تأليف : امل شانوحة
سرّ الماضي
بعد عودة جاك من عمله .. وجد امام منزله : صورة لإبنه الرضيع (حين كان في حضّانة المستشفى قبل إسبوع) مرسوماً حوله النار وشعارٌ مخيف!
وقد لاحظت زوجته ارتباكه الشديد ، لكنه اكتفى بالقول :
- كل شيء يتداعى من حولي ! لذا ضعي اوراقنا الرسمية واموالنا في حقيبةٍ صغيرة بجانب سريرنا ، نأخذها معنا في حال حصول مصيبة في الأيام القادمة .. وزيادةٌ في الحرص ، سأخبّئ سيارتي القديمة في الغابة
زوجته : ولما كل هذا الخوف ؟! فأنت مرتبك منذ ايام
- خطأٌ مطبعيّ من مساعدي الغبي ، أخاف أن أعاقب عليه لاحقاً .. ورجاءً لا تسأليني ماهو .. سأرتاح قليلاً ، لحين تجهيزك الغداء
وتركها وهي تشعر بقلقٍ شديد عليه !
***
في تلك الليلة ، إستيقظ جاك بعد كابوسٍ مفزع .. وقبل عودته للسرير ، سمع حركةً غريبة خارج منزله !
فنظر من نافذة طابقه العلويّ .. ليشاهد عشرات المقنّعين بردائهم الأسود ، وهم يحملون شعلات النار ..
فأسرع الى زوجته فزعاً :
- ديانا استيقظي فوراً ، واحملي الصبي والحقيني بسرعة
وحين رأت الحقيبة الصغيرة بيده ، نهضت مرتعبة .. لتجده يشير لها بإصبعه ، بعدم إصدار الصوت
فحملت رضيعها ، ونزلا الى القبو الذي فيه بابٌ سرّي لسردابٍ طويل يصل لعمق الغابة ..
وهناك ركبوا السيارة القديمة التي قادها جاك باتجاه الطريق العام
***
بعد خروجهم من الغابة ، سألته بعصبية :
- مالذي يحصل يا جاك ؟!!
- يريدون قتلنا
- من هم ؟
جاك : عبّاد الشياطين ، وأظنهم يحرقون منزلنا الآن بعد هروبنا منه
- يحرقون منزلنا !! جاك ماذا فعلت ؟
فتنهّد بضيق ، قبل أن يقول :
- حين كنت مراهقاً إنضمّمت لشباب في جامعتي ، بعد إعجابي بزيّهم القوطيّ .. وفي يوم أخذوني الى محفلهم الشيطانيّ ..ورتّلت معهم التعاويذ المخيفة .. وبنهاية الحفل ، أحرقوا طفلاً حيّاً امامنا
زوجته بصدمة : ومن الملعون الذي ضحّى بإبنه ؟!
جاك : أظنهم خطفوه من إحدى المنازل .. (ثم مسح عرقه مرتبكاً) ..مازال صراخه في أذني حتى اليوم ، رغم مقتله قبل عشرين سنة
- ولما لم تخبرني انك واحداً منهم ، لرفضت الزواج منك
جاك : تركتهم مباشرةً بعد الحادثة ، فهدّدوني بالقتل لخروجي من جمعيتهم دون إذن رئيسهم .. لهذا انتقلت الى هنا بعد تغير جامعتي ، وعملت بالصحافة ..وتزوجتك لظني بأن موضوعهم انتهى تماماً
- ولماذا عادوا اليك الآن ؟
جاك : لأن موظفاً غبياً نشر مقالتي التي كتبت فيها عن طقوسهم المخيفة ، واسماء المتورّطين في جمعيتهم السرّية .. والتي لم أجرأ على نشرها ، لعلمي بأن رفاقي القدامى اصبحوا من الشخصيات المهمة في البلد ، وسيدمرونني إن فضحت اسرارهم القذرة
زوجته بعصبية : ولما كتبتها إذاً ؟!!
