الاثنين، 2 يناير 2023

نصفيّ الآخر

كتابة : امل شانوحة 

طباعيّ الشريرة


تلقّت جنيفر إتصالاً مرعباً ذلك المساء : بأن سيارة زوجها ارتطمت بسور الجسر اثناء عودته من المدينة المجاورة ، ونُقل فاقد الوعيّ الى المستشفى 

***

بعد اسبوع .. أعادته الى قصره ، بعد أن أخبرها الطبيب أنه فقد الذاكرة رغم إصابته البسيطة في الرأس !

***


في الشهرين التاليين .. شعرت جنيفر بتغيّر طباع زوجها مايكل بشكلٍ كبير فهو لم يعدّ يراعي آداب الطعام ، كما حرص دائماً ! بل يأكل بنهمٍ شديد ، كأنه لم يذقّ طعاماً شهيّاً في حياته !  


كما لم يهتم بتنسيق ملابسه قبل ذهابه لشركته (التي ورثها عن والده) وهو المعروف باهتمامه بأدقّ التفاصيل في مظهره الخارجيّ!


ولم يعدّ يكترث بطفليه الصغيرين ، بل يتضايق فور إقترابهما منه .. ويخرج مُتأففاً الى حديقة قصره ، كأنهما حملٌ ثقيل عليه !


حتى امه ، لا يطيق الجلوس معها لعدّة دقائق .. ويسارع بالخروج من المنزل بحجّة عمله الطارئ .. وهو البارّ لها سابقاً ، لأنه ابنها الوحيد


ولم تكن زوجته وامه الوحيدتان الّلتان شعرتا بتغيّر طباعه ، حتى سكرتيره اتصل بجنيفر ليخبرها بتصرّفٍ أقلقه من زوجها !

- سيدتي ، هو يصرّ على إخباره بالرقم السرّي لخزنته المالية الموجودة في مكتبه بحجّة فقدانه الذاكرة ، وحاجته الماسّة لملفٍ بالغ الأهميّة بداخله .. فأخبرته أن الرقم محفوظ بحاسوبي الذي تركته بمنزلي في القرية ، اثناء زيارة عائلتي بعطلة رأس السنة .. فقد أشعرني حماسه الشديد لفتح الخزنة بالقلق .. حتى انه حاول قلع القفل بالعتلة ، لولا تذكيره بغلاء الخزنة ! فبماذا تأمرينني ؟ 

جنيفر : لا تعطه الرقم مهما حصل ، فتصرّفاته الأخيرة أقلقتني للغاية .. وكأنه خرج من المستشفى كشخصٍ آخر ! 

السكرتير : برأيّ أن تبحثي في اغراضه الشخصيّة ، لعلّه يُخفي سرّاً خطيراً 

***


إنتظرت جنيفر خروج زوجها للسهر بالبارّ ، ككل مرة منذ نجاته من الحادثة .. ودخلت مكتبه بالقصر للبحث في ملفّات حاسوبه .. 

لتجد محادثة بالفيسبوك مع شخص يضع صورة زوجها على صفحته ! 

وتوضّح كل شيء من محادثتهما الأولى : حين سأله مايكل عن سبب نشره صورته الشخصيّة على صفحته ؟

لتنصدم بأن الرجل الثاني هو شبيه مايكل ! وظهر ذلك جليّاً من الفيديو الذي أرسله لزوجها قبل شهور ..


وبعد قراءتها لجميع الرسائل بينهما ، علمت بالسرّ الذي أخفاه زوجها عنها : فقبل اربعين عاماً ، قامت طبيبة نسائيّة عقيمة باستغلال رفض حماة جنيفر لمعرفة جنس جنينها (بالتصوير الموجات فوق الصوتيّة) لسرقة الجنين التوأم التي ربّته في المدينة المجاورة بكونه ابنها جاك.. وبعد سلسلة من تجاوزاتها لقوانين العمل ، طُردت من نقابة الأطباء .. فانتحرت بعد وضعها الصغير في الميتم ! والذي هرب منه بعمر 16 ، لينخرط بعصابة لبيع المخدرات أدّت لاعتقاله في عدّة سجون طوال شبابه ! لحين التقائه صدفة مع توأمه مايكل عبر الفيسبوك ، والذي اتفق على ملاقاته قبل عيد رأس السنة .. ليعود زوجها (بعد تلك الزيارة) فاقداً الذاكرة بحادث سيرٍ غامض ! 


فخطر ببال جنيفر : أن جاك استبدل مكانه بزوجها المفقود ، بعد علمه بنجاح مايكل العمليّ والماديّ ! 

فعلى حسب مذكّرات زوجها : انه ينوي إحضار اخيه من المدينة المجاورة ، لمفاجأة امه .. لهذا كتم الموضوع طوال الشهور الماضية ، للتأكّد من قصة الطبيبة المنتحرة اولاً  


وهذا يعني إن الشخص الذي عاشت معه جنيفر طوال الشهور الثلاثة بعد الحادثة ، هو أخو زوجها ! 

