الأربعاء، 9 ديسمبر 2020

النسخة المُصغّرة

 تأليف : امل شانوحة

الإستنساخ


بعد وفاة والدها المفاجىء ، إضّطرت سعاد (الأربعينية) للعمل للإهتمام بالمصاريف والديون .. فلم يعد بإمكانها مساعدة امها في اعمال المنزل ، وقلّة راتبها منعها من توظيف خادمة .. لكنها حاولت قدر الإمكان  مساعدتها رغم إحساسها بالتعب والإرهاق الوظيفيّ .. 

اما في اوقات فراغها القليلة ، فقضته سعاد بتصفّح الإنترنت .. وانشأت صفحة على الفيسبوك ، بصورتها القديمة في سن الشباب 


ولم تمضي اسابيع .. حتى تعرّفت على شاب يصغرها بسنوات ، لم تخبره بفارق السن لأن الأمر لم يكن جدّياً في البداية .. 

لكن حينما تعلّق بها كثيراً ! إنسحبت من حياته دون سابق إنذار ، رغم انه حبها الوحيد ..


وأشغلت نفسها بمواقع اخرى على الإنترنت ، الى ان وجدت منتدى للظواهر الغريبة .. تعرّفت منه على دكتورة جامعية متقاعدة بعلم الكيمياء ، أخبرتهم عن تركيبة استحدثتها في منزلها للإستنساخ الفوريّ ! 

لكنها تعرّضت للسخرية والتشكيك من بقية المشاركين ، ولم تصدّقها سوى سعاد التي تحدّثت معها على حسابها الشخصي الجديد .. وبعد إقتناعها  بكلامها ، طلبت منها إرسال التركيبة بالبريد ..

*** 


بعد ايام .. وصلها صندوق صغير فيه محلولين كيميائيين : أحدهما زهريّ والآخر ازرق اللون .. 

فاتصلت سعاد بها لتستفسر عن الأمر ، فأجابتها :

- كما تلاحظين هناك خمس مقاسات كمية على الأنبوب الذي يحوي المحلول الزهريّ .. فإذا شربت الكمية الأولى ستنتجين طفلة تشبهك ، وبالمقدار الثاني تحوّلين النسخة الى فتاة .. والثالث الى مراهقة ..والرابع الى صبية .. وبالقياس الأخير تصبح النسخة في مثل عمرك ..


سعاد بقلق : ماذا تعنين انني سأنتج طفلة ، هل سأنجبها ؟

الدكتورة : لا طبعاً .. فقط إشربي الكمية الأولى قبل نومك ، وستجدين النتيجة في الصباح 

- وماذا عن المحلول الأزرق ؟

- اذا شربتِ نصف المحلول الأزرق ، وشربت شبيهتك الباقي فإن ذاكرتك تُنسخ لها ، يعني تتشابهان في الذكريات وطريقة تفكيركما .. وللتذكير !! ذاكرتك تُنسخ فقط ، ولا تُمحى ابداً من عقلك .. إخبريني غداً بنتائج التجربة 

- حسناً سأفعل ، الوداع


وقبل نومها .. شربت سعاد الكمية الأولى من المحلول الزهريّ ، ونامت وهي قلقة من النتيجة

***  


في صباح اليوم التالي ، إستيقظت على صوت بكاء طفلة بجانبها !

فنهضت من سريرها مرتعبة .. ونادت امها العجوز التي ما ان رأت الطفلة حتى صفعتها ، وهي تسألها بغضب :

- لمن الطفلة ؟!!

- أنظري اليها جيداً ، انها تشبهني تماماً كما في صور طفولتي

الأم بغضب : ومن والدها يا عديمة التربية ؟!!

- امي مابك ؟! هل سأحمل وأنجب في يومٍ واحد ، ودون تغيرات واضحة في جسمي ؟

الأم : اذاً من اين أتيت بالطفلة ؟

- إستنسخت نفسي .. 


وقبل ان تستوعب الأم ما قالته ! وضعت سعاد الطفلة بين ذراعيها وهي تقول لها : 

- أنظري اليها جيداً ، الا تشبهني بعمر الستة أشهر ؟

امها بذهول : نعم ، كأنها انت .. لكني لم أفهم موضوع الإستنساخ !


فأخبرتها عن المحلول الزهريّ .. فصرخت عليها معاتبة : 

- هل جننتِ يا سعاد لتخوضي في أمور الشعوذة ؟!! 

سعاد : ليست شعوذة ، بل تركيبة كيميائية .. وهي اختراع لدكتورةٍ جامعية متقاعدة 

- وهل لديّ الصحة للإعتناء بإبنتك ؟

- ليست ابنتي .. (وفكّرت قليلاً) .. لنعتبرها اختي الصغيرة


الأم بقلق : الم تفكّري بكلام الناس ؟

سعاد : اساساً انا لا انوي إبقاء نسختي بهذا العمر ، بل اريدها ان تكبر لتصبح صبية تساعدك في المنزل اثناء عملي 

- هذا سيتطلّب سنوات !!

- بل ثواني فقط .. 


ثم شربت سعاد الكمية الثانية من المحلول الزهريّ ، رغم محاولة الأم إيقافها :

- لا تشربيه !! ربما كان مخدرات او مشروب هلوسة


ومن بعدها .. أخذت سعاد الطفلة من امها ووضعتها على السرير ، وهي تقول لها :  

- ركّزي عليها 


وإذّ بالرضيعة تتحوّل بلحظات الى فتاة بعمر 5 سنوات ! 

وكادت الأم تفقد توزانها ووعيها ، فأسرعت سعاد بإجلاسها على السرير 

وأخذتا تراقبان الطفلة وهي تركض داخل الغرفة وهي تدنّدن اغاني الأطفال بسعادة !


سعاد : هل كان هذا شكلي بعمر 5 سنوات ؟

امها وهي لا تصدّق ما تراه : 

- نعم ! كأنك هي .. كنت جميلة للغاية ومُفعمة بالحياة 

- حسناً سأشرب الكمية التالية من المحلول كريه الطعم لتحويلها الى صبية 

- لا !! دعيني أتسلّى قليلاً مع حفيدتي  

سعاد : امي .. هذه نسختي المصغّرة وليست ابنتي .. ثم اريدها كبيرة لتساعدك ، لا ان تزيد متاعبك

امها : لا بأس ، دعيها طفلة لبعض الوقت 

- حسناً ، لكن غداً سأحولّها لمراهقة .. إتفقنا 


ثم أسرعت الى عملها ، تاركة امها تلعب مع حفيدتها الصغيرة بسعادة وهي تستذكر الماضي

***


قبيل العصر .. عادت سعاد مرهقة من عملها ، لترى المنزل مبعثراً بألعابها القديمة التي أخرجتها امها من الصناديق والتي كانت تنهج بتعب بعد اهتمامها بالبنت الصغيرة طوال النهار 

سعاد : كنت متأكدة انها ستتعبك

الأم : لا يهمّ ، كان يوماً جميلاً 

- امي .. عليّ تحويلها الى صبية لتساعدنا في المنزل ، فهذا غرضي من الإستنساخ ... سأشرب المحلول الآن 


وأخرجته من الخزانة ، لتشرب الكمية التالية التي حوّلت الطفلة الى مراهقة .. فطلبت سعاد منها ترتيب المنزل ، لكنها رفضت ودخلت غرفتها غاضبة 


فنظرت سعاد الى امها :

- آه نسيت انني كنت متمرّدة في مراهقتي !

الأم : نعم ، أتعبني عنادك كثيراً

- اذاً لا حاجة لنا بهذه النسخة ، سأشرب المزيد من المحلول لتحويلها الى عمري بعد تخرّجي الجامعي ، فهي الفترة التي استقرّيت بها في البيت ، وبدأتِ بتعليمي الطبخ والتدبير المنزلي 


وشربت المحلول الذي ظلّت فيه الكمية النهائية التي رمتها في الحوض ..

الأم : لماذا رميته ؟! 

سعاد : مالفائدة من تحويلها لعمري الحالي ، فأنا لا اريد توأماً .. 


وهنا خرجت الفتاة من الغرفة وقد تحوّلت الى صبية في العشرينات ، تشبه تماماً صورة صفحتها على الفيسبوك (قبل ان تغلقه سعاد) .. 

وكانت في قمّة نشاطها ، حيث بدأت على الفور بإعادة الألعاب الى الصناديق وترتيب المنزل.. 


