السبت، 17 يوليو 2021

القرية الملعونة

تأليف : امل شانوحة 

 

لا للحوامل !


بسبب سوء الأحوال المعيشية لديانا بعد طلاقها من زوجها ، قبلت إقتراح المحامي بالسكن في المنزل الذي ورثته من جدها في القرية..


وبعد سفرها بالبرّ لأربع ساعات ، وصلت ظهراً الى هناك ..

لتتوجه مباشرةً الى مهرجانهم السنويّ الذين يقيمونه إحتفالاً بالحصاد الزراعيّ..


وأول ما لاحظته فور نزولها من السيارة : أنه مخصصّ للنساء فقط ! سواءً الباعة في الأكشاك او المتسوقات ..وحين سألتهن بصوتٍ مرتفع عن عنوان المنزل ، شخصت أعينهن بدهشةٍ ورعب فور رؤية بطنها المنتفخ ! كأنهن يرين امرأة حامل لأول مرة في حياتهن ، رغم إن هناك اولاد في  المهرجان تراوحت أعمارهم بين سن 8 و14.. اما الأطفال الرضّع فلا وجود لهم !


فأعادت ديانا سؤالها اكثر من مرة ، لكنهن أصرّين على تجاهلها ! 

فصرخت بعصبية :

- أيعقل أن لا احد منكنّ تعرف اين منزل جدي جاك اندرسون؟!!


فأشار ولدٌ صغير الى كوخٍ قديم ، موجود خلف حواجز المهرجان :

- ذاك منزل المرحوم جاك !! 

فسحبته امه من ذراعه بعنف ، كأنها تعاتبه على دلّها عليه !


فتركتهم في حالهم ، وعادت الى سيارتها متوجهة الى المنزل الذي لا يبعد كثيراً عن الساحة ..

***


في منزل جدها ، وبحلول العصر .. إنتهت ديانا من ترتيب ملابسها داخل الخزانة ، بعد تنظيف غرفتها العلويّة .. 

وبعد شعورها بالجوع ، عادت للمهرجان لشراء الطعام والعصائر ..لتتفاجأ برفضهنّ بيعها ، رغم عرضها ضعف الثمن ! 


فصرخت غاضبة :

- أهكذا تستقبلنّ الضيوف في قريتكم ؟!! ثم انا حفيدة رجلٍ عاش بينكم اكثر من نصف قرن ! 

فردّت امرأة عجوز بلؤم :

- الأفضل أن تعودي الى المدينة 

ديانا : انا خسرت كل شيءٍ هناك : منزلي وعملي وزواجي

- لا غرابة أن تتعسّر امورك بعد حملك المشؤوم

- ماذا تقصدين ؟!

فقالت امرأة أخرى :

- إن أردّت العيش معنا بسلام ، فانجبي ابنك خارج قريتنا

ديانا بدهشة : انا فعلاً حامل بصبيّ ! ومن الصعب عليّ الإنتقال لمكانٍ آخر في شهر حمليّ الأخير  


فتهامست النساء في بينهن ، بقلقٍ واضح :

- هي في شهرها التاسع !

- يعني بقيّ اسابيع ، وربما ايام فقط 

- علينا إبعادها من هنا فوراً

ديانا باستغراب : عن ماذا تتحدثنّ ؟ ولما تخافون من حملي ؟ .. ثم اين رجالكن ؟ 

فردّت إحداهن بعصبية وغيرة : وماذا تريدين من رجالنا ؟!!


ديانا : اريد عمّال لتصليح منزل جدي

- لا يوجد رجال في هذا القسم من القرية

- جميعهم متواجدون خلف المزراع

- وحين يكبر اولادنا ، نرسلهم ايضاً الى هناك  

ديانا مستفسرة : ولما قسّمتم قريتكم الى نساء ورجال ؟!

فأجابت صبية : لتجنّب حدوث الحمل..

فشدّت المرأة التي بجانبها ذراعها ، لإسكاتها على الفور !


ديانا : لا اريد الجدال بمشاكلكم ..وأتفهم كرهكم للغرباء ، لكن لا يحقّ لكنّ منعي من الطعام .. وإن أصرّيتنّ على موقفكن ، سأذهب الى قسم الرجال لشراء حاجياتي منهم

فصرخن جميعاً بخوف : لا !!


