الاثنين، 28 أكتوبر 2019

الملك العادل (رسوم متحركة للأطفال)

تأليف : امل شانوحة


حاكم الأخيار والأشرار

على سطح الجبل , إصّطفت الأمهات وهنّ يرتجفنّ بقلقٍ شديد .. حين بدأ مشعوذ القرية بمناداة كل واحدة منهنّ لوضع طفلها الرضيع بين ذراعيّ التمثال الذهبيّ العملاق الذي سيحدّد مصيره 

بهذه الأثناء .. همست الأم سوني لأبنها وهي تتأمّل عينيه البريئتين: 
- حتماً حبيبي ستكون من الأخيار .. فوالدك المرحوم كان رجلاً طيباً , وانا لم ارتكب خطأً في حياتي 

ثم جاء دورها .. ووضعت ابنها في حضن التمثال الذي سرعان ما أصدر صفيراً مزعجاً , أرعب الأهالي ! 
فتغيّرت ملامح المشعوذ قائلاً : 
- ابنك اليتيم سيكون ... ملك الأشرار !!!

فشهقت النسوة بدهشة ! وانهارت سوني بالبكاء المرير .. في الوقت الذي وضع فيه المشعوذ علامة حمراء على جبين الطفل لترحيله قريباً من القرية 
***

في صباح اليوم التالي .. توجّه الأهالي برفقة اطفالهم المنبوذين الى النهر برفقة المشعوذ وجنوده الذين نزعوا الأطفال من اهاليهم بالقوة , ووضعوهم في سفينة وجّهوها نحو الكهف المظلم الفاصل بين القريتين .. 

وهنا انتبه المشعوذ على إختفاء سوني وطفلها , وأخبر الجنود الذين اسرعوا في البحث عنها ..الى ان وجدوها مختبئة ببين الأشجار.. وقبل ان يأخذوا طفلها , وضعت له عقداً لقلبٍ مكسور 

وقد بكت بهستيريا بعد وضعه بعوّامة صغيرة للحاق ببقية الأطفال المتوجهين لقرية الأشرار , وسط نواح الأمهات اللآتي لن يرينّ ابنائهنّ ثانيةً !
*** 

في الجهة المقابلة .. وبعد ان وضعت مشعوذة الأشرار أطفال السفينة في عربتها , سمعت بكاء طفلٍ قادم من الكهف .. فانتظرته لحين وصول عوّامته اليها .. 

ورفعته وهي تقول باستغراب : تُرى لما ارسلوك وحدك ؟! 
ثم اقتادت العربة الى قصر الملك الذي قام بتوزيعهم على نساء القرية الأشرار العقماء ! 
***

كبر جوني في منزل امه الحقودة ووالده السكّير اللذان اعتادا على افتعال الشجارات , مما جعله يبيت لياليٍ في منزل الشجرة رغم الطقس السيء , هرباً من طاقتهما السلبيّة !

وفي المدرسة .. عانى من قساوة المتنمّرين وعقوبات الأساتذة لرفضه تعلّم الأساليب الملتوية في الحياة التي يشعر بأنها تخالف معتقداته التي لا يؤمن بها أحدٌ سواه !

وفي يوم تجرّأ على سؤال استاذه :
- لماذا يُمنع علينا الإقتراب من كهف الحدود ؟!
فأجاب الأستاذ بحزم : إيّاكم ان تفكّروا بالإقتراب من هناك !! ففي الضفّة المقابلة يعيش تنينٌ ضخم يتغذّى على لحوم الأطفال 

فشهق التلاميذ بخوف ! بخلاف جوني الذي لم يصدّق هذه الخرافة .. وعقد العزم على استكشاف الكهف حينما يكبر 
***

وفي أحد الأيام .. صرخ والده بعصبية : من كسر لوحتي المفضلة؟!!
فأجابه جوني : انا
فعاتبته امه : كم مرة أفهمتك ان لا تجيبنا بصدق ؟
جوني : انا لا احب الكذب يا امي
والده : هذا الولد يتعبنا دائماً .. الم يعلّموك في المدرسة اساليب الكذب للهروب من العقاب ؟
الأم : هو كسول في هذه المادة , كما في حصة المصارعة
جوني : انا لا احب أذيّة احد