فقالت سعاد لأمها بارتياح : 

- هكذا استطيع الذهاب الى عملي وانا مطمئنة عليك يا امي 

الأم بقلق : ماذا لوّ رأوها الجيران ، ماذا سنقول لهم ؟


ففكّرت سعاد قليلاً ، قبل ان تقول :

- قولي انك اكتشفت بعد وفاة والدي إنه كان متزوجاً عليك .. وانها ابنته الأخرى ، وهي ستعيش معنا بعد زواج امها من رجلٍ آخر .. وبما انني أشبه والدي كثيراً ، فهي تشبهه ايضاً 

- حسناً ، كذبة لا بأس بها .. سأذهب الى المطبخ لتحضير الغداء مع حفيدتي الجميلة  

سعاد : ليست حفيدتك يا امي


الأم : آه نسيت .. إذاً ماذا سنسمّي اختك من والدك ؟

- رؤى 

- ولماذا هذا الإسم بالذات ؟

سعاد : كنت أتمنى لوّ كان هذا اسمي بدل سعاد 

امها : حسناً كما تشائين .. (ثم نادت) .. رؤى !! تعالي وساعديني يا ابنتي

الشابة رؤى بنشاط : حاضر !!


وذهبتا الى المطبخ .. بينما دخلت سعاد الى غرفتها وهي تستذكر حبيبها القديم الذي تعرّفت عليه بإسم رؤى ، والذي عشقها بشكلها القديم الذي يشبه صورتها المستنسخة الآن 

***


ومرّت الأيام ، ساعدت فيها رؤى الأم بجميع اعمال المنزل .. وعاش الثلاثة باتفاقٍ ووئام .. الى ان جاء اليوم الذي دخلت فيه سعاد الى عمارتها ، قبل ان يوقفها شاب ليسألها :

- عفواً !! هل بيت سلامة في هذه العمارة ؟


وحين التفت اليه ، رأت الشاب الذي أحبته من الإنترنت قبل عام ! فارتبكت كثيراً ، وأجابته بخجل : 

- نعم في الطابق الخامس

- هل انت جارتهم ؟


فعلمت انه لم يعرفها بشكلها المرهق ، ووزنها الذي زاد اضعاف الصورة التي تعرّف عليها من خلالها .. 

فأجابته وهي تكتم حزنها :

- هي عائلتي

- هل انت اخت رؤى ؟

فقالت بارتباك : نعم .. اختها الكبيرة

الشاب : انت تشبهينها كثيراً ! ذات العينين الزرقاوتين 

- عفواً ، ماذا تريد من اختي الصغيرة ؟

- أتيت لخطبتها 

- أحقاً ! 

- نعم .. سآتي مساءً مع اهلي ، إن كان الوقت يناسبكم ؟ 

سعاد بتلعثم : اهلاً وسهلاً 


وخرج من العمارة وهو يطير فرحاً ، بينما انهارت سعاد بالبكاء فور دخولها المصعد

***


حين وصلت الى منزلها ، لاحظت امها الدموع في عينيها .. فأخبرتها سعاد بما حصل

الأم معاتبة : هل جننتِ ؟!! هكذا حبيبك سيخطب نسختك المصغّرة 

- هو اساساً أحبّني بصورتي القديمة ، حتى انه لم يعرفني بشكلي الحالي !.. على كلٍ لم يعد بإمكاني إصلاح الأمر ، فهو قادم مساءً لخطبة رؤى

- لا تفعلي ذلك بنفسك يا ابنتي ، إخبريه الحقيقة

- أيّ حقيقة يا امي : بأني استنسخت نفسي .. من سيصدّق ذلك ؟ .. إن عرف اهله بالأمر سيظنوا إني مشعوذة ويخافون مني

الأم : معك حق ، اساساً الأهل والجيران تعرّفوا على رؤى على انها اختك من والدك ..

سعاد : عليّ مكالمة رؤى في الموضوع .. وانت حضّري نفسك لاستقبال الضيوف مساءً

***


ثم أدخلت سعاد رؤى الى غرفتها لتخبرها بشأن العريس ، والتي انتفضت برعب وعصبية :

- أيّ عريس ! انا لا اعرفه

سعاد : هو يعرفك جيداً ويعشقك بجنون

رؤى بخوف : لا !! سأخبره الحقيقة

- أيّاك يا رؤى !! فنحن تعاهدنا على كتمان السرّ

- لا اريد الزواج بشخصٍ لا احبه

سعاد : هل نسيتي انك تحملين نفس جيناتي ؟ أعدك انك ستحبينه بعد زواج بجنون ، فهو فارس احلامك

- وماذا لوّ حدّثني عن مكالماتكما القديمة التي لا اعرف شيئاً عنها  

- معك حق .. لكن لديّ الحل 


وأخرجت سعاد المحلول الأزرق من خزانتها ، وهي تقول لها :

- سأنسخ ذاكرتي لك


وشربت نصف المحلول ، وأعطت البقية لرؤى التي شربته على مضضّ.. لترتسم على الفور ابتسامة عريضة على وجهها الذي احمرّ خجلاً وهي تقفز بسعادة :

رؤى : حبيبي قادم لخطبتي اليوم ، يالا سعادتي !! سأذهب لتحضير نفسي


وبعد خروجها من الغرفة .. دخلت الأم لتواسي سعاد التي كانت تمسح دموعها بقهر .. وسألتها بحزن :

- لما فعلت ذلك ؟

سعاد : لأنه يستحق التضحية

- ستعيشين متألمة طوال عمرك وانت تشاهدينه برفقة رؤى 

- ليت باستطاعتي محوّ ذاكرتي ، لكن الدكتورة أكّدت لي سابقاً بأن هذا مستحيل .. لهذا لم يكن امامي سوى مشاركة ذكرياتي مع رؤى 

الأم : ليتك لم تنسخيها منذ البداية

- كان قدِمَ الليلة مع اهله وتفاجأ بعمري الكبير ، وتركني محطّمة منكسرة .. على الأقل رؤى ستجعله فرداً من عائلتنا .. 

- كان الله في عونك يا ابنتي

***


في المساء .. رنّ جرس المنزل ..

سعاد : أظنهم قدموا .. إذهبي لاستقبالهم 

الأم : ألن تأتي معنا ؟

سعاد بحزن : لا استطيع ، ارجوك لا تضغطي عليّ 

- كما تشائين


وبقيت سعاد في غرفتها ، خلال زيارة اهل العريس القادمين لرؤية رؤى وامها .. 

حينها شعرت سعاد بالندم لرميها الكمية الأخيرة من المحلول الزهريّ ، قائلةً في نفسها بحزن : 

((لوّ انني شربتها الآن ، لتحوّلت العروس لعانسٍ مثلي .. وفرّ العريس مع عائلته سريعاً .. (ثم تنّهدت بضيق) .. لا يهم ، كلّه مقدّر وكتوب))

 

وحاولت إشغال نفسها بالحاسوب .. لكن صوت الزغاريد الذي صدح في المنزل ، جعلها تنهار ببكاءٍ مرير بعد علمها بخسارة حب حياتها للأبد !


هناك 4 تعليقات:

  1. رائعة وفقك الله ياكنز الابداع

    ردحذف
  2. قصة رائعة
    أستاذا أمل كتبت قصة على موقع كابوس عن فتاة قتلت شخصين فقط لأنها تكره يوم الأثنين https://www.kabbos.com/index.php?darck=9786
    سأكون مسرورا لو حولتها ألى قصة رجاء

    ردحذف
    الردود
    1. نشرت قصتك الآن ، ووضعت اسمك ورابط مقالك بكابوس .. أتمنى ان تعجبك

      حذف
  3. اااه
    يالها من قصه حزينه
    صحيح انها خياليه لكنها مؤلمه .

    هناك رساله واضحه في قصتك ومفادها هو
    أن نبدأ بدايه صحيحه في العلاقات أياً كانت نوعها
    لأن النهايه تكون مرتبطه بالبدايه وكيفيتها
    واكبر دليل قصتك هذه
    لو كانت سعاد اعترفت منذ بداية علاقتها بالشاب بأنها تكبره سناً لما انتهت باكيه على زواجه
    كل هذا لأنها بدأت علاقتها بدايه مخادعه وكاذبه
    والآن هي نادمه.

    اعجبتني القصه
    وتحياتي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...