الأحد، 26 فبراير 2023

الحاكمة الماكرة

تأليف : امل شانوحة

جزيرة الشيطان


وصلت إمرأة اربعينيّة الى الشاطىء بشقّ الأنفس بعد سباحتها ليومٍ كامل ، بعد غرق العبّارة التي استقلّتها ، وموت كل من عليها ما عداها ! 

وبعد استرداد أنفاسها ، تعمّقت في الغابة القريبة من الشاطىء ..الى ان وصلت مع غروب الشمس لقلعةٍ سوداء ، مُضاءة بالشعلات الناريّة.. 


ومن شكل حارسها المخيف عرفت بصحّة الإشاعة القديمة التي تداولها الصيّادون ، الذين نصحوا الناس بالإبتعاد عن الجزيرة المشبوهة !

لكن لشدّة جوعها وشعورها ببرد المساء ، إستجمعت قواها للإقتراب من الحارس الذي صُدم برؤيتها ! وأوقفها برمحه الطويل ، قائلاً : 

- سيفرح اهالي القصر بالقربان الجديد


فلم تكترث لتهديده ، قائلةً بثقة : 

- هل ابني الأحمق بالداخل ، ام مازال يتسلّى مع حوريّات البحر كعادته ؟

الحارس باستغراب : من سمح لكِ بالتكلّم عن ابن ابليس بهذه الطريقة ؟!

فقالت بقوة : اولاً !! إبعد يدك القذرة عني .. وثانياً !! كيف سمحت لنفسك بقول اسمي دون لقب سيدي ، ايها التافه ؟!!

- هل تظنيني غبيّاً ؟ فأنا اعمل لدى سيدي منذ قرون ، وهو الآن غائباً عن الجزيرة في مهمّةٍ سرّية بمدينة البشر


المرأة : أعرف ذلك جيداً ، فهو عملي .. لكن ملاكاً كشفني ، فنزل غضب الربّ عليّ .. لأجد نفسي تحوّلت لإمرأةٍ عادية ، وليتني فاتنة ! المهم سأبقى على هذه الهيئة لبعض الوقت .. والآن إبعد عن طريقي ، فعليّ الوصول الى عرشي للإشراف على سير العمل في مملكتي

- لا !! مازلت لا أصدّق إن ابليس المبجّل تحوّل لإمراةٍ قبيحةٍ مثلك

فصفعته بقوة ، مُعاتبة :

- لا تقلّ لأيّ امرأة بأنها قبيحة .. آه اللعنة ! أصبحت أتكلّم مثل نسائهم التافهات .. هيا إغرب عن وجهي وإلاّ احرقتك ، ايها الأحمق !!

فتجمّد الجني مكانه !

المرأة باستحقار : فكّر قليلاً بذرّة العقل الموجودة برأسك الفارغ .. هل يمكن لبشريّة أن تصفع مارداً ضخماً مثلك؟

الحارس : معك حق .. تفضّل سيدي


وأكملت طريقها ، وسط دهشة خدمها (من عبيد الجن) ..لحين جلوسها على العرش الذهبيّ ..


ووصل الخبر لإبن ابليس الذي سارع الى هناك ، رافعاً سيفه بوجه المرأة الغريبة :

- كيف تجرأين ايتها البشريّة على الجلوس فوق عرش ابي ؟! لا احد من الشياطين فعلها من قبل !

فقالت بثقةٍ وغرور : ما اخبار قبيلة الجن والشياطين بغيابي ؟

ابن ابليس : من انتِ ؟! ولما لستِ خائفة من سلاحي ؟!

المرأة بلؤم : لأني بحركة من يدي ، أحوّلك لرماد ايها الإبن العاقّ

ابن ابليس بصدمة : ابي !

- نعم ، والربّ مسخني لإمرأة 

- ولما لم تظهر كفتيات السينما ؟ 

المرأة : الا تكفيك حوريّات البحر ، أتريد ايضاً ان تغازل اباك ايها المنحرف ؟ إذهب واخبر الطبّاخ أن يشوي لي سمكاً طازجاً 

- لكننا لا نأكل سوى العظام والأحشاء !


