الجمعة، 28 أغسطس 2020

كابوسٌ لا ينتهي !

تأليف : امل شانوحة 

العروبة في خطر


في قريةٍ لبنانية .. استيقظ فؤاد من نومه منزعجاً , بعد رؤيته كابوساً أرعبه لصاروخٍ دمّر منزله .. 

حين استفاق , لاحظ أثر جرحٍ قديم على طول ذراعه ! 

فقال باستغراب :

- متى جرحت يدي ؟!


وخرج من غرفته وهو ينادي امه , ووالده في الصالة ينظر اليه بدهشة ! فاقترب منه ليسأله:

- ابي , اين امي ؟ .. ليست في المطبخ , هل ذهبت لجارتنا ؟ 

- مابك يا فؤاد ! امك ماتت ايام الإجتياح الإسرائيلي 

فؤاد بصدمة وخوف : ماذا ! لا امي بخير .. فحرب لبنان مازالت أهلية , واليهود لم يتعدّوا الحدود الجنوبية ..  


وهنا خرجت اخته الصغرى من غرفتها :

- الحرب انتهت منذ شهور , بعد اتفاق الطائف..ماذا حصل لذاكرتك ؟

فتفاجأ بكونها صبية , وسألها بفزع :

- مرام ! متى كبرتِ ؟ .. كنت البارحة في عمر الخامسة !

فنظرت اخته لوالده : هل وقع من سريره على رأسه ؟!

الأب : لا ادري .. فؤاد !! كفّ عن مزاحك السخيف , واذهب لتناول فطورك قبل ذهابك للكشّافة ..


فأسرع فؤاد خائفاً باتجاه المرآة , ليشاهد نفسه وقد صار مراهقاً !

- كيف يُعقل هذا ! كنت في العاشرة قبل نومي .. ابي , مرام .. ماذا يحصل لنا ؟ كيف كبرنا بهذه السرعة ؟.. (صارخاً) ..واين هي امي ؟ اريد رؤيتها الآن !! 


فحاولا تذكيره بالصاروخ الذي سقط فوق منزلهم اثناء الحرب , والذي قتل امه وأصابه بجرحٍ بليغ في ذراعه التي أوشكت على البتر .. وأطلعاه على الكثير من الأحداث , لكنه لم يتذكّر شيئاً !


وعاد الى غرفته مصدوماً , واستلقى على سريره وهو يقول بعيونٍ دامعة:

- امي بخير .. هذا مجرّد كابوسٌ لعين .. سأنام قليلاً , وحين استيقظ يعود كل شيءٍ كما كان

وبصعوبة غفى من جديد ..

***  


استيقظ بعد ساعتين على صوت انفجارٍ بعيد .. فقفز مسرعاً باتجاه الصالة , ليجد اخته ووالده يشاهدان الأخبار .. 

وعلى الفور ! لاحظ ذقن والده الشائِبة , ونضوج اخته .. 

وكانت نشرة الأخبار تنقل دمار لبنان مع بدء حرب تموز ..

فأسرع الى التقويم الميلادي المعلّق على الحائط (الرُّزنامة) ليرى انه في عام 2006 ..

فؤاد بصدمة : كنا في التسعينات هذا الصباح .. ماهذا الكابوس الغريب !


فانتبه والده واخته عليه وهو يتفحّص شكله بذهول في المرآة , بعد ان أصبح شاباً بين يومٍ وليلة ! 

فناداه والده : فؤاد !! إبتعد عن الأسطح الزجاجية .. فنحن لا نعرف متى واين تضرب اسرائيل , فقريتنا مهدّدة بالقصف .. تعال واجلس معنا


لكنه أشاح بنظره بعيداً , لعدم تقبّله كبر والده المفاجىء ! وأقفل باب غرفته , وهو ينوي إنهاء الكابوس المزعج مهما كلفه الأمر

وكانت الشمس ساطعة وقت الظهيرة , فوضع الوسادة فوق وجهه .. وحاول النوم مجدداً ..

*** 


استيقظ عصراً على صوتٍ انفجارٍ ضخم , حطّم الزجاج من حوله .. فركض مرتعباً الى خارج غرفته .. ليرى والده هرِماً فوق كرسيه المتحرّك , وهو يراقب دمار منطقته من شرفة الصالة ..


فاقترب منه بخطى متثاقلة , وهو يبلع ريقه بفزع :

- ابي ! مالذي حصل ؟

- يقولون إنفجار في الميناء 

- ولماذا تجلس على الكرسي المتحرّك ؟ .. واين مرام ؟

والده بقلق : مابك يا فؤاد ! هل وقع شيءٌ من السقف على رأسك ؟! هل جُرحت ؟

- ابي رجاءً , إخبرني ماذا حصل ؟

- في اواخر حرب تموز أُصبت بشظية في ظهري , جعلتني مشلولاً ..اما اختك , فهاجرت مع زوجها واطفالها لأميركا

- مرام تزوجت ! متى ؟


والده وهو يجرّ كرسيه نحو الصالة .. 

- لست بمزاجٍ جيد لمزاحك الثقيل , إعطني جوالي لأرى ماحصل .. 