وأسرعت إحدى البائعات بإعطائها شطيرة كبيرة ، وهي تقول :

- هذه تكفيك لهذا اليوم

فأخرجت ديانا المال من حقيبتها ، لتجد البائعة تقول باشمئزاز : 

- لا اريد مالك !! فقط إبعدي شرّك عنا

ديانا باستنكار : أيّ شرّ ! انتم بالكاد تعرفونني 

- ستغيب الشمس بعد قليل ، وقد حان موعد إغلاق الأكشاك


وهنا صرخت العجوز بصوتٍ جهوريّ :

- عدنّ جميعاً الى منازلكن ، فقد انتهى المهرجان السنويّ !!


وسارعت النّسوة بالخروج من الساحة .. لتعود ديانا الى منزلها ، مُكتفية بشطيرةٍ واحدة رغم جوعها الشديد

***


في الصباح الباكر .. توجهت ديانا بسيارتها الى الجانب الآخر من القرية المتواجدة خلف الحقول .. وسرعان ما تجمّع حولها الرجال ، وهم متحمّسين لرؤية امرأة في منطقتهم ، كأنهم ابتعدوا عن نسائهم لفترةٍ طويلة!


فاقترب منها رجلٌ عجوز :

- ما كان عليك القدوم الى هنا .. الأفضل الذهاب الى قسم النساء من قريتنا

ديانا : أتيت اليكم ، لإني بحاجة الى عمّال لتصليح منزل جدي


فتنافس الشباب والمراهقين على الذهاب معها : 

- انا اذهب معك !!

- لا انا 

- انا أجيد النجارة

- وانا السباكة

- وانا خبير في الكهرباء

- بالتأكيد انتِ بحاجة لعامل دهان ، اليس كذلك عزيزتي ؟ 


فرفع العجوز عصاه في وجوههم ، مهدّداً بضربهم :

- اهدأوا جميعاً !! ماذا حصل لكم ؟ 

ثم تكلّم معها ..

- يا ابنتي ، وجودك هنا خطرٌ عليك .. فهؤلاء الهائجين لن يهمّهم إن كنت ستلدين غداً .. رجاءً إطلبي المساعدة من النساء ، فهن خبيرات بكل شيء


ديانا : لكنهن يعاملنني بجفاء ، ولا ادري ما السبب !

فردّ الشاب : هنّ خائفات من جنينك

ديانا بدهشة : خائفات من طفلٍ لم يولد بعد !

فردّ مراهق : لأنه لن يكون طفلاً طبيعيّاً

العجوز بعصبية : إسكت يا ولد !!

ديانا باهتمام : دعه يُكمل كلامه ، اريد فهم سبب خوفكم مني !

فردّ الرجل : نحن نخشى الحمل بشكلٍ عام

ديانا : ولماذا ؟!

فلوّح العجوز بعصاه امام وجهها بعنف : 

- سؤالٌ آخر وأطردكِ من هنا ، هيا عودي من حيث أتيت !!


فخافت من نظرات التهديد في عينيه ، رغم كبر سنه ! وأسرعت عائدة الى القسم الآخر من القرية ، لتستقبلها النساء بوجوهٍ مُتجهّمة 


وفور نزولها من سيارتها ، سألتها إحداهن بغضبٍ وغيرة :

- ماذا كنت تفعلين عند رجالنا ؟!!

بينما سألتها الصبية بلهفةٍ وشوق : 

- هل رأيتي زوجي ؟ هو وسيمٌ جداً وعينيه عسليتين ، أهو بخير ؟

- تماسكي يا امرأة ، ما بك ؟

فانهارت الصبية باكية..

- لم يعد باستطاعتي تحمّل المزيد ، اريد العودة الى حبيبي

- جميعنا ضحيّنا بسعادتنا وعائلاتنا ، ولست وحدك من تعانين من هذا الفراق المؤلم


ديانا : ولماذا فرضّتن على أنفسكن هذا العقاب القاسي ؟! برأيّ أن تعدن سريعاً اليهم ، قبل أن يخونكنّ  

- يخونونا ؟!