فتنهّدت المرأة بضيق : الله بلاني بإبنٍ احمق ..قلت لك بأني سأبقى مُحتجزاً في جسد بشريّة لبعض الوقت .. فاذهب واجلب لي أفخم الطعام ، فأنا جائعٌ جداً

- كما تشاء ابي ..هل تريد شيئاً آخر ؟

- نعم ، اين دورة المياه ؟

ابن ابليس باستغراب : لكننا لا نتبو..

مقاطعاً بعصبيّة : أحلف إن أكملت الجملة ، سأحرقك على الفور !! فبالكاد أطيق جسدها الضعيف 

- اذاً عليك النزول الى حمّامات الخدم ، فالجن يستخدمونها وليس الشياطين.. 

المرأة : فهمت فهمت ، سأنزل حالاً .. لكن اولاً إخبر العاملين بقصري بما حصل ، فلا اريد ان أشرح لكل واحدٍ موضوع المسخ المزعج 

- كما تشاء ابي

***


مرّت الأسابيع ، حكمت فيها المرأة القصر بقوةٍ وحزم .. وأطاعها الجن والشياطين ، بعد سماحها بإجازاتٍ اسبوعيّة وشهريّة لأول مرة في حياتهم ! كما علّمت الطبّاخين بعض وصفات الطبخ البشريّة اللذيذة ، التي أعجبتهم كثيراً  


وفي المقابل ، تابعت اعمال ابليس المتوقفة قبل المهمّة السرّية .. حيث طالبت بحضور كبار الماسون لإقالة اهم زعماء العالم ، واستبدالهم بقادةٍ صالحين ! 

مما فاجأ زعيم الماسون الذي سألها :

- لكننا اخترنا الفاسدين بتركيزٍ وعناية ، فلما نقيلهم رغم إخلاصهم لأوامرك ؟!

المرأة : إفهم يا غبي .. الم اقل سابقاً انني كنت في مهمّةٍ سرّية بمدينة البشر ، لإفساد اكبر عددٍ منهم ؟

- نعم

- وقد تمكّنت من خلال تنصّتي على فئاتٍ متنوّعة من الشعب ، معرفة القادة الذين حصلوا على ثقتهم ودعمهم .. لهذا اريدهم ان يحكموا البلاد ، كيّ لا تحدث ثورات تطيح بخططنا السابقة


زعيم الماسون : أتقصد انك تخطّط لإفساد الصالحين بعد قيادتهم الشعوب ؟

المرأة : شيء من هذا القبيل ، لهذا نفّذ اوامري دون اعتراض .. فالحكّام السابقين أحرقوا ورقهم بعد فوح سمعتهم السيئة ! ليصبحوا مكروهين من أغلبيّة المواطنين ، لذا حان وقت إستبدالهم

- كما تشائين سيدتي

المرأة بغضب : ماذا قلت ؟!!

- آسف .. كما تشاء سيدي

***


ومرّت الأيام ، والمرأة مازالت تراقب البحر من نافذتها العلويّة في غرفتها ببرج القصر كل مساء ، اثناء إستراحة الجن الذين سمحت لهم بتعديل اوقات نومهم بعكس ما تعوّدوا عليه طوال حياتهم ، فصاروا يستيقظون وينامون مُتزامنين مع اوقات البشر !


وبنهاية الشهر الثالث .. شاهدت مساءً ، سفينةً صغيرةً سوداء تقترب من الشطّ ! فنزلت بسرعة من برجها .. وخرجت من القصر ، اثناء نوم الحارس المارد امام البوّابة .. ثم اختبات بالغابة 

وبعد رؤيتها ابليس يتجه الى قصره ، أسرعت الى الشاطىء وسرقت قاربه السريع مُتجهةً لأقرب يابسة .. 


بينما وصل ابليس الى قصره ، ليتفاجأ بالتغيّرات التي حصلت هناك ! بِدءاً بحارسه النائم ، وإجازات الجن والشياطين ، ومذاق طعامهم الجيد ..وصولاً لكل الإصلاحات التي قامت بها المرأة الغامضة في العالم ، مُدمرةً بذلك خططه التي دائمت لقرون ، بعد تعيّنها القادة الصالحين بدل الفاسدين ! 


مما اغضب ابليس الذي انصدم من تصديق قومه لقصة مسخه السخيفة ! 

ونادى ابنه لمعاقبته ، والذي برّر قائلاً : 

- ابي ، كانت تتصرّف مثلك تماماً ! وبنفس النبرة الآمرة والإستبداد بالرأيّ ، لهذا لم نشكّ انها مجرّد بشريّة تجرّأت على احتلال القصر بغيابك!

ابليس : صفها لي ؟

- عاديةٌ جداً ، وليست فاتنة

- وطبعاً لأنها ليست جميلة ، لم يهمّك التدقيق بماضيها ، كما تفعل مع الحوريّات ايها الفاسق ؟!

ابنه : الم تخبرنا دائماً انك تعرف الغيب ، فكيف لم تعرف انها احتلّت مكانك ؟

ابليس : انا لا اعرف القدر او المستقبل ، فانا مخلوقٌ عاديّ

ابنه بصدمة : أحقاً ما تقوله !

فاقترب منه مُهدّداً : إن عرف احد بهذا السرّ ، سأحرقك دون تردّد .. فأنا مازلت غاضباً منك ، لأنك لم تقتل الدخيلة الماكرة

- سامحني ابي ، فقد غلبتنا بذكائها

ابليس : صدق القرآن حين وصف الشياطين ((إن كيد الشيطان كان ضعيفاً)) ..ووصف النساء على لسان العزيز ((إن كيدكنّ عظيم))

- ومالعمل الآن ؟


ابليس وهو يشاهد سعادة الناس بحكّامهم العادلين ، من بلوّرته :

- علينا البدء من جديد ، بعد أن دمّرت اللعينة الكثير من خططي السابقة .. إجمع لي زعماء الماسون في الحال

ابنه : لكن الحاكمة السابقة أعطت الشباب منهم اجازاتٍ طويلة ، وأقالت العديد من عجائزهم 

ابليس : لا يهمّني الشباب ، إتصل بخدّامي القدامى .. 

- وماذا عن المرأة ؟ 

- عندما أعرفها ، سأعاقبها بنفسي

***


في المدينة ، عادت المرأة الى بيتها وهي متفاجئة مما فعلته :

((يبدو إن قمّة الخوف ، شجاعة .. ولا ادري كيف خطر ببالي أن أذكر الإشاعة السائدة : بعلاقة ابن ابليس مع الحوريّات ! والتي جعلت الحارس المارد يخبرني بسفر ابليس .. فبغيابه ، استطعت تمثيل دوره كيّ لا أقتل بأسوء طريقة .. كل ما أتمناه أن تدوم الإصلاحات التي قمت بها لأطول مدةٍ ممكنة ، قبل أن يعمّ الفساد من جديد.. يبدو اننا أعطينا ابليس اكبر من حجمه ، فبإمكاننا بسهولة محاربته وتدمير خططه ! .. صدق من قال : النساء أخبث من الشياطين))

وابتسمت بفخر..


هناك 6 تعليقات:

  1. لافيكيا سنيورا

    اتمنا ان يجد ابليسو تلك المرأة ويقطعها إرباً إربا
    اعجبتني البدايه ولم تعجبني النهايه ..لكن بسيطه هذه المره سأسكت ولن افتعل معك مشاكل

    ثم من قال النساء اخبث من الشياطين اعتقد اني أول مره اسمعها..

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف
    الردود
    1. مقولة : (النساء اخبث من الشياطين) وردت على لسان ابليس بقصةٍ تاريخية حقيقية :
      ففي احدى العصور .. كان هناك رجلاً محباً لزوجته بجنون ، وكان تاجر اقمشة .. ارسل له ابليس العديد من شياطينه للإيقاع بينه وبين زوجته ، لكنهم فشلوا جميعاً .. ثم تشبّه ابليس بهيئة رجل ، وزار امرأة شريرة بالقرية المجاورة ووعدها بنقود ذهبية ان فرقت بين الزوجين المحبين .. فقالت له : ان المهمة سهلة للغاية ..
      وذهبت الى محل التاجر ، وطلبت منه قماشاً ابيضاً غالي السعر .. وكانت بيدها سيجارة من نبتة التبغ .. وتعمّدت احراق جزءاً من القماش اثناء انشغاله بعمله ..

