تأليف : امل شانوحة
اين انتِ يا ابنتي ؟!
فقرّرت الفتاة مسح هذه الرسائل .. لكن و قبل ان تفعل , رنّ جوّالها (للمرّة الأولى) ..فردّت عليه ..و ما ان قالت اول كلمة , حتى سمعت صوت سيدة تقول لها (بلهفةٍ شديدة)
-ابنتي , حبيبتي !! الحمد الله انك اجبتني ! ارجوك عودي الى المنزل.. اكاد اموت على فراقك .. و انا اعتذر منك ان كنت ضايقتك او قسوت عليك ..
لكن و قبل ان تجيبها , انقطع الإتصال ..
و بعد لحظات .. عاد و رنّ جوّالها (من نفس الرقم) فأجابت الفتاة (بقلق) .. الاّ ان المتكلّم هذه المرّة كان شاباً , حيث قال لها (بإحراج و حزن) :
-اعتذر منك عن اتصال امي , فقد ظنّت أنك اختي المرحومة !
الفتاة :
-آه ! اسفة لسماع ذلك .. لكن يبدو ان اختك توفيت منذ فترة قصيرة .. اليس كذلك ؟
الشاب يتذكّر :
-هذا صحيح ! (يتنهد بحزن) .. هل سمعت بالمظاهرة الجامعية التي توفّي بها العشرات من الطلبة , منذ شهرين تقريباً
فقالت بشفقة :
-آه , اكانت منهم ؟!
يتذكّر (بحزن) :
-نعم للأسف ! و المشكلة ان امي لم تصدّق حتى الآن بوفاتها ! ربما لأنها تشاجرت معها ذلك النهار .. الاّ ان اختي سامحها الله .. اصرّت على انضمام الى اصدقائها في المظاهرة , غير آبهى بتحذيراتنا جميعاً !
الفتاة : رحمها الله ..
الشاب :
-لا ادري لما اخبرك بكل هذا ..
-لا بأس .. اكمل , فأنا اسمعك
-المشكلة انني اضّطُررت لبيع خطّ المرحومة ظنّاً منّي بأن هذا في مصلحة امي , الاّ ان حالتها ازدادت سوءاً ! و رغم محاولاتي انا و اخوتي لإبعاد امي عن الهواتف , الا انها دائماً تجد الوسيلة لكي تعود و تتصل بصاحب هذا الرقم .. (يتنهد) ....حتى انك ثالث شخص يشترى هذا الكرت , بعد ان ملّ جميع من قبلك من اتصالاتها المتكرّرة ...... لذا سامحينا .. و حاولي ان تتجاهلي اتصالاتها..
الفتاة تقاطعه :
-لحظة لو سمحت !! هل صوتي يشبه صوت اختك المرحومة ؟
بارتباك :
-بصراحة نعم .. و الى حدٍ كبير ! لكن لما تسألين ؟!
-طيب اذاً سأسالك بعض الأسئلة عن عائلتك , و انا سأدوّن اجاباتك على دفتري..
يستفسر (بإستغراب) :
-عفواً !! لكن لماذا ؟!
الفتاة :
-بصراحة انا ادرس الطبّ النفسي .. و اظن ان هذه هي الطريقة الوحيدة لعلاج الوالدة !
-انا لم افهم بعد ما تنوين فعله ؟!
الفتاة :
سأخبرك لاحقاً !! لكن اولاً اعطني رقم جوّالك الخاص
و بعد ان انتهت من تدوين جميع الإجابات ..طلبت من الشاب ان يُغلق الجوال و يعيده لأمه .. ثم يتركها على راحتها..
و فعلاً .. و بأقل من ساعة ..عادت الأم و اتصلت بالفتاة (التي كانت تتوقّع اتصالها)
و بنبرة حزينة (و يائسة)
السيدة :
-الو ابنتي ..رجاءً اخبريني اين انت ؟
ففاجأتها الفتاة بقولها :
-امي .. امازلت غاضبةً منّي ؟
فانهارت الأم باكية :
-لا حبيبتي !! لا !!! لست غاضبة منك .. لما تقولين ذلك ؟!
الفتاة :
-لأني ذهبت للمظاهرة دون اذنك .. (ثم تتنهد بحزن) .. آه يا امي ! كم انا نادمة لعدم سماعي لكلامكِ !
فبكت الأم و اخبرتها : بأنها سامحتها و بأنها مشتاقة اليها ..
فأخبرتها الفتاة : بأنه مسموحٌ لها في الجنة بأن تتصل بها مرّة واحدة في الشهر , و ان عليها ان تكثر من الدعاء لها .. ثم سألتها عن باقي اخوتها الأربعة و ما فعلوه بدراستهم ...... و ما ان سمعت الوالدة بتلك التفاصيل , حتى تأكّدت بأنها تتكلم فعلاً مع ابنتها ..و امتدّت المحادثة بينهما قرابة الساعة ..
و بعدها اخبرتها الفتاة : بأنها ستعاود الإتصال بها بعد شهر بنفس التوقيت , بشرط ان تهتم بصحتها و تهتم بباقي اخوتها .. و حلّفتها بأن لا تخبر احد عن حديثهما الخاص , و الاّ مُنعت من الإتصال بها ..
فوعدتها الأم بكتمان السرّ ..
***
و بالفعل .. و في كل مرّة .. و قبل يوم من هذا الأتصال المنتظر ..كانت الفتاة تتصل بجوّال الشاب , لتسأله عن احوال امه ..و عن المستجدّات التي جرت في حياتهم طيلة الشهر الفائت , و من ثم تدوّن ما يقوله بدفترها .. ثم تنتظر اتصال والدته ..لتفاجئها بمعرفتها بكل ما يحصل في حياتها ..
***
و هكذا مرّت الأيام .. الى ان اتى يوم .. و تمنّى الشاب من الفتاة بأن يراها , ليشكرها على صنيعها مع والدته .. و ذلك بسبب تحسّن نفسية والدته ..
و بالفعل !! التقيا بالجامعة .. و بعد عدّة لقاءات بينهما ... قرّر خطبتها .. و حينها فقط , التقت بوالدته لأوّل مرّة .. لكن دون ان تلاحظ الأم أي شيء ..
و بعد الزواج ..قرّرت الفتاة ان تُبقي على اتصالاتها الشهرية مع حماتها , على ان تغير صوتها معها بجوالها الجديد .. و تعاهدت مع زوجها على كتمان هذا السرّ ....
***
و بعد سنة .. اصبحت الفتاة حاملاً بشهرها السابع ..
و في احدى الليالي .. ايقظها زوجها (فزعاً) و قال : بأن امه تحتضر في المستشفى ..
فذهبا لزيارتها .. و عندما دخلت هي و زوجها لعند امه .. طلبت حماتها منها بأن تعدها : ان تُسمي طفلتها بإسم عمتها المتوفية ..فوافقت الفتاة على الفور ..
لكن فجأة !! اشتدت عليها آلام الإحتضار.. فأسرعت الفتاة للخارج لتطلب الطبيب ..
و هنا امسكت الأم بيد ابنها (الحزين) ..و قالت له (و هي تبتسم بتعب)
الأم (حماتها) :
-ابني !! اشكر زوجتك عنّي على حيلتها العبقرية ! و قلّ لها : بأني سأخبر اختك المرحومة عن مكالماتنا السرّية ..
فتفاجىء ابنها و سألها :
-و منذ متى و انت تعلمين بأنها هي ..
لكن امه كانت قد فارقت الحياة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق