الأربعاء، 7 يوليو 2021

العوالم الخفيّة

فكرة : أختي أسمى
كتابة : امل شانوحة

الأبعاد المجاورة !


أثناء جلوسهم على طاولة الطعام ، شهقت الحفيدة بفزع :

- جدتي ! اين قدمك اليُسرى ؟

فابتسمت الجدة :

- إختفت البارحة .. لا تقلقي ، الأمر طبيعي فقد قارب عمري على الألف سنة

- وكيف ستمشين هكذا ؟

- سأعرج قليلاً ، وأحاول التوازن بعكّازي 


فقال الحفيد بقلق : وهل ستختفين قريباً ؟

الجدة : تدريجياً .. هيا لا تحزنوا ، فحالنا يبقى أفضل من سكّان البعد المجاور الذين يدفنون موتاهم تحت الأرض !

فقالت إبنتها بحزن :

- سنشتاق اليك امي 

فأجابتها بحنان :

- سأبقى بجواركم ، وستسمعون صوتي دائماً .. فهذه سنّة الحياة .. كما انني ملّلت الحياة ، واشتقت لأفراد عائلتي الذين رحلوا قبلي .. هيا إمسحوا دموعكم يا أحبّائي ، واكملوا طعامكم

***


بعد شهور .. إستيقظت الجدة سعيدة ، وخرجت من غرفتها وهي تطفو بعد إختفاء الجزء السفلي من جسمها .. قائلةً لهم :

- اخيراً أصبحت حرّة !! ويمكنني التنزّه في الخارج قدر ما اشاء ، دون القلق على مواعيد الحمام المتكرّرة

بينما التزمت عائلة ابنتها بالحزن ، لعلمهم بقرب موعد رحيلها ..

***


بعد اسابيع .. أوقعت ابنتها الأطباق في المطبخ ، بعد رؤيتها لرأس امها يطفو خلفها .. فقالت معاتبة :

- امي !! أفزعتني حقاً .. أطرقي الباب قبل أن تدخلي  

العجوز : وكيف أفعل بعد اختفاء يدايّ ؟

- آسفة ، لم انتبه .. (ثم قالت بحزن).. والآن كيف يمكنني إحتضانك امي ؟

- هيا كفّي عن البكاء ، فأنا لا اشعر بالخوف او الحزن .. بل أتوق شوقاً لرؤية والدايّ وأخوتي

ابنتها : عديني أن لا تفارقيني

- سأزورك من وقتٍ لآخر .. وإن احتجتني نادني بصوتٍ عالي ، وستسمعي صوتي كأني بجوارك

***


في نهاية السنة .. جلس الحفيد على الكرسي الهزّاز ، ليتفاجأ بصرخة جدته ..فقال معتذراً :

- آسف جدتي ! لم أراكِ .. هل اختفيتي تماماً ؟

فهزّ الكرسي لوحده ، ليظهر صوتها :

- إختفيت آخر الليل ، ولم أردّ إيقاظكم 

- وهل التقيتِ بعائلتك ؟

صوت الجدة : نعم ، وأصدقائي القدامى ايضاً 

- وماذا عن جدي ؟

- معاذ الله !! 

- لماذا ؟


صوت الجدة : سألت عنه ، وأخبروني إن روحه تحترق في جهنم .. فهو كان شريرٌ معي ، وساعد المشعوذين على أذيّة البشر ..وانت تعرف القوانين جيداً : فقط الأخيار منا لديه الحق بإبقاء روحه بجوار أحبّائه ..المهم عزيزي ، عليّ الذهاب الآن .. إخبر امك حين تستيقظ انني سأزورها في وقتٍ لاحق

- سلام جدتي ، سنشتاق اليك كثيراً

- يمكنك الحصول على غرفتي ايها الماكر

فهلّل الحفيد بسعادة : أخيراً سأبعد ألعابي عن أختي المشاكسة ، شكراً جدتي!!

