الثلاثاء، 9 فبراير 2021

المحقّق النجيب

 تأليف : امل شانوحة

الأهداف الخفيّة


وصلت دفعة المتخرّجين من المحقّقين الجدّد الى المختبر الجنائيّ .. وبعد مشاهدتهم أقسام المركز ، جلسوا في مكتب المحقّق العجوز للإستماع الى أنجح المهمّات التي نفّذها بحياته ، حيث قال :


- في قضيتي الأولى : وجدنا جثة أمرأة مُهشّمة الرأس في الغابة .. وشكّكت منذ البداية بزوجها ، فهو الوحيد المستفيد من بوليصة التأمين على حياتها .. لكنه استطاع إبعاد التهمة عنه بكل الوسائل المتاحة ، حتى انه استعطف أهالي المنطقة إزاء مصيبته .. فبحثت في السجلّات العقارية لعائلته ، الى أن وجدتُ أن والدته المتوفاة تملك منزلاً جبليّاً لا يبعد كثيراً عن الغابة التي وجدنا فيها القتيلة .. فذهبت هناك وحدي .. واول ما لاحظته فور دخولي منزله ، رائحة المنظّفات القوية .. وبعد تفتيشي الغرف ، إنتبهت بأنه لا يوجد سوى بلاّعة الشرفة .. فقمت بإزالة الأبواب الزجاجية للصالة ، وأخذت الشعر المتجمّع في سكّته الحديدية .. وأرسلتها للمختبر ، لتظهر عليها دماء القتيلة .. من بعدها أرسل مديري فرقة شرطة للبحث في محيط منزله الجبليّ .. وبعد ايام ، وجدوا المطرقة التي استخدمها الزوج كسلاح الجريمة ، والتي عليها بصماته .. ليحصل لاحقاً على حكم المؤبّد ..


فقالت له إحدى الخرّيجات : إذاً لا غرابة انك المحقّق الجنائي الوحيد في هذه المنطقة ، فأنت بارعٌ بتصوّر احداث الجريمة 

العجوز : شكراً لك .. الجميل في منطقتي إن جرائمها محدودة ، وأُرجّح أن معظمها له علاقة بعصابة الأفعى التي تسيطر على مينائنا لنقل الممنوعات لعملائها الأجانب .. ورغم إنه لا يوجد ضغطٌ كبير على قسم التحقيقات الجنائيّ الا انني كبرت في العمر ، لذلك طلبت من جامعتكم إرسال أذكى طلّابها الى هنا لتعليمه خبرتي قبل التقاعد .. ولأكن صريحاً معكم لن أعتمد نتائج إمتحاناتكم الكتابيّة ، فعملنا يحتاج لذكاء وسرعة بديهة .. (ثم توجّه لماكينة سينما الحائط) .. الآن سأريكم صوراً لبعض الضحايا ، ثم أمتحنكم بألغاز حيّرت الشرطة لبضعة أشهر.. هل أنتم مستعدون ؟

الطلاّب بحماس : نعم سيدي !!  

***


وبدأ المحقّق بعرض أبشع صور القتلى في جرائمٍ سابقة , لتوضيح صعوبة عملهم المستقبليّ ..

وحين رأى الإشمئزاز على وجوه بعض الطلّاب ، قال لهم : 

- ماذا لوّ شممّتم رائحة تحلّل أجسادهم المثيرة للغثيان ، فعملنا ليس بالهيّن وقد يصيبكم بالهلوسة والكوابيس.. والآن سأطرح الألغاز عليكم .. 


وعرض على شاشته الضخمة : صورة صبية مشنوقة في غرفتها .. وسألهم : 

- هل برأيكم ماتت قتلاً ام انتحاراً ؟

فأجابوا جميعاً دون تردّد : إنتحار طبعاً !! 

ماعدا طالباً إسمه جون أجابه بثقة : بل قتلوها

العجوز باهتمام : ماذا قلت ؟!

جون : الصبية قُتلت على يد شخصين على الأقل

- وكيف توصّلت الى ذلك ؟


جون : لعدّة اسباب .. اولاً شعرها الطويل مُجدّلٌ بإتقان , وتلبس حذاءً (بُوط) يحتاج على الأقل دقيقتين لعقد رباطه

المحقق : وما دخل ذلك بالجريمة ؟

جون : المنتحرون عادةً ينهون حياتهم بعد وصولهم لقمّة إكتئابهم , وأناقة تلك الجثة لا تدلّ على ذلك 

- وما السبب الذي جعلك تظن انهما قاتلين ؟

- سأجيبك بعد تقريبك الصورة على يدها ، لوّ سمحت


وبعد قيام العجوز بذلك ، قال جون لأصدقائه :

- كما تلاحظون !! هناك أثر حبلٍ على معصمها ، وهذا يدلّ بأن القاتلين قيّدا يديها خلف ظهرها.. وبعد موتها ، فكّا الرباط لتظهر كأنها مُنتحرة .. وإن أمعنتم النظر الى ذراعها الأيمن ، ستجدونه مائلاً للخلف قليلاً ! وليس على جنبها كذراعها الثاني .. وهذا يؤكّد إنها تصلّبت للوراء بوضعيّة القيد ، بعد خروج روحها

المحقق : ولما تصرّ انهما مجرمين ؟


جون : لأن الصبية قصيرة .. ولن تصل لحبل السقف ، حتى مع وقوفها على الكرسي .. لهذا افترضت أن رجلاً رفعها من وسطها ، ليتسنّى للآخر وضع الحبل حول رقبتها .. وبعد موتها ، أوقعا الكرسي امام رجليها .. وهذا يثبت غبائهما لأنهما إختارا الكرسي الخشبيّ ، رغم وجود الكرسي البلاستيكيّ بطرف الغرفة .. وأيّ شخص سيفكّر بالإنتحار سيختار كرسياً خفيفاً يسهل ركله عند تنفيذ رغبته الأخيرة ..اليس كذلك ؟


فسأل أحد الطلبة المحقّق : هل كلام جون صحيحاً ، سيدي ؟

العجوز بانبهار : نعم ! لكننا بالحقيقة لم نكتشف ذلك الا بعد رسالةٍ غامضة أُرسلت للمركز فيها إسميّ الفاعلين اللذين قبضنا عليهما قبل ايام ، واعترفا بقتلهما لها : لعدم بيعها بضاعة المخدرات لأصدقائها بمدرسة الثانوية كما وعدت رئيس العصابة 


ثم التفت الى جون قائلاً : انت طالبٌ نجيب , هل كنت الأول على الدفعة ؟ 

فقال صديقه ساخراً : بل نجح في الدور الثاني

فبرّر جون بامتعاض : انا لا احب حفظ القوانين والنصوص , فنقطة قوتي هي دقّة ملاحظتي للأمور

المحقّق : واضحٌ جداً .. الآن سأعرض لكم صورة أخرى


وشاهدوا جميعاً : جثة امرأة حسناء على سقف سيارةٍ محطّمة ، بعد سقوطها من الطابق الثامن .. وسأل التلاميذ :

- هل برأيكم إنتحرت أم قُتلت ؟ 

فأجابوا نفس الإجابة السابقة ، بعكس جون الذي أصرّ على وقوع جريمة 

المحققّ : وكيف عرفت ذلك ؟


جون : لأنها سقطت على ظهرها .. وهذا يدلّ أن هناك من أمسكها من يديها ورجليها ، قبل رميها للأسفل .. فلوّ كانت منتحرة لوقعت على الرصيف ، وليس فوق سيارةٍ تبعد نصف متر عن سقوطها الطبيعيّ

المحقّق بفخر : جوابك صحيح ! انت حقاً مذهل

فسأله أحد الطلاب : ولما قتلوها سيدي ؟! 

المحقق : هي موظفة في مكتب محاماة .. وفي تلك الليلة ، عملت لوقتٍ متأخّر ، لتتفاجأ بعودة مديرها مخموراً ! 


فسألته طالبة : هل حاول التحرّش بها ؟

المحقق : نعم ..وحين قاومته ، طلب من حارسيه رميها للأسفل

طالب : يا خسارة ، كانت جميلة وشريفةٌ ايضاً !

المحقق : الآن تعالوا معي لأريكم اشياء أخرى تفيدكم في عملكم المستقبليّ

***


وأمضى الطلاّب ساعة أخرى في دراسة البصمات وأشكال الرصاصات المستخرجة من الجثّث ، كما تعرّفوا على ماكينة لإكتشاف التزوير بالشيكات والأوراق الرسمية .. 


ثم أخذهم الى غرفة بجدرانٍ كاتمة للصوت ، يستخدمها الشرطة للتدرّب على السلاح .. 

وأطلق كل واحدٍ من الطلّاب العشرين ست رصاصات .. وكان جون الوحيد بينهم الذي أصاب اللوحة : بثلاث طلقات في القلب ، وثلاثة في الرأس ! وبرّر ذلك قائلاً :

- إخترت إصابة القلب اولاً .. لكن فكّرت لوّ إن المجرم يلبس واقياً فوق صدره ، فأفرغت بقيّة الرصاصات في رأسه


فربت المحقق على كتفه بفخر : جون ، مبروك !! تفوّقت على اصدقائك 

جون بحماس : أهذا يعني اني حصلت على الوظيفة ؟

المحقق : في حالةٍ واحدة ، إن ساعدتني بحلّ قضيتي التي أعمل عليها حالياً 

جون باهتمام : وماهي ؟

المحقق : أدخل الى مكتبي ، سأوافيك بعد توديع رفاقك

فسأله احد الطلاًب : ألن تخبرنا بشأن القضية ؟

المحقق : هي لم تحلّ بعد ، لهذا لا يمكنني كشف اسرارها الاّ لجون ، بما انه سيحلّ مكاني في المستقبل القريب ..


فقام اصدقائه بمباركته على فوزه بالإمتحان ، ثم ودّعوا المحقق قبل عودتهم الى الفندق المحجوز من قبل الجامعة ..

***


في هذه الأثناء .. عرض المحقق على جون تفاصيل الجريمة الغامضة قائلاً : 

- القضية تتمحوّر حول ارملةٍ خمسينيّة .. ورثت مبنى فيه 16 شقة مستأجرة .. وهي مفقودة منذ اسابيع دون أثرٍ لها .. وبتحقيقنا مع المقرّبين منها : شهدوا أنها بخيلة ، وعلى خلاف مع معظم المستأجرين التي تهدّدهم دائماً بالطرد في حال تأخّروا بدفع الإيجار ، لهذا جميعهم مشتبهٌ بهم 

جون : هل يمكن أن تريني موقع مبناها على الخريطة ؟ 

- بالحقيقة إستطعنا تصوير المكان بطائرة درون .. 


وشاهد جون الفيديو باهتمام ، قبل أن يقول : 

- أوقف الصورة هنا !! .. هل هذا مركزاً للشرطة ؟

المحقق : نعم ، هو فرعنا الآخر .. ومبنى السيدة في الشارع المواجه له 

- ولمن تلك الفلّة الوحيدة بين المباني السكنيّة ؟

- فلّة قديمة يسكنها رجلٌ في الستينات من عمره 

فقال جون بثقة : اذاً هو القاتل !!


فنظر العجوز له باستغراب ! بينما أكمل جون قائلاً :

- ضعّ نفسك مكان القاتل سيدي .. هل ستجازف بإخراج الجثة داخل سجّادةٍ ضخمة تضعها في صندوق سيارتك ، او تقطّعها وتوزّعها بعدّة أكياس نفايات ، ترميها في حاوية الشارع الذي فيه مركز الشرطة ؟ 

المحقق باهتمام : إكمل نظريتك

جون : لوّ كنت مكانه ، لما تجرّأت على قتلها قبل التخطيط مُسبقاً لكيفية التخلّص من جثتها دون لفت الأنظار إليّ .. لهذا لم يقمّ المستأجرون بذلك ، بل صاحب الفلّة الذي دفنها في حديقته الخلفية .. فمنزله بجوار مبناها ، وأظنه تشاجر معها بطريقةٍ او بأخرى ..


فنادى العجوز شرطياً ليسأله :

- من تحقيقاتك مع المستأجرين .. هل حصلت مشاكل بين الأرملة وصاحب الفلّة المجاورة لمبناها ؟

الشرطي : نعم ، أحد الجيران أخبرني إنه سمع شجاراً بينهما قبل ايام من إختفائها .. فهي ترغب بشراء فلّته لتحويلها الى موقف سيارات لمبناها ، لكنه رفض عرضها الرخيص ! وهي تصرّ على عدم دفع المزيد من المال ثمن منزله القديم

المحقق : وهل حقّقت معه ؟

الشرطي : ذهبت قبل ساعة ، ووجدت بوّابة الفلّة مُقفلة بالسلاسل .. وحين سألت صاحب البقالة ، أخبرني انه ودّعه صباحاً قبل ذهابه الى المطار 


وعلى الفور !! اتصل المحقق بإدارة المطار في المدينة المجاورة لإيقاف الرجل المشبوه .. 

