السبت، 20 نوفمبر 2021

الأقنعة المزيّفة

تأليف : امل شانوحة 

تضارب الآراء


في الصفّ التمثيليّ .. عرض الأستاذ على تلامذته مقطعاً من فيلمٍ رومنسيّ ، لعلاقة على وشك الإنهيار .. 

وأخذ يحلّل معهم المواقف الخاطئة التي حصلت بين الحبيبين على مدار 5 سنوات .. 


وجلس الطلّاب يشاهدون باهتمام ما حصل .. وهم يضعون أقنعة لشخصياتٍ مختلفة ، إختاروها حسب معتقداتهم.. ماعدا خرّيجة علم النفس التي تطوّعت لحضور الفيلم ، لإبداء رأيها الطبّي .. حيث ظهرت بشكلها العادي ، لرفضها فكرة الأقنعة .. رغم إن المعلم ايضاً يضع قناعاً مكسوراً ، لا يظهر منه سوى عينيه !


ومع بداية الفيلم ، ظهرت المشكلة الأولى في العلاقة :

((حيث حاول الشاب جذب الصبيّة باهتمامه الزائد وتواصله الدائم بها ، وإغداقه المديح على شكلها وتفكيرها .. وإرساله الأغاني الرومنسية ، مع مشاركته ذوقها وأحلامها ..وإلقائه النكات والتعليقات المرحة لإسعادها))


وهنا رفعت الطبيبة النفسيّة يدها ، لإبداء رأيها بشخصيّة بطل الفيلم ..فسمح الأستاذ لها بالكلام ، فقالت :

- بعد أن أعطيتنا نبذة عن حياة الشاب قبل تشغيل الفيلم ، أدركت أنه يمثّل دور المهتمّ لإيقاعها في شباكه .. فهو متعدّد العلاقات ، وشخصٌ حذر يحافظ على قلبه من التورّط العاطفي.. لهذا أُشفق على البطلة التي بدت مندهشة من إندفاعه نحوها ! فهي شخصية إنطوائية وعقلانية ، تهتم بعملها وأسرتها فقط 

الأستاذ : هذا صحيح .. البطل لم يكن مغرماً بها ، لكنه شعر بالفضول اتجاهها .. تحليلُ جيد ، أحسنت !!  


ثم سأل تلاميذه المقنّعين : من منكم ظهر في هذه الشخصيّة ؟

فرفع طالبٌ يده ، وهو يضع قناعاً أبيضاً بخدودٍ زهريّة .. قائلاً :

- هذا أنا !! بشخصيّتي الرومنسيّة المرحة ، المتفهّمة لمشاعر البنات

الأستاذ : لا أظنك تجد صعوبة بجذبهنّ ، بأسلوبك الحسّاس ؟ 

الطالب بفخر : طبعاً ، انا مغناطيس بالنسبة لهنّ

الأستاذ : وهل هي شخصيتك الحقيقية ؟

فأجابه الطالب : يمكنك القول انني اكتسبت هذه الشخصيّة من خبرتي الواسعة بصداقات الإنترنت الخالية من الإلتزامات التي تقيّد حرّيتي .. حيث يمكنني الإنسحاب منها بسهولة ، بحذف حسابي الإلكترونيّ 


الطبيبة بعصبية : برأيّ عليك تغير إسمك من رومنسي الى ماكر!! 

الطالب بلا مبالاة : لا يهم .. طالما البنات تعشق شخصيتي ، فسأظهر بها في بداية العلاقات 

الأستاذ : يبدو انها طبيعتك الأصلية التي تحاول إنكارها ! .. حسناً ، لنتابع الفيلم 


وفي المشهد الثاني : 

((ظهر البطل بشخصيةٍ جديدة ! واستمع باهتمام لذكريات الفتاة الجميلة والسيئة ، وحاول مساعدتها بحلّ مشاكلها العمليّة والعائلية .. فأُعجبت الفتاة بعقله الواعي المتفهّم))