*** 


كانت تلك طريقة موت الجن في البعد الثاني .. اما موت الشياطين في البعد الثالث فتختلف تماماً ، فهم كلما كبروا صغروا في العمر .. تماماً كما حصل مع هذه العائلة الشيطانية :

الولد بامتعاض : امي ، صراخ جدي طوال الليل حرمني من النوم

الأم : علينا تحمّله قليلاً ، فهو الآن بعمر أطفال الرضّع .. وسيبقى معنا عدة شهور قبل اختفائه 

البنت بحزن : في السنة الفائتة كان في مثل عمري ، وكنت احب اللعب معه 

الأم : هذه حياتنا ، كلما كبرنا يصغر إدراكنا وحجمنا .. فعمر والدكم قارب على 500 عام ، وقريباً سيعود شاباً لكيّ.. 


الإبن مقاطعاً : ارجوك امي ، لا احب سيرة الموت 

الأم : حسناً بنيّ ، سأدعك تكمل واجبك المدرسيّ ..

الإبن : لكنه صعب ، فعليّ إغواء ولد بشريّ 

الأم : هل لديه جوال ؟

الإبن : نعم ، لما تسألين ؟

الأم : وسّوس له لمشاهدة قنوات البالغين ، فهذا سيفسد براءته الطفولية

الإبن بحماس : فكرة رائعة يا أمي !! سأعمل عليها فوراً 

الأم لإبنتها : وانت !! إنهي طعامك ، ريثما أغيّر حفاض جدك ..

البنت : سيحزنني رحيله 

الأم : وانا ايضاً

***


بالعودة لعالم الجن في البعد الثاني .. فقد تمكّن رئيسهم بمساعدة مشعوذٍ شيطانيّ من إبقاء رأسه ، رغم اختفاء جسمه الذي ستره تحت عباءته الطويلة .. وبذلك يمكنه الطفو في ارجاء مدينته لمراقبة احوال الجن ، رغم تجاوز عمره المليون سنة ! 

***


وفي أحد الأيام .. وبينما رئيس الجن يراقب احوال البشر عبر بلّورته السحريّة : علم بانتشار كورونا وموت الآلاف ، وتوقف عجلة الحياة الإقتصادية مؤثّرة بشكلٍ سلبيّ على الحياة الإجتماعية للبشر.. 

فأعجبه براعة من اخترع هذه الحيلة الفيروسيّة ! 


وأخرج كتاب الشعوذة من مخبئه السرّي ، ليقوم بخطوةٍ جريئة : وهي تلاوة تعويذة خطيرة تنقله للبعد المجاور الخاص بذريّة آدم .. وتحديداً الى قصر رئيس الجمعية السرّية ، صاحب فكرة الإبادة البشريّة ..

***


الغريب إن ذلك الرئيس لم يتفاجأ بظهور رأس ملك الجن عنده في المكتب ، بل استقبله بحفاوة !

وجلسا يتناقشان موضوع الموت بصورةٍ عامة .. فقال الجني :

- انتم تخسرون مساحات واسعة من اوطانكم بسبب القبور 

- وماذا عسانا أن نفعل ؟ فالبشريون كائنات حسّاسة ، ويتعلقون كثيراً بموتاهم .. 

- هناك حلول اخرى مثل..

الرجل مقاطعاً : أعرف ، ونحن شجّعنا فكرة حرق الجثث ونثر رمادها في البحر


الجني : لم أقصد هذا .. فبإمكاني تعليمك طريقة تجعل موتاكم يختفون تدريجياً من الوجود ، مثل الجن والشياطين

- لتبقى اصواتهم تلاحقنا ! هذا شيءٌ مرعب .. لا أتخيّل سماع صوت والدي المتوفي يظهر فجأة ، فهذا سيوقف الدم في عروقي ..خاصة انني لم أكن يوماً على وفاقٍ معه

- ما قصدته أن تستخدم التعويذة مع زعماء الشرّ فقط ، بهذا تستفيدون من خبراتهم الشيطانية في حلّ الأزمات القادمة


ففكّر الرجل قليلاً ، قبل أن يقول : 

- فعلاً ! كم كنّا سنستفيد لوّ بقيّت معنا روح هتلر ونابليون و..

فأكمل الجني : وفرعون ونمرود وغيرهم من شياطين البشر

- كنّا حكمنا العالم !! 

