الخميس، 8 ديسمبر 2022

العقار المُميت

تأليف : امل شانوحة 

 

الكيميائيّ المتهوّر


قبل شهر من نهاية العام .. إقترب شاب من أمينة الصندوق في السوبرماركت ، لحساب مشترياته.. 

فلاحظت الموظفة شرائه اللُّبان بجميع انواعه !

فقالت ممازحة :

- ستزور طبيب الأسنان قريباً ، بعد هذه الكميّة من اللُّبان !

فقال بوجهٍ خالي من التعابير : سأحتاجهم لاحقاً

- هل انت استاذ إبتدائي ، وهذه مكافآت للطلاّب المتفوقين بنهاية الفصل الدراسيّ الأول ؟

فردّ بجفاء : عليّ جمع اكبر كميّة ممكنة

ووضع اللُّبان في اكياس ، متوجهاً لسيارته في الموقف العام.. تاركاً الموظفة بحيرة من إجابته الغامضة !

***


لم يذهب الشاب مباشرةً لمنزله .. بل تنقّل من بقالةٍ الى أخرى لشراء اكبر كميّة من اللُّبان (من مدّخرات والديه المتوفيّن)

وبحلول المساء .. امتلأت سيارته بأكياس اللُّبان التي خزّنها في صناديق بقبو منزله !

***


بعد إنتهاء حفلة رأس السنة بأيام ، إنفجر مصنع اللُّبان لسببٍ مجهول.. ولم يمضي اسبوع ، حتى احترق مصنعٌ آخر لصنع اللُّبان!


وبانتهاء الشهر الأول من السنة الجديدة ، أُغلقت جميع المصانع العشرة المخصّصة لصنع اللُّبان !

ورغم غرابة الخبر ! لكنه لم يكترث احد لخلوّ المحلاّت التجاريّة من اللُّبان ، الذين استعاضوا عنه بغسول الفم ..

***


في الشهر التالي .. بدأ ظهور اعراض مرضٍ غريب إنتشر بين الأطفال ، من بعدها انتقل لكبار السن .. ثم للشباب والمراهقين !

حيث بدأ المرض بطنينٍ مزعج بالأذن ، ثم اشتدّ ألمه بعد شعور المريض بضغطٍ هائل في اذنه ، كأنه في طائرة اثناء إقلاعها !


ويزيد الضغط بمرور الأيام ، حتى تنزف الأذن دماً ! بعدها يبدأ الشخص بفقدان سمعه تدريجيّاً مع دوخةٍ مستمرّة ، وعدم توازن بالحركة والإغماء المتواصل .. 

ويبدو إن فيروساً يتغذّى على صمغ الأذن .. وبعد أكله بالكامل ، يبدأ بالتهام طبلة الأذن ! 

***


في البداية نصح الأطباء بعدم تنظيف الأذن ، فشمعه يحمي السمع لحدٍّ ما .. لكن المرضى ظلّوا يشتكون من الضغط الهائل داخل آذانهم ، الذي يخفّ ألمه اثناء الطعام ! 

فاكتشف احد الأطباء إن المضغ يساعد على تحريك عضلات الأذن ، مما يعيق نشاط الفيروس ! لهذا اقترح مضغ اللُّبان لأطول وقتٍ ممكن 

***


فور انتشار الخبر بالإعلام ، توجّه الناس للمحال التجاريّة لشراء اللُّبان الذين تفاجأوا باختفائه ! خاصة بعد إغلاق حدود دولتهم عقب انتشار مرضهم الغريب ، وتوقف استيراد البضائع من الدول المجاورة ..

كما أثبت تقرير الشرطة إن الحرائق بمصانع اللُّبان مُفتعلاً ، بعد تعطيل كاميرات المراقبة فيها !


والوحيدة التي شكّت بالفاعل : هي أمينة صندوق السوبرماركت التي تذكّرت الشاب الغامض الذي اشترى جميع صناديق اللُّبان قبل رأس السنة 

وأخبرت الشرطة بذلك ، التي قامت بمراجعة كاميرات السوبرماركت .. ولحسن حظهم لم يُحذف فيديو الشاب اثناء توجّهه لسيارته البيضاء في الموقف ، حيث التقطت الكاميرا الخارجية للسوبرماركت لوحته الخلفيّة..


وسارعوا بالبحث عنه .. ليعلموا بعرضه اللُّبان بأسعارٍ مضاعفة على الإنترنت .. وبيعه صناديق كثيرة ، جعلته يكسب مليون دولار خلال ايامٍ معدودة !

***


توجّهت الشرطة فوراً الى منزله (بعد مراقبة كاميرات الطرق) .. ليجدوا مخزن اللُّبان في قبو منزله الخالي من السكّان .. مع عثورهم على سيارته البيضاء في مرآبه !

كما وجدوا في قبوه ، غرفةً سرّية لمختبرٍ طبّي ! 

فاتصلوا بخبراء كيميائيين ، حضروا بثيابهم الواقية لمعرفة ما يحضّره الشاب في مختبره السرّي ..

 

وكما توقعوا ! فهو من استحدث الفيروس الغريب الذي فقد السيطرة عليه بعد سقوط عيّنة منه على فروّ كلبه الذي هرب منه .. ليعود بعد ساعة وأذنه تنزف دماً ! (حسب ما ذكره في حاسوبه) .. وقد عثروا على هيكل كلبه العظميّ محفوظاً بزجاجٍ واقي في مختبره ! 


وحسب مذكّراته : يشكّ أن كلبه نقل المرض لكلبة الجيران التي ماتت بعده بأيام ، بعد نقلها العدوى لأبناء الجيران الذين نقلوها لأصدقائهم بالمدرسة ، قبل انتقالها لأولياء امورهم ! 

ويظن أن الفيروس ينتقل بملامسة الجلد المصاب او فروّ الحيوانات .. وهو يظهر بالمجهر الضوئي : كدودةٍ صغيرة تنتقل تحت الجلد ، متوجهة لشمع الأذن اولاً ..ثم تتكاثر في الجسم بعد اختراقها طبلة الأذن !  


ورغم عدم إنهاء الشاب لدراسته الثانويّة ، إلاّ انه عبقريّ بالمجال الكيميائيّ .. فهو علم مسبقاً بأن المضغ يُعيق اداء الفيروس اطول مدةٍ ممكنة .. لهذا احتكر اللّبان عنده ، لبيعها بإسعارٍ خياليّة ! 

وبسبب نشره للمرض الخطير ، وزّعت صوره بكافة مراكز الشرطة للقبض عليه ..

***


بنهاية الإسبوع .. تمّ القبض على الشاب الغامض مُختبئاً في الغابة ، بعد هربه من الشرطة التي رآها من بعيد تقتحم منزله ..


وبعد التحقيق معه ، أخبرهم بشيءٍ أفزعهم .. فهو من نشر مرض الكورونا ، وليس الصين كما عرف للعالم قبل سنتين ! 

وذلك بعد مشكلة مع والده الذي عيّره دائماً بفشله الدراسيّ .. لهذا استحدث المرض في مختبره (فهو منع والديه الإقتراب من غرفته بالقبو) لكن الأمور خرجت عن السيطرة بعد موت والديه بالكورونا .. ولم يستطع دفنهما بالغابة (كما خطّط) بعد ملاحقته من سيارة شرطة لتجاوزه السرعة ، فاضّطر لرميهما في النهر .. وكان هناك سائحيّن آسيويّن يسبحان وهما يغنّيان بسكرٍ واضح ، ويبدو التقطا المرض قبل عودتهما للصين ! 

***


وبعد ساعتين من التحقيق معه .. أثار بروده ، غضب المحقّق الذي شدّه من قميصه بعنف (حيث يدا الشاب مُكبّلتين للخلف) صارخاً في وجهه ، وهو يمضغ اللُّبان بعصبية :

- إسمع ايها النكرة !! انت أحدثت مرض الأذن ، فماهو علاجه؟

الشاب : ألهذا تمضع الّلبانة تلوّ الآخرى طوال التحقيق ؟ متى أصبت بالطنين المؤلم ؟ 

- أجبّ سؤالي يا لعين !!

الشاب : إخبرني اولاً .. كيف حللّت المشكلة اثناء النوم ؟

- أضبط المنبّه للإستيقاظ كل ساعتين لتناول اللُّبان ، الذي أصبح أغلى من اللحم بسببك .. واعتزلت عائلتي ، حتى لا يصابوا بالعدوى


الشاب معاتباً : ورغم إصابتك ، أحضروك لتعديني بمرضك ؟!

- أعديك ايها التافه !! وانت من أصبت البلاد بالمرض القاتل.. هيا تكلّم !! ماهو العلاج ؟

- مازلت ادرس الموضوع

- لم تجده بعد !

الشاب بغرور : عليكم إطلاق سراحي لأكثّف أبحاثي قبل تطوّر المرض ، فلا حلّ آخر امامكم

*** 


وكان القاضي (الذي توفيّ حفيداه بسبب المرض الغامض) يريد إعدام الشاب المتهوّر .. لكن المحقّق والمحاميين (الذين أصيبوا عائلاتهم بالمرض) أقنعوه بحجزّ الشاب في مختبرٍ طبّي متطوّر مع نخبة من الكيميائيين ، لإيجاد العلاج بأسرع وقتٍ ممكن .. 

فالمرض شلّ إقتصاد البلد بعد توقف العمل بها ، وإغلاق المدارس والجامعات .. وطالما الشاب خبير بهذا المجال ، فعليه إيجاد العلاج لأنه أدرى بتركيبة الفيروس التي رفض إخبارهم بها !


فوافق القاضي مُرغماً .. وتمّ تقيّد الشاب بسلاسل طويلة لا تعيق عمله داخل المختبر المراقب بالكاميرات ، مع مجموعة من أفضل المخبريين للعثور على العلاج اللازم ..

***


وبعد اسابيع من العمل الجاد.. رفع الشاب محلولاً احمراً امام المخبريين الخمسة وهو يقول بحماس :

- وجدّت العلاج اخيراً !! 

- أحقاً ! 

الشاب بفخر : نعم ، تعالوا لرؤية الفيروس وهو يموت بقطرتين من هذا المحلول


وتجمّعوا امام الشاشة المخصّصة لتكبير شريحة المجهر ، وهم غير مصدقين كيف لشابٍ عشرينيّ لا يملك شهادة ثانويّة من إيجاد علاجٍ أربكهم لشهورٍ عدّة ! حيث قضى محلوله السحريّ على المرض تماماً


وعلى الفور !! أُرسل العلاج لمصنع الدواء لتحويله الى قطرة أذن ، توزّع على جميع المستشفيات وعيادات البلد 

***


لم تمضي اسابيع على نشرهم العلاج الذي أُعطي إجبارياً لكل منزلٍ فيه شخصٌ مصاب ، حتى اختفى المرض تماماً 


من بعدها طالب الشاب بالعفو عنه بعد إيجاده العلاج ، لكن القاضي رفض طلبه قائلاً :

- وماذا عن الثلاثين طفلاً وعجوزاً الذين ماتوا بعد انفجار طبلة اذنهم ، مسببةً نزيفاً داخليّاً ؟ هل ندعك تهرب بذنبك ، لتنتج فيروساً جديداً يقتلنا جميعاً ؟!!

الشاب : انت غاضب سيدي لموت حفيديك ، لذلك لا تفكّر بمنطقيّة.. فأنا وجدّت العلاج بوقتٍ قياسيّ ، وإطلاق سراحي هو مكافئةً عادلة

- وأنت من أحدثت المرض في بادىء الأمر ، لتحتكر اللُّبان لربحك الماديّ 

- انا كشاب عاطل عن العمل قضيت وقتي بالتجارب الكيميائية ، لكن الأمور خرجت عن السيطرة دون ارادةٍ مني 

القاضي بعصبية : وماذا عن ملايين الدولارات التي خسرتها دول العالم بسبب الكورونا ؟!!

- وذلك المرض انتهى ايضاً .. على الأقل علّمت البشريّة أهميّة النظافة


وهنا دخل شرطي الى قاعة المحكمة ، ومعه شريط فيديو :

- سيدي !! عليك رؤية ما صوّرته كاميرا المراقبة ، لحسم قضيّة الشاب


وظهر بالفيديو (ما صوّرته كاميرا محطّة البنزين ، القريبة من مصنع الّلبان) رقم سيارة الشاب البيضاء وهي تبتعد عن المصنع مساءً ، قبل انفجار المصنع بقليل !

فصرخ القاضي غاضباً :

- يا لعين !! أأنت من أحرقت مصانع الّلبان ، لاحتكار المنتج؟!


فتنهّد الشاب بضيق بعد انكشاف جرائمه : 

- يبدو انني بورطةٍ كبيرة ! فهل ستحكم عليّ بالمؤبّد ؟

القاضي بعصبية : قتلت ملايين البشر بمرضين قاتلين ، وأفلست شركاتٍ كبرى وأوقفت العالم على قدمٍ واحدة لسنتين ، وأحرقت مصانع اللُّبان ، وتسألني عن عقابك ايها تافه ؟.. صحيح إن بلدنا ألغى حكم الإعدام ، لكني سأقوم باستثناء لفداحة ذنبك ..وسأحكم بشنقك علناً بساحة المدينة ، لتكون عبرة للجميع !!

الشاب : بذلك تخسرون عالماً كيميائياً عبقريّاً

- بل سنخسر شيطاناً عديم الإحساس والضمير

الشاب بتهكّم : اذاً لتجد ملائكتكم علاجاً لمرضي الجديد الذي استحدثته اثناء وجودي بمختبركم المتطوّر


وفتح فصّ خاتمه الكبير ، لشرب قطراتٍ منه !

قبل سقوطه على الأرض وهو يتلوّى بألمٍ شديد ، بعد انتفاخ بطنه بشكلٍ مرعب ، تسبّب بتمزيق قميصه امام انظار الحاضرين في المحكمة الذين تجمّدوا بأماكنهم ! 

قبل انفجار بطنه الى اشلاء ، لطّخت الجالسين قربه .. والذين ركضوا هاربين لدورة المياه ، لغسل وجوههم من الفيروس الجديد الذي ابتلعه الشاب ولوّثت ثيابهم ! دون علمهم بأنه مرضٌ مضاعف للجذام ، ستجعل جلودهم تتفسّخ خلال ايامٍ معدودة .. 


وبموت الشاب ، لن يعلم احد مركّب المحلول الغامض الذي ابتلعه ..والذي سيصعب وقف انتشاره ، ليبيد ملايين البشر حول العالم بوقتٍ قياسيّ ! 


هناك 9 تعليقات:

  1. هذه قصة خيال علمي .. فعند انتشار مرض الكورونا ، أقبل الناس على شراء الكمّامات والمطهّرات ، بالإضافة للمناديل الورقيّة .. وعند بداية الحرب على أوكرانيا ، هجم الناس على المحال التجارية لشراء الزيت النباتي ..
    لهذا خطر ببالي إختفاء شيءٌ تافه من الأسواق كالّلبان (العلكة) وهل سيسبّب فزعاً ، لكونه علاجاً لمرضٍ غامض ؟ .. أتمنى أن تعجبكم القصة

    ردحذف
    الردود
    1. كانت قصة جميلة بطابع سوداوي و نهاية مأساوية، احببت القصة و اعجبتني كثيراً الاحداث، ياريت تكون قصصك مثل هيك طول الوقت

      شكراً على تعبك 🖤

      حذف
    2. سأحاول ان شاء الله .. تحياتي لك

      حذف
  2. خيال شاسع مرج لا حد له
    لو كنتي فقط تعيشين بهوليوود
    وتتحدثين الانجليزيه او لكي صله باي شركة انتاج
    لانتج هذا فيلم رعب وخيال علمي يحمله فكره
    جديده بدلا من افلام الزومبي التي تكررت
    باكثر من الف فيلم مع الاعاده والتدوير
    وكنت سارشح له اندرو غارفيلد

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة انها أعجبتك ، أخ عاصم.. والممثل الذي اخترته مناسبٌ جداً للبطل الذي تخيلته اثناء كتابتي القصة .. احسنت !!

      حذف
  3. متميزة و متفردة بأفكارك كالعادة عزيزتي امل 🤍 صدقا لا اظنني سأحب كتابات كاتب اخر كما احب كتاباتك 😘 دمتي بخير

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لإخلاصك لمدونتي المتواضعة ، أخت شيماء .. تحياتي لك

      حذف
  4. رائعة كالعادة اعشق قصصك و كل يوم اتصفح المدونة بحثا عن جديديك تابعتك منذ اول قصة و اتمنى من اعماق قلبي ان يكون النجاح حليفك و تصل قصصك للعالمية لانك ببساطة عبقرية قصص حفظك اللله

    ردحذف
    الردود
    1. شكراً لمدحك الجميل ، وأتمنى فعلاً ان تتحوّل احدى قصصي لفيلم سينمائي هادف.. تحياتي لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...