الأب : يبدو انك سترسب في المدرسة
ابنه : المهم ان أنجح في مدرسة الحياة
الأب باستغراب : من علّمك هذه السخافات ؟!
فتنهّد جوني بضيق , ثم أشار للوحة المكسورة : 
- كسرتها لأن منظرها يخيفني ويصيبني بالكوابيس
الأم معاتبة : هذه لوحة لإبليس , الم تتعلّم قوانينه في المدرسة ؟
جوني بعصبية : أتسمي القتل والسرقة والخمور والفسوق قوانين ؟! بل هي محرّمات !! فأنا لا اريد ان اكبر لأصبح سكّيراً فاشلاً يخون زوجته ويضرب ابنائه 

الأب بغضب : تقصدني انا , اليس كذلك ؟ لا اظن الكلام ينفع معك
وسحب حزامه من بنطاله , مُهدّداً : 
- سأظلّ اعاقبك الى ان تفسد اخلاقك كبقيّة الأولاد !!
***

ومرّت السنوات بصعوبة على جوني , الى ان أصبح شاباً اعتاد على سخرية اقرانه لاستقامته , ولقّبته الفتيات : بالملاك الأحمق
لكن جوني لم يكترث لهم , فهمّه الوحيد كان إكتشاف الكهف المحرّم 
***

وذات صباح .. وجد والداه رسالة وداعٍ منه , بعد حزم امتعته ومغادرته المنزل (دون إخبارهما بوجهته) يعتذر فيها عن استعارته الحمار  

فمزّق الأب الرسالة وهو يقول : الأحمق يعتذر مني , بدل سرقته الحمار ! 
الأم بقلق : اين تراه ذهب ؟!
الأب : ربما اراد الإحتفال بعيد ميلاده في قرية الذنوب , كما يفعل شبابنا 
***

وصل جوني مساءً قرب النهر , وبدأ بالسباحة داخل الكهف المظلم .. وظلّ يسبح الى ان وصل الى ضفّة النهر المقابل المليئة بالأشجار المثمرة .. ثم أكمل صعوداً باتجاه حصنٍ موجود بأعلى الجبل 

ووصل اليه مع إشراقة الشمس وهو يشعر بتعبٍ شديد .. وحاول تسلّق بوابّته العملاقة بكافة الطرق , دون جدوى .. 

وحين أحسّ بالجوع , عاد للأسفل لتناول فاكهة اشجار النهر .. 
وهناك لمح امرأة حزينة تُشعل شمعة على لوحٍ خشبيّ تُرسله باتجاه الكهف , وهي تقول :
- اليوم هو عيد ميلادك يا ابني العزيز , سيصبح عمرك عشرين سنة .. أتمنى ان يُعيدك عقد القلب المكسور اليّ , كما وعدتني الساحرة

وهنا تذكّر جوني (المختبأ خلف الأشجار) محاولات أصدقائه سرقة عقده , الا انهم تعرّضوا دائماً لصعقة كهربائية .. حتى لُقّب بصاحب العقد المسحور ! 
كما تذكّر إحدى شجارات امه الحقودة في طفولته : 
- الم يختر لي الملك سوى هذا الولد العاق ؟!!
فقال في نفسه بدهشة : هل سيدة النهر , هي امي الحقيقية ؟!

وقبل ان يقترب منها .. سمع بكاء نساءٍ من بعيد .. ثم رآهم وهنّ يحملنّ اطفالهنّ برفقة المشعوذ وجنوده , متوجهين نحو النهر ..
وهنا انتفضت سوني بغضب , صارخةً في وجه المشعوذ : 
- متى ستتوقف عن حرماننا من اطفالنا , ايها العجوز الهرم؟!!

فقال لها أحد الجنود : إلتزمي الصمت يا امرأة !! لا يمكنك الحديث هكذا مع مشعوذنا القدير
فتوجّهت سوني نحو الأمهات الحزينات : 
- الى متى ستطيعون اوامره ؟! انه يرسل اطفالكم نحو المجهول .. هل تظنوا بأنكم ستنسونهم ؟ أنظروا الى حالتي .. 
فقال لها أحد الآباء : هذا أفضل من ان يكبر الفاسدون بيننا
سوني : لن يصبحوا كذلك ان ربّيناهم جيداً

وهنا عادت الى ذاكرة جوني : حنان امه الشريرة مع القطط .. ورحمة والده السكّير بجاره العجوز .. ولطف صديقه المشاغب مع اخته الصغرى  
فقال في نفسه : ((هذا صحيح ! لا يوجد اناس اشرار مئة في المئة!)) 