فهي لم تشكّ به ، بعد عثور الإسعاف عليه جريحاً في سيارة زوجها .. فهل سرق السيارة منه ؟ وأين أخفى أخاه مايكل طوال المدة الماضية ؟! 

***


نقلت جنيفر شكوكها لحماتها التي وافقتها الرأيّ بعد تغير طباع ابنها بشكلٍ جذريّ .. 

وقد أحزنها فقدان طفلها التوأم الذي عانى كثيراً ، بعد اختطاف الطبيبة له 


ونصحتها جنيفر بعدم فضح السرّ لإبنها الشرير .. إلاّ أن العاطفة غلبت العجوز التي دعت جاك الى فلّتها (دون علم كنّتها) لإطلاعه بالحقيقة ! 

وأخبرته بعيونٍ دامعة : انها تشفق على حياته الصعبة ..وأنها ستعوّضه عن كل ما فاته ، بإعطاء حقّه من ميراث والده .. 


فسألها جاك باهتمام :

- أهذا يعني انك ستجعلينني رئيس الشركة ؟ فأنا ابنك البكر 

امه : انت لا تملك خبرة أخيك ، لهذا سنُعيّنك كموظفٍ بسيط ، لحين إكمال دراستك ..

مقاطعاً بعصبية :

- كلامك يُشابه إقتراح ابنك المتغطرس !!

فسألته بقلق : واين هو الآن ؟

- سآخذك اليه 

وطلب منها الذهاب معه برحلةٍ برّية !

***


إزدادت البرودة مع حلول المساء ، وهما مازالا في الطريق السريع الخالي من السيارات .. فسألته وهي تخفي قلقها :

- الى اين تأخذني يا بنيّ ؟

فنظر اليها بعيونٍ ثاقبة : 

- أمعقول طوال حملك لم تشعري أنك سترزقين بطفلين ؟

امه : صدّقني ، الخبر صدمني تماماً !

جاك : ولما رفضتي إجراء الأشعّة ؟ 

- كنت اريد مفاجأة والدك

جاك غاضباً : بقرارك الأحمق دمّرتي حياتي !! الا تدرين سوء المعيشة بدار الأيتام ، وسجن الأحداث والكبار ؟ 

- حبيبي ، كل شيء سيتغيّر .. وسأزوّجك من فتاةٍ حسناء..

مقاطعاً بقهر : أتزوّج !! أتدرين كم مرّة اعتدى عليّ مدير الميتم والمساجين الضخماء ؟

امه بصدمة : آسفة ! لم اكن اعلم

- لقد انتهت حياتي ، ولا اريد سوى المال لإكمال مستقبلي البائس

امه : سأعطيك المبلغ الذي تريده ، بعد إخباري بمكان ابني مايكل

- ابنك ! وكأني ابن الجيران .. على كلٍ ، اقتربنا من اللعين

فنظرت العجوز من النافذة بخوف :

- نحن على الجسر الطويل ، فأين هو ؟! 


فانحنى جاك فوق ركبتيها لفتح بابها ، وهو يقول بلؤم :

- جثته مُتعفّنة بالوادي .. إلحقي بإبنك المدلّل


ودفع جسدها الهزيل للخارج ، لتقع من فوق الجسر نحو الوادي السحيق الذي تحلّل فيه جسد ابنها الصغير !

***


في آخر المساء ، عاد جاك الى فيلا امه .. وأمضى الليلة كلّها وهو يشاهد الفيديوهات عن أخيه اثناء طفولته ومراهقته المُترفة .. قبل عودته الى زوجته بعد تطبّعه بصفات اخيه .. وذلك بعد إيجاده مفكّرة مايكل (التي سلّمها لأمه) وفيها كل ارقامه السرّية وحساباته البنكيّة ! 

فهو ينوي شراء سيارة فخمة كالتي تعمّد تحطيمها في حادثة السير المُفتعلة ، واشياء اخرى حلم بها طوال حياته

***


وفي الصباح.. دخل قصره بثيابٍ أنيقة وهو ينادي ابنائه ، ليحتضنهما بشوق .. 

ثم أخبر جنيفر : انه أعاد اخيه جاك الى مدينته ، بعد تسويّة مالية بينهما .. وانه يرفض العلاقة بذلك الهمجيّ ، خرّيج السجون .. 


وودّعها للذهاب الى شركته ، وهو يخطّط لسرقة الأموال المشتركة لمايكل وامه .. والسفر سريعاً للخارج ، قبل عودة شكوك جنيفر الفضوليّة بأنه توأم زوجها الشرير !  


هناك 3 تعليقات:

  1. الحمد لله على السلامة
    فرحت لما نزلت القصة
    شكراً جزيلاً أستاذة أمل
    القصة رائعة كالعادة

    ردحذف
  2. ربما هذا من العدل ان ينعم كل منهم بنصف حياه

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...