الأربعاء، 15 مارس 2023

الأبطال الستة

تأليف : امل شانوحة  

الإحتياجات الخاصّة


إستيقظ المرضى الستة بعد شعورهم بالماء يُرشّ على وجوههم ، والتي أيقظتهم من إبرة المخدّر .. ليجدوا انفسهم مُقيدين داخل مكتب مدير دار الإعاقة ، وهو يقول لهم بلؤم :

- اهلاً بالمعاقين الستة الأبطال .. قلتم البارحة انكم ستفضحونني عند نقابة الأطباء ، اليس كذلك ؟


فردّ الشاب المشلول بحنق :

- انت تسمح للممرّضين بإساءة معاملتنا.. وتُطعمنا وجبةً واحدة بدل ثلاثة لتوفير المال لنفسك ، كأنه لا يكفيك سرقة المعونات والهبات لحسابك البنكيّ !

المدير : وكل هذا عرفته من تفتيشك حاسوبي ، ايها الهاكر اللعين؟!!

المشلول : انت تعلم انني كنت ضابطاً مسؤولاً عن إتصالات الجيش قبل..

فأكمل المدير : قبل أن تُبتر قدميك بصاروخ العدو .. وبعد تقاعدك المبكّر ، رمتك عائلتك عندي لعدم قدرتهم على الإهتمام بمعاق

فصرخ الأعمى بعصبية : كفّ عن مناداتنا بالمعاقين !!


المدير : أسكت ايها الأعمى .. لا اعلم ما السرّ الذي جمعكم ضدّي ، لكنكم  الوحيدين الذين تجرّأتم على تحدّي مديركم ! لهذا ستبقون مُقيّدين هنا ، اثناء وقوع الدار فوق رؤوسكم 

المرضى بصدمة : هل ستهدم المبنى ؟!

المدير : نعم ، فقد قرّرت السفر للخارج .. ولأجل تقاعدٍ مريح ، احتاج لمال التأمين على دارنا .. لهذا اتفقت مع إرهابي على تفجيره ، اثناء نزهتي مع الممرّضين وبقيّة المعاقين الى حديقة الحيوان .. وسأخبر الجميع عن رفضكم الذهاب معنا بسبب عقدكم النفسيّة ، لهذا تركتكم على راحتكم بعد إقفال غرفكم لسلامتكم الشخصيّة .. وسأطلع الشرطة لاحقاً : بأن القدر دبّر رحلتنا بهذا التوقيت الغريب ، لإنقاذ رفاقكم المعاقين بأرواحهم البريئة .. وبذلك أُعدّ بطلاً بوسائل الإعلام الذين لن يلوموني عمّا حصل لكم ، فمن الطبيعي بكل حادثة أن يكون هناك ضحايا ، وانا اخترتكم لتبيتوا ليلتكم في الجنة.. 


ثم اقترب المدير من احدهم ساخراً :

- لا اظنك فهمت شيئاً مما قلته ايها الأصمّ ، وهذا من حسن حظك.. (ثم أخرج جهاز السمع من جيبه ، وأعاده لأذن الأصمّ وهو يقول : كنت انوي تحطيمه ، لكني اريدك أن تسمع صوت الإنفجار قبل موتك 

ثم قال للأبكم : وانت !! تريد أن تشهد ضدّي ، وانت لا تجيد الكلام .. والأجمل هو انت ايها المنغولي الذي لا يستطيع إبقاء ملابسه نظيفة ، تتجرّأ على الوقوف ضدّي بعد انضمامك لأبطالك المزيّفين.. وانت ايها المبتور !! تدّعي الرجولة ، وانا بالكاد استطعت تقيّدك من خاصرتك ، يا نصف مُعاق 

الأعمى بعصبية : كفّ عن مناداتنا بالمعاقين !! فنحن ذويّ الإحتياجات الخاصّة

المدير : وستلقّبون بالشهداء بعد ساعة من الآن  


وهنا سمع المدير صوت الأبواق :

- انهم ينادونني .. فقد خصّصت حافلتين للمعاقين ، وحافلة للممرّضين .. لقاءنا يتجدّد في جهنم ، ايها الأبطال الوهميين

***


بعد ذهابه .. تمكّن مبتور اليدين من فكّ رباط خصره ، عن طريق قدمه وهو يقول :

- الأحمق !! لا يعرف ان اصابع قدمي بقوّة أيدي الرياضيين ، بعد استخدامي لهم طوال حياتي

المشلول : هل تستطيع فكّنا ايضاً ؟

المبتور : إنتظروا قليلاً ، سأحرّركم جميعاً 

الأعمى بخوف : رجاءً إسرع !! فهو اخبرنا أن الأرهابي زرع القنبلة في الطابق الأرضيّ ، وستنفجر بعد قليل .. وعلينا الخروج من المبنى حالاً !!