ثم سمع المشعوذ يقول لأمه بازدراء : 
- ليس ذنبنا انك رفضت الزواج بعد وفاة زوجك , والاّ لكنت أنجبتي ولداً طيباً بدل الشرير الذي تبكين عليه .. والآن أغربي عن وجهي لأكمل عملي , والاّ أمرت بسجنك في منزلك !!!
فأبعدوها الجنود عنّوة عن بقية الأمهات المستسلمات لقدرهنّ ! 
***

فقام جوني باللحاق بها الى الحصن (دون انتباهها عليه) .. مُتمكّناً في آخر لحظة من دخول بوّابته الضخمة قبل إنغلاقها .. وسرعان ما لاحظ بأن سوني لم تتوجه الى بيتها , بل أكملت صعوداً لأعلى الجبل .. 

وهناك رآها تقوم باقتطاع أغصان الشجر المجاور بهستيريا , وترميها حول التمثال .. ثم أخرجت علبة الثقاب من جيبها .. وقبل ان تقوم بإشعاله , أوقفها جوني :
- لا !! توقفي  
فصرخت عليه بغضب : أقتلني ان أردّت , لكني سأحرق هذا اللعين لإنقاذ اطفال القرية !!
- اخاف ان يقتلوك يا امي
وأظهر لها قلادته , لتسقط على الأرض مذهولة ! 

فحاول تهدأتها , بينما كانت تتلمّس وجهه غير مصدّقة بعودته اليها!
جوني : إهدأي يا امي , فأنا بخير كما ترين
سوني وهي تحتضنه بقوة : ماذا فعل بك الأشرار ؟
- لا شيء , لم يستطيعوا إفسادي 
- كنت متأكدة انك من الأخيار .. لكن هذا الأحمق ..(وأشارت الى التمثال العملاق) ..حكم بنفيك من هنا !
- رجاءً إخبريني بالقصة منذ البداية

وبعد ان أخبرته , قال باستغراب : أقال انني ملك الأشرار ؟! لابد ان مشعوذكم فسّر صفيره خطأً .. وسأثبت لك ذلك 
واتجه نحو التمثال , فحاولت امه إيقافه :
- جوني !! هذا للأطفال فقط
لكنه استلقى بين ذراعيّ التمثال الذي أصدر لحناً موسيقياً جميلاً , وصل صداه الى كلا القريتين ! 
***  

في هذه الأثناء , بقرية الأشرار .. سأل الملك مشعوذته باستغراب: 
- ماهذا اللحن الجميل ؟! 
فأسرعت مشعوذته بفتح خزانة الملك السرّية , لإخراج كتاب سحرٍ قديم.. 
الملك باستغراب : ماذا تفعلين ؟!

ثم اعطته الكتاب , بعد ان فتحته على صفحةٍ معينة ..وهي تقول : 
- إقرأ هذا النصّ 
وبعد ان قرأه , قال بدهشة :
- اذاً النبوءة صحيحة , فهناك ملك سيحكم القريتين !
المشعوذة : نعم , وهو من سيدمّر الفاصل بيننا للأبد
***

في قرية الأخيار .. تجمّع الناس حول التمثال .. ثم اخترق المشعوذ الجموع صارخاً : 
- من استخدم التمثال دون أذني ؟!!
فردّ جوني : انا !!
المشعوذ : من انت ؟! لا اعرفك !
فأشار الى امه : انا ابنها
واندهش الجميع !

فسأله المشعوذ باستغراب : وكيف عُدّت الى هنا ؟!
جوني : سبحت داخل الكهف ..
المشعوذ غاضباً : هذا ممنوع !! انت خالفت العهد الذي بيننا وبين قرية الأشرار ..

وضجّت الناس مُطالبة بطرده فوراً من مدينتهم الطاهرة..
لكن امه سحبت سيف الجندي , لتدافع به عن ابنها ..مُهدّدة الجميع: 
- سأقتل كل من يقترب من ابني !!

فقالت لها إحدى النسوة : جميعنا تخلّينا عن ابنائنا , ولن نميّزك عنّا 
وقالت الأخرى بغضب : هذا صحيح !! وإن كنت تحبيه لهذه الدرجة , فاذهبي معه لقرية الأشرار
وسرعان ما طالب الجميع برحيلها مع ابنها .. 