وهنا سأل الأستاذ تلاميذه : من منكم ظهر في هذه المرحلة ؟

فرفع طالبٌ آخر يده ، وهو يضع نظّارته فوق قناعه قائلاً : 

- هذا انا !! الشخصية الناضجة .. كان لابد في هذه المرحلة أن أُظهر رجاحة عقلي وخبرتي الواسعة بالحياة ، لأبيّن لها شخصيتي الرزينة .. وبأسلوبي هذا تمكّنت من فتح صندوق اسرارها ، لمشاركتي لحظاتها الصعبة والحرجة والحزينة .. فمن خلال معرفتي لعقدها النفسيّة ، ملكت مفاتيح التحكّم بشخصيتها التي سأستغلّها لاحقاً 

 

فعاتبته الطبيبة : وقد اسأت استخدام نقاط ضعفها بجعلها لعبة بين يديك ، مما يُعارض شخصيتها الحقيقية ! فهي فتاةٌ قوية ، حوّلتها بمكرك لمتعلّقةٍ غبيّة ! لدرجة موافقتها رأيك ، حتى لوّ خالف معتقداتها الثابتة .. ليس ضعفاً منها بل خوفاً من خسارتك ، وأنت لم تقدّر تنازلها لأجلك ! 

الطالب بفخر : وهذا هدفي بالفعل ، فأنا أحب تحطيم الفتيات العنيدات 


الطبيبة بدهشة : هل سمعته استاذ ؟!

فردّ المعلم : لا تعطي إنطباعكِ الأخير ، قبل متابعة بقيّة الفيلم  

الطبيبة مُستفسرة بقلق : وهل سيسوء الوضع ؟!

الأستاذ : أظن ذلك .. لنتابع !!  

  

وأكمل الفيلم : ((لتظهر في العلاقة بمرحلتها التالية : غيرة الشاب المفاجئة ، وشكوكه اتجاه تصرّفاتها ..ونقده المتواصل لأصدقائها وأقاربها .. وعتابه لها على اسبابٍ تافهة))


فقالت الطبيبة : أكيد بطريقته المستفزّة ، يحاول السيطرة عليها 

فأجابها طالبٌ آخر ، بعيونه الحادّة الظاهرة خلف قناعه المليء بالدبابيس: 

- هذا انا !! الشخصية الغيّورة .. فعلت ذلك لتشكيكها بمن حولها .. مما يجعلني أنفرد بها ، ويُسهّل تحكّمي بأفكارها .. وقد حاولت المسكينة تبرير تصرّفاتها ، حتى البريئة منها .. فأنا بطبعي لا أثقّ بأحد .. كما أكره تفوّقها عليّ ، فهي تزاول نفس مهنتي !  


الأستاذ : وقد قمت بدورك جيداً .. 

الطبيبة باستغراب : هل تمدحه على فعله المدمّر ؟!!

الأستاذ : صدّقيني لا أحد كامل الأوصاف ، حتى البطلة التي تقفين في صفها .. أنظري ماذا فعلت  


وأكمل الفيلم : ((ليظهر إرتباك الفتاة بعد تدخّل صديقتها بالعلاقة ، والتي نصحتها بأخذ الحيطة والحذر من الشاب المتلاعب .. مما جعلها تحذف حسابها دون توديعه))


الطبيبة : لا ارى مشكلة بتصرّفها ، فهو بالفعل يتلاعب بمشاعرها 

الأستاذ : لكنها أظهرت شخصيّة غير ناضجة بسماحها للغرباء التدخل بعلاقتها معه ، وهذا تصرّفٌ خاطىء أشعرها بتعاسةٍ مُحبطة .. أنظري بنفسك لحالتها بعد الفراق


وأكمل الفيلم :(( لتظهر الفتاة وهي تبكي بحرقةٍ شديدة ، بعد تحطّم أملها الوحيد لإيجاد نصفها الثاني .. وكأن قطعة الخشب التي تطفو عليها في المحيط ، سحبتها الأمواج بعيداً عنها ! لتجابه وحدها خطر الغرق في مشاعرها المُختلطة .. خاصة بعد فتحها قلبها للمرة الأولى ، لغريبٍ لا تعرف شكله))


فقالت الطبيبة بدهشة : ألم ترى صورته بالإنترنت ؟!