ففكّ المبتور قيود الأصمّ والأبكم اولاً ، والّلذين ساعداه بفكّ الأعمى والمنغولي الضخم الذي تكفّل بجرّ كرسي المشلول باتجاه المصعد للنزول من المبنى

***


بعد وصولهم لمنتصف العمارة .. إهتزّ المصعد بقوة ، وانطفأت الأنوار ! ليعلقوا بالداخل بعد انفجار القنبلة..


وبصعوبة استطاعوا فتح باب المصعد .. ليخرج الأصمّ والأبكم اولاً ، ويحملا مبتور اليدين من خصره .. 

ومن بعدها رفع المنغولي صديقه المشلول الى فوق ، بعد تسليمهم كرسيه .. وفور إنقاذه الأعمى ، تساعد الجميع لرفع المنغولي اليهم .. ليجدوا انفسهم بين حطام المبنى المظلم !


الأصمّ : كيف سنرى طريقنا للأسفل ؟!

المشلول : لا اظن بإمكاننا الوصول للأرضي ، فالقنبلة دمّرت الطوابق الأولى تماماً

الأعمى : اذاً علينا الصعود للسطح

المبتور : وكيف سنصل للسلالم بهذا الظلام ؟

الأعمى : إمسكوا يدي !! فأنا تعوّدت منذ صغري على التحرّك بالظلام ، وأستطيع إيصالكم بأمان

المشلول : كيف يمكنك ذلك ؟!

الأعمى : فقدي البصر منذ الطفولة قوّى من سمعي ، لدرجة جعلته يعمل كالرادار مثل الخفافيش .. فقط تتبّعوا خطواتي


فأمسك كل واحدٍ بقميص الآخر .. بينما تكفّل المنغولي بجرّ كرسي المشلول بصعوبةٍ بالغة فوق الحطام .. وفي بعض الأحيان اضّطّر لحمله مع كرسيه فوق شظايا الزجاج ، خوفاً على العجلات المطّاطيّة

***


وصلوا أخيراً للسلالم ، وهم يتساعدون بحمل الكرسي المتحرّك .. واحياناً يضعون الواح الخشب (من الأبواب المحطّمة بالإنفجار) لجرّه فوقها ..

الى ان وصلوا لجزءٍ من السلالم مقسوم لجزئين ! بعد تدمّر الدرجات الأخيرة التي تصلهم بالسطح..

فسارع الأصمّ بإيقاف الأعمى :

- لا تقترب اكثر ، فهناك شقٌ كبير ..ولا اعرف كيف سنتخطّاه! 


المشلول : إستخدموا كرسيّ المتحرّك كمصعدٍ متنقّل.. وليجلس كل واحدٍ عليه بعد ربطه ، ثم نتكفّل جميعاً بشدّ الحبال الى فوق

الأصمّ : عن أيّ حبالٍ تتكلّم ؟!

فأشار الأبكم بيديه ، ليترجم الأصمّ كلامه :

- يقول انه رأى سلكاً مقطوعاً بالطابق الذي مرّرنا به قبل قليل

المشلول : أتقصد الطابق الذي كان فيه ورشة إصلاحات قبل الإنفجار ؟

فهزّ الأبكم رأسه إيجاباً ..


الأعمى بقلق : لكننا لا نريد أن نُصعق كهربائيّاً ؟!

فترجم الأصمّ إشارات الأبكم : 

- يقول أن السلك كان طويلاً وسميكاً ، ومقطوعاً من الطرفين

فقال المشلول للأبكم : 

- اذاً إنزل واحضره حالاً !! سنربط به الكرسي ، ونربط الطرف الآخر للسلك بالدرابزين الجانبيّ في اعلى السلّم .. ونسحب كل واحدٍ للأعلى ، كتلفريكٍ صغير


ونجحت الخطة لتخطّيهم الأدراج المكسورة.. وكان آخرهم المنغولي الضخم الذي ما ان وصل لأعلى الدرج ، حتى اعاد المشلول الى كرسيّه .. ثم جرّه نحو السطح بأمان