فقال لها جوني : هيا امي , لا مكان لنا هنا
الأم بقلق : أخاف ان يؤذونني اهل قريتك
جوني : هم ليسوا اشراراً لهذه الدرجة , لا تقلقي .. هيا بنا
***

وتوجّه اهالي قرية الأخيار نحو النهر للتأكّد من رحيل الشاب الفاسد مع امه التي امسكت يده بقلق حين مرّت سفينتهما داخل الكهف المظلم , لتختفي معها معالم قريتها فوق الجبل 
***

حين وصلا للجهة الثانية .. كان جنود الأشرار في انتظارهما , حيث اقتادوهما الى قصر الملك ..

وهناك سألهم الملك عن اللحن الجميل .. فأخبره جوني بالقصة كاملة 
فاقتربت منه المشعوذة مُبتسمة وهي تقول : 
- انت ملك القريتين 
جوني بدهشة : أتقصدين النبوءة التي علّمونا إيّاها في المدرسة ؟!
الملك : نعم .. انت الذي سيحكم القريتين بالعدل بعد دمج شعبينا من جديد .. ولحن التمثال الجميل هي علامتك  
جوني : لكن التمثال ذاته أصدر حكماً بأني ملك الأشرار حين كنت رضيعاً!

فنزع الملك تاجه ووضعه فوق رأس جوني وهو يقول : وهو محقّ بذلك
جوني بدهشة : ماذا تفعل سيدي ؟!
الملك مبتسماً : إجلس على عرشك , فأنت من اليوم ملكنا .. وقريباً ستكون ملك القريتين ..

وأخذته المشعوذة من يده ووضعته فوق العرش , لينحني له الجنود بما فيهم الملك والمشعوذة , وامه الفخورة به 

وما ان جلس جوني على عرشه .. حتى خرج من تحت قدميه شجيراتٍ مزهرة أكملت نموها الى خارج القصر , وصولاً لشوارع قرية الأشرار التي حوّلت اشجارها اليابسة الى مثمرة .. ليشتمّ الجميع رائحة الورود العطرة , وهم يقولون لبعضهم بدهشة:
- ظهر الملك العادل ! 
- تحقّقت النبوءة أخيراً 
عجوز : إنتظرت هذه اللحظة طوال حياتي ! 
وعمّت الإحتفالات قرية الأشرار ..
***

في الجهة المقابلة .. كان مشعوذ الأخيار يراقب الوضع في قرية الأشرار بمنظاره .. وفجأة تكلّم التمثال من خلفه : 
- ايها المشعوذ !!
فانحنى المشعوذ له بدهشة : سيدي ! إنتظرنا كلامك لسنواتٍ طويلة
- انت تعرف ما عليك فعله 
- لكن ..
صوت التمثال : ابدأوا ببناء قصر الملك العادل فوق كهف النهر , كيّ ينشر السلام بينكما .. فعداوة 100 سنة انتهت الآن 
- كما تشاء سيدي 
***

وعمل اهالي القريتين بجدٍ ونشاط لبناء قصر جوني فوق النهر .. 

وفي يوم تتويجه ملك القريتين .. إصطفّ الأهالي كلاً على جانبه .. فأمرهم جوني بالإختلاط بينهم , والعيش سويّاً .. ووعدهم بقوانين صارمة لمعاقبة من يتعدّى حدود الآخرين .. 
فنادى الجميع بصوتٍ واحد : 
- يحي الملك !! يحي ملكنا العادل !!

وكان الإندماج بينهم صعباً في البداية .. لكن مع الوقت تعلّم الأشرار بأن هناك قوانين عليهم احترامها .. وتعلّم الأخيار مسامحة الأشرار والصبر عليهم .. كما دُرّس اولادهما سويّاً في المدارس , حيث عُوقب المشاغب وكُوفئ المجتهد .. وقد أدّى الإندماج لازدهار التجارة بينهما ..وازداد عدد المواليد , لعدم خوف الأهالي من فقدانهم .. 
***

في نهاية السنة .. أقيم إحتفالٌ ضخم حول التمثال الذهبيّ لتزويج مشعوذ الأخيار من مشعوذة الأشرار (رغم كبر سنهما) .. وزُيّنت نصف الكوشة بالجماجم والنصف الآخر بالورود .. بحضور الملك جوني وامه الملكة .. وسط فرحة القريتين التي عمّ السلام بينهما أخيراً !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...