الأستاذ : لا ، لم يرسلها لها  

الطبيبة باستنكار : وكيف أحبّته دون أن تراه ؟!

الأستاذ : هذا ما يسمّى إلتقاء الأرواح 

الطبيبة : لا ، أنا لا أوافق البطلة بقرارها الطائش

الأستاذ مبتسماً : ارأيتِ كيف بدأتِ تستخرجين لها الأخطاء 


الطبيبة : وهل انتهى الموضوع بينهما عند هذا الحدّ ؟

المعلم : الفيلم يتحدّث عن علاقة استمرّت 5 أعوام ، ونحن شاهدنا ربع الفيلم فقط 

- وهل سيسوء الوضع اكثر ؟

- لنرى


وأكمل الفيلم : ((وبعد شهور من إنقطاع العلاقة ، عادت للتواصل معه فور سماعها أغنية حزينة على حسابه .. وقبل أن يجيبها على رسالتها .. أخذت تبحث عن صورته في الإنترنت .. إلى أن وجدت شخصاً يشابهه في الإسم والعمر والبلد والحياة الإجتماعية .. فأرسلت الصورة لتسأله إن كان هو ، بعد شعورها بالشكّ اتجاهه ، فصاحب الصورة يجلس في البار ! ..فأنكر الأمر في البداية ، ثم فاجأها بنهاية المحادثة أنها صورته .. مما جعلها تقطع علاقتها به ، لأنها من عائلةٍ محافظة))


وهنا سأل الأستاذ تلاميذه : من منكم فكّر بهذه الطريقة الملتويّة ؟

فرفع طالبٌ يده ، وهو يلبس قناعاً ملوّناً : 

- انا !! الشخصية المراوغة .. أردّت تضليلها ، وإثارة الشكوك في نفسها 

فعاتبته الطبيبة : حرامٌ عليك !! فبتصرّفك الأرعن أثبتّ كلام صديقتها : بتلاعبك بمشاعرها !

الطالب بلؤم : فعلت هذا لتصرّفها الطائش ، وعقاباً لتركها لي دون إذني 

الطبيبة : لأنك لم تقدّر الحقوق التي تنازلت عنها لأجلك  

الطالب بغرور : وأنا أستحق جميع التضحيات 

الطبيبة بغضب : أنت مليء بالعيوب وظروفك صعبة ، فكفّ عن غرورك ! .. وأنت أستاذ !! أتوافقه على تصرّفه الشرير ؟

فحاول الطالب تصحيح معلوماتها : 

- عزيزتي ، انا لست الشخصية الشريرة 


ليقول طالبٌ آخر يُدخّن آخر الصف ، بقناعه الأسود : 

- انا الشخصية الشريرة التي لم تشاهديها بعد

فقال له المعلم : أظنك ظهرت آخر الفيلم .. سنكمل الفيديو ، لنرى


وأكمل الفيلم : ((لتعود الفتاة للبطل بعد شهور من الإنقطاع ، بسبب شوقها الكبير .. فيطيل الردّ على رسائلها ، بإجاباتٍ خالية من المشاعر .. ليس هذا فحسب ، بل أخبرها انه على علاقة بفتاةٍ أخرى))


الطبيبة بدهشة : اللعين ! لما أثار غيرتها ؟ 

فردّ طالبٌ يجلس خلفها ، يضع قناعاً أحمر .. بنبرةٍ حازمة : 

- حتى أُفهمها إنها ليست خياري الوحيد ، بعكسي طبعاً 

فعاتبه الطبيبة : أتذلّها لأنها كبيرة في السن ؟!