      ثم بكت قائلة : ابني سيعاتبني لأني اشتريت قماشاً محروقاً لعشيقته المتزوجة ..
      واخبرته انه متعرف على امرأة فاسقة لديها اولاد ، ورفضت ان يستبدل التاجر قماشها المحروق بجديد .. ودفعت له ، ثم ذهبت مباشرة لمنزل زوجته ..

      وطلبت منها ان تصلي الظهر في بيتها ، قبل اذان العصر .. فوضعت لها سجادة الصلاة بالصالة .. لكن العجوز طلبت ان تصلي بغرفة نومها ، منعاً من ازعاج اولادها الصغار .. وهناك وضعت القماشة محروقة اسفل وسادة الزوج التاجر .. وبعدها رحلت ..

      عندما عاد الزوج مساءً ، انتبه للقماشة .. فظن ان زوجته هي عشيقة ابن العجوز .. فتشاجر معها بعنف وطلقها ..

      فضحك ابليس من خطة العجوز واهداها المال ، وتحدّاها ان تعيدهما لبعضهما .. فقالت له : هذه اسهل من مهمة الأولى ..

      وذهبت الى منزل التاجر صباحاً .. وأخبرته بلطف زوجته التي سمحت له الصلاة بغرفتها .. وانها خبّأت الهدية اسفل الوسادة ، خوفاً ان يلعب بها صغاره اثناء صلاتها .. وانها تريد الهدية لإعطائها لعشيقة ابنها .. فشتمها ولعنها بسبب تفريقه عن زوجته .. واسرع لمنزل اهلها لإعادتها ..

      وبعد جهدٍ جهيد ، سامحته .. لكن علاقتهما لم تعد جميلة كالسابق بعد شكّه في شرفها .. وهنا قال ابليس مقولته الشهيرة ((النساء اخبث من الشياطين)) وهي قصة مذكورة بكتب التاريخ

      حذف
  2. ان الشيطان لم يكن ليحقق شيئا ذا بال بدون شياطين الانس وخاصة الرؤؤس منهم ثم السحره الذين يدمرون حيوات كامله لملايين البشر بنعومه ويسر

    ردحذف
  3. رد على الثنائي ابن اليمن وعاصم /يقول المثل ان النساء وضعو ابليس قي قنينه اي علبه ههههه
    الشيطان مهما وصل لن يصل لدهاء بعض النساء
    ابدعتي بالقصه /الجزء الثاني يصل ابليسو لتلك المراه ويوافضها لتصبح زوجته هههه بدل تلك الغبيه تذكريها بمذكرات ابليس

    ردحذف
    الردود
    1. ستكون ضرّتين رائعتين ، ستفقدان عقل ابليس حتماً .. اضحكني تعليقك

      حذف
    2. مرحبا اخي😂😂

      والله فكره حلوه لو ان المرأه المذكوره بهذه القصه تكون زوجه لأبليس بس ابليسو شاطر مثل هذه المرأه ستعمل عليه انقلاب وتقوم بعملية اغتيالات..لكن ابليسو فطن شاطر لا يختار زوجاته إلا امثال تلك الغبيه..

      هل تصدق اخويا اني لما كنت اقرأ قصة مذكرات ابليسو لإختنا املانو المبدعه لما كنت اقرأ عن زوجة ابليس الغبيه كنت اشفق على حال ابليس من زوجتو الغبيه . اظن ان اختنا املانو ظلمت زوجة ابليس او بالغت في غباء زوجة ابليس ولم تكن كذالك 😂😂😂😂

      لافــيكيـا سنيورا

      اخت أمــلانو أتمنا. من الله ان تكوني بخير دائما وابداً
      بقي على رمظان أيام معدوده اللهم بلغنا إياه
      ونحن نعلم انك تغيبي عنا طوال شهر رمظان إظافة لعشرة يوم من ايام العيد . لذالك اريد قصص ممتعه مرعبه مرحه بوليسيه دراميه خلال هذه الايام قبل رمظان ..ولكي مني جزيل الشكر
      ربما اكون حمل ثقيل على عاتقك بسبب كثر طلباتي وتشرّطي بقصصك بس شو اسوي 🤗🤗 ماباليد حيله قلباً🤍 تولع في قصصك قدّري ظروووووفه


      لافـــيـــكـــيـــا سنيورا

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...