ديانا : نعم ، بالكاد هربت منهم قبل هجومهم عليّ

- اللعنة على الرجال ، تُغريهم أيّ سيدة حتى لوّ كانت حامل ! 

الصبية : رجاءً دعوني اعود الى زوجي ، فأنتم فرّقتم بيننا بعد شهر من زواجنا ، ولم أشبع منه بعد

عروس أخرى : وانا ايضاً احلم أن اكون أماً مثلكن

العجوز بعصبية : لا احد سينجب في هذه القرية !! وهذه السيدة ستخرج من هنا قبل موعد ولادتها


ديانا باستنكار وتحدّي : ومن قال ذلك ؟

- هذا قرارنا جميعاً

ديانا : قلت لكم بأنه لا يوجد مكان آخر اذهب اليه .. كما انني لا أتحمّل مصاريف المستشفى .. لهذا اردّت سؤالكن إن كانت بينكن قابلة

- انا ولّدت معظم اطفال القرية

العجوز بحزم : قلت لا احد سينجب في قريتنا !! 

ديانا بإصرار : وانا لن اخرج من هنا في الوقت الراهن !! فأنا ورثت منزل جدي ، ويحقّ لي التواجد في قريتكن غصباً عنكن

العجوز : أهذا قرارك النهائي ؟

ديانا : نعم !!

العجوز مهدّدة : اذاً تحمّلي نتيجة قرارك الطائش ..وانتن !! عدن فوراً الى بيوتكن  


وتفرقن عنها ، وهن ينظرن اليها شزراً .. لتعود ديانا الى منزلها ، دون أن تفهم سبب كرههن الشديد لحملها ! 

***


ونامت ديانا تلك الليلة ، دون علمها بإجتماع النّسوة الطارىء الذي أقيم في منزل العجوز التي اتفقت معهن على خطط وحيل متعدّدة لإسقاط جنينها ، قبل حدوث الفاجعة التي ستدمّر قريتهم ، كما حصل قبل سنوات !

***


ليبدأ كابوس ديانا في الصباح التالي ، حين أوشكت على السقوط من فوق الدرجتين المتواجدتين خارج منزلها ، بعد أن سكبت إحداهن الزيت عليهما .. لكن ديانا استطاعت التمسّك بالسوار في آخر اللحظة .. لتلمح المرأة التي راقبتها من بعيد ، والتي هربت باتجاه الغابة بعد فشل خطتها !


وكانت هذه الحادثة الأولى .. ومن بعدها حاول الأولاد رميّ بطنها بالحجارة والكرة وبعض العابهم القاسية ! قبل صراخ ديانا عليهم ، مما جعلهم يفرّون من امام منزلها 


وتوالت الأحداث اللاّ انسانية في الأيام التالية .. حين حاولت بعضهن إقتحام منزل ديانا مساءً .. وعندما عجزنّ عن فتح قفل الباب الخارجيّ ، قمن برشق الحجارة على نوافذ الطابق الأرضيّ ، لتحطيم اكبر عددٍ من النوافذ!


ومن سوء حظ ديانا انه لا يوجد إنترنت في القرية للإتصال بالشرطة من جوالها .. اما هاتف المنزل ، فقد قطعن اسلاكه من الخارج .. ولم يتوقف إعتدائهن ، حتى تباشير الصباح

***


بعد شروق الشمس ..عاينت ديانا حجم الكارثة ، بانتشار شظايا الزجاج في كل ارجاء الطابق السفليّ لمنزلها .. وعجزت عن تكنيس الفوضى بسبب الأمغاص التي شعرت بها بعد توترها الشديد ليلة امس ، وخوفها من تأثيره السلبي على جنينها 

***  


في اليوم التالي .. تفاجأت بشاب يركّب لوحاً زجاجيّ ، من داخل منزلها !

فقالت ديانا بخوف ، وهي ترفع عصا المكنسة دفاعاً عن نفسها : 

- من انت ؟! وكيف دخلت بيتي دون استئذان ؟!

فقال الشاب وهو يتابع تركيب الزجاج : 

- دخلت من إحدى نوافذك المحطّمة .. وأصلحت عدداً من النوافذ ، فالجوّ بارد مساءً وسيؤذيك انت والجنين

ديانا : لكني لا املك المال لكيّ..

