ووصل عامل التوصيلات وهو يحمل ثماني علب بيتزا للحفلة .. ففتحت ليلى له الباب , لانشغال شاهدة بخدمة الضيوف .. 
فارتبك العامل فور رؤيته لعقدها الذهبي الغالي , وكادت العلب تقع منه .. قبل ان تسرع شاهدة بأخذها .. 

وحين لاحظت الخادمة إرتباكه , ارادت إخباره بنفس الحيلة السابقة التي استخدمتها مع بائع الخضار لحماية سيدتها من عيونهم الحاسدة ونواياهم الخبيثة , لكنها كانت منشغلة بالحفلة .. فدفعت له الثمن واغلقت الباب في وجهه , وهو مازال متجمّداً في مكانه !
***

في اليوم التالي ظهراً .. تفاجأت شاهدة بعامل البيتزا امام بابهم ..
شاهدة باستغراب : نحن لم نطلب بيتزا اليوم !
العامل : هذا عرضٌ مجاني , لشراءكم البارحة كميةً كبيرة..
شاهدة مقاطعة : مازالت ثلاجتنا مليئة ببقايا الحفلة .. يمكنك أخذ العرض الى عائلتك 
العامل : هل يمكنك ان تنادي سيدة المنزل لأتكلّم معها ؟
- هي نائمة الآن 
ففكّر قليلاً ثم قال : حسناً .. هل يمكنني دخول حمامكم ؟ فأنا أوصّل الطلبات منذ الصباح

فخافت شاهدة من إصراره على دخول المنزل الذي يحاول تفحّصه جيداً بنظراته المُقلقة .. فأسرعت بالقول :
- هناك مطعم بآخر الشارع , أدخل هناك
وأقفلت الباب في وجهه للمرة الثانية 
***

بعد يومين .. عادت شاهدة من السوق , لتجد ليلى تأكل البيتزا في الصالة .. فسألها باستغراب :
- كنت طبخت لك قبل ذهابي , فلما طلبتي طعاماً جاهزاً ؟! الم تعجبك الفاصولياء ؟
ليلى : لم أذقها بعد , فرائحة البيتزا المجانية أغرتني لتناولها 
شاهدة بقلق : ماذا ! هل عاد الرجل المخيف ثانيةً ؟
- من تقصدين ؟!
- عامل البيتزا 

ليلى : حرامٌ عليك , هو رجلٌ لطيف وذوق للغاية .. (ثم تنهّدت) .. وابتسامته غاية في الروعة 
- سيدتي ! لا تنخدعي بلسانه المعسول , فأنا رأيت نظراته الخبيثة لعقدك وبيتك .. وأظنه يخطّط لأمرٍ مريب.. فحدسي لا يخطأ ابداً , صدّقيني
- لا تبالغي يا شاهدة .. (ثم وقفت) .. هيا قومي بترتيب الأغراض في الثلاجة .. وانا سأرتاح في غرفتي , لأنني أكلت كثيراً
وذهبت دون ان تُعير إهتماماً لتحذيرات الخادمة 
***

بعد اسبوع .. إستيقظت شاهدة مساءً على ضحكات ليلى .. 
وبعد إنهائها المكالمة , سألتها :
- هل كنت تكلّمين إحدى صديقاتك ؟
ليلى : لا , انه سمير 
- من سمير ؟! لا اذكر إن من اقاربك أحداً بهذا الإسم !
- سمير , عامل البيتزا
شاهدة بخوف : ماذا ! كيف حصل على رقم جوّالك ؟!
- انا أعطيته له
- ولماذا !

ليلى : تعطّلت سيارتي هذا الصباح على الطريق الفرعيّ , فقام مشكوراً بتغير الإطار
- وهل ظهر لك من العدم ؟
- كان يمضي في طريقه , حين رآني متوقفة وسط الشارع .. فركن دراجته الناريّة وساعدني
شاهدة : وهل ثُقبت عجلتك الخلفيّة ؟
ليلى بدهشة : نعم ! كيف عرفتي ؟
- برأيّ اللعين كان يراقبك منذ خروجك من المنزل .. وحين اقترب من خلفيّة سيارتك , ثقبها بشيءٍ حادّ .. ثم ابتعد مسافةً عنك , ليعود ويقترب بحجّة تقديم المساعدة

