الجمعة، 5 نوفمبر 2021

القاضي المشبوه

تأليف : امل شانوحة 

لغز الماضي


إشتهر القاضي جاك (السبعينيّ) بكونه أذكى قاضي أمريكيّ في المنطقة الساحليّة بعد أن حكم بالعدل الكثير من القضايا المعقّدة .. واستطاع بفطنته تغيّر بعض القوانين والإجراءات القديمة المتعارف عليها.. وبسبب أحكامه الصارمة ، أصبح العدوّ اللدودّ للمجرمين .. كما شعر المحامون بهيبة الوقوف امامه ، فهو يعرف كل شاردة وواردة بالقانون الذي حفظه عن ظهر قلب .. 


لكن كل هذا تغيّر بعد قضيّة جاكلين : المرأة الأربعينية الفاتنة التي عشقها اهل منطقتها بسبب جمالها وكرمها وطيبة قلبها .. هذه المرأة وقفت امام القاضي جاك وهي تبكي وتصرّ على براءتها من قتل زوجها الذي وُجدت جثته مطعونة بأربعين طعنة في مطبخها !


قائلةً في جلستها الأخيرة ، قبل نطق الحكم النهائي في قضيتها التي أثارت الرأيّ العام والصحافة : 

- سيدي القاضي ، يا رمز العدالة .. أستحلفك بالله أن تنصفني .. انا امرأة تقاتل عليها الشباب لكوني أذكى وأجمل فتاةٍ في الساحل الشمالي .. ورغم انه خطبني الكثير من الرجال ، إلاّ أنني تزوجت في نهاية الثلاثينات بعد أن جمعني حظّي العاثر مع زوجي اللعين مايكل الذي كان نرجسيّاً بامتياز .. فهو كما قال المحلّفون والشهود : عاملني جيداً امام الناس ، لكنه قتلني ببطء عندما ينفرد بي.. 

القاضي مستفسراً : هل كان يضربك ؟

- ليته فعل .. كان يذبحني بكلماته المدمّرة ، وأفعاله المستفزّة

- مثل ماذا ؟


جاكلين بحزن : منعني من زيارة عائلتي التي أعشقها بجنون .. وأهانني امام صديقتي المفضلّة التي خشيت زيارتي ثانيةً ، خوفاً من جنونه .. وحرمني ممارسة هواية الرسم بعد رميه الألوان والفرش ، وتحطيمه لوحاتي التي جمعتها لمعرضي .. وصرف الأموال التي خبّأتها لذلك الغرض بخيانتي مع فتاة ليل صوّرها ليقهر كبريائي .. كل هذا كان سهلاً امام نقده المتواصل ، فمهما فعلت لا يعجبه شيء ! فهو انتقد دائماً طبخي ونظافة منزلي وإهتمامي به وبالأولاد ..ومهما رتّبت مظهري ، يسخر من ذوقي .. ويختلق عيوباً خلقيّة ليست في جسمي ، ليقللّ ثقتي بنفسي ..ويستهزأ من وحمة وجهي التي لطالما تغزّل بها الرجال قبل زواجي به ! ..هل تتخيّل نفسك تعيش مع شخصٍ لا يعجبه شيء مما تفعله ؟ ..ورغم كرهه لي ، رفض مراراً تسريحي من سجنه اللعين !!


القاضي : وهل طلبت الطلاق منه ؟

- مع كل مشاجرة ، ليقوم بتهديدي بحرماني من اولادي الثلاثة .. لهذا توقفت عن المطالبة بحقوقي ، خوفاً عليهم

- ولماذا طعنته اربعين مرة ؟

جاكلين : لأتأكّد من موته !! خوفاً من بقائه حيّاً ، وخروجه من المستشفى لتعذيبي مجدّداً .. انا لم أطعنه هو ، بل كنت أقتل الكابوس الذي عشت فيه عشر سنواتٍ ، دمّرت شخصيتي البريئة..


وهنا وقف محامي العام قائلاً : 

- أسمعت سيدي !! لقد اعترفت بطعنها له حتى الموت ..وهيئة المحلّفين يرونها مذنبة .. لهذا نطالب حضرتك أن تحكم عليها بأقصى العقوبات ، فهي لا تستحق أن تكون أماً لأطفالها الذين سنرسلهم لمؤسسة الرعاية الإجتماعية 


فصرخت جاكلين بخوف : لا رجاءً !! لا ترسلوا اولادي للميتم .. انا عشت هناك ، وأعرف شعور الوحدة والخوف الذي يشعر به الطفل في ذاك المكان الكئيب

القاضي : وهل استغلّ زوجك هذا الموضوع في شجاره معك ؟

- نعم كثيراً ، رغم إن عائلتي الحالية تبنّتني بعمر الرابعة .. مع ذلك أصرّ على وصفي باللقيطة ! قائلاً انه طالما والدايّ الحقيقان لم يهتما بمصيري ، فلما يكترث بمشاعري 


فضرب القاضي بمطرقته وهو يقول : عشر دقائق لإعلان الحكم!! 

ودخل مكتبه ، لتضجّ المحكمة بآراءٍ مختلفة : بين مؤيدٍ لسجنها ، ومتعاطفٍ معها 

***  


بعد عودة القاضي ، قال بصوتٍ جهوريّ : لتقف المتهمة !!

فوقفت جاكلين وهي ترتجف ، والدموع في عينيها .. 

فقال القاضي : خلال سنوات عملي رأيت الكثير من المجرمين ، والقليل من الأبرياء .. ولكوني أعرف شعورك تماماً بالعيش مع شخصٍ لا يقدّر مجهودك ، وينتقدك على الدوام ، والوساوس التي تراودك للقضاء عليه بأيّةِ وسيلة .. لهذا لن أهتم هذه المرة برأيّ المحلّفين


فضجّت القاعة من جديد ، لأنها المرة الأولى التي يتجاهل فيها الرأيّ العام!

فضرب بمطرقته وهو يأمرهم بحزم : هدوء !!!


فسكت المتواجدون في القاعة ، ليكمل قائلاً :

- جاكلين .. لقد شهد جيرانك وابناء منطقتك بأنك أمٌ مثالية ، لهذا لن أحرمك من ابنائك .. اما زوجك السافل ، فحصل على عقوبةٍ عادلة .. وانا لا اقول هذا لأشجّع غيرك على ارتكاب الجريمة .. بل اريد من كل سيدة تعاني من زوجها ، أن تبلّغ الشؤون الإجتماعية حتى لا يتكرّر ما حصل معك .. ولأنني أرغب بجعل محاكمتك درساً للرجال السادّيين ، قرّرت الإفراج عنك بكفالةٍ مادية


فهللّت عائلتها فرحاً .. بينما أسرع الصحفيّون بالتقاط صورة لها وهي تحتضن اولادها بفرحٍ وحنان ، بعد حصولها على البراءة وخروجها سعيدة من المحكمة 

***


فرح معظم سكّان منطقة جاكلين بقرار القاضي العادل ، ماعدا الصحفي المتقاعد الذي شعر أن هناك شيئاً مريباً في القضية ! خاصة قول القاضي لجاكلين : ((أعرف شعورك تماماً)) ..

فوضع كل جهده وتركيزه لكشف خفايا تلك الجملة الغريبة .. وكان عليه اولاً التوجّه الى قرية القاضي الريفيّة التي عاش فيها حتى سن المراهقة ، قبل إنتقاله لجامعة الحقوق في المنطقة الساحليّة ، التي أصبح من أشهر القضاة فيها

***  


وسافر الصحفي اريك للريف ، للإستفسار عن ماضي القاضي.. ولأن جاك كبير في السن ، لم يجد الصحفي من يعرفه هناك (خاصة بعد إنتقاله للمدينة)..

فبحث في اوراق مدرسته القديمة ، ليجد انه كان من طلّابها المتفوقين.. ورغم هذا وجد في ملفّات مرحلتيّ المتوسطة والثانوية : علامات منخفضة على حسن السلوك ! بل عُدّ من طلاّبها المشاغبين المتنمّرين ، وكثيراً ما هرب من سور المدرسة ..والشيء الوحيد الذي منع الإدارة من طرده ، هو تفوقه في الإمتحانات النهائية ! 


فسأل الصحفي إدارة المدرسة عن اساتذة جاك القدامى ، فأخبره المدير بأنهم توفّوا جميعاً ماعدا سيدة عمرها 100 عام ، كانت معلمة الرسم في مرحلته الثانوية .. وأعطاه عنوان منزلها ..

*** 


في منزل السيدة العجوز ، سألها الصحفي عن جاك كمراهق :

فقالت مبتسمة : آه ! تقصد جاك ، القاضي المشهور 

- نعم هو 

- بالتأكيد أذكره .. (ثم سكتت قليلاً) .. المعلّمون يتذكّرون نوعين من الطلبة : المتفوّق والمشاغب ، والغريب إن جاك جمع بين الإثنين !

الصحفي : ولماذا برأيك كان مشاغباً ؟

المعلمة : ليفرغ غضبه المكبوت


فأثارت الجملة إهتمام المحامي الذي سألها عن التفاصيل ، فقالت :

- كان والده من النوع الذي لا يرضيه شيء .. فمهما حصل جاك على علاماتٍ متفوقة ، كان يجد سبباً لحرمانه من المصروف او عقابه بقسوة .. وفي يوم انفجر غاضباً في وجه والده الذي قرّر ربطه في البئر المهجور لساعتين ، قبل تدخّل رئيس بلديتنا لإخراجه 

الصحفي : وما سبب المشكلة ؟

- عرفتها بعد اسابيع ، حين طلبت من الطلاًب رسم مشاعرهم الداخلية .. أذكر إن عمر جاك وقتها كان 16 عاماً .. 

الصحفي مقاطعاً : لحظة قبل أن تُكملي .. 16 عام يعني شابٌ قويّ ، فكيف تمكّن والده من إنزاله البئر ؟ 

- والده كان ضخم البنيّة وقويّ للغاية ، والجميع يهابه لشدّة عصبيته 

- حسناً إخبريني برسمة جاك ؟ 


المعلمة : رسم والده ميتاً في البئر .. فسألته عن سبب مشكلته الأخيرة مع ابيه ؟ فقال انه كان يشاهد التلفاز حين جلده والده بالحزام لأنه لا يدرس ..فأخبره انه أنهى واجباته باكراً ، فطلب منه تحضير دروس الغد ..فانفجر جاك غاضباً قائلاً : ((إنه على الأقل يدرس لمستقبله ، وليس مزارعاً جاهلاً مثله)) لهذا عاقبه والده على وقاحته .. ورغم إن الجميع كره جلافة والده ، لكني عذرته .. فهو كان متفوقاً في مدرسته قبل وفاة والده (جد جاك) مما أجبره على العمل في المزرعة للإهتمام بإخوته الصغار

الصحفي : ألهذا ضغط على جاك لتحقيق احلامه الضائعة ؟

المعلمة : أظن ذلك ، وجاك لم يفهم هذا مطلقاً 


الصحفي : وماذا حصل بعدها ؟

- بعد سنة من تلك الحادثة وقبل شهرين من تخرّج جاك من الثانوية ، فوجئنا بخبر وفاة والده بعد سقوطه مخموراً في البئر المهجور !

فصعق المحامي بالخبر ، وسألها :

- هل قتل جاك والده ؟!

- لا .. كان حينها في المدرسة ، لهذا لم يكن مشبوهاً في الحادثة .. لكن بعد ايام من الدفن ..سألته بعيداً عن الطلّاب عن رسمته قبل سنة ؟ وكيف توقّع موت والده بذات الطريقة ؟!

الصحفي باهتمام : وماذا أجابك ؟

- إكتفى بالقول :((هذا السرّ سأدفنه في قبري))


فسكت الصحفي قليلاً ، قبل أن يسألها :

- إذاً من ربّاه بعد موت والده ؟

المعلمة : لا احد ، فأمه متوفية منذ صغره ..فظلّ في منزل والده ، الى أن التحق بجامعتكم بعد حصوله على منحةٍ دراسية بسبب تفوقه الدراسيّ

الصحفي : بعدها انقطعت أخباره ؟

- ليس تماماً ، فقد علمت من صديقته القديمة التي عادت حزينة الى قريتنا ، انه تخلّى عنها وعن طفلتها ..فهي كانت حاملاً منه قبل تخرّجه الثانويّ 

الصحفي : وكيف سمح والده بهذه العلاقة المحرّمة ؟!

- أخبرتني جارتهم عن شجارٍ عنيف حصل بين جاك ووالده قبل يومٍ واحد من حادثة البئر ! ومن بين ما سمعته : عتاب والده على حمل صديقته 


الصحفي : أظنك تشكّين مثلي بتدبيره مقتل والده ؟

المعلمة : الشيء الوحيد الذي يبعد الشبهات عنه : هو وجوده في المدرسة وقت الحادثة

- لكن ملفّه الدراسيّ يثبت هروبه من المدرسة أكثر من مرة ، فربما قتله وعاد سريعاً الى الصفّ لإبعاد الشبهات عنه ؟ 

المعلمة : لا ادري ، فوالده كان سكّيراً..والبئر المهجور موجود في حقله .. (ثم سكتت قليلاً وهي تفكّر) .. لا ! لا اعتقد انه الفاعل ، فقد أصبح قاضياً عادلاً كما سمعت


الصحفي : برأيّ إختار دراسة الحقوق لإخفاء جريمته .. 

- صدّقني ليس لديّ معلومات إضافية اساعدك بها .. رجاءً أغلق الباب بعد رحيلك ، فأنا مُقعدة كما ترى

وخرج من منزلها وعقله مشتّت بأفكارٍ متضاربة !

***  


بعد عودة الصحفي الى مدينته الساحلية ، فتّش عن اوراق جاكلين في الميتم.. ووجد بالأرشيف اوراق تبنّيها من عائلةٍ مثالية بعمر الرابعة ، تماماً كما قالت في المحكمة .. 


لكن إهتمام الصحفي كان منصبّاً حول طريقة إيداع الطفلة في الميتم .. وبعد بحثٍ مطوّل في الإرشيف ، وجد ملاحظة للموظفة القديمة كتبتها اسفل التقرير :

((في يومٍ ماطر ، قدم شاب في منتصف العشرينات وهو يحمل طفلة لديها وحمةً حمراء على وجنتها ..وأخبرني أنه طالبٌ جامعي لا يستطيع تربيتها وحده ، بعد عودة امها الى قريتها))


فعلم الصحفي إن جاكلين هي ابنة القاضي الذي عرفها من وحمة وجهها المميزة ، لهذا تضامن مع قضيتها التي حكم فيها بطريقةٍ مغايرة لأسلوبه الذي اتبعه في محاكماته لثلاثين سنة .. فهل فعل ذلك لإحساسه بالذنب ؟ خاصة انه لم يتزوج مطلقاً ، ولم ينجب غيرها ! 

***


وبسبب الأسئلة المحيّرة ، قرّر الصحفي مواجهة القاضي بشكوكه ..وذهب الى مكتبه ليخبره بشهادة معلمته ، حاملاً معه اوراق الميتم..

فنظر القاضي الى ملفّه الدراسي وهو يقول بنبرةٍ حزينة :

- كنت متفوقاً للغاية ، أنظر لتلك العلامات المُشرّفة

فأكمل الصحفي قائلاً : التي لم ترضي والدك الجاهل 


فنظر اليه القاضي بحنق : مالذي أخبرتك به تلك الخرِفة ؟

- صحيح إن معلمتك كبيرة في السن ، لكنها تذكّرتك جيداً ..وهي مثلي لديها شكوك بقتلك والدك ، فكيف فعلتها ؟ هل اشتريت خمره المفّضل في اليوم الذي لديه عملاً قرب البئر المهجور ، رغبةً منك لقتله بذات الطريقة التي عاقبك بها امام الناس ؟ .. فأنا قرأت تقرير وفاته في ارشيف الشرطة بمنطقتك الريفية ، مكتوباً فيه : ((إنهم وجدوا حواف البئر مُنكسرة)) ..فظنوا إن والدك حاول التمسّك بها اثناء سقوطه ، فوقعت معه .. لكني أظنك كسرتها قبل عودتك للمدرسة لتصبح جدرانها منخفضة ، تجعله يقع فيها بسهولة ..او ربما اختبأت خلف الأشجار ، وحين اقترب من البئر مترنّحاً ، دفعته للأسفل


فصفّق القاضي ساخراً : أحسنت !! خيالك رائع .. كان عليك أن تصبح محقّقاً جنائياً ، بدل كونك صحفياً تافهاً يحاول لفت الأنظار اليه بعد تقاعده 

الصحفي وهو يحاول مسك أعصابه : حسناً لنقلّ انه مات قضاءٌ وقدر ، ماذا عن ابنتك التي رميتها في الميتم ؟ 


فشخصت عينا القاضي بدهشة ! فأكمل الصحفي بابتسامةٍ ماكرة بعد رميّ اوراق الميتم امامه :

- إقرأ ملاحظة الموظفة اسفل التقرير ، الم تكن والدها الذي تخلّى عنها لإنشغالك بدراستك الجامعية ؟ 


فظلّ القاضي صامتاً وهو يقرأ التقرير بقهر ، فتابع الصحفي قائلاً :

- الهذا منحت ابنتك القاتلة حكم البراءة ؟ 

القاضي باستغراب : من تقصد ؟!

- جاكلين ، صاحبة الوحمة الحمراء

فأشار القاضي بذراعه نحو الباب ، وهو يقول بعصبية : 

- أخرج من مكتبي !!

الصحفي : هل أخبرتها انك والدها ؟ ..أظنها ستسامحك لتخلّيك عنها ، بعد إنقاذها من حبل المشنقة

القاضي بغضب : قلت أخرج من مكتبي !!

- يبدو إن القتل وراثة بعائلتكم 

فضغط القاضي على جرس مكتبه ، ليدخل حارسه الذي أمره برميّ الصحفي خارج مكتبه .. 

***


عرف الصحفي انه لن يستطيع عقاب القاضي على جريمته القديمة التي سقطت بمرور الزمن ، لهذا التجأ الى طريقةٍ يُتقنها : وهي نشر فضيحة أشهر قاضي بالبلد في الصحائف والمجلات .. ولأنه صحفي مهم ، إستطاع إقناع دور النشر  بفعل ذلك .. 

لتضجّ وسائل الإعلام بالخبر ، ويضغط الصحفيون على القاضي لإعطائهم التفاصيل حول مقتل والده ، وتخلّيه عن ابنته التي من المرجّح أن تكون المتهمة جاكلين ..وسألوه إن كان يرغب بإجراء فحص (DNA) لمعرفة إن كانت وريثته الوحيدة ام لا .. 


لكنه التزم الصمت طوال المشكلة التي أجبرته في نهاية المطاف للتقاعد المبكّر ، والعودة الى قريته بعد ترك المدينة الساحلية التي عاش فيها معظم حياته 

***


رغب القاضي بزيارة معلمته القديمة التي أثارت تلك البلّبة .. لكنه حين وصل لقريته ، علم بوفاتها قبل ايام .. فاستأجر منزلاً ، عاش فيه بهدوء ..خاصة أن القرويين الجهلاء لم يقرأوا الصحف او يتابعوا النشرات الإخبارية لمعرفة فضيحته ..

***


بعد شهر من عودته لقريته ، تفاجأ بزيارةٍ غيرة متوقعة ! حيث قدمت جاكلين الى منزله للحديث معه ..

وبعد جلوسهما في الصالة ، قالت له :

- هل حقاً ما قيل في الصحف ؟! هل انت والدي بالفعل ؟ الهذا أنقذتني من الإعدام ؟ رجاءً إخبرني الحقيقة 

فتنهّد بضيق ، قبل أن يقول : 

- نعم ، انت ابنتي الوحيدة 


فانهارت باكية وهي تسأله : ولما تخلّيت عني ؟ واين امي الآن ؟

- امك توفيت قبل سنوات ، وانا من أجبرتها على التخلّي عنك

- لماذا ؟!

- لأنها كانت مراهقة بسيطة التفكير ، ولم تكن قادرة على تربيتك ..وانا كنت منشغلاً بدراستي .. 

جاكلين : ولما لم تعيدني اليك بعد تخرّجك الجامعي ؟

- حاولت بعد حصولي على عملٍ جيد في مكتب محاماة ، وذهبت للميتم ليخبروني أن عائلة جيدة تبنّتك .. فأخذت عنوانهم ، لأطلب منهم إعادتك إليّ ..


جاكلين : وماذا حصل ؟

- لمحتك من بعيد وانت تلعبين مع والديك بفرحٍ وسعادة ، حيث بديا كعائلةٍ مثالية لك ..ولم أردّ تحطيمك بالحقيقة ، في حال لم يخبرانك أنك متبنّاة

جاكلين بحزن : أخبراني بذلك يوم خطبتي من ذلك اللعين الذي استغلّ الموضوع لتعذيبي نفسيّاً

- كم ألوم نفسي لعدم متابعة أخبارك .. فلوّ عرفت بأذيّته لك ، لتدخلت قبل تورّطك بالقتل


جاكلين : وماذا عن جدي ؟

- من ؟!

جاكلين : أقصد والدك .. هل شكوك الصحفي صحيحة ؟ هل انت من قتلته؟ 

فصمت القاضي بقهر ، فأمسكت يده بحنان وهي تقول :

- يمكنك إخباري ..فأنا أعرف ما مرّرت به ، فالحياة مع انسانٍ نرجسيّ متعبٌ للغاية .. فضفّض يا ابي ، وأعدك أن لا أخبر أحداً بما تقوله  


فوقف مستنداً على عكّازه وهو يقول : 

- هذا السرّ سأدفنه في قبري 

وابتسم بمكر !

*****


ملاحظة :

أردّت التوضيح في هذه القصة : إن النقد المتواصل وعدم تقدير جهودك من قبل الوالدين او الأزواج قد يدفع بعض الأشخاص ذويّ القيم والمبادىء والسلوك المسالم إلى الإنحراف وارتكاب الجرائم ! فرفقاً بمشاعر الآخرين ..  


هناك 6 تعليقات:

  1. لقد قلبتي مواجعي.. حفظهم الله فانا بنظرهم ذالك الفاشل ...............مهما عملت

    ردحذف
    الردود
    1. كلنا عانينا من ذلك بطريقةٍ او بأخرى ، فلا تحزن

      حذف
  2. صدقتي يا اروع كاتبة فعدم مراعاة مشاعر الاخرين وتقدير جهودهم وعدم إعطائهم حقهم الامتيازي قد يؤدي الى نتائج عكسية وخاصة عند ما يكون النرجسي الاب او الام او المعلم فهذه القصة هي عبرة وعظة ابدعتي الفكرة واجدتي القصة برابو عليك اختي أمل وشكرا جزيلا لك

    ردحذف
  3. صدقت أختي أمل
    أنا مثل هذا القاضي: تلميذ متفوق مشاغب

    أما في صف الterminal والجميع يقدّرني ويقدّر إنجازاتي، ما عدا معلّم الرياضيات لهذه السنة، فأنا أبهرته بسرعتي بالحلّ لثلاثة أيام متواصلة ( أي سبعة حصص رياضيات ) وبدل من تقدير جهودي بالدرس، حاول اختلاق مشاجرة معي الخميس الفائت، ولكنّني تجاهلته، وينعتني بالمغرور لأنني أسرع منه، ولا أعلم ماذا يجب أن أفعل معه.
    لقد ذهبنا إلى المدرسة لثلاثة أيام فقط أي أنه لا يعرفني حتى.
    يعرف فقط أن اسمي: "النّسر"

    هل يمكنك أن تساعديني لأجد طريقة لأصبح كصديق له، فأنا أكره أن أتشاجر مع أساتذتي

    ردحذف
    الردود
    1. حصل هذا معي ايضاً مع معلمة الرياضيات في الثانوية ، كانت تتجاهلني دائماً رغم انني أفضل طلاّبها .. لم اجادلها او اتناقش معها ، بل أكملت جهدي بمادتها ..الى أن تقبّلتني في الثالث الثانوي ، وأصبحت تعاملني بلطف بعد سنتين من الجفاء الغير مبرّر !

      أصبر أخي بشّار ولا تتحدّى استاذك او تتعالى عليه ، فأنت لا تعرف ظروفه ومشاكله التي يمرّ بها .. ويوماً ما ستتخرّج من الثانوية وتنساه وينساك وتنهي المعاناة .. بالتوفيق لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...