- إذاً إسمع خطتي جيداً .. اولاً ستنشر إعلاناً بين الناس..

فسأله مقاطعاً : الم تقل انها لزعماء السياسة فقط ؟!


الجني بعصبية : إفهمني يا رجل !! أنت لن تخبر العامّة بموضوع التعويذة ، بل ستوهمهم إن علمائكم أوجدوا لقاحاً مميزاً تجعل أرواح أحبّائهم تبقى بعد الموت ، بحيث يمكنهم سماع أصواتهم للأبد ..  

- وما نوعيّة اللقاح ؟

فقال الجني بمكر : الآن فهمتني .. الم يكن حلم جمعيتكم تخفيف اعداد البشر ؟

فابتسم الرئيس بخبث بعد فهمه الفكرة 

***


ويبدو إن رغبة البشر بإبقاء روح احبابهم بجوارهم ساهمت كثيراً بتقبّل فكرة اللقاح الذي تلقاه في بادىء الأمر : كبار السن والمرضى .. لكن الإعلان المكثّف في التلفاز ووسائل التواصل الإجتماعيّ ساهم بتطعيم عددٍ كبير من البشر ، بحجّة أن الموت لا يعرف كبيراً او صغيراً .. دون علمهم بأنهم يأخذون لقاحاً يقللّ مناعتهم تتدريجياً ، الى أن يقضي عليهم خلال سنتين على أبعد تقدير !  

***


لم تنتهي السنة الثانية ، حتى تحقّق حلم الجمعية السرّية الأول : بالإبقاء على المليار الذهبي (الذين لم يتلقّوا اللقاح) ، وقتل بقية الغوغائيين والهمج (على حسب رأيهم) ! 


واحتفل الجن مع رؤساء البشر الأشرار بنجاح خطتهما المشتركة ، التي حصلوا في مقابلها على حقّ العودة للأرض ، بعد أن طردهم النبي سليمان إلى بُعدهم المجاور الخفيّ لقرونٍ طويلة ! 

***


لكن ما لا يعلمه الجن والشياطين إن رئيس الجمعية السرّية الذي حصل على تعويذة العيش الأبديّ : يُخطط لاحقاً للقاح خاص لكائنات البعد الثاني والثالث ، مُوهماً إياهم ببقاء جسدهم بعد الموت وعدم اختفائها تماماً .. لكنه بالحقيقة ينوي تقليص اعمارهم الى 40 سنة فقط ، بسبب الفيروسات المكثقة داخل اللقاح الوهميّ .. 


ومن بعد إختفائهم نهائياً عن الوجود ، سيستخدم الرئيس الخبيث لقاحاً آخر لتعقيم المليار المتبقي من البشري لتحقيق حلم حياته بالبقاء وحيداً على الأرض..

الى أن يقضي الله أمره ، ويُبعث الى يوم القيامة كآخر بشريّ عاش على الكوكب الأزرق الذي دمّره بأفكاره الشيطانيّة الخبيثة ! 


هناك 4 تعليقات:

  1. القصة رائعة رغم ان نهايتها غريبة بعض الشيء فالجن و الشياطين لا تصيبهم الامراض البشرية ، الذي اعجبني بالقصة طريقة الوفاة الخيالية بالابعاد الاخرى .

    ردحذف
  2. تحياتي لك ولاختك موهبتها رائعة بتأليف القصص الخيالية

    ردحذف
  3. هل لهذا السبب فعلا تصر الحكومات بشغل غريب على التلقيح ؟ للعلم أكثر من نصف المسنين قد ماتوا بكورونا . أجمل ما في الخيال العلمي إن من يقرأ القصه الآن قد يتعجب جدا بل ويستنكر . ثم بعد سنوات تجد أن المستقبل التخيلي أصبح هو الحاضر وقد حدث هذا مرارا مع أغلب كتاب الخيال العلمي .. تحيات القراء وعاشقي الخيال ...

    ردحذف
  4. اعتقد ......لاباس بها ....الله يهديك اختي امل لا استطيع تقبل المقاله انها من فككرة اختي اسمى ..والله احسست بصداع براسي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...