فضحكت ليلى ساخرة : كان عليك العمل كمحقّقة يا شاهدة , فخيالك واسعٌ جداً .. اساساً لما يقوم بكل هذه الحيلة ؟
- قلت لك سابقاً بأنه ينوي سرقة عقدك 
ليلى بضيق : يا الهي ! ما مشكلتك مع العقد ؟! ..أتدرين ؟ كثرة خوفك عليه , سيجعلني أشكّ بنواياك انت يا شاهدة
شاهدة بصدمة : سيدة ليلى !
- أمزح أمزح .. المهم أعطيت الرجل رقمي لأدفع له مكافأة بسيطة , فحينها لم أكن سحبت راتب والدي بعد .. ولأنه رجلٌ شهم ولطيف , رفض المال .. وقال ان مساعدته لسيدة جميلة مثلي , هي اجمل مكافأة

شاهدة بسخرية : وبالطبع صدّقتي كلامه السخيف على الفور
ليلى بعصبية : شاهدة !! بدأت تضايقيني بتدّخلك في شؤون حياتي
- آسفة , لم أقصد ذلك .. لكن مستواك أرفع بكثير من ان تُصاحبي عامل توصيلات من الطبقة الكادحة

فتنهّدت ليلى بضيق : تتكلّمين وكأنني مازلت غنية .. أتدرين يا شاهدة .. حين كنت صبية في مثل عمرك , رفضت أغنى وأرقى العرسان .. لكني اقتربت الآن من سن الخمسين , فمن برأيك سيتزوج عانساً مفلسة ؟ .. لهذا رجاءً دعيني أستمتع قليلاً , فليس هناك أجمل من غزل الأحباء 

ثم اتجهت نحو غرفتها , وهي تقول ساخرةً : 
- ورجاءً توقفي عن مشاهدة البرامج البوليسية التي أفقدّتك الثقة بكل من حولك .. تصبحين على خير يا محقّق كونان
***

بعد شهر .. إستيقظت شاهدة في منتصف الليل , بعد عودة ليلى من سهرتها المسائية مع اصدقائها ..
وحين دخلت الصالة .. وجدتها مع صديقتها وزوجها , بالإضافة الى عامل البيتزا سمير ! 
وكانت صديقتها تضحك وتقول :
- صديقك الجديد خفيف الظلّ يا ليلى

وكانت امامهم علبة بيتزا كبيرة أحضرها سمير معه , والذي قال فور رؤيته الخادمة :
- إسمك شاهدة , اليس كذلك ؟ 
لكن الخادمة لم تجيبه , وظلّت تنظر اليه بنظراتٍ قلقة .. فتابع قائلاً:
- خذي قطعة بيتزا , فهي مازالت ساخنة 
شاهدة بامتعاض : لا شكراً 
فوضع لها قطعة بالصحن , وهو يقول :
- هيا لا تتدلّلي علينا .. إخترت لك اكبر قطعة 
فأجابته شاهدة بانفعال : قلت لا اريد !!
ليلى بغضب : شاهدة !! تعالي معي
***

في غرفة نوم ليلى .. عاتبتها قائلةً :
- لا تعاملي سمير هكذا , فهو أصبح صديقي
شاهدة بدهشة : لا أصدّق ان السيدة ليلى , بنت الأصل والفصل تقبل بمصاحبة عاملٍ تافهٍ كهذا ! فهو ..
ليلى مقاطعة بغضب : كلمةٌ اخرى يا شاهدة , وسأستغني عن خدماتك
شاهدة بصدمة : ماذا ! أبعد خدمة امي لوالدتك طوال حياتها , وخدمتي لك منذ ان كنت في العاشرة من عمري .. تريدين الآن الإستغناء عني لأجل سارقٍ خبيث
- وعلى أيّ اساس تتهمينه بالسرقة , هو لم يُخطىء بشيء ! 

شاهدة : ليس بعد , لكنه بالتأكيد ينوي سرقتك .. ولكيّ أثبت لك خبث نواياه , ضعي عقدك في الدرج قبل ان تعودي اليه .. فإن سألك عنه , فهذا يعني ان العقد هو همّه الوحيد .. ونيته سيئة اتجاهك
ليلى بعصبية : حسناً !! سأثبت لك بأنه رجلٌ مغرمٌ بشخصيتي فقط 
ونزعت عقدها ووضعته في الدرج , قائلةً لخادمتها : 
- هل ارتحت الآن ؟!!
ثم ذهبت الى الصالة .. 
***

فتنصّتت شاهدة جيداً عليهم .. 
وكانت شكوكها في محلّها , حين لاحظ سمير على الفور إختفاء العقد .. فسألها ممازحاً :
- هل أتعب العقد الثقيل رقبتك ؟
وقبل ان تُجيبه , سقطت صديقتها على الأرض اثناء قيامها الى المطبخ لغسل يديها ..
فاعتذر الزوج من ليلى قائلاً : يبدو انها شعرت بالدوار لإفراطها بالشرب في الحفلة , الأفضل ان آخذها للمنزل
ليلى : دعها تتمدّد على الكنبه لترتاح قليلاً , وانهي انت طعامك ..من بعدها يمكنكما الذهاب .. اساساً انا ايضاً أشعر بالنعاس , مع اني لا اذكر انني أكثرت من الشرب ! 

في هذه اللحظات .. كانت شاهدة تراقب غرفة ليلى من الشرفة التي اختبأت فيها .. وللمرة الثانية كان شكّها في مكانه , حين سمعت سمير يقول من بعيد :
- اين الحمام ؟ .. آه هناك , شكراً 

لكنه لم يدخل الحمام , بل دخل خلسةً الى غرفة ليلى وبدأ البحث في الأدراج .. 
فقالت شاهدة في نفسها :
((مسكتك يا حقير !! الحمد لله انني أخفيت العقد في جيبي , والاّ لكان سرقه .. ليت جوّالي معي , لصوّرته بالجرم المشهود .. لربما تتعلّم ليلى الغبية بأن لا تضع ثقتها الزائدة بالغرباء))  

وحين لم يجد سمير العقد في الدرج , تغيّرت ملامحه .. وأحسّت شاهدة (التي تراقبه بخفاء) بأنه يكتم غضبه بصعوبة .. 
ثم توقف قليلاً امام باب الغرفة .. قبل ان يعود الى الصالة وهو يتصنّع الإبتسامة
***

مضت ربع ساعة , وشاهدة مازالت تسمع ضحكات الضيوف .. 
من بعدها , هدأ الوضع تماماً ! .. فدخلت شاهدة الى الصالة بحجّة تنظيف المائدة .. لتتفاجأ بنوم ليلى وصديقتها , ومقاومة الزوج للنعاس بصعوبة .. بينما كان سمير في كامل نشاطه ! 

وقد أخافتها نظراته الحادّة وهو يرفع لها الصحن , قائلاً :
- صدّقيني يا شاهدة .. البيتزا لذيذة جداً , لا تفوتيها عليك  
لكنها أسرعت ناحية ليلى , لتسندها بصعوبة وهي تترنّح .. قائلةً لسمير :
- سآخذ السيدة الى غرفتها لتنام , فالوقت تأخّر كثيراً .. لهذا لوّ سمحت , أوصل الزوجين الى بيتهما .. وستراكم السيدة ليلى في يومٍ آخر .. تصبحون جميعاً على خير

حين أدخلتها الغرفة .. ارادت شاهدة إقفال الباب عليهما , لأنها تعلم مسبقاً بأن سمير لن يغادر البيت بسهولة .. لكنها ارتعبت حين لم تجد المفتاح في مكانه ! وعلمت بأنه أخفاه في جيبه .. 

فعادت لإسناد ليلى بكل قوتها , وأخذها الى غرفتها الصغيرة بآخر الردهة 
وهناك قامت شاهدة بقفل بابها بحذرٍ شديد , كيّ لا تلفت إنتباه سمير الذي مازال في الصالة ..

وكان لغرفتها حمامٍ صغير , شبّاكه الزجاجيّ يطلّ على شرفة غرفة ليلى , فأغلقت نافذته بإحكام .. 

ثم أخذت جوّالها وهي ترتجف لإحساسها بخوفٍ شديد , فسرقته لمفتاح غرفة ليلى يدلّ بأنه ينوي على شيءٍ أسوء من السرقة ! 
وتمّتمت بنفسها , وهي تضغط على رقم الشرطة : 
((لابد انه دسّ منوماً في البيتزا التي أصرّ على إطعامي منها , كيّ انام مثل ليلى وصديقاها .. فهو رفض مشاركتهم الطعام بحجّة ألمٍ في معدته)) 

وما ان أجاب الشرطي على إتصالها , حتى همست قائلةً : 
- أنقذونا ارجوكم
الشرطي : ما الحالة الطارئة لديكم ؟
شاهدة بصوتٍ منخفض : هناك دخيل في بيتنا , وهو ينوي قتلنا
- ما العنوان ؟
فأعطته العنوان , وهي تقول :
- رجاءً اسرعوا 
- اين انتم الآن ؟
شاهدة : انا وسيدة المنزل مختبئتين في الغرفة , وهناك ضيفين محتجزين معه في الصالة .. اوو يا الهي !!
- ماذا حصل ؟
شاهدة بخوف : انه ينادي عليّ , ارجوكم إسرعوا
- الشرطة في طريقها اليكم 

في هذه اللحظات .. طرق سمير باب غرفتها وهو يقول :
- شاهدة !! كوني فتاةٌ مطيعة وافتحي الباب
لكنها لم تجيبه ..
سمير من خلف الباب , وبتردّد : عزيزتي ..إن أردّت ..نتشارك الأرباح ؟
فقالت شاهدة في نفسها : ((اللعين , كان ظنّي به صحيحاً))

ثم عمّ الصمت المرعب , قبل ان يكسر سمير شبّاك حمامها الصغير الزجاجيّ من شرفة غرفة ليلى , صارخاً عليها بغضب :
- إفتحي بابك يا لعينة !!! 

وحين لمحت مسدّساً بيده , أسرعت بدحرجة ليلى (الغائبة عن الوعيّ) خلف الجدار , كيّ لا يصيبها شيء في حال اطلق النار عليهما من شبّاك الحمام (الملاصق لغرفتها) 

وأدرك سمير بأنه لا يستطيع إصابتهما من هناك , فعاد ليقف خلف بابها وهو يهدّدها قائلاً : 
- إن لم تفتحي الباب فوراً , سأقتل صديقيّ ليلى 
فأجابته شاهدة : لا يهمّني أمرهما .. اساساً ان أطلقت النار في هذا الوقت المتأخّر , سيسمعك الجيران ويتصلون بالشرطة 

فسكت قليلاً , ثم قال :
- أتدرين ! معك حق .. شكراً لأنك نبّهتني .. لكن مالا تعرفينه عني , إنني دخلت السجن في مراهقتي بتهمة السرقة , فقد كنت بارعاً في فتح الأقفال .. لهذا سأفتح قفل بابك بطريقتي السحريّة , وحينها لن أرحمك يا شاهدة
  
وبدأ يحاول فتح القفل بسكينته الحربية التي أخرجها من جيبه .. فخافت شاهدة كثيراً , وحاولت إيقاظ ليلى التي لم تحرّك ساكناً ! .. وحين ارادت التكلّم ثانيةً مع الشرطة , وجدت جوالها فرغ شحنه 
- اللعنة ! أهذا وقتك !!

ثم بحثت في درجها عن شيءٍ حادّ تدافع به عن نفسها , فلم تجد سوى مشطاً بطرفٍ رفيعٍ وطويل
وهنا سمعته يقول من خلف الباب :
- قاربت على فتح القفل يا شاهدة .. وحينها سأستمتع بالإعتداء عليك الى ان تبوحي بمكان العقد وبقيّة اموال ليلى التافهة

وهنا خطرت ببال شاهدة فكرةً ذكية , فقالت له :
- العقد معي يا سمير !!
- أحقاً ! يعني سرقته قبلي يا ماكرة  
- نعم !! وسأفتح الباب ان وعدّتني بمقاسمة سعره بيننا  
سمير : إفتحي اولاً لأراه 
- لن أفعل !! ويمكنك رؤيته من فتحة الباب 

وما ان لمحت عينه تقترب من فتحة القفل , حتى أسرعت بإدخال طرف المشط فيه .. لتعلوّ صرخاته المؤلمة : 
- فقعتي عيني يا لعينة !!!!