- لإزالة الذكرى السيئة من عقلي ، ولتخفيف شعوري بالذنب لعدم إنقاذي الصغير قبل حرقه ..
- ثم ماذا حصل ؟
جاك : خبّأتها لشهور في مكتبي .. وأثناء إجازتي المرضيّة ، طلب مني المدير مقالاً جديداً.. فاتصلت بمساعدي لنشر المقالة المطبوعة في درجي ، وكنت أقصد مقالتي عن (التعليم الإلكترونيّ) .. لأتفاجأ باليوم التالي بنشرهم لمقالة عبّاد الشياطين ! وحصل هذا الإسبوع الماضي
زوجته : ولما لم تطلب من مديرك حذفها فوراً ؟
- لأنه بيعت آلاف الصحف .. لهذا توقعت عقابهم على فضحي اسماء رؤسائهم .. وهاهم يرسلون الليلة رجالهم للقضاء علينا
زوجته بغضب : اللعنة يا جاك !! طالما أصبحت هدفاً لهم ، فمستحيل أن يتركونا في حالنا
- لا تقلقي ، سننتقل الى مدينة أخرى
- وكيف سنعيش هناك ؟ فأنت لا يمكنك العودة للصحافة ثانيةً
- سأتوظّف بإسمٍ جديد ، حتى لوّ اضّطرت لتزوير هويّاتنا
زوجته بضيق : يا الهي ! ما هذه الليلة المرعبة ؟ .. (ثم صرخت بخوف) ..جاك انتبه !!
وكاد يصطدم بسجادةٍ كبيرة ، مرمية وسط طريقٍ فرعيّ !
فنزل لإزاحتها .. ليعود بعد قليل راكضاً الى سيارته التي قادها للخلف بسرعةٍ مهولة ، محاولاً تغير مساره !
لتلاحظ زوجته شعلات النار تخرج من جانبيّ الطريق ! فعلمت انه كان كميناً للقضاء عليهم ..
***
بعد عودتهم للطريق العام ، قالت وهي تتنفّس الصعداء :
- جيد انك هربت منهم
جاك بذهولٍ وخوف : لم تكن سجادة عادية ! كان بداخلها جثة السيد اريك
- من اريك ؟
- مدير الصحيفة
زوجته بخوف : يا الهي !
- علينا الهروب لمكانٍ آخر
- الى اين ؟
- لمنزل احد اقاربنا
زوجته معترضة : لا تورّط أحبابنا بهذه المصيبة
- إذاً سنذهب الى فندقٍ خارج المدينة ، وغداً نسافر الى دولةٍ أجنبية طالما إن جواز سفرنا واموالنا معنا
***
وأمضوا ليلتهم في فندقٍ حقير ، بغرفةٍ مليئة بالحشرات ..
ونام الزوجان بضعة ساعات ، ليستيقظا مع شروق الشمس ..
وبعد شربهما القهوة ، بحث جاك في إنترنت جواله عن مواعيد الطيران ..
ليقول بارتياح :
- أخيراً وجدتها !! سنسافر الى استراليا
زوجته : ستكون رحلة طويلة ، لما لا نسافر الى ولايةٍ اخرى ؟
- لا اريد المخاطرة ، فربما جمعيتهم منتشرة في انحاء اميركا
- كما تشاء ، المهم أن نجد مكاناً آمناً لإبننا
***
بعد ساعتين ، وصلوا المطار .. وبعد إنهاء اوراق الرحلة ، جلسوا في طائرة بها عشرة مقاعد فقط !
فسأل جاك المضيفة :
- الا يوجد غيرنا ؟!
فأجابته بابتسامة : بسبب ازمة كورونا وتوقف الرحلات ، لا يوجد مسافرين غيركم ..
زوجة جاك : اليس خطراً أن نسافر كل هذه المسافة بطائرةٍ صغيرة؟!