وخلال دقائق ، إستطاع حرس المطار إيقافه قبل صعوده الطائرة .. والغريب انه لم يعترض ، أو يقاوم الإعتقال ! 


وحين علم المحقق برّدة فعل المشبوه الباردة ، هنّأ جون على كشفه المجرم .. خاصة بعد اقتحام الشرطة للفلّة ، وإيجادهم جثتها مدفونة في حديقته الخلفيّة ، تماماً كما توقع جون ! 


ولشدّة إعجاب المحقّق بذكائه ، قال له :

- غداً تحضر معك اوراقك الرسمية لتثبيتك في الوظيفة ، مبروك يا بطل !!


وخرج جون من المركز سعيداً ، بعد تعينه محققاً جنائياً كما يحلم دائماً ..

*** 


وخلال شهورٍ قليلة .. إستطاع جون حلّ أعقد القضايا الجنائية ، منها : سلسلة سرقات على طول الساحل الخاص بفللّ الأغنياء الذين سُرق منهم ليلة رأس السنة مجموعة من الحليّ الثمينة .. 

الغريب في القضية : أن السارق اختار قطعة واحدة من مجوهراتهم ، هي الأغلى ثمناً ! حتى أنه استطاع التميز بينها وبين نسختها المزيفة .. 


وبتدقيق جون في المعلومات التي قدّمها الأغنياء : إكتشف أن جميع مجوهراتهم المسروقة ، إشتروها من نفس محل الذهب ! 

وبعد تحقيقه مع العاملين هناك : قبض على الصائغ الشاب الذي زيّن مجوهراتهم بالأحجار الكريمة ، الذي يُدرك تماماً قيمتها الماديّة  


وبذلك استطاع جون حلّ القضية الغامضة بسرعةٍ قياسية ، بعكس المحقّق العجوز الذي عجز عن مسك الخيط الأول في القضية ، والذي طالب بتقاعده المبكّر فور حصول جون على وسام التكريميّ من الإدارة المركزية التي طالبت بنقله الى العاصمة ، لكن جون رفض ترك منطقته الساحلية الصغيرة التي فيها عائلته .. 


ورغم شعور العجوز بالضيق لتفوّق تلميذه عليه ، الا انه ودّعه مُهنّئاً بنجاحه السريع ، قبل عودته الى منزله بعد حفل وداعٍ أقيم له في المركز الذي خدم فيه 25 سنة : قبض فيها على العديد من مهربيّ المخدرات في المنطقة الساحلية .. وكان محظوظاً ببقائه حياً بعد خمس محاولات إغتيال من افراد العصابة .. لهذا نصح جون بتوخّي الحذر ، فهم لديهم موظفين فاسدين بمعظم الإدارات الرسمية .. وتقبّل جون نصيحته بشكرٍ وامتنان

***


بعد شهور ، وفي ذلك الصباح البارد .. وجد العجوز رسالةً مخيفة في بريد منزله , تقول :

((أحرق ملفّات السجين مايكل اندرسون من إرشيف الشرطة ، والاّ سنحرق منزلك أثناء نومك))


فأسرع العجوز الى مركز الشرطة ، ليُصادف جون يُدخّن امام الباب الرئيسيّ .. والذي ما أن قرأ رسالة التهديد ، حتى نزل معه الى الإرشيف الموجود في قبو المركز ..


وحين وصلا هناك ، سأله جون :

- إذاً مايكل اندرسون هو من عصابة الأفعى الذي قبضت على العديد من افرادها خلال حياتك المهنية ؟

العجوز : هو الإبن البكر للرئيس .. ورغم قبضي عليه بالجرم المشهود وهو يُشرف على إخراج صناديق الهيروين من الميناء .. الا اننا لم نستطع سجنه أكثر من خمس سنوات ، بعد ضغطٍ هائل من العصابة على الإدارة العليا .. وإن لم تخنّي الذاكرة ، فهو أوشك على الخروج من السجن

- ولما يهتمون بنظافة سجلّه القانوني ، طالما إن جميع سكّان منطقتنا يعرفون قذارة عائلته ؟

العجوز : لا ادري ! أظن والده ينوي توسيع تجارته الى مناطق اخرى ، وسيوّكل ابنه بذلك ، لهذا يريد سجلّه نظيفاً ..