ثم سمعته يجهّز المسدس للإطلاق , فأسرعت بالإبتعاد عن الباب الذي اطلق عليه رصاصتين , قبل ان توقفه الشرطة التي اقتحمت الشقة , ليستسلم على الفور وهو مازال يتلوّى من الألم..

واثناء تقيّده بالأغلال , فتحت شاهدة الباب للشرطة وهي ترتجف قائلةً :
- السيدة ليلى لا تتحرّك سيدي , فاللعين خدّرها مع صاحبيها
فقال سمير بلؤم قبل خروجه من الشقة :
- لم يكن مخدّراً ايتها الخادمة , بل سُمّاً قاتلاً  

ووقعت كلماته كالصاعقة على شاهدة التي ركضت نحو ليلى محاولةً إيقاظها بشتّى الطرق , لكنها أصبحت جثةً هامدة !
***  

في مركز الشرطة .. إستجوب المحقّق شاهدة المنهارة من الحزن  
- أعرف انك مصدومة من وفاة السيدة ليلى وصديقاها 
شاهدة وهي تمسح دموعها : ليلى كانت أختي الكبرى , فأنا تربّيت معها في قصر امها.. وبعد موت والدتها .. طلبت مني امي خدمتها , وانتقلت معها الى شقتها الصغيرة ..
- وخدمتها لعشر سنوات براتبٍ زهيد ؟ 
شاهدة : هي كانت تدفع لي معظم الشهور .. لكن عندما تبالغ في مصروف حفلاتها , اضطّر للعمل في شقق الجيران لأصرف عليها 
المحقّق : بالطبع ستفعلين , طالما انها كتبت الشقة بإسمك في وصيّتها 

شاهدة بصدمة : ماذا ! لم اكن اعلم ذلك مطلقاً , أحلف لك 
المحقّق : أحقاً , اذاً لماذا وجدنا عقدها الذهبي في جيبك ؟ 
- أخبرتك أكثر من مرة انه لم يكن امامي متسعاً من الوقت لإخفاء العقد , فسمير كان ينوي قتلنا جميعاً 
- أتدرين .. لولا ان الجيران شهدوا بمحبتك وحرصك الدائم على ليلى , لظننتك شريكة سمير في الجريمة ..واختلفتما على تقسيم العقد بينكما
شاهدة : أحلف بالله انني أتمنى الشحاذة بالطرقات , وتعود السيدة ليلى للحياة ثانيةً
وانهارت بالبكاء المرير..
***

بعد ايام من التحقيقات المتواصلة , إقتنع المحقق اخيراً ببراءة شاهدة .. وأخرجها من الحجز ..

ولاحقاً حكمت المحكمة على سمير بالسجن المؤبّد لقتله ثلاثة اشخاص .. ورغم هذا , فإن تهديداته بالإنتقام منها اثناء المحاكمة أرعبتها كثيراً , ممّا اضطرها لبيع شقة ليلى (التي ورثتها بعد تطبيق الوصيّة) وشراء بيتاً لها في قريتها , الذي تزوجت فيه بعد شهور من الحادثة  
***

بعد مرور ثلاثين سنة .. عاشت شاهدة حياةً هادئة مع حفيدها بعد طلاق والديه , وسفر ابنها مع زوجته الثانية للخارج .. 

في عصر ذلك اليوم .. دخل حفيدها (7 سنوات) الى المنزل , وبيده قطعة حلوى .. فسألته باستغراب :
- انا لم اعطك مالاً , فمن اين أتيت بالحلوى ؟!
الحفيد : رجلٌ اعطاني قطعتين لي ولك , لكني أكلت الإثنتين .. آسف جدتي 
شاهدة معاتبة : الم أقل لك بأن لا تأكل شيئاً من الغرباء ؟
- هو عجوزٌ لطيف 
شاهدة : الم تره بالقرية من قبل ؟
- لا أظنه من هنا 
فأحسّت شاهدة بخوفٍ مُفاجىء , يُشابه إحساسها تلك الليلة !
فسألته بقلقٍ شديد : هل هو أعور ؟

وقبل ان يُجيبها , سقط الولد على الأرض دون حراك .. فأسرعت جدته لإيقاظه .. 

