الجمعة، 4 نوفمبر 2022

التوازن الإجتماعي

تأليف : امل شانوحة 

قائد الثورة


في مدينة ساوّ باولو البرازيليّة.. عاش انطونيو شاباً فقيراً طوال ثلاثين سنة من عمره في منطقة المُعدمين التي تفصلهم عن قصور وأبنية الأثرياء جدارٌ إسمنتيّ عملاق ، مُحاط بالأسلاكٍ شائكة مُكهربة !


ومنذ صغره وهو يتأمّل المباني الضخمة الظاهرة من خلف الجدار ، ويتساءل كيف هي حياة الأثرياء ؟ وما شعورهم وهم يطلّون على الفقراء ؟ الم تشفق قلوبهم المُتحجّرة لمساعدتهم وتحسين حياتهم الإجتماعية ؟ فهم يعيشون اسوء الظروف ويفتقرون لأبسط الأمور الحياتيّة .. فلا طرقات مُسفّلتة تحميهم من الأمطار ، ولا مرافق عامة وصحيّة .. 


اما الباب الرئيسي الذي يفصل بين الطبقتين الإجتماعيّة لدولةٍ واحدة ، يُفتح مرة كل شهر لرمي نفايات الأثرياء في مكبٍّ ضخم موجود فوق تلٍ خلف الأكواخ الشعبيّة ، غير مكترثين من ضررها على الأطفال الصغار للعائلات المُعدمة ، والذين يتجمّعون فوق جبال النفايات للبحث عن بقايا طعام المطاعم ، وملابس والعاب لم يعدّ اطفالهم المدلّلين بحاجةٍ اليها !


وكان انطونيو واحداً من هؤلاء الأطفال المُشّردين بعد موت والده من ادمانه المخدرات ، وتورّط امه بالدعارة .. اما اخوته الصغار فتمّ تبنّيهم مُتفرّقين من بعض الجيران (ولم يعدّ يعرف عنهم شيئاً ، بعد تلقيبهم بأسماء عائلاتهم الجديدة).. 

ولأنه كبيرهم ، فقد انخرط مع اولاد الشوارع بعمر العاشرة .. وكان يأكل مما يجده في الطرقات ، او ما يستعطف به الناس عليه .. 


الفرق الوحيد بينه وبين بقيّة الأطفال انه تعلّم حتى الصف الثالث قبل إدمان والده وخراب عائلته ، لهذا يُتقن القراءة والكتابة .. 

وكانت هوايته جمع الجرائد المرمية في مزبلتهم بتواريخ جديدة ، لقراءتها بمنزل عائلته القديم المتهالك على ضوء الشمع ..

***


حين بلغ سن الثلاثين ، تورّط مع عصابة الشوارع .. وتعلّم منهم التصويب بالسلاح وفنون القتال والدفاع عن النفس .. 

واعتمد رئيس العصابة عليه لتمتّعه بصفات القيادة ، وقدرته على التحكّم بأفراد العصابة .. لكن هذا لم يكن حلمه بتاتاً ، فهو يطمح دائماً لرؤية عالم الأثرياء منذ أن كان صغيراً ، ويقف عند اعلى تلّ مكبّ النفايات لرؤية المسبح الموجود في إحدى طوابق العمارة الشاهقة ، مما يثير دهشته ! 

فهو لم يرى البحر بحياته .. فالشاطىء الوحيد بدولتهم ، إستحوذ عليه قسم الأغنياء وبنوا حوله الفنادق السياحيّة .. ولم يرى شاطئهم المشهور إلاّ من خلال صور الجرائد والمجلاّت المرمية في منطقتهم ..

***


في اوائل الخريف ، قرأ خبراً بالجريدة اثار اهتمامه : عن موت ابن رجلٍ ثري إنتحاراً .. والغريب في الموضوع إن اسمه الثلاثيّ يُشابه اسم انطونيو وعائلته ، حتى عمره ! 

وسبب الإنتحار : هو رفضه الإنخراط بالجيش الإجباريّ الذي فرضه الحاكم على شباب الأغنياء فقط ، لعدم تحمّلهم المسؤولية بسبب دلالهم الزائد .. 

ورغم أن التجنيد لسنةٍ واحدة إلاّ أن الشاب قرّر انهاء حياته ، بدل أن يصبح رجلاً قوياً !


فخطرت ببال انطونيو فكرةً جهنميّة ، وطلب من صديقه بالعصابة تحويل شكله ، ليُشابه صورة المنتحر ! 

فصبغ شعره بالأحمر ، وحلق شاربه ولحيته .. ووضع له حلقاً بإذنه وفمه .. وألبسه ثياباً من البالة ، تُشبه ثياب الشاب بالصورة (وهي ثياب مُقلّدة لماركاتٍ عالميّة) .. 


وطلب انطونيو من صديقه عدم إخبار احد بالتغيّرات التي أجراها على شكله الخارجيّ .. مُتحجّجاً بأن رئيس عصابته أوكله بمهمّةٍ سرّية ، وسيُقتل إن باح بها ! فوافق صديقه على كتمان السرّ ..

***


في تلك الليلة .. سهر انطونيو قرب البوّابة الفاصلة بين المجتمعين ، لعلمه بأن شاحنات النفايات ستأتي قبيل الفجر لتفريغ حمولتها بالمكبّ الذي لديهم ، كما تفعل بنهاية كل شهر  


وما أن دخلت الشاحنات الثلاثة ، حتى استطاع المرور سريعاً للجهة المقابلة ..

واول ما انتبه اليه : هو الخطّ السريع المُسفلت ، والطرقات الجافة من مطر البارحة ، بعكس طرقاتهم الموحلة والمليئة بالقاذورات !


ومشى سريعاً ، الى ان اوقف سيارة اجرة .. فشكله لا يثير الذعر ، لتشابهه مع شبابهم العصريّ ..

وبعد ركوبه السيارة ، سأله السائق :

- مالذي اتى بك لهذه المنطقة ، فهي بعيدة عن المساكن ؟

- كنت مكتئباً قليلاً ، بسبب التجنيد العسكري الإجباريّ 

السائق : جميع شبابنا مُتضايق من القرار المفاجىء لحاكمنا .. يبدو ان الأباء ضغطوا عليه بعد فساد اولادهم

- أتدري .. بعد تفكيرٍ مطوّل بالموضوع ، قرّرت الإنضمام للجيش .. بالنهاية هو عامٌ واحد ، وسيمضي بجميع الأحوال 

- احسنت !!


انطونيو : لكن اين التقديم ، هل تعلم ؟

- بالطبع !! فإبني ذاهبٌ للجيش غداً

- أهو غداً ؟!

السائق : نعم ، في السابعة صباحاً

فنظر انطونيو لساعته :

- يعني بقيّ ثلاث ساعات ! 

السائق : لا عليك ، يمكننا الوصول الى هناك بالوقت المناسب .. لكن اين ملابسك ؟

- الن يعطونا زيّاً عسكرياً ؟


السائق : بلى ، لكني قصدّت حقيبتك التي فيها ادوات الحلاقة ، ومشط.. 

انطونيو مقاطعاً : وما الداعي إن كانوا سيحلقون شعرنا بالكامل ، ويعطونا غيارات من عندهم ؟

- صحيح ، هم سيتكفّلون بكل شيء .. وقد أكّد حاكمنا توفيره كل ما تحتاجونه .. حتى انه عيّن أفضل الطبّاخين لوجباتكم اليوميّة

انطونيو : جيد .. اذاً لنسرع الى هناك ، قبل تغيّر رأيّ

- والدك سيكون فخوراً بك

***


حاول انطونيو التماسك وهو يقف بالطابور الطويل للشباب الذين يبدون من وقفتهم وطريقة كلامهم كأنهم شواذّ او عبّاد شياطين او إنمي في مجلاّت المانجا التي رآها في مكبّ النفايات ، فهم لا يبدون حقيقيّن بل مزيّفون للغاية !


وحين وصل دوره ، أعطى هويّته بيدٍ مُرتجفة.. فنظر الضابط اليه بتمعّن ثم نظر للائحة التي امامه ، ليجد اسمه الثلاثيّ موجود ضمن قائمة المنتسبين الجدّد .. 

فأشار اليه للدخول الى غرفة الكشف الطبّي .. فتنفّس انطونيو الصعداء لأن تزويره لشخصيّة المُنتحر مرّ بسلام ، ويبدو ان اهل الفقيد لم يخبروهم بموته !


وبعد انتهائه من الفحص الطبّي ، حلقوا شعره بالكامل .. ثم أُعطي زيّه العسكريّ .. ونُقل مع رفاقه الى المهجع الذي يحوي مئة سرير .. فاختار السرير العلويّ ، بينما اختار عسكريّ بدين السرير السفليّ .. 


وبعد لبسهم الزيّ العسكري الموحّد ، أخذهم الضابط الى الساحة لسماع خطبة عن أهمية الوطن والفداء والقوّة الشبابية ، وكلامٌ تشجيعيّ الذي أشعر معظمهم بالملّل .. بعكس انطونيو الذي كان متحمّساً لتنفيذ خطته التي لطالما حلم بها .. لكن عليه اولاً الوصول لأعلى رتبة بالجيش ، وبوقتٍ قياسيّ ! 


ولم يكن ذلك صعباً مع مجموعة الشباب المدلّلين ، حيث فاز عليهم بجميع التحدّيات التي تعتمد على القوّة البدنية والذكاء والصبر والتحمّل..

***


لم تمضي ثلاثة شهور ، حتى أصبح عريفاً عليهم .. وكان يتهرّب دائماً من اسئلة زملائه عن حياته العائلية واختصاصه الجامعيّ وطفولته ، بحجّة انه اعلى رتبة منهم ، ولا يريد مصادقتهم .. فاعتبروه مغروراً ، بينما يحاول جاهداً عدم انكشاف شخصيّته المزوّرة التي ستؤدي به للسجن

***


إستطاع انطونيو بوقتٍ قصير حصوله على تقدير واحترام قائديه لسرعة بديهته وذكائه فهو يبدو كرجلٍ ذوّ عزيمة وإباء ، بعكس زملائه الذين يشتكون دائماً من رداءة الطعام وقلّة نومهم ، كأنهم اطفال عديمي المسؤولية ! 

***


بعد عامٍ ، وبحفلة التخرّج .. حصل انطونيو على وسام الجشاعة مع تصفيق رفقائه ، ليعيّن ضابطاً رسميّاً بعد قراره ببقائه في الجيش .. بينما عاد البقيّة لأهلهم ، وهم يشتكون قساوة العام الفائت ! 

***


بغضون عشر سنوات .. إرتفعت رتبة انطونيو سريعاً ، حتى وصل لنائب قائد الجيش بعمر الأربعين .. وهو رقمٌ قياسيّ بالجيش ، لكنه الأجدر بينهم ويستحق ما وصل اليه .. دون علم احد بما يخطّط له ، خاصة انه كل ليلة يصعد لأعلى تلٍّ بالمعسكر لرؤية عالم الفقراء الذي يحنّ اليه ، وهو يطمح بتغيّر حياتهم للأفضل .. فالجميع برأيه يستحق فرصة للحياة الكريمة ..

***


عند بلوغه سن الخمسين ، توفيّ قائد الجيش بأزمةٍ قلبّية .. وعيَّنَ بوصيته انطونيو مكانه ، وهو طموحه منذ البداية للوصول لأعلى مراتب الجيش 

وبعد تكوينه مجموعة من افراد الجيش يطيعونه طاعةً عمياء ، صار الوقت لانقلابٍ عسكريّ على حاكم البلاد الذي عُرف بفساده وإدمانه المخدرات والنساء ، عدا عن عنصريّته الواضحة ضدّ فقراء شعبه ! 

***


في ليلةٍ مُقمرة ، هجم انطونيو وجيشه على القصر الجمهوريّ .. وقتلوا الحاكم وحاشيته .. ليستفيق الشعب نهاراً على خبر استلام انطونيو للدولة بطبقتيها الإجتماعية : الأغنياء والفقراء .. ويعدهم ببثٍ مباشر : بتغيرات مفاجئة بالأيام القادمة ، مما ارعب الأثرياء .. بينما الفقراء لم يعلموا بشأن الإنقلاب ، لانعدام وسائل التواصل الإجتماعي عندهم !

*** 


وكان قرار انطونيو الصادم هو : تبديل المجتمعين ! 

فعلى الأغنياء الإنتقال الجبري الى منطقة الفقراء المُعدمين .. بينما الفقراء يعيشون بقصور الأغنياء ، حسب اسمائهم بالقرعة !


فجنّ جنون التجّار والمثقفين بقراره المتهوّر ! ليصدمهم اكثر بقطعه الإنترنت عن كل دولته.. 

ليس هذا فحسب ، بل اوقف الطيران والسفر البحريّ والبريّ للدول المجاورة .. وأغلق السفارات الأجنبية ، بعد طرد سفرائها والمراسين الإعلامين والسيّاح الأجانب الى دولهم .. وحاصر جيشه جميع مداخل ومخارج الدولة ، لمنع الغرباء من الوصول اليهم !


كما منع الأثرياء من سحب نقودهم من البنوك بعد إغلاقها جبرياً ، وحرمانهم حتى من اخذ اشيائهم الثمينة من قصورهم ! حيث سُمح لكل شخص بحمل حقيبة يدٍ واحدة لثيابه ، والتي تُفتّش جيداً من الجيش قبل دخوله عالم الفقراء ! 


وكانت الصدمة كبيرة على الفقراء بعد علمهم بانتقالهم اخيراً الى الجانب الآخر من دولتهم ! واصطفّوا لوضع اسمائهم بالقرعة .. فمنهم من حصل على غرفة بفندقٍ فاخر ..ومنهم من كان محظوظاً بحصوله هو واقاربه على قصرٍ فخم .. ومنهم من تسلّم شقةً سكنيّة ، تُعتبر قصراً بالنسبة لكوخهم القديم


بينما كان على الأثرياء اختيار انظف كوخٍ في المناطق الشعبيّة القذرة المليئة برائحة النفايات وفضلات المواشي ، للسكن فيها !


اما عصابات المنطقة الفقيرة ، فتفاجأوا باقتيادهم الى زنزانات سجن الأثرياء ، لأن انطونيو لا يريدهم أن يثيروا الفساد في العالم النظيف .. وكان منهم عصابته القديمة الذين لم يتعرّفوا عليه بعد تغيّر شكله بكبر سنه!


وأخبر انطونيو شعبه بخطبةٍ مُباشرة من داخل قصر الحاكم : بأن التبديل سيستمرّ لعامٍ كامل ! من بعدها سيبدأ الإعمار والإصلاح بعالم الفقراء ، وإزالة الجدار الفاصل بين الطبقتين الإجتماعيّة .. 

الى ذلك الحين على الأغنياء تحمّل الشقاء بزراعة اراضي الفقراء والعمل في مصانعهم الردئية .. بينما للفقراء الحرّية بتناول الطعام اللذيذ الذي لم يتذوقوه بحياتهم ، وتجربة الملاهي والمولات والأماكن الترفيهيّة التي شاهدوها ببعض التلفازات القليلة التي ملكها أفضل الفقراء حالاً 

*** 


بسبب الإنتقال التعسّفي ، حاول الشباب المدلّلين رشوى بعض جنود الجدار الفاصل للسماح لهم بعبور البوّابة باتجاه البحر الموجود بقسم الأثرياء ، للهرب لدولةٍ قريبة .. وبسبب ذلك ، مات عدداً منهم غرقاً بسفن التهريب الغير شرعيّة .. 


مما جعل انطونيو يشدّد الرقابة على طول الشاطىء .. وإفهام الآباء (الأثرياء) بأن عليهم توعيّة ابنائهم بأن حالتهم البائسة ستستمّر سنةً واحدة فقط ، وستنتهي بجميع الأحوال .. ستكون تجربة قاسية ، لتقوية شخصيّتهم المُرهفة التي شاهدها اثناء وجوده في الجيش .. فبدأ الأهل بتصبير ابنائهم لتحمّل الشقاء ، مما قلّل عمليات التهريب والإنتحار بينهم ! 

***


بعد شهور .. تحوّل بعض الفقراء الى متغطّرسين ، خاصة ممّن سكن القصور المُترفة التي أفسدت اخلاقهم مع ابنائهم الذين غيّروا اسلوب ملابسهم لما يُشابهه زيّ الشواذّ وعبّاد شياطين ، تماماً كما حصل سابقاً مع ابناء الأغنياء ! حتى انهم تنمّروا على من عاش في شققٍ عادية ، كأنهم ولدوا اغنياء منذ البداية !


في المقابل .. بدأت شخصيّة شباب الأثرياء تتغيّر نحو الأفضل ، بعد تعوّدهم على حياة المزراعين والرعاة وعمّال المصانع ..وأصبحوا يتحمّلون المسؤولية ، ويصرفون على آبائهم العجائز الذي فرحوا بهذا التغير الإيجابي بشخصيّة اولادهم ، المدلّلين سابقاً! 


بينما هناك نوعاً آخر من الفقراء حاول تمرير مساعدات للجهة المقابلة ، لعلمه بصعوبة عيش الثريّ حياتهم القاسية .. 

ووصل الأمر لأنطونيو الذي سمح بتلك المساعدات التي ستقلّل التوتّر بينهما ، كما تنبّه الأغنياء على طيبة قلب الفقراء وسخائهم الفطريّ .. 

***


بعد مرور عام ، وقبل عودة كل شيء مكانه .. وصل الخبر للدول العظمى التي استطاعت بطريقةٍ ما ، خطف انطونيو من قصره الجمهوريّ وترحيله للخارج ! 

ليفاجأ شعبه بعودة الإنترنت اليهم ! وسماعهم خبر إعتقاله .. وفتح حدودهم الجويّة والبريّة والبحريّة بعد عامٍ من وجودهم بالحصار الجبريّ .. 


واستطاع ابن الحاكم القديم الذي كان يعيش بالغربة (لحظة الإنقلاب العسكري على والده) من العودة لبلاده .. وإعادة كل شيء مكانه ، بعد إجباره الفقراء على الرجوع لعالمهم ، والذين تفاجأوا بأن ابناء الأثرياء قاموا بتحسين منازلهم وطرقاتهم وتوصيل الكهرباء والإنترنت لهم .. حتى مكبّ النفايات بنوا مصنعاً فيه للفرز والحرق ! حيث عمل كل شاب حسب خبرته العلميّة ، فجميعهم خرّيجي اهم الجامعات ولديهم فكرٌ واعيّ ومبدع 


في المقابل تضايق كبار الأثرياء بعد عودتهم لقصورهم التي امتلاءت بالقاذورات والتي ستحتاج الى الكثير من الترميمات والتنظيفات لإعادتها كما كانت ، فالفقراء حوّلوها لما يُشبه عالمهم القذر الذين تعوّدا عليه ! خاصة إن قرار تركهم القصور جاء مفاجئاً وجبريّاً .. حيث عادوا بملابسهم التي عليهم الى منطقتهم الشعبيّة ، بعد قرار منعهم من أخذ أيّ شيء من القصور ، حتى لوّ كانت تعود لهم ! 

وذلك بعد فتح البنوك من جديد ، ليصطفّ الأغنياء لسحب بعض اموالهم المُجمّدة ، لشراء ملابس جديدة بدل التي استخدموها الفقراء ، والتي سيتمّ رميها لاحقاً في مكبّ النفايات التابع لمنطقتهم الفقيرة  

***


المفارقة : انه حين تمّ الحكم على انطونيو بالخارج بالإعدام ، إعترض شعبه بكلا المجتمعين ، مما فاجأ الحاكم الجديد ! 

حيث أعرب الفقراء عن شكرهم وامتنانهم له ، للسماح لهم بتجربة حياة الأغنياء التي لطالما حلموا بها ..وأعطاهم فرصة الشعور بالعدالة والتوازن الإجتماعي .. 

بينما عبّر عجائزهم بالإعلام : بأن حياة الأثرياء لم تكن جميلة كما تصوّروها ، بعد فساد احفادهم الذين قضوا عامهم بالسهرات الليليّة والبارات .. 


اما الشباب والمراهقين الفقراء فأعربوا عن ضيقهم لعودتهم الى العمل الشاقّ بالمصانع والمزارع بعد تعوّدهم على حياة الترف .. حيث قال احدهم للصحافة : 

- لم نكن نشعر بقساوة الفقر لأنه ما تعوّدنا عليه طوال حياتنا .. لكن عودتنا الى هناك أصبحت صعبة الآن ، بعد تذوّقنا طعم النعيم الذي ربما نُحرم منه للأبد !


وهذا يعاكس رأيّ اهالي الأثرياء الذين فرحوا بتحمّل اولادهم المسؤولية وتغيّر شخصياتهم للأفضل بعد معرفتهم بقيمة المال الذي كانوا يعطونه لهم سابقاً بسخاءٍ وبذخ.. كما فخرهم باقتراح شبابهم لفتح مصانع جديدة للعمّال الفقراء ، بدل تجميد اموالهم بالبنوك .. خاصة بعد تمكّنهم العيش دون ثروتهم لعامٍ كامل 

***


وبالفعل وافق كبار الأثرياء على بناء مصانع جديدة ، لكن بشرط !! عودة انطونيو لهم ! والذي تجمّع شعبه بجميع طبقاته الإجتماعية على جانبيّ الطريق منذ وصوله المطار ، لتحيّته بعد عودته من المنفى 


بينما طالب الحاكم الجديد بانتقال انطونيو فوراً الى منطقته الشعبيّة (فهو مازال متضايقٌ منه لقتله والده .. رغم عدم توافقه مع ابيه سابقاً ، ولذلك فضّل العيش بالغربة لإيقاف الخصام بينهما) .. 

لكن انطونيو أصرّ اولاً على هدم الجدار الفاصل بين المجتمعين ، خاصة بعد تسريح المساجين (الفقراء والأغنياء) الذي تأهّلوا من جديد داخل السجن ، وعوّلجوا من إدمانهم خلال العام الفائت ، وأصبحوا قوّة عاملة ومُنتجة في المجتمع ..


فاقترح الحاكم عرض رأيه على تصويت الجماهير ، ليتفق أغلبيّة الأصوات بموافقة الأغنياء والفقراء على هدم الجدار الفاصل بينهما! 

***


وبالفعل ! وقف انطونيو بين شعبه وهو يراقب شباب العالمين يكسرون الجدار بالمطارق ، الى ان هدموه تماماً ..وسط تصفيقهم وهتافاتهم الحماسيّة ، وبتصوير الإعلام الداخلي والعالمي الذي رافق الحدث المهم 

ليحتضن الشباب بعضهم دون غرورٍ او غطرسة ، كأنهم اصبحوا شعباً موحداً بعد أن قلّ حقد الفقراء على الأغنياء ، وتعاطف الأثرياء على الحياة القاسية للفقراء ..  


ممّا فاجأ الحاكم الجديد (الذي كان قرار بناء الجدار الفاصل من والده الظالم) الذي قرّر توظيف انطونيو كوزير للإعمار والإصلاح ، لخبرته بكلا المجتمعين .. ليحصل لاحقاً على تأيّد شعبه بقراره الحكيم .. 


وبدوره وعد انطونيو بإصلاح الدولة بالكامل ، بحيث يخفّف الفروقات قدر الإمكان بين الطبقتين الإجتماعية .. وأعطاه الحاكم كامل الصلاحية لإتمام وعده للشعب ! 

***


وخلال عشر سنوات .. إندمج الشعبين ببعضهما ، وأصبحوا اثرياء وطبقة وسطى فقط .. بعد أن جعل انطونيو التعليم إجباري بموافقة الحاكم ..وطلب من كل مثقّف تعليم عشر اطفال أميّن ، مقابل خدمات ترفيهية مجانية .. مما ادى لاحقاً للقضاء على الفقر والجهل .. وازداد اقتصاد البلد بتوظيف الأيدي العاملة ، بعد بناء العديد من المصانع والمزارع الجديدة التي استشمرها الأغنياء في دولتهم ، بدل تجميد اموالهم في البنوك ..

 

كما استمرّ التجنيد الإجباريّ الذي عدّل شخصيّة الشباب المدللّين ، كما  حمّل الفقراء المسؤولية على حدٍ سواء .. واللذيّن قويّت الصداقة بينهما ، ليصبحا جيلاً اكثر تفاهماً ومحبّة

***


وبيوم وفاة انطونيو بعمر السبعين .. إحتشد الجموع بجميع طبقاته الإجتماعية لتوديع بطلهم الثوريّ الذي غيّر شكل دولتهم للأفضل ، بعد إقامته العدل والتوازن الإجتماعي طوال خدمته وإخلاصه لوزارته حتى وفاته ..

وأصبحت تُدرّس سيرته الذاتيّة ومسيرته الإنقلابيّة بالمدراس والجامعات ليكون قدوّة لأفراد شعبه ، كبطلٍ ثوريّ عادل ! 


هناك 5 تعليقات:

  1. لا يوجد اي بصيص هوب والمخدرات هي

    الحل دون مزاح فالاصدار الحالي معطوب

    والاصدارات القادمه لا يرجى منها شطر

    حرف ومايحدث حاليا من ضغط وفرم

    وتمحيص وغربله هو المطلوب الى ان

    تفطن الاغنام وكما قالت عميدة الادب

    العربي الدكتوره : هيفاء وهبي

    انما الامم الاخلاق مابقيت

    فان همو ذهبت اخلاقهم ذهبوا

    وكل الاحبه اتنين اتنين
    وانت يابؤي حبيبك فين

    اوري بسلمى وهند وزينب
    واياك اعني وانت المؤمل

    ايا وثني ..

    ردحذف
    الردود
    1. استمع الی ایاك اعني قف هناك وارفع یداك فالبشری خلفاك ءا.جوصوماك...

      حذف
    2. يا ولتي یا ولیه وقرة عین نییه

      حذف
    3. هذه ساعة الصفر للانطلاق بشفرة حورش اليس كذلك امل ؟
      حسنا .. هيا يارفاق ..لنراجع الخطه مرة اخرى ..
      امل ..معكي طنجرة ملوخيه بالسلاحف المشويه ..مكمره بالكنابل الانشطاريه ..

      يماني ..معك الخناجر الثاءره والحالمه ..
      هيفا .. انتي معكي الميكروفون فقط
      ياصبيه ..ستلهبين ارواحنا بصوتك الناعس هههه ... الجهوري ..
      ....


      حذف
  2. لافيكيا سنيورا

    نعم نعم نعم فيه امل واختها للعوده لصوابها هههههههههه
    بس اخت املانو ليش ماخليتي انطونيو يلتفت نحو العشاق ويزوج جميع العشاق ..او الذين يظنون انه فاتهم القطار والمنحوسين يزوجهم بمنحوسات وهيك تكتمل فرحة البلد ..ههههههههههههههه

    لابد ان جرعة السيانيد نفعتك واخرجتك من اكتئابك ههههههههه

    عاش الدكتور عاصم عاااااش هههههه

    ردحذف

الحب السرّي

كتابة : امل شانوحة  رئيس الخدم والخانم   شاهدت بالصدفة الخادمة وهي تخرج مُرتبكة من غرفة كبير الخدم بعد تنظيفها..  فسألتها حِراء (زوجة مالك ا...