مقاطعاً : تدفعين لي لاحقاً 

- وكيف وصلت الى هنا ؟

- ماذا تقصدين ؟

- الم تقسّموا قريتكم الى رجالٍ ونساء ؟


الشاب : هي مقسّمة قبل قدومي من المدينة.. وليتني لم أعدّ ، فالعقليّة المتخلّفة لأهل القرية أتعبتني كثيراً ، لكني لا استطيع عصيان والدي فهو صارمٌ جداً

ديانا : وكيف سمحت لك النساء الإقتراب من منزلي ؟

- وصلت هنا فجراً ، وأظنهم نائمات بعد سهرن طوال الليل في محاولة إخافتك .. فهل اكتفين بتكسير الزجاج ؟

ديانا : فعلن ذلك وهن يصدرن اصواتاً مزعجة كعواء الذئاب ونباح الكلاب!

فقال مبتسماً : توقعت ذلك

- ولما يفعلن ذلك ؟

- لتهربي من القرية

ديانا : ولماذا يعادونني ؟ فلا أحد منهن تعرفني جيداً ! 

- يكفي إنك حامل ، ليكرهك الجميع

- لكن معظمهن امهات ، فلما الإستغراب من حملي ؟!


فسكت الشاب قليلاً ، قبل أن يقول بقلق : 

- حسناً سأخبرك الحقيقة ، لكن عديني أن لا تخبري احداً بأني أفشيت السرّ .. 

- حتى لوّ أخفيت أمرك ، ستلمحك إحداهن اثناء خروجك من منزلي ، فهن يراقبنني على الدوام

الشاب : خبّأت سيارتي في الغابة ، وسأحاول التسلّل اليها دون لفت انتباههن  

- اذاً رجاءً إخبرني بالحقيقة كاملةً


فتنهّد مطوّلاً ، قبل أن يقول :

- القصة باختصار : إن رجلاً من أهل القرية قتل زوجته فور عودته من السفر 

ديانا : ولماذا قتلها ؟

- لأنه وجد رضيعاً في منزله ، وهو مسافر منذ سنتين

ديانا : وهل قتل عشيقها ايضاً ؟

- لا مستحيل ، فوالد ابنها هو الشيطان 

- لم أفهم شيئاً ! 


الشاب : رغم ضربه العنيف لزوجته ، الا انها أصرّت إنها حملت من كائنٍ مخيف يشبه الشيطان .. وأخبرته قبل وفاتها : إنها ضاعت في الغابة بعد عودتها متأخرة من الحقول ، وسقطت في بئرٍ مهجور .. ولم يسمع احد صراخها ! إلى أن خرج لها آخر الليل شيطانٌ من تحت الماء .. وخيّرها بين سحبها الى عالمه ، او قضاء ليلته معها ..وفي المقابل وعدها بإخراجها آمنة من البئر ..

- وهل وفّى بوعده ؟ 

- نعم استيقظت في فراشها في الصباح التالي ، لتجد بطنها منتفخٌ للغاية ! واستعدّت للذهاب الى الطبيب .. إلا أنها أنجبت (قبل خروجها من المنزل) طفلاً على جبينه وحمة برقم 666 ، تأكيداً أنه ابن الشيطان ! 


ديانا مستنكرة : وهل صدّق زوجها تلك الخرافة ؟ 

- لا طبعاً ، وظلّ يضربها حتى ماتت بين يديه

- وهل قتل الطفل ايضاً ؟

الشاب : توجه به للغابة ، لإعادته الى والده المزعوم .. لكن هواءً منعشاً خرج من البئر ، جعله يشعر بحنانٍ قويّ اتجاه الطفل ، كأنه ابنه بالفعل !

- أتظن إن لشيطان أوهمه بذلك ، ليربيه في منزله ؟

- ربما .. لكن معاملته لإبنه تغيرت بعد بلوغه سن 6 ، والسبب وراء ذلك هو تشاؤم اهل القرية منه الذين اخبروا والده : بأن الحرائق المتفرّقة في حقولهم ، حصلت بعد تواجد ابنه هناك .. وعندما يلمس خرافهم ، تنفق في اليوم التالي .. وحين رقص تحت المطر ، توقفت الأمطار لشهورٍ طويلة .. وهدّدوا والده بالطرد من قريتهم إن أصرّ على الإحتفاظ باللقيط .. مما اضّطر لحجزه في قبو منزله ، لحين  بلوغه 9 سنوات ..وفي يوم تفاجأ الأهالي بالصبي يقف وسط الساحة وثيابه ملطخة بالدماء ، ويخبرهم ضاحكاً انه قتل والده ! ولم يصدقوه الا بعد اقتحامهم المنزل ، ورؤية اشلاء ابيه متناثرة في كل مكان  


ديانا : وماذا فعل اهل القرية به ؟

- احرقوه حتى الموت وسط الساحة 

- أتقصد ربطوه في الصليب المحروق الذي رأيته هناك ؟ 

الشاب : نعم ..وقبل موته صرخ مهدّداً أنه سيعود للإنتقام منهم ، مع اول حملٍ في القرية .. لهذا قرّر الرجال الإبتعاد عن زوجاتهم ، وحصل هذا قبل 8 سنوات 

- الهذا يريدون إجهاضي ؟

- الجميع خائف من عودة الشيطان ، فهو لن يرحمهم هذه المرة ..وأنصحك بالخروج من هنا بأسرع وقتٍ ممكن 


في هذه اللحظات ، سمعا صوت النسوة تقترب من المنزل

الشاب بقلق : عليّ الذهاب الآن ، مع اني لم أصلح كل النوافذ  

ديانا : على كلٍ ، شكراً على شوال البطاطا الذي احضرته لي .. والآن إهرب قبل أن يرونك هنا

وخرج من النافذة الخلفية ، باتجاه سيارته التي أخفاها في الغابة


ثم سمعت ديانا احداهن تهدّدها بصوتٍ عالي :

- ديانا !! معك اسبوع واحد للخروج من قريتنا وإلاّ سنخرجك بالقوة ، هذا قرارنا بالإجماع !!


فنظرت ديانا من النافذة ، لتراهم يحملنّ العصيّ والسكاكين الحادة .. فصرخت بفزع :

- انا لست حاملاُ بالشيطان

فشهقنّ برعب :

- من اخبرك عن الحادثة ؟!

ديانا : الولد الذي احرقتموه كان ابن حرام ، اما ابني فمن زواجٍ شرعيّ .. وربما ولادته تُنهي لعنة قريتكم ، وتجتمعون مجدداً مع أزواجكم 

العروس : أحقاً ! 

العجوز بعصبية : إسكتي انت !! .. اسمعي يا ديانا ، نحن لن نخاطر بحقولنا ومواشينا لأجلك .. عليك الخروج من قريتنا خلال اسبوعٍ فقط .. مفهوم !!

وابتعدن عن منزلها ، تاركين ديانا تشعر بضيقٍ شديد

***


في الصباح الباكر ، أسرعت ديانا الى قرية الرجال .. لتسأل مراهقاً عن عنوان مصلّح الزجاج .. فتردّد قليلاً ، قبل أن يدلّها على منزله 


وفتح الشاب الباب وهو يتثاؤب بنعاس : 

- ديانا ! مالذي احضرك الينا في هذا الوقت المبكّر ؟! 

- ارجوك ساعدني

وأخبرته بتهديد النسوة لها ..


الشاب : رجاءً لا تورطيني معهن ، والا سيطردونني ايضاً من القرية

ديانا : وهل ستبقى طوال حياتك محتجزاً في قسم الرجال ؟ ألا تفكّر بالزواج وإنجاب الأطفال ؟

- سأفعل حين تنتهي اللعنة

ديانا : ستنتهي إن سمحتم لي بإنجاب طفلي الذي لن يؤثّر سلباً على حقولكم ومواشيكم ، وحينها تتوقفون عن الخوف لتعود حياتكم كما كانت


وإذّ بها تسمع صوت العجوز من خلفها يقول بعصبية :

- الم آمرك أن لا تعودي الينا ؟!!

فهمست للشاب : ارجوك ، فكّر بالأمر


ثم أسرعت الى سيارتها ، عائدةً الى قسم النساء .. لتلتقي بإحداهن في الساحة ، والتي قالت بقسوة : 

- بقيّ 6 ايام لتختاري اما الرحيل او الموت !!

فعادت ديانا مسرعة الى منزلها ، وأقفلت بابها بإحكام

***


واضّطرت ديانا لحجز نفسها في المنزل ، لعدم وجود مكانٍ آخر تذهب اليه .. ولم تتناول على مدى ايام سوى البطاطا المسلوقة التي اهداها لها عامل الزجاج المرة الماضية ، رغم جوعها الشديد بسبب الحمل

***


في نهاية الإسبوع وقبيل الفجر ، إستيقظت ديانا من نومها على صراخ امرأة خارج منزلها : 

- إنتهت المهلة !! وسنُخرجك من منزلك بالقوة


ثم عمّ الصمت المُقلق ، لتشتم بعد قليل رائحة حريق ..وتتفاجأ بالدخان الأسود يصعد الى غرفتها ! 


فنظرت من النافذة ، لترى النّسوة يرمين شعلات النار على الطابق السفليّ..

فصرخت ديانا بفزع :

- يا ملاعيين !! اليس في قلوبكن رحمة ؟

الصبية : أخرجي فوراً من الباب الخلفيّ ، وقودي سيارتك الى خارج قريتنا 

العجوز بلؤم : او إبقي لتحترقي انت وجنينك الشيطانيّ 


فأسرعت ديانا الى القبو التي اكتشفت فيه قبل يومين سرداباً يوصلها الى وسط الغابة ، يبدو إن جدها أخفاه عن الجميع !


فأضاءت كشّاف جوالها ، ومشت فيه محاولةً تجنّب الفئران والحشرات .. إلى أن وصلت بعد نصف ساعة الى عمق الغابة .. 

وهناك سمعت تهليل النسوة من بعيد بعد إحراقهن منزلها بالكامل ، لظنهن انها ماتت في الداخل ! خاصة ان سيارتها ظلّت مركونة هناك


وركضت ديانا باتجاه قسم الرجال ، لطلب المساعدة من العامل اللطيف لتوصيلها الى محطّة الباصات والعودة الى المدينة


لكنها لم تستطع المشي أكثر بعد وصولها الى الساحة ، ونزول ماء رأس الطفل امام الصليب المحروق المتواجد هناك !

وحاولت تحمّل آلامها قدر الإمكان ، قبل إطلاقها صرخة مدويّة ..وإغمائها فور ولادة الطفل 

***


إستيقظت مع شروق الشمس .. لتجد النّسوة مجتمعات حولها ، وهن ينظرن بفزع للطفل الذي يبكي بجانبها ! 


فسارعت ديانا بضمّه الى صدرها ، خوفاً من السكاكين والعصيّ التي يحملنها ! لتلاحظ على الفور الوحمة المخيفة على جبيبن الطفل بالرقم 666

وقبل أن تستوعب ما تراه ! صرخت العجوز بفزع :

- لقد عاد الشيطان ، إهربوا !!


وانطلقن جميعاً الى بيوتهن ..ووصل الخبر الى الرجال الذين عادوا سريعاً الى زوجاتهن اللآتي افترقوا عنهن لسنواتٍ طويلة ، لأنه لم يعدّ هناك ضرورة للإنفصال بعد تحقّق اسوء كوابيسهم 


وحاول الكثير منهم الهرب من القرية التي عادت اليها اللعنة ، الا ان سياراتهم توقفت عن الحركة .. ومن استطاع منهم الوصول الى الغابة ، تساقطت الأشجار من امامهم وخلفهم لمنعهم من الهرب .. ومنهم من اعترض طريقه قطيعاً من الذئاب والكلاب السوداء بعيونها الحمراء المخيفة .. ومن ركب حماره لم يستطع حثّه على الحركة ، رغم ضربه الشديد له ..بينما فضّلت الأحصنة رميهم بقسوة على الأرض ، وفرارها وحدها خارج القرية ..


اما كبار السن (الذين خطّطوا في الماضي لحرق الولد ، بعد نصبهم الكمين للشيطان وربطه بالصليب) فقد حاولوا الإنتحار خوفاً من عقابه .. الا إن حبال مشانقهم انقطعت دون سببٍ منطقيّ ! وأسلحتهم فُرغت من رصاصاتها التي لم يجدوها في أيّ مكان ! ومن حاول قطع شريانه ، إنكسر السكين في يده .. حتى من حاول حرق نفسه لم يستطع إشعال النار ، كأن شيءٍ خفيّ يُطفأها له ! 


فعلم الجميع انهم علقوا مع الشيطان ، وعادوا بخطواتٍ متثاقلة وخائفة الى الساحة .. ليجدوا جثة ديانا مضرّجة بالدماء ! وبجانبها ابنها الذي أصبح عمره 9 سنوات (وهو العمر الذي قتل فيه الشيطان سابقاً) والذي ناداهم بصوتٍ جهوريّ غاضب :

- هآقد عدت اليكم ، كما وعدتكم يا ملاعيين !! فلا تحاولوا الإنتحار ، لأني حضّرت طرقاً إستثنائية للقضاء عليكم .. لكن دعوني اولاً إبهركم بقدراتي الخارقة 


وأشار بيده الى حقولهم ، ليروها تحترق من بعيد .. ثم أشار بيده الأخرى الى زرائبهم ، ليسمعوا أصوات حيواناتهم وهي تحتضر !

فبكوا وهم يترجونه أن يسامحهم ، حتى إن بعضهم سجد له ! 

لكنه أخبرهم :

- هذه المرة لن ارحم كبيركم ولا صغيركم ، وسأحوّل قريتكم الى جحيمٍ حقيقيّ !!

***


بعد سنواتٍ عديدة .. وصلت مجموعة كشّافة ومغامرين لرؤية القرية الملعونة ، وتصوير منازل سكّان القرية المهجورة الذين أبيدوا بطريقةٍ غامضة ! ولم يبقى من أثرهم سوى جماجمٍ رُكّزت فوق اعمدةٍ صدئة لأسوار القرية .. 


وحين وصلوا لوسط الساحة ، وجدوا شاباً يسقي الورود حول الصليب المحروق ..فسألوه باهتمام :

- مرحباً ، هل انت سائحٌ ايضاً ؟

فابتسم بلطف : اهلاً بكم في قريتي الملعونة

فسأله الرجل بدهشة : هل انت حقاً من السكّان القدامى ؟!

فأومأ الشاب برأسه موافقاً ..

فقالت إحدى الفتيات بحماس : إذاً إسمح لنا بصورةٍ معك


وتجمّعوا حوله لأخذ صورة جماعيّة ..

فأزال الشاب القبعة عن رأسه ، دون انتباههم على الوحمة 666 على جبينه .. ودون علمهم انهم لن يخرجوا احياءً من القرية ، كما حصل مع الكثير من الفضوليين على مدى سنواتٍ متعاقبة !


هناك 7 تعليقات:

  1. مسكينه ديانا والصبيه أيضا حديثةالزواج والفتى ... ولكن إبن المرأه القديمه التي بدأت بها اللعنه وإبن ديانا أيضا لايعدون أبناء حرام لأن هذا إعتداء خارج عن إرادتهم ... كما يحدث كثيرا في حالات الإجهاض الناتجه عن الجن وهذا كثيرا ما يحدث دون وجود تفسير علمي ... شخصيا سمعت وقرأت عن هذا كثيرا ... أما أن يتم الحمل ويولد الطفل كولد للجن فهذا لا أعلمه وإن كان غير مستبعد ولعل من هذا جاءت لفظة بن حرام . حتى وإن كانت جينات الطفل لبشري . وهذا مشاهد ولكن لم يثبت عليه دليل ... شكرا جزيلا و حبذا لو تتخلل القصه بضع صور

    ردحذف
    الردود
    1. نعم هناك نساء حول العالم إدّعوا زواجهم من شيطان او جني ، وإنجاب الأطفال منهم .. لكن علماء الدين والأطباء نفوا إمكانية ذلك .. والله أعلم
      اما عن الصور : فأحياناً أضع صوراً إن كانت ضرورية لتمثيل الفكرة التي تخيلتها للقارىء ..لكن كثرة الصور ، قد تشتّت التركيز على مضمون القصة .. على كلٍ ، شكراً لاقتراحك

      حذف
  2. تحياتي لك ولقصصك المشوقة مبدعة بكل معنى كلمة

    ردحذف
  3. قصة رائعة وكشرقة ننتظر جديدك استاذة امل

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...