بهذه اللحظات .. سمعت صوت رجلٍ خلفها , يقول وهو يلوّح بسكينته الحربية :  
- هذه المرة نجحت بفتح قفل بيتك يا شاهدة 
شاهدة بخوفٍ شديد : سمير ! كيف خرجت من السجن ؟!
- حُسن سيرة وسلوك .. كما إن إيجادك بقريتك لم يكن صعباً , فإسمك مميزٌ جداً .. وقد أخبرتني جارتك الحسودة انك مازلتي تحتفظين بعقد ليلى , فأين أخفيته ؟ هذا إن لم ترغبي بالموت كحفيدك  
فصرخت بفزع , وهي تهزّ جسده الصغير : 
- حفيدي !! هيا استيقظ ارجوك !! ... هل خدّرته يا حقير ؟!!
سمير : هل فقدّت سمعك ؟ .. انا لا أخدّر أحداً , بل اقتل فوراً  

وهنا حاولت الهرب نحو غرفتها , الا انه هجم عليها من الخلف لينحر رقبتها بعنف .. ولأنه في اواخر الستينات , فيده المرتجفة لم تقتلها على الفور !

وصارت تتلوّى بألمٍ على الأرض وهي تراقبه بعينيها الزائغتين وهو يثير الفوضى في غرفتها , الى ان أخرج العقد من صندوقٍ صغير في خزانتها , قائلاً بفرحٍ وارتياح :
- وأخيراً وجدّت عقدي الغالي !!

وكان هذا آخر ما شاهدته , قبل ان تُسلّم الروح ! 

هناك 10 تعليقات:

  1. ملاحظة : هناك جرائم تحدث في انحاء العالم : كسرقات وقتل واعتداءات وخطف اطفال بسبب الباعة المتجولين والمندوبين المزيفين والدليفري وعمّال التصليحات والخدم , لهذا أردّت التنويه عن خطورة المشكلة في هذه القصة .. أتمنى ان تنال إعجابكم

    ردحذف
  2. أدخلنا ابي قبل قليل غرفة الطوارىء , وسيجري عملية ثانية في الأيام القادمة .. وللأسف الوضع غير مطمئن .. دعواتكم يا اصدقاء

    ردحذف
    الردود
    1. الله يشفيه يارب ، ويجعل ما أصابه تكفيرا لذنوبه يارب ، ولا يوريكم فيه مكروه يارب .

      حذف
    2. بشرينا عنه أ- أمل عساه أحسن يارب

      حذف
    3. مازال في المستشفى , وأجلوا العملية لستة اشهر بسبب سيولة الدم .. وسيخبرونا يوم الأثنين متى موعد الخروج , ليكمل علاجه من المنزل لحين موعد العملية .. والحمد الله انه تجاوز مرحلة الخطر .. شكراً لكل من دعى له بالشفاء .. سلمتم يا اصدقاء

      حذف
    4. الحمدلله يارب ما عاد يحتاج للمستشفى أبد يارب ، الله يشفيه يارب

      حذف
  3. اللهم اشفي مرضانا ومرضى والمسلمين والمؤمنين
    ولشفى ابو الاستاذه امل يارب
    وخفف عتهم يارب
    انت مولنا يارب
    F

    ردحذف
  4. سلمت يمناك ي صديقتي على هذه القصه الرائعه..والتنبيه من الغرباء..لقد اشتقت لك ولكتاباتك المختلفه ..مبدعه كالعاده..
    ولقد احزنني ماحدث لوالدك..شفاه الله وعافاه..وابعد عنكم كل مكروه....صديقك lost boy

    ردحذف
  5. أنهيت الآن مسودّة قصتي الجديدة , سأحاول نشرها قريباً بإذن الله

    ردحذف
  6. عشت مع القصه بكل تفاصيلها
    لاادري كيف ولكن شعرت وكأنني في مكان شاهده عشت دورها بشكل كبير وعشت الرعب والتوتر والترقب.
    كل هذا عندما كانت شابه
    لكن عندما عجزت وماتت لم اعش دورها لأني شعرت بأنه ينقصها الوصف الدقيق كي اعيش في جو الأحداث كانت النهايه مسرعه
    ولكن مع هذا
    نعم انها قصه رائعه
    احسنتي
    وتحياتي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...