فسكت جون قليلاً ، قبل أن يقول : 

- أتدري سيدي ، مازلت لا أصدّق انكم لم تنقلوا ملفّات ارشيفكم الى الحاسوب بعد !

- ميزانيتنا لم تسمح بذلك 

جون : إذاً سأقدّم لاحقاً طلباً للإدارة المركزية لإمدادنا بالحواسيب ..الآن سأتركك في الإرشيف لتفتّش عن ملف السجين ، فأنت الوحيد الذي تعرف مكان صندوقه .. سألاقيك لاحقاً

***


بعد ساعة .. نزل جون الى القبو وبيده جالون صغير ، ليجد العجوز يقرأ ملفّات السجين باهتمام .. فقال جون له : 

- كلامك صحيح .. إتصلت قبل قليل بسجن العاصمة ، وأكّدوا أن مايكل سُرّح ليلة أمس .. فهل تفكّر بتنفيذ طلب العصابة ؟ 

العجوز بعصبية : لا طبعاً !!


فرفع جون الجالون في وجهه ، وهو يسأله بتهكّم :

- اذاً لماذا وضعت البنزين في صندوق سيارتك ؟

العجوز بصدمة : ماذا ! انا لم أحضر شيئاً معي .. ثم من سمح لك بتفتيش سيارتي ؟!!

جون : ساورتني الشكوك بعد رؤية الخوف في عينيك وأنت تقرأ رسالة التهديد ، وأردّت التأكّد من حسن نواياك

- يا ولد !! انت توظّفت بسببي ، ولوّ كنت اعتمدت على نتائجك الكتابية السيئة ، لاخترت أفضل منك  


وإذّ بجون يسكب البنزين فوق الملفّات ، وسط دهشة المحقق الذي صرخ : 

- ماذا تفعل يا مجنون ؟!!!

- أحقّق طلبك


ثم اضاء ولاّعته ، لتشتعل النيران فوق المكتب ! 

فأطبق العجوز يديه حول رقبة الشاب ، محاولاً منعه من سكب المزيد من البنزين في غرفة الإرشيف ..


ونزل رجال الشرطة بعد سماع صراخهما ، ورؤية الدخان يخرج من هناك .. وسارعوا بإطفاء الحريق قبل امتداده لبقية الصناديق .. الا ان الحريق أتلف ملفات السجين مايكل بالكامل ! 


وبعد صعودهم الى فوق .. طلب العجوز من مدير المركز القبض على جون لإحراقه ملفاتٍ مهمة .. لكن جون أنكر ذلك ، وأصرّ بأن العجوز هو من قام بذلك ! مُعطياً رسالة التهديد (الذي مازال يحتفظ بها) للمدير .. كما أراه كاميرا موقف السيارات التي تبين لحظة إيجاده البنزين في صندوق سيارة العجوز الذي اعترض قائلاً :

- ربما افراد العصابة وضعوها في سيارتي قبل قدومي اليكم .. ثم يمكنك سيدي التأكّد من كلامي بمراجعتك كاميرا الإرشيف

فقال له المدير : الكاميرا هناك معطّلة منذ يومين

العجوز بعصبية : اذاً جون اللعين دبّر المكيدة منذ البداية ، وأشكّ بتورّطه مع العصابة !!! 


المدير بلؤم : مالا تعرفه عن جون أنه تمكّن في غيابك من القبض على أهم موزّعي المخدرات التابعين لعصابة تنافس الأفعى في السوق السوداء ، والذين حاولوا الشهر الماضي تلغيم سيارته ، فهو أصبح العدوّ الأول لمجرميّ المنطقة بعد تقاعدك.. وأظنك أتيت اليوم لتنفيذ رغبتهم ، خوفاً على منزلك وحياتك


فانصدم العجوز من إتهامات مديره السابق ! وقال متلعثماً :

- سيدي ! رأيت بنفسك إن جون هو الذي أحضر جالون البنزين الى الإرشيف ، وليس أنا  


فردّ جون ، وهو يضغط الكمّادة الباردة على يده المصابة بحرقٍ بسيط ، مُتجاهلاً نظرات العجوز الغاضبة : 

- سيدي المدير .. أنا واجهته بالبنزين لأعرف الحقيقة ، لكنه فاجأني بنزع الجالون من يديّ بعنف ، وسكبه فوق ملفّات السجين ..واستغلّ ذهولي لإشعال المكان ! فهو بالنهاية أستاذي ، وهو الذي اختارني في فريقكم ، كما انه كبير في العمر ، لهذا لم استطعّ أن أكون عنيفاً معه ..(ثم قال بنبرةٍ حزينة) .. أعتذر سيدي لعدم تمكّني من حماية نسخكم الوحيدة للجرائم القديمة من التلف 

فربت المدير على كتفه بفخر : فعلت ما بوسعك يا بطل

العجوز باستهجان : بطل ! .. سيدي !! انا عملت معك 25 سنة ، وتعرف نزاهتي جيداً 


وقبل ان يُكمل كلامه ، دخل شرطي الى مكتب المدير وهو يقول :

- معك حق يا جون !! هناك مبلغ 100 الف دولار مُحوّلة لحساب العجوز هذا الصباح من جهةٍ مجهولة 

العجوز بصدمة : ماذا !

فقال جون للمدير : كنت طلبت من الشرطي الإتصال بالبنك ، بعد أن أقلقني إصرار العجوز على بقائه وحده في الإرشيف

العجوز صارخاً بغضب : كاذب !!! .. سيدي رجاءً ، جون يحاول توريطي بجرمٍ لم أفعله ، الا ترى ذلك ؟! 

فقال المدير للشرطي : خذه الى التوقيف ، سأحقّق معه لاحقاً


واقتاد العجوز الى الحجزّ ، وهو مازال يشتم جون الذي أوقعه بفخٍّ مُدبّر .. في الوقت الذي كان فيه المدير يُهنّأ الشاب على شجاعته باحتواء الموقف ، ويعدهُ بترقيةٍ قريبة  

***  


في المساء .. إلتقى جون بوالده وأخيه الأكبر الذي قال : 

- شكراً يا جون على حرقك ملفّاتي القديمة 

جون بغرور : عليك شكر العجوز الذي ورّطناه بالحادثة .. ومن حسن حظك ان مركزنا المتخلّف لا يملك الحواسيب ، والا لكان تنظيف سمعتك أمراً مستحيلاً 

الأخ بغيظ : لا تمننّ عليّ يا جون ، فأنا قديماً زوّرت هويتك في مرحلتك الثانوية ، والا لما كنت توظّفت في الشرطة لوّ علموا انك من افراد عصابتنا 


الأب بدهشة : أتعلمان بأني مازلت متفاجئاً مما حصل ! لم أكن أتصوّر أن رسالة التهديد والمبلغ المالي البسيط الذي أرسلته على حسابه ، كافيان للإيقاع بالثعلب العجوز 

جون : جيد انك وافقت على خطتي .. فأنا كنت على علم بخلافه مع المدير الذي رفض إعطائه كامل تعويضه بسبب تقاعده المبكّر ، لهذا لم يكن صعباً عليّ تشكيكه بنوايا العجوز الماديّة  


الأب : أتدري يا جون .. جيد انك أقنعتني بإكمال تعليمك ، فبعملك داخل المركز ، ستنبّهنا على الدوام بتحرّكات الشرطة.. وبذلك ننقل بضائعنا بسلام ، بعد سنواتٍ من الحذر بسبب العجوز الماكر .. أنا حقاً مُنبهر من ذكائك ومكرك يا جون !


الأخ الأكبر بعد شعوره بالغيرة : 

- ابي ! تتكلّم وكأن ابنك عبقريّ .. فلولا تضحيتك ببعض رجالك ، لما نجح هذا الفاشل الذي بالكاد تخرّج بالدور الثاني .. فمعلوماتك التي أعطيتها له عن قاتليّ الصبية  التي ماتت على هيئة إنتحار ، وكشفك لسرّ شريكك الذي قتل الأرملة البخيلة .. وتخلّيك عن محاميك السكّير القاتل ، وعميلنا سارق المجوهرات .. وإعطاء جون عناوين منازل الموزّعيّن المنافسين لعصابتك ، لما ترقّى في وظيفته بهذه السرعة


الأب : لا بأس ، فديت ابني ببعض الرجال التافهين .. كما انه أتمّ المهمّة بإزاحة العجوز عن طريقنا .. عدا عن رشوته رجال الجمارك والحدود المتوظّفين حديثاً ..

جون : لا شكر على واجب ابي..المهم الآن ، متى موعد الشحنة الكبرى ؟


الأب : غداً مساء .. عليك مراقبة رجال الشرطة جيداً .. ومايكل ومعاونيه سيراقبون أفراد العصابة المنافسة 

جون : سأفعل ما بوسعي ، لكن رجاءً لا تنسى نصيبي من الأرباح بعد بيعك البضاعة يا ابي

الأب : بالتأكيد !! أنت ابني المفضّل ، وانا فخورٌ بك 


مايكل بغيظ : طبعاً ، طفلك المدلّل كبِرَ ليصبح شرطياً فاسداً

جون بسخرية : على الأقل سجلّي نظيف 

أخوه : وانا ايضاً نظيف ، بعد أن أصبحت ملفّاتي القضائية رماداً 

جون باستهزاء : نعم نعم .. مايكل اندرسون !! المُجرمٌ السابق ، بنكهة القضايا المُدخّنة  

وضحكوا جميعاً بمكرٍ وخبث !


هناك 10 تعليقات:

  1. بشّار سليمان9 فبراير 2021 في 10:51 ص

    بصراحة أنت كاتبة موهوبة
    القصّة ررررراااااائعة
    استمرّي
    ����������������������

    ردحذف
  2. بشّار سليمان9 فبراير 2021 في 10:58 ص

    اكتبي جزء ثاني عن كشف العصابة من قبل العجوز
    حيث يقوم بتهريبه من الحجز موظف يثق بنزاهته ويذهب لكشف العمليّة الكبرى
    أو قومي بتحويلها إلى رواية طويلة بحيث يسجن العجوز ولكنّه يخرج بعد سنتين وهو يريد الانتقام،
    حيث يزوّر هويّته ويقوم ببعض عمليّات التّجميل لتغيير شكله، ويأسّس عصابة أخرى له، ويقوم بتفكيك عصابتهم رويدا رويدا من خلال دخوله إلى عالمهم وثقتهم به ............

    ��������

    ردحذف
    الردود
    1. فكرتك جيدة أخ بشّار ، ربما اكتب جزء ثاني للقصة في المستقبل.. شكراً لك

      حذف
    2. فكرتك رائعة
      نعم ألّفي جزء آخر فالقصّة رائعة
      (وعلى فكرة يا أخ بشّار أنا كنت معك في المدرسة، ولكننا فقدنا االتواصل معا منذ بضعة سنين.
      وقد أخبرتني عن روايتك الرّومنسيّة الأولى الّتي كنت تكتبها، فهل نشرتها أم لا؟
      إذا نشرتها، رجاءا أرسل لي رابط لقرائتها.)

      وشكرا جزيلا أختي أمل على أفكارك الرائعة.

      حذف
    3. فكرة دخول محقق متقاعد إلى السّجن وخروجه للإنتقام كانت فكرة رواية بدأت بكتابتها منذ بضعة سنوات، ولكنّني توقّفت عن الكتابة في منتصفها، وجئت بعد فترة لأكملها ولكنّني لم أستطع تأليف المزيد من الأفكار لأكملها فكلّ ما كنت أكتبه كان مستهلك من قبل الكثير من الكتّاب، فقرّرت تسليمك الفكرة لربّما تستطيعين استخدامها، فأنت كاتبة ماهرة في هذا المجال.

      وشكرا جزيلا لك أختي أمل على قصصك الرّائعة.

      حذف
    4. سأحاول في المستقبل بإذن الله.. وشكراً لثقتك بكتاباتي ، تحياتي لك

      حذف
    5. أخي محمّد أحمد،
      كيف حالك يا رجل؟
      (ليس بإمكاننا التحدث هنا في التعليقات تابعني على الإنستغرام bashar_slaiman123@)
      كلّا لم أنشر أيّ روايات، فقد توقّفت عن الكتابة.
      ولكنّني الآن أقوم بتأليف رواية رومانسيّة جديدة بدأت بها منذ حوالي أسبوعين.

      وشكرا لك أخت أمل على جمعي بصديقي من جديد.
      :)

      حذف
  3. كاتبة مبدعة بمعنى الكلمة، لقد أدمنت قصصك وقرأت كل قـصة فِ هـذا الموقع أتمنى لكِ كل التوفيق والنجاح ��،

    ردحذف
  4. احسنتي اخت امل...فكرة الاخ بشار حلوه...ارجو ان لا تتأخري على تأليف الجزء الثاني...منتظر على احر من الجمر

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...