فردّ الطالب : عليها أن تكون حذرة بتصرّفاتها معي ، فأنا أحب أن تكون فتاتي مطيعة لأوامري

الطبيبة : اذاً انت الشخصية الشريرة ؟

فأجابها : لا ، انا الشخصية النرجسيّة 


فقال الطالب في آخر الصف ، باستحقار : 

- الا تستوعبين جيداً ، أم نظرك ضعيف ؟ .. قلت لك إنني الشخصية الشريرة ، وسأظهر لاحقاً


وأكمل الأستاذ الفيلم : ((وبعد إنقطاعٍ طويل ، تغيّر أسلوب الشاب مع البطلة بعد عودتها إليه .. حيث عاملها بقسوة من خلال نقده المتواصل لتصرّفاتها وتفكيرها .. وتذكيرها بمشاكلها النفسيّة والعاطفية عبر أغاني تتحدّث عن الغدر والخيانة ، رغم إخلاصها له ، بعكس تصرّفاته ! .. ونصحها بتغير طباعها ، لتوافق أفكاره وتطلّعاته))


وهنا قال الطالب ذوّ القناع الأسود ، بفخر : 

- وأخيراً ظهرت شخصيتي الشريرة .. فبرأيّ لا تُعامل النساء إلاّ بأسلوبٍ حازم !!

الطبيبة باستنكار : تقصد بالإحتقار والإهانة ؟!

الشاب بحزم : نعم !! حتى لا يسيطروا علينا

فأجابته : لا يوجد سيطرة بالعلاقات السليمة ، بل تعاون مُشترك وتفاهم واحترام 

الطالب بلؤم : هذه طبيعتي ، ولن أغيّر نفسي لأجل امرأة 

فقالت الطبيبة للمعلم : آراء تلاميذك ستُنهي الفيلم بطريقةٍ مأساوية .. والنتيجة : فراق الحبيبين للأبد 


فسكت الأستاذ وهو يفكّر بحيرة .. فقالت له :

- استاذ !! عليك التصرّف حالاً 


وبدل أن يجيبها ، ضغط على جهاز التحكّم لرؤية نهاية الفيلم : ((وهو رحيل الفتاة عن البطل بعد إظهاره جميع عيوبه السيئة ، التي فاقت صفاته الجميلة التي ظهرت في بداية العلاقة .. فزاد يقينها أن صفاته الجيدة هو القناع الذي أخفى خلفه طباعه السيئة ، بعكس ما اعتقدته سابقاً !.. لهذا قرّرت تركه ، لمتابعة حياتها العمليّة بعد إغلاق قلبها نهائياً عن العلاقات العاطفية.. 

وخُتم الفيلم : بظهور البطل وهو يفكّر يائساً ومتردّداً بشأن الإتصال بها ، لإنقاذ العلاقة قبل فوات الآوان))


فصفّق الطلّاب المقنّعين فرحاً : 

الشخصية المراوغة : فيلمٌ رائع  

الشخصية الغيورة : قرار البطل صائب مئة في المئة !! 

الشخصية النرجسيّة : لترحل بسلام

الشخصية الشريرة :  البطل سيجد غيرها بسهولة


فقالت لهم الطبيبة مُستنكرة : 

- لا !! لن يجد مثلها في حياته ، فهي نصفه الآخر وتوأم روحه .. (ثم نظرت للشخصية الناضجة والرومنسية) .. انتما تفهمان ما أقوله ، اليس كذلك ؟ 

فطأطأ رأسيهما حزناً !


الطبيبة: استاذ !! القرار يعود إليك .. لا تدع هؤلاء الفشلة يسيطرون على تفكيرك ، فأنت تعرف إن البطل لن يجد مثلها في حياته .. خذّ قراراً حاسماً وتوقف عن التردّد ، وإلاً ستضيّع فرصة حياتك 


ففكّر المعلم قليلاً ، قبل تجرّأه على فعل شيءٍ لم يقمّ به منذ مدةٍ طويلة ، والتي صدمت تلاميذه : وهي إزالة قناعه المكسور .. ليروا وجهه الحقيقي لأول مرة منذ بدء الدراسة الجامعية ، ليظهر إنه نفس البطل في الفيلم !

 

ثم قال بحزم للشخصيّة الغيّورة والمراوغة والنرجسيّة والشريرة :

- أخرجوا من القاعة !!

التلاميذ الأربعة بصدمة : لكن استاذ !

المعلم : لقد استمعت لآرائكم منذ بدء علاقتي بالفتاة ، والمسكينة استحملتني خمسة سنوات وأنا أعاملها بأساليب ملتويّة وعدم نضوج ، مما أشعرها بالخوف وعدم الأمان معي .. هيا أعطوني أقنعتكم ، بعد رسوبكم في مادتي ..

فنظروا للطبيبة بحنق وهم يسلّموه الأقنعة ، وخرجوا غاضبين من القاعة 


ثم قال الأستاذ للشخصية الرومنسيّة والناضجة : 

- انتما ستبقيان معي ، لتساعداني بحلّ الأزمة مع حبيبتي 

الشخصية الرومنسيّة بحماس : وأنا بالخدمة !!

الشخصية الناضجة : أعدك بإعطائك النصائح الجيدة ، لحين تحقيق أمنيتك  


المعلم : وانتِ !! بماذا تنصحينني ؟

الطبيبة : أن لا تُؤخّر الإتصال بها 

المعلم بقلق : أخاف أن ترفضني ، أو تعاتبني بقسّوة فتجرح شعوري !

الطبيبة : هي تنتظر هذه اللحظة منذ مدةٍ طويلة .. وتتمنّى رؤية وجهك الحقيقي دون إخفائه خلف أقنعة تلاميذك الذين تتبّعت نصائحهم السيئة ، التي كادت تُدمّر أجمل علاقة في حياتك


فسكت المعلم وهو يفكّر حائراً ..

فتوجّهت الطبيبة نحوه ، وسحبت جهاز التحكّم من يده

المعلم بدهشة : ماذا تفعلين ؟! 

الطبيبة : سأريك شيئاً نسيته 


وأدرات التلفاز على فيلمٍ آخر ، يعرض مُقتطفات عن حياة المعلم : 

((وظهر البطل كشابٌ طيب ، عانى كثيراً من فقدان أخيه ووالده وحبيبته الأولى ، وألم الغربة وغدر الأصحاب والأمراض والعلاقات الفاشلة ..خاصة علاقته بإمرأةٍ نرجسيّة ، أذت طفله الداخلي))


المعلم بعصبية : رجاءً أطفئيه !!

الطبيبة : عليك مواجهة الماضي

 

وبعد مشاهدته مُلخّصاً عن أحزانه في التلفاز ، مسح دموعه وهو يقول معاتباً : 

- لما فعلتِ ذلك ؟!

الطبيبة : لأفهمك أن شخصيات طلّابك ، ليست انت ..فقناع القسوة واللؤم وضعتهما لحماية قلبك من الأذى العاطفي ، بعد خيبات أملك مع نساءٍ قبلها .. اما اساليب المرواغة ، فتعلّمتها من اصدقاء السوء الذين بالحقيقة لا يتمنّون سعادتك ويغارون من نجاحك ..

 

ثم أعادت شريط ذكرياته للبداية :(حين كان طفلاً حنوناً مع عائلته ورفاقه) قائلةً :

- أنظر جيداً ، هذا انت .. هذه حقيقتك !! شخصٌ بريٌ وطاهر .. فعدّ كما كنت .. ولا أظن الفتاة سترفضك او تعاتبك لوّ أظهرت وجهك الحقيقي.. رجاءً توقف عن التردّد باتخاذ القرار .. جازف لأجل حبيبتك قبل فقدانها للأبد

 

فساندها الشخصية الرومنسيّة قائلاً : نعم استاذ ، هي تستحق المجازفة

الشخصية الناضجة : على الأقل حاول ، لن تخسر شيئاً


فالتزم المعلّم الصمت .. فسألته الطبيبة :

- هل الذي يُضايقك انها لم تنهار بعد فراقها عنك ؟ ام إنها فكّت تعلّقها بك.. 

فأكمل المعلم بقهر : بعد أن تركتني مُعلّقاً بها ! 

الطبيبة : ماذا لوّ فعلت ذلك لتنقذ نفسها ؟

المعلم : ماذا تقصدين ؟


الطبيبة : تخيّل انك تحاول إنقاذ حبيبتك من الغرق ، لكنها تسحبك بقوة للإعماق .. ألن تفلت يدها للإسراع الى السطح ، والتقاط أنفاسك قبل الغرق معها ؟ ..أظنها لم تجد حلاً آخر ، سوى تركك تعالج نفسك قبل تدميرها بسلبيّاتك .. فحسب ما شاهدته بالفيلم ، هي حاولت معك بكل الطرق ..وعنادك هو ما منعك من التغير .. ولوّ انك تغيرت مثلها في بداية العلاقة ، لالتقيتما في منتصف الطريق 

المعلم بحزن : للأسف ، إستوعبت هذا متأخراً ! 


الطبيبة : إذاً ماهو قرارك ؟

المعلم بقلق : يا خوفي أن تهين كرامتي ..

الطبيبة مقاطعة : كرامتك هي بتحقيق ما وعدّتها به ، برأيّ عليك إتخاذ قراراً حاسماً لحلّ الأزمة 

 

وبعد دقائق من التفكير .. إستجمع المعلم قواه ، وقفز الى داخل التلفاز ! 

لتشاهد الطبيبة والشخصية الرومنسيّة والناضجة ، بالإضافة للشخصية المراوغة والغيّورة والنرجسيّة والشريرة وهم يسترقون النظر (من خلف نوافذ القاعة المطرودين منها) الى التلفاز ، لرؤية ما سيحصل :


حيث شاهدوا معلمهم يلتقي بالبطلة دون قناعه هذه المرة ، والتي تفاجأت بوسامته وابتسامته الرقيقة ! 

ورغم شوقها الكبير له إلاّ أنها حاولت الهرب منه ، خوفاً أن يجرحها ثانيةً .. لكنه استطاع اللّحاق بها ، وإمساك يدها وهو يقول :

- انتِ الوحيدة التي أجبرتني على مواجهة شخصياتي المتنوّعة المحشورة في دماغي ، والتي خضعت لآرائها طوال حياتي .. واليوم تمكّنت أخيراً من طرد الشخصيات السيئة ، والإبقاء على شخصيتيّ الرومنسيّة والناضجة لأجلكِ ..وهما يمثلاّن حقيقتي التي نسيتها منذ سنوات ، واستردّيتها بعد صبرك عليّ


البطلة : لطالما عرفت انك تُخفي خلف قناعك القاسي ، شخصاً طيّب القلب

وأمسكت يده بلطف ، وهي تقول : 

- لا اريد منك سوى الأمان الذي تمنّيته طوال حياتي ، وبدوري أعدك بمنح الحنان الذي تحتاجه

المعلم بارتياح : وهذا كل ما أتمنّاه

وحضنها بشوق حبيبٍ يُغرم للمرة الأولى في حياته !  


هناك 8 تعليقات:

  1. لا ادري إن كان الجميع سيفهم هذه القصة المعقّدة .. وهي باختصار معاناة شخص من تعدّد الشخصيات التي تزاحم عقله ، وانتصار الشخصيات الطيبة على الشريرة بنهاية القصة

    ردحذف
  2. ابداعك غير محدود .....لقد فهمتها ...وحركتي مشاعري ...

    ردحذف
  3. هذه ليست قصه ........ هذه ملهاة مأساويه إنسانيه

    مركبه . وأسواطا تجلد كل منا كبشر..تفاجأت

    بدور المعلم .. ولكنه حقا لن يجد مثل أميرته ما

    كان حيا إن كان حيا من التقت روحه هذه أول

    قصه أقرأها في حياتي وأجد صعوبه بالغه في

    نقدها أو سبر أغوارها ولا أعتقد أن هناك من

    يستطيع وسبحان الله وقد قال النبي عليه الصلاة

    والسلام إن من البيان لسحرا .. فسبحان المعطي

    الوهاب ..لن تعدم هذه الأمه عظماء مابقيت كنت

    قد قرأت سابقا مختبر الحب ووجدتها رائقه ..أما

    هذه فيعجز عليم اللسان عن الإقتراب منها ..برأيي

    المتواضع أنكي ككاتبه لن تكتبي أفضل من ذلك ما

    حييتي ..ولن تنضحين بعد هذا فذاك هو سقف

    البصيره وقلما رزق به كاتب ..ولا أدعي إنني أصبت

    فستحتاج إلى عدة قراءات متأنيه ..ولكن بكل

    أسف لم ترويني النهايه الباسمه المزيفه لأن على

    الحقيقه لسان حال المعلم كالعاشق المنكود إذ يقول

    بؤسا شقاءا حال حظي كأنما ...
    جعل الشقا كفنا لجلدي مجسما...

    وأدعوكما على كل حال صائرا

    ليوم عيدي ويوم عيدي بمأتما

    ولا عزاء فهناك سألقى حبيبتي

    ونعيش خلدا عاشقين هيما

    واليوم نعي الحب ينزل صامتا ...ولن أكمل ذاك الشطر فهنا تسكب العبرات ونسلى بالمنوات

    كل الشكر كل الشكر ♥♡★♥♡♥★☆♥♡★☆♥♡★★★♡★★♥★★★☆☆♥♥♡★★★♥★★☆♥★☆★

    ردحذف
  4. هل هذه الأبيات شعرك ؟ فأنت شاعر قبل أن تكون كاتب .. وإن كانت لك ، فأنصحك بنشرها بمدونة او كتاب .. وان لا تتوقف عن الكتابة ، فأنت موهوب جداً .. الشكر لك أخ عاصم ، وسعيدة ان القصة أعجبتك

    ردحذف
    الردود
    1. نعم هي من قصيده كتبتها منذ 20 سنه تقريبا .. ولكن وافر الشكر لكي أنتي على هذا الجهد المتواصل .. وبرأيي هذه النوعيه من القصص هي أفضل ماتبرعين فيه أقصد التراجيدي النفسي والعقلي ..رغم أن هذه النوعيه مرهقه لأي كاتب ..

      حذف
    2. معك حق ، القصص النفسيّة مجهدة بالفعل .. ودائماً أضع دفتراً امامي حتى لا تتداخل الأفكار فيما بينها .. بالتوفيق لك بموهبتك الشعر والكتابة

      حذف
  5. يبدو ان لك خبرة يا اخت أمل في علم النفس وتحليل الشخصيات حاولت ان اجد نفسي بين هولاء الطلبة لكن دون جدوى فربما أن حبي واتعاملي هو الفريد من نوعة فإن احببت احببت بقلبي وفؤادي ودمي وبكل ما أملك محطما كل العادات والتقاليد بعيدا عن اساليب التمثيل والدرامية لا احب السيطرة ولا اريد أن أظهر مظهر العاشق الولهان حتى لا أفقد هيبتي وشخصيتي واحب الكتمان كما أني حذرا ايضا واهم شيء عندي هو أن القى تجاوبا وحبا صادقا من الطرف الآخر عندها سأتصرف بالشكل السليم
    مشكورة يا أخت أمل ومشكورا عاصم أيضا على هذا الابداع الشعري ودمتم في رعاية الله

    ردحذف
    الردود
    1. الظهور بطبيعتك في العلاقة دون كتمان مشاعرك ، لأمر مريح للطرف الآخر .. إبقى كما أنت ، فطهارة القلب والنوايا لشيء نادر هذه الأيام .. بالتوفيق لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...