***


وقف الرجال الستة امام حافّة السطح ، ليروا الشرطة مجتمعة اسفل العمارة.. لكن ضجيج الناس حولهم ، منعهم من سماع هتافات الناجين الستة ! الذين تفاجأوا بصديقهم الأبكم يُصفّر بقوة من صافرته الصغيرة ، مما جعل الشرطة تلتفت اليهم 


ثم قال بلغة الإشارة التي شرحها صديقه الأصمّ :

- يقول ان امه اعتادت على خياطة صافرات بأطراف معاطفه ، لمناداتهم عند الضرورة

المشلول بارتياح : جيد انها فعلت


من بعدها حاولت الشرطة التحدّث معهم من الأسفل ، لكن المعاقين لم يسمعوهم لبعد المسافة !

ومن حسن حظهم أن قريب الأبكم موجوداً بين الناس ، فتحدّث معه بلغة الإشارة .. وبدوره نقل كلام المعاقين للشرطة ..

اما الأصمّ فترجم إشارات الأبكم لأصحابه ، وبذلك عرفوا أن الشرطة تنتظر وصول مكبّر الصوت للتواصل معهم..

***


بعد ساعة .. قدمت سيارة الأطفاء التي وصل سلّمها للطابق الذي يسبق السطح ..وبسبب الدرجات المُهدّمة بين الطابق الأخير والسطح ، تكفّل المنغولي الضخم بحمل كل واحدٍ من رفاقه على ظهره ، لتوصيله للأطفائي الذي ينتظره عند مقدّمة السلّم الطويل ، بعد إستخدام المنغولي لأسطل المياه كوسيلة نزول .. 

هكذا حتى انقذهم جميعاً .. وعندما وصل المنغولي اخيراً للشارع .. صفّق الجميع لبطولته النادرة ، بينما استقبلهم بضحكاته البريئة ! 

***


في اليوم التالي .. تمكّنت الشرطة من إيقاف مدير دار الإعاقة ، قبل هربه بطائرةٍ شراعيّة من مطارٍ فرعيّ .. وتمّت محاكمته بالفساد الإداريّ ، وسرقته لأموال الدار بعد شهادة الأبطال الستة ضدّه ، والذين تكرّموا إعلاميّاً بعد حصولهم على نياشين البطولة من الجيش .. مما اسعد الضابط المتقاعد (المشلول) .. بينما قفز المنغولي فرحاً بالمصوّرين الذين صفّقوا له مع اصدقائه من ذويّ الإحتياجات الخاصّة الذين نقلوا لمبنى آخر برعاية اطبّاء شرفاء ، ومديرٍ إنسانيّ رحيم !


هناك 6 تعليقات:

  1. فيا ليتهم قبروا وما استوحشوا وغصوا
    اشد انواع الالم الا يعلم متى ينتهي
    ولن ينفعكم اليوم اذ ظلمتم انكم في العذاب
    مشتركون . التفرد بالبلية والتوحد بالرزية

    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    اخت امل رفقاً بالمعاقين تعبتيهم بصعودهم للسطح وحمّلتي المنغولي فوق طاقته .كنتي راح تخلي الابكم والاصم يصعدون السطح والبقيه ينتظرون تحت..ههههههههههه
    يالله اللي بعدو بسرعه بدي قصه. جن مرعبه دمويه قبل ان يأتي رمضان ويتصفط ـسولانو واعوانه.

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
  3. مرحباً أختي أمل..
    من يومين حلمت حلماً غريباً ذكرني بقصصك كنت سأرسله لك لكن يا للأسف نسيته.. وما أذكره منه أن فتاة صعدت باص وكان في الباص شاب وبدأ يسألها عن اسمها وسألها أسئلة كثيرة وفي النهاية كان الشاب يحاوى اختطافها وفي الوقت الذي ظنن آت الشاب نجح في محاولته الاختطاف بدت لنا الفتاة أنها كانت مدركة لما يفعل وتمكنت من الهروب والنجاة لكنني لا أذكر تفاصيل فقط انها أعطته اسم مغاير لاسمها.. كان المنام مثير يا ليتني كتبته فور استيقاظي كان ليكون قصة جميلة.

    ردحذف
    الردود
    1. سأحتفظ بتعليقك ، ربما بعد رمضان تخطر فكرة مناسبة له .. شكراً لك

      حذف
  4. كل عام وأنت بخير أنت وأهلك.. سنشتاق لقصصك ولحضورك أخت أمل.

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...