- ماذا يعني جوال ؟

- هل انت غبي ؟ إعطني جهازي من فوق الطاولة


فأمسكه فؤاد باستغراب وهو لا يعلم ماهو ! فهو كان في زمن الثمانينات قبل بداية الكابوس الطويل .. 

وأخذ يراقب والده وهو يشاهد فيديوهات اليوتيوب عن لحظة إنفجار الميناء 

فؤاد بدهشة : يا الهي ! كيف صنعوا تلفازاً بحجمٍ اليد ؟!

- هذا هاتف

- وهاتفٌ ايضاً !

- إذهب ونظّف الشقة من الزجاج , ودعني اشاهد الأخبار بهدوء


فدخل فؤاد الى غرفته .. وأخذ جزءاً من مرآته المنكسرة , لرؤية شكله الذي بدى كأنه في اواسط الأربعينات !

وقبل ان يفهم ما حصل ! شعر بنعاسٍ مفاجىء , جعله ينفض شظايا الزجاج عن سريره .. ليستلقي عليه وهو يقول :

- رغم نومي طوال النهار , الا ان جسمي متعبٌ للغاية ! يبدو ان الكابوس اللعين على وشك الإنتهاء ..

***


استيقظ بعدها في عمله , وصديقه بجانبه يقول له :

- عدّ الى بيتك إن كنت مرهقاً 

فنظر فؤاد حوله باستغراب :

- اين انا ؟!

- في مبنى الصحافة

فؤاد بدهشة : هل انا صحفي ؟!

فقالت زميلته : الأفضل ان تأخذ إجازة , فمازلت منصدماً من وفاة والدك 

فؤاد بصدمة : هل مات ابي ؟!!

- نعم ! قبل اسبوعين , بالسرطان .. مابك يا فؤاد ؟

- كم عمري الآن ؟ أخبروني !!

- إحتفلنا قبل شهرين ببلوغك سن الخمسين

فؤاد بعصبية : خمسون ! وأين ذهبت اربعين سنة من عمري ؟!!

 

ونزل فزعاً الى الشارع .. ليرى لبنان تغيّر كثيراً , فالمحلات فخمة والشوارع تضجّ بالسوّاح الأجانب .. 

فدخل لإحدى المحلات لشراء قارورة ماء , ليتفاجىء بوجود بضائع اسرائيلية ! 

فشتم البائع بغضبٍ شديد , ووعده بإبلاغ السلطات عنه ..


وحين عاد للشارع , مرّ بجانبه رجلٌ يتكلّم بجواله باللغة العبرية ! وشدّه من ذراعه :

- أمسكتك ايها الخائن !! 

- من انت ؟ أتركني فوراً

فصرخ فؤاد بعلوّ صوته : يا ناس !! قبضت على عميلٍ اسرائيليّ

 

وتجمّع المارّة من حوله , وقام أحدهم بإبلاغ الشرطة .. فأخبرهم فؤاد بفخر انه أمسك جاسوساً بالجرم المشهود .. فتقدّم منه شرطيٌ اجنبي وصفعه بقوة:

- إن نطقت كلمةً واحدة سيئة عن اسرائيل , ستُسجن على الفور !!

فؤاد بصدمة : كيف تجرأ على هذا الكلام المشين ! 

فأجابه : انا ضابطٌ اسرائيلي 

وقال رجلٌ آخر : وانا سائحٌ يهودي  

شاب : وانا طالبٌ من اصولٍ يهودية , أدرس في إحدى جامعاتكم

فؤاد بغضبٍ شديد : كيف دخلتم بلادنا ايها الأعداء الملاعيين ؟!! 

فأمر الضابط , العسكري : خذوه وعلّموه الأدب 

***


في مركز الشرطة .. قاموا بضرب فؤاد وإهانته لفظياً وجسدياً .. وبعد رميه مع الموقوفين , أخبره احدهم بما فاته من احداث : 

فلبنان كبقية الدول العربية عقدت سلاماً مع اسرائيل التي فتحت طرقاتها البرّية والبحرية للتجارة والسفر بينهما .. حتى انهم اشتركوا بسكّة قطارٍ ضخمة تربط الدول العربية بإسرائيل !


فأحسّ فؤاد باشمئزازٍ في نفسه , فوالدته وملايين القتلى والمصابين من كافة الدول العربية سقطوا لسنواتٍ عديدة في نضالهم ضدّ اسرائيل .. وهاهي دمائهم تذهب سدى , بعد سلامٍ مهين مع عدوهم اللدود

***


خرج فؤاد بعد ايام من التوقيف يائساً ومحطّم القلب , بعد ان أجبروه على كتابة تعهّد بعدم شتم اسرائيل اوالتعرّض لأيّ سائحٍ يهودي .. 

فصار يتمّتم بحزن , وهو يرى اللافتات العبرية في طرقات بلاده :

((كنت احاول انهاء الكابوس لاستعادة امي , فخسرنا العروبة بأكملها)) 


ووقف مشمئزاً امام السفارة الإسرائلية في وسط البلد .. وكاد يبصق عليها , لكنه لم يردّ العودة للسجن .. فمشى تائهاً في الطرقات , الