الجمعة، 26 نوفمبر 2021

الصداقة الأبديّة

تأليف : امل شانوحة 

التعلّق المرضي


إلتحق جاك بالمدرسة المتوسطة في منتصف العام .. وحين نزل الى قاعة الطعام ، لاحظ طالباً يأكل وحده بوجهٍ حزين ! كأن الطلّاب تعمّدوا تجاهله 

وبما أن جاك طالبٌ جديد ، شعر بالشفقة عليه .. وحمل صينية طعامه وجلس بجانبه .. وأخذ يتعرّف عليه ، وعلامات الدهشة على وجه إريك ! فهو اول طالب يحدّثه في حياته ، بعد قضائه المرحلة الإبتدائية بمفرده 

***


مع الأيام .. إزدادت اواصر الصداقة بين الولدين ..وصارا يتقابلان بعد المدرسة للعب في الحديقة ، او المبيت في منازلهما بعطلة الإسبوع .. وتحسّنت نفسيّة إريك بشكلٍ ملحوظ وكذلك علاماته في المدرسة ، لمحاولته تقليد جاك المتفوّق بدراسته وفي طريقة كلامه ولبسه وقصّة شعره ، حتى لقّبا بالتوأمين ! وبات إريك يلازم صديقه الوحيد اينما ذهب .. 

***


بوصولهما للمرحلة الثانويّة .. بدأ جاك يلاحظ غيرة إريك المزعجة بعد رفضه التعرّف على أصدقاء جدّد ، وعنفه مع كل شخص يقترب من جاك الذي أراد يوماً الإنضمام الى فريق كرة القدم ، مما أغضب إريك (الذي رفضه المدرّب)  وخيّره بينه وبين الفريق !

ولأن جاك يراعي شعوره ، إستغنى عن هوايته المفضلة لأجله .. فهو يعرف الصعوبات التي مرّ بها إريك في حياته : فوالداه منفصلان منذ صغره .. وقد تزوجا ثانيةً ، بعد تركه عند جدته التي لم تهتم به كثيراً .. لهذا كان تعلّقه بجاك شديد ، لدرجة إعتراضه على قرار مدير المدرسة بتفريقهما في صفّين مع بداية السنة الجديدة ! وتوسّطت المعلمة لإعادته الى صفّ جاك الذي لديه تأثيراً إيجابيّاً على علاماته الدراسيّة  

***


وازدادت الأمور غرابة ، بعد معاقبة الأستاذ لجاك بسبب حديثه مع إريك قبل نهاية الحصّة .. 

حيث أخبره إريك في اليوم التالي انه غرز مسماراً في دولاب سيارة المعلم إنتقاماً له ! فنصحه بعدم تكرار ذلك ، حتى لا يطرد من المدرسة 

فردّ إريك بفخر : سأفعل أيّ شيء للدفاع عن صديقي

***


والأسوء هو ما حصل بعد مصاحبة جاك لجيم (زميله في المختبر العلميّ) وجاره في المنطقة .. 

فحين صادفهما إريك يمشيان معاً في الشارع ، لحقهما للوقوف في الوسط بغرض إبعادهما عن بعض ! 

وعند وقوفهم على الرصيف ..إلتفت جاك لصديقه الجديد ، ليجده واقعاً في منتصف الشارع ، قبل لحظات من مرور سيارةٍ مسرعة .. ولولا أن رفعه جاك من ذراعه ، لدُهس تحت عجلاتها !


وحين مرّ الأمر بسلام .. تفاجأ بجيم يهجم على إريك ، ويتهمه بدفعه اتجاه السيارة بنيّة قتله ! بينما أصرّ إريك انه تعثّر بمفرده .. 

وبسبب هذه الحادثة ، قطع جيم علاقته بجاك الذي لم يعرف من منهما يقول الحقيقة !

***


في السنة الأخيرة للثانوية .. إجتهد إريك خلال الإمتحانات النهائية ، رغبةً للإلتحاق بالجامعة التي أرادت عائلة جاك إرساله اليها .. واستطاع بالفعل الذهاب معه ، بعد تكفّل عم إريك بتكاليف الدراسة 


وأمضيا سنتين جميلتين معاً ، إلى أن أُعجب جاك بزميلته ليندا .. وصار يعتذر لإريك عن مرافقته في نزهات عطل الأسبوع ، رغبةً في إمضائها مع صديقته الجديدة .. مما أحزن إريك الذي وصل به اليأس ، لكسر زجاج منزل جاك بعد رفضه الخروج معه ! وسمع هو وحبيبته صراخه من الخارج :

إريك : هذا ظلم !! انت تعلم إنه ليس لديّ أصدقاءٌ غيرك ، وأريد إمضاء عطلتي معك .. لا يحقّ لها أن تحُلّ مكاني .. اللعنة عليكما!!

وابتعد بسيارته غاضباً 

***


وازداد الأمر سوءاً بعد تخرّجهما الجامعيّ .. وحصول جاك على وظيفةٍ إدرايّة في شركةٍ تجاريّة .. بينما لم يعثر إريك على وظيفةٍ ملائمة بدرجاته المنخفضة ، فاضّطر للعمل في محل بيتزا في أوقاتٍ متأخرة ..

وكل مرة يُنهي عمله باكراً ، يُسارع الى منزل جاك الذي اعتاد الإعتذار عن السهر معه ، بحجّة وظيفته الصباحيّة ..

***


وفي إحدى الليالي ، إستيقظ جاك لدخول الحمام .. وحين عاد لفراشه ، وجد 100 إتصال ورسالة نصيّة من إريك ، جميعها نفس الجملة :(اريد رؤيتك حالاً) !


فاتصل به غاضباً ، وأخبره بعدم الإتصال خلال الإسبوع لانشغاله بعمله ..ثم أغلق المكالمة ، دون السماح لإريك بالكلام ! 

مما أغضبه كثيراً .. فقاد سيارته الى منزل جاك الذي استيقظ آخر الليل على أصواتٍ غريبة قادمة من حديقة منزله .. ليتفاجأ بإريك يقلع جميع الزهور التي زرعتها حبيبته ليندا ! 


فخرج إليه غاضباً :  

- ماذا تفعل يا مجنون ؟!! 

إريك بعصبية : كل مرة تتهرّب عن لقائي بحجةٍ واهية .. قلّ انك قطعت علاقتك بي ، يا جبان !! 

- انا فعلاً أقطع علاقتي بك ، لأن تصرّفاتك تخيف خطيبتي

إريك بدهشة : خطيبتك !

- نعم !! انا وليندا سنتزوج قريباً

إريك باستغرابٍ وحزن : ولم تخبر صديقك المقرّب بقرارك المصيريّ ؟!

جاك بغضب : انت لم تعدّ صديقي منذ أن أصبحت تصرّفاتك مريبة ..كان عليّ قطع علاقتي بك ، بعد محاولتك قتل جيم !!

- جيم ليس صديقك ، بل انا !! ..وأنت من فضّلت عائلتك وعملك وخطيبتك الغبية عليّ !!

- إسمعني جيداً يا إريك .. انت تعاني من مشكلةٍ نفسيّة ، والأفضل أن تتعالج قبل إيذاء الآخرين بتصرّفاتك المتهوّرة الغير مسؤولة


إريك بصدمة : انا شخصٌ غير مسؤول ؟!

جاك : نعم !! انت فشلت بدراستك ، ولم تجد عملاً لائقاً .. وكل ما يهمّك هو السهر ، وتضيع وقتك بمشاهدة افلام الرعب والجرائم .. عليك النضوج والتوقف عن تصرّفات المراهقين !!

إريك : وهل نسيت هذه ؟!! 

واراه ذراعه المحروقة..

إريك : انا اقتحمت نيران المختبر المدرسي ، لإنقاذك من الموت ! انا أنقذت حياتك يا رجل !!

جاك : وانا شكرتك الف مرة ، لكني لم أعدّ أحتمل حماقاتك ..رجاءً دعني وشأني!!


فتسمّرت نظرات إريك الغاضبة نحوه ، وهو ينهجّ بصعوبة .. قبل أن يقول بصوتٍ منكسر : 

- حسناً.. كما تشاء يا صديقي 

وركب سيارته مُحاولاً مسك دموعه ، وانطلق مُبتعداً .. لتنتهي بذلك صداقة 12 سنة !

*** 


بعد شهور ، قدِمَ المحقّقٌ الجنائيّ الى منزل جاك ..

فسأله بقلق : رجاءً إخبرني إنكم وجدتم ليندا ، هل هي والجنين بخير؟

المحقّق : إستطعنا من خلال كاميرات الطرق ، إلتقاط لحظة إختطافها ..


وفتح حاسوبه ، ليرى جاك سيارةً حمراء متوقفة قرب عملها .. لتتكلّم قليلاً مع السائق ، قبل ركوبها معه.. 

جاك : مستحيل أن تركب ليندا مع شخصٍ غريب !

فعرض المحقّق صورة على شاشة الحاسوب وهو يسأله :

- هل تعرف صاحب الصورة ؟

جاك بدهشة : نعم ! هذا صديقي القديم إريك ، ما دخله بقضية إختفاء زوجتي ؟!

- نحن تتبّعنا رقم السيارة ، ووجدنا انها مستأجرة بإسم :(إريك اندرسون)

جاك بارتباكٍ وعصبية : اللعين ! ماذا يريد من زوجتي ؟!


المحقّق : قمنا باقتحام منزله هذا الصباح ، ووجدناه مشنوقاً في الصالة

جاك بصدمة : إريك إنتحر ؟!

- نعم ، بعد إرساله فيديو مسجّل إليك 

- لم يصلني شيء !

المحقّق : هل غيّرت رقم جوالك ؟

- نعم ، مباشرةً بعد زواجي .. وإريك لا يعرف رقمي الجديد

- لهذا لم يصلك الفيديو .. لا يهم ، نقلته على حاسوبي وأريدك أن تراه 


وشاهدا إريك وهو يسجّل رسالة الإنتحار حزيناً :

((اهلاً جاك .. كيف حالك يا صديقي الوحيد ؟ .. اريد الإعتراف لك ببعض الأمور قبل موتي .. نعم !! انا حاولت قتل جيم ، بدفعه نحو السيارة .. تماماً كما فعلت مع صديقك ماثيو الذي حاولت إغراقه في مسبح المدرسة ، وهدّدته بالقتل إن اقترب منك ثانيةً .. كما نشرت الإشاعات المسيئة حول جاكلين لإجبارها على الإنتقال من مدرستنا ، بعد محاولتها التودّد اليك .. وأنا من أشعل حريق المختبر لإنقاذك منه ، بعد أن هدّدتني بقطع علاقتك بي .. أردتك أن تكون مديناً لي ، لتشعر بالذنب كلما فكّرت التخلّي عني .. ليس هذا فحسب !! فأنا من نشرت الصور المسيئة لأخيك على حسابك بالفيسبوك بعد زيارتي منزلك ، لإثارة المشاكل مع عائلتك التي كنت تزورها في وقت فراغك ، وتتركني وحيداً .. كما سرقت إيميلك لتغيّر ارقام المشروع ، لطردك من الشركة التي أشغلتك عني .. اما الوحيدة التي فازت عليّ ، فهي من سرقت قلبك)) 


ثم أخذ يصوّر نفسه وهو ينزل الى قبو منزله .. لتصوير زوجة جاك المقيّدة هناك ، وآثار التعذيب على وجهها وجسدها ! 

ثم وجّه الكاميرا الى نفسه ، ليقول مبتسماً :

((أبشّرك يا صديقي !! أنقذتك من همّ الأبوّة ، بعد إجهاض جنينها .. أعرف انك غاضبٌ مني الآن .. لكني أكره كل من يفرّقني عنك ، حتى لوّ كان طفلاً صغيراً .. فأنت لست رفيقي فحسب ، بل أمي وأبي وأخي وحياتي كلّها !! لهذا لن أسمح لهذه الساقطة ولقيطها بإبعادك عني)) 

ثم صوّر نفسه وهو يطلق النار على ليندا ! 


ليصرخ جاك بعلوّ صوته !!! حتى كاد يكسر حاسوب المحقّق الذي حاول تهدأته  ، وطلب منه تمالك أعصابه حتى نهاية الفيديو ..


ليشاهدا إريك وهو يعود الى غرفته ، ويقف فوق الكرسي بعد وضع الحبل حول رقبته .. ثم يقول للكاميرا والدموع في عينيه :

((ما يحزنني إنك لم تقدّر كل ما فعلته لأجلك ، بسبب حبي لك وتعلّقي الشديد بك ! ولأني أعرف إنهم سيسّجنوني لفترةٍ طويلة بعد إعترافي المُسجّل ، قرّرت إنهاء حياتي لعدم إستطاعتي العيش دونك .. فربما حين أموت ، ألتقي بك يوماً في عالم الأرواح ، دون أن يُفرّقنا احد !!.. أمّا الآن فسأنتحر أمامك ، لتشعر بالذنب لتدميرك صداقةٍ رائعة كان بإمكانها الإستمرار العمر كلّه .. وأمنيتي الأخيرة : أن يؤنّبك ضميرك كل ليلة ، لإبعادي عن حياتك))  

 

وقفز من الكرسي ، لينتفض عدّة إنتفاضاتٍ مؤلمة .. قبل توقف جسده عن الحركة !


ثم غادر المحقّق منزل جاك بعد إخباره : انهم سيسلّموه جثة زوجته ، بعد حصولهم على تقرير الطبيب الشرعيّ .. وتركه مصدوماً ومنهاراً بالبكاء 

***


في العزاء .. تصالح جاك مع عائلته ، بعد قطيعة سنوات .. كما زاره مديره السابق الذي علم بتلاعب إريك بالمشروع ، وبشّره بإعادته للعمل الذي طُرد منه قبل شهور .. لكن كل هذا لم يُخفّف حزنه على فقدان زوجته وإبنه الذي لم يبصر النور !  

***


بعد شهر ، إستجمع جاك قواه لزيارة قبر إريك .. حيث وقف مطوّلاً ، وهو يتأمّل إسمه المحفور على الشاهد .. قائلاً بحنق :

- لا غرابة إن الجميع رفض صداقتك ، لإحساسهم بتشوّه تفكيرك وسوء طباعك .. خطأي انني أشفقت عليك ، وليتني لم أفعل .. دمّرت كل حياتي .. انت لم تكن يوماً صديقي ، بل عدويّ اللدودّ!!


ثم أخرج من جيبه : القلادة الخشبيّة المحفور عليها :((صديقان للأبد)) الذي أهداها له إريك في المرحلة المتوسطة .. وقال بقهر :

- خذها معك الى الجحيم !! فهي لا تعني لي شيئاً

ورماها فوق قبره ، وغادر المقبرة حزيناً مقهورا !


هناك 5 تعليقات:

  1. القصه جعلتني اتسائل هل يوجد بالواقع شخص مثل اريك .....والله اريك حيرني وجاب لراسي الصداع ....لا لا لا حالة اريك لم استوعبها مثل اسطورة مصاصي الدما والمستذئبين والكائنات الفظائه ...اختي امل لو انك كتبتي تعليق تقولي هذه القصه اقتبستها من كذا وكذا مثلما تكتبين ببعض قصصك ماكنت راح احتار وتطرأ علا رأسي عدة اسئله حيرتني ... ....ولكن مشكوره اختي علا قصتك الرائعه التي حيرتني

    ردحذف
    الردود
    1. نعم القصة مستوحاة من اكثر من حادثة حقيقة قرأتهم بالإنترنت .. مثل طالبة حاولت التصادق مع طالب يتجاهله الجميع ، فظل يلاحقها على مدى 20 سنة في كل مكان ، الى ان ابلغت عنه الشرطة وتم القبض عليه بقضية إزعاج ..
      وجريمة أخرى لشخص قتل طالب ثالث حاول أن يصادق زميله الوحيد
      وشاب إنتحر بعد زواج صديقه .. وجميعها قصص حقيقية ، لكنها أجنبية ولم تحدث في بلادنا عربية ولله الحمد

      حذف
  2. الردود
    1. قرّر الأستاذ اياد إغلاقه في الوقت الراهن ، حتى هو لا يعلم متى سيفتحه ثانيةً

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...