المضيفة : نحن سنتوقف في عدة مدن ، وإن تواجد مسافرين آخرين لنفس وجهتكم ، نجمعكم معاً في طائرةٍ أكبر .. لا تقلقا
***
وبعد تقديمها الطعام ، سألتها زوجة جاك :
- لا نرى سواكِ هنا !
المضيفة : نعم ، انا والطيار فقط .. وأتيت لإخباركم بأننا غادرنا اميركا للتوّ .. رحلة سعيدة
وبعد إنهاء طعامهما .. أخذا يلاعبان الطفل ، قبل أن يغفيا من شدّة التعب..
***
بعد ساعة .. إستيقظ جاك على صوت الإنذار والأنوار الحمراء مضاءة فوق الكراسي ، بسبب الهبوط الحادّ لطائرة !
فنادى المضيفة بفزع !! لتستيقظ زوجته على صراخه ، وتنتبه على الفور باختفاء طفلها !
ورغم اضّطراب الطائرة ، الا انها بحثت عنه بهستيريا اسفل المقاعد الفارغة..
بينما أسرع جاك الى قمرة القيادة ، ليتفاجأ بخلوّها من الطيار والمضيفة ! فجلس في المقعد الأمامي محاولاً السيطرة على الطائرة .. إلى ان تمكّن بصعوبة من رفع مقدّمتها ، قبل سقوطها في البحر
وبعد ارتفاعها في السماء ، وهدوء الأزمة .. جلست زوجته بجانبه ، وهي تبكي بجنون لفقدها الصغير ، وتطالبه بالإتصال ببرج المراقبة لمعرفة ما حصل
وحين فعل ، سمع رجلٌ يقول له :
- عزيزي جاك ، ما كان عليك فضحنا بمقالتك السخيفة
جاك مرتبكاً : من انت ؟!! واين ابني والقبطان والمضيفة ؟
فأجابه : المضيفة نفّذت خطتنا جيداً .. ووضعت المخدّر في طعامكما ، ثم خطفت الصبي وقفزت مع القبطان فوق جزيرةٍ تابعة لنا ..
الأم صارخة بغضب : ماذا تريدون من ابني ؟!!
فأجابها الرجل : اسألي زوجك ، هو يعرف أهمية الأطفال في طقوس جمعيتنا
جاك بعصبية : سأقتلكم إن لمستم شعرة من طفلي !!
الرجل : برأيّ هناك شيءٌ أهم تشغل بالك به.. فالطائرة التي تقودها فوق محيطٍ شاسع ، بها القليل من الوقود .. وهذا يعني ..
فقاطعته الأم باكية :
- لا تؤذوا ابني ، ارجوكم !!
الرجل : لا تبكي عزيزتي ، قريباً ستلقين به في الجحيم .. فنحن لا نؤمن بوجود الجنة
جاك : ارجوك سامحني .. انا لم أنشر المقال ، كان ذلك خطأً مطبعيّاً
الرجل : قلّ ذلك لإبليس حين تلقاه ، فهو ملك البحار
وضحك ساخراً ، قبل قطعه الإتصال .. لتنهار الأم ببكاءٍ مرير ..
فقال زوجها معتذراً : ارجوك سامحيني ، أنا لم ..
فقاطعته بعصبية : بوحك بسرّك القذر دمّر عائلتك ، ليتني لم اتزوجك ولم أعرفك في حياتي !!
ثم صمتتّ بقهرٍ شديد .. ليتابع جاك التحليق بعيونٍ دامعة ، فوق محيطٍ لا نهاية له ، بانتظار نفاذ الوقود وحدوث الكارثة الحتميّة !
حزينه جدا ولكن النهايات غير التقليديه تكون أحيانا مطلوبه ... وننتظر كل جديد ... وافر الشكر
ردحذفأول مرة تعجبني قصة قصيرة
ردحذفأحسنت شكرا لك