الاثنين، 5 ديسمبر 2022

الحاكمة الفعليّة

كتابة : امل شانوحة 

 

الملكيّة الأوروبيّة


إلتزمت العائلة الملكيّة في إحدى الدول الأوروبيّة بالظهور بأبهة حلّتها امام شعبها بالعيد الوطني السنويّ ، بحضور الملك برفقة ابنتيه المراهقتين وزوجته .. وأمه (آن) التي سلّمت تاج زوجها المرحوم ، لإبنها الوحيد ..


وفي هذا اليوم .. إجتمع الشعب لمشاهدة تتويج ابنته البكر (إليزابيث) كوريثة للعرش .. بينما لم تُكرم اختها التي تصغرها بعام (ماري) بأيّ لقب ، عدا عن كونها أميرة عادية !


وكان على الملك أخذ صورة تجمعه بزوجته وابنته إليزابيث امام الملأ.. 

فشعرت الجدة بحزن حفيدتها ماري التي دفعتها إليزابيث للوراء ، كيّ لا تظهر بالصورة ! 

مما اغضب الجدة آن التي طالبت بصورةٍ جماعيّة ، كعائلةٍ واحدة 


لتتفاجأ بكنّتها تسحب إليزابيث من يدها ، وتأخذها للملك لإلتقاط الصورة المطلوبة.. 

فاكتفت الجدة بحضن ماري ، وهي تكتم غيظها من تصرّف كنّتها السيء امام الكاميرات ! 

***


بعد شهر .. إنتشرت بوسائل التواصل الإجتماعي : فيديوهات قديمة للعائلة الملكيّة .. مُرفقة بموسيقى حزينة ، تُظهر المعاملة الجافّة للوالدين مع ماري ، وإهتمامهما بإليزابيث فقط ! 

مما أثار شفقة الشعب الذين طالبوا بتعيّن ماري بإحدى المراكز المهمّة بالدولة ، فهي معروفة لديهم بهدوئها ولباقتها .. بعكس إليزابيث المُحبّة للظهور والمتغطرسة بتعاملها معهم ! 

***


في مكتب الملك .. جنّ جنون إليزابيث بعد رؤيتها الفيديوهات التي تُظهرها كأختٍ لئيمة ! 

واستنكرت والدتها الأمر :  

- من نشر تلك الفيديوهات القديمة ؟ ولما التركيز على كوننا والدين سيئين ؟!


وهنا دخلت الجدة وهي تقول :

- عرفت من هو ، وطردّته فوراً من الإعلام

ابنها : من تقصدين ؟

الجدة : الصحفي الذي أثار البلّبة بالبلاد 

ابنها بعصبية : أعطني اسمه فوراً !!

الجدة : لا تقلق بشأنه ، فقد طردّته الى خارج الحدود 

ابنها معاتباً : امي ! كيف تتصرّفين دون اخباري ؟

الجدة : وهل سأنتظرك لحين تفاقم المهزلة ؟ 

فقالت زوجته بلؤم : متى ستدركين انك لم تعودي ملكة البلاد ؟

الجدة بقهر : هذا بدل أن تشكريني لمعاقبتي الشخص الذي أهان وريثة العرش ؟

إليزابيث بلؤم : رجاءً جدتي ، لا تتدخلي بأموري ثانيةً 

الجدة وهي تكتم غيظها : كما تشائين .. يا ملكة المستقبل


وخرجت الجدة من المكتب ، وهي تقول في نفسها بغضب :

((عليّ تربيتكم من جديد))  

***


بمرور الأيام .. بدأت الناس تميل لماري التي تُمنع من الظهور بكاميرات الإعلام ! 

وأشفقوا عليها بعد سماعهم خادمة القصر تعترف : بأن معظم المناسبات التي لم تحضرها ماري ، لم يكن بسبب مرضها (كما قيل للشعب) .. بل لمنع إليزابيث اختها من التواجد معها تحت الأضواء.. 

مما استفزّ الناس الذين أصرّوا على وجود ماري بكافة المناسبات المستقبليّة ، وإلاّ لن يحضورها ثانيةً .. 


وبذلك أُجبر الملك على أخذ ماري معه ، رغم تركيز إهتمامه على إليزابيث كونها وليّة العهد التي علّمها اللغات الأجنبية والبروتوكولات الدوليّة .. بعكس ابنته ماري التي رغم تفوّقها الدراسيّ ، إلاّ انه لم يكترث بتنميّة قدراتها السياسيّة .. بعكس جدتها الحنونة التي تدرّسها بالخفاء ، لنيّةٍ تضمرها في قلبها !  

***


وذات يوم ، واثناء الإحتفال الملكي بإحدى المناسبات الوطنيّة .. جلست إليزابيث مع والديها في عربةٍ مُذهّبة ، وهي تلوّح بغرور للجماهير .. تاركةً أختها ماري تمشي خلف عربتها مع الجنود ، كأنها من الحاشية !

 

وهنا انتبهت ماري على سيدة عجوز تناديها بين الجمهور ، وتشير للإقتراب منها !

ولعفويّة ماري وطيبة قلبها ، توجّهت اليها .. ليُسارع الشعب بالتقاط الصور معها .. وسرعان ما أطلقت العجوز شعاراً مدويّاً :

- تحيا الملكة ماري !!!

وقبل أن تصحّح ماري خطؤها .. ردّد الجمهور بصوتٍ مرتفع :

- تحيا الملكة ماري !!!


ووصل صدى هتافاتهم لأسماع إليزابيث التي اغتاظت كثيراً ، وطلبت من والدها حلّ المشكلة .. 

فأوقف عربته ، آمراً ماري بالركوب فوراً.. 


ثم اسدلوا الستائر ، وبدأوا بنقدها بعنف .. حتى انهارت باكية وهي تحاول التوضيح بأنه ليس ذنبها ! 


وقد استطاع احد المصورين إلتقاط دموعها بين الستائر الشبه مفتوحة ، ونشرها بوسائل التواصل تحت عنوان :

((تعنيف الملكة ماري ، لمحبّة الناس لها))


مما زاد غضب الشعب الذين رفضوا أن يكون والدها ملكهم بعد اليوم ..فظلمه لإبنته البريئة ، تؤكّد أنه ليس حاكماً عادلاً ! 

ولتخفيف غضب الشعب .. طلب الملك إجتماعهم بيومٍ محدّد ، لتنازله عن الملك لوليّة العرش

*** 


وفي اليوم المنشود .. إكتظّت الساحة بالشعب الذي فاجأوا الأسرة المالكة  برفعهم صور ماري ، مُطالبين بتسلّمها الحكم ! 


وعلى المنصّة المرتفعة .. راقبوا الملك وهو يزيل التاج عن رأسه ، محاولاً كتمان حزنه .. 

وكلما اقترب من إليزابيث ، إستهجنوا بصوتٍ مرتفع ! 


فنصحه وزيره بعدم إغضاب شعبه .. فربما يُسقطون ملكه بثورةٍ غاضبة ، في حال عاند قرارهم الإجماعيّ !


وبالوقت الذي جلست فيه إليزابيث بغرور على العرش ، بانتظار تولّيها الحكم .. صدمها والدها بوضعه التاج على رأس ماري التي جلست بالصفوف الخلفيّة للطبقة المخمليّة من الأمراء !


ووسط دهشة اقارب الملك من تصرّفه الغير متوقع ! 

سارعت الجدة (آن) بالتصفيق ، وهي تُحيّ الملكة الجديدة .. مما أجبر البقيّة على تقليدها .. 

ليشاهد الجميع على الهواء مباشرةً : إنسحاب إليزابيث غاضبةً من الحفل ، وهي تتوّعد اختها بالإنتقام !


ورغم تردّد ماري بقبولها التنصيب الملكي ، إلاّ ان جدتها شجّعتها للإقتراب من مقدّمة المنصّة.. لمشاهدة الملايين وهم يحيّونها بحماسٍ وفرح ..

هامسةً الجدة بأذنها :

- انت الملكة بقرارٍ شعبيّ موحّد 

ماري بقلق : وماذا عن اختي ؟

- إنسي امرها الآن ، ولوّحي لهم


واعتصر الحزن قلب ماري الطيب ، لقهرها اختها دون ذنبٍ منها .. خاصة مع نظرات الغضب من والديها الّلذين لم يباركا لها ، كبقيّة الطبقة الحاكمة ! بل انتظرا انتهاء الحفل ، ليسارعا بدخول القصر وتهدئة ابنتهما المفضّلة .. بينما منعتها جدتها الإقتراب من غرفتها ، لحين هدوء الوضع

*** 


بعد اسابيع من تولّي ماري الحكم .. عيّنت اختها إليزابيث كسفيرة للبلاد ، لإتقانها عدّة لغات ومعرفتها الواسعة بالبروتوكولات الدوليّة  

ومع ذلك رفضت الأخت الكبرى مصالحتها ! وسافرت فوراً لاستلام سفارتها بدولةٍ مجاورة ، بينما انتقل والداها لفلّتهما الريفيّة 

ولم يبقى بالقصر ، سوى الجدة والملكة ماري التي تطيعها بجميع اوامرها

***


في إحدى الليالي .. إجتمعت الجدة سرّاً بالعجوز ، لتكريمها برزمةٍ من المال وهي تقول : 

- شكراً لاهتمامك بنشر الفيديوهات (التي سلّمتك إيّاها) للملأ

العجوز : لا شكر على واجب .. فجميعنا نتفق بأن ماري الطيبة والرزينة تستحق الملك اكثر من اختها المتغطرسة ..لهذا شجّعت الشعب على مناداتها بالملكة ، لإجبار والدها للرضوخ لطلبنا .. لكن عندي سؤال : هل وقفتِ بجانبها لأنها مظلومة ، أم تخطّطين لشيءٍ اكبر ؟ فأنا صديقتك منذ الطفولة ، وأعرفك جيداً

الجدة آن : فعلت ذلك ، لتلقين كنّتي درساً لن تنساه .. فهي قلّلت من شأني امام الإعلام الداخلي والعالمي 

- الم تسامحيها على ذلك التصرّف المتعجرف ؟


آن بعصبية : لا !! فأنا لم اوافق يوماً على زواج ابني من امرأة من عامّة الشعب .. عدا عن حلمي القديم بحكم البلاد .. لكن زوجي قبل وفاته أعطى المُلك لإبنه الذي أبعدني عن سلطاتي السابقة .. وجعل عودتي مستحيلة مع ابنته المغرورة 

العجوز : ألهذا اخترتِ ماري ، لضعف شخصيّتها ؟

- نعم ، فبسببها أصبحت الحاكمة الفعليّة للبلاد .. وابني وزوجته لا يستطيعان إيقافي ، بعد اعتزالهما السياسة

- وماذا عن إليزابيث ؟ ربما تطالب بحكمها مستقبلاً


الجدة : لهذا أرسلتها كسفيرة للبلاد ، فبقائها بالخارج أفضل لي

- أكان هذا قرارك ايضاً ؟!

- كل قرارات الدولة منذ تولي ماري الحكم ، هي من تخطيطي .. فأنا لديّ خبرة واسعة بهذا المجال .. ومع حفيدتي البسيطة ماري ، أكون حقّقت حلمي الكبير : بحكم البلاد أخيراً

العجوز : اذاً عليّ القول ... لتحيا ملكتنا آن !! 

وابتسمتا بمكر


هناك 3 تعليقات:

  1. هذه القصة استوحيتها من ملك اسبانيا فيليب وابنتيه .. حيث انتشر مؤخراً فيديوهات توضّح اهماله لأبنته الصغرى ، وتركيزه فقط على وليّة العهد .. كما انتشر فيديو لمشاجرة بين الجدة وكنتها .. فتخيّلت الأحداث المستقبلية لحاكمة البلاد الفعليّة

    ردحذف
  2. بالرغم من أن ملوك أوروبا منصبهم الملكي مجرد رمز ولا يحكمون أبدا الا أن القصة تحصل كثيرا في العائلات المالكة والاميرة الراحلة ديانا هي عبرة لذلك التي كانت دائما موضع الخلاف مع الملكة الام التي ربما لم تكن موافقة أن يتزوج ابنها قناة من الشعب

    ردحذف
  3. شاهدت هذا الفيديو المشكله ان هذا التمييز
    يجعل التوافق بين الاختين صعب رغم ان
    المشكله الحقيقيه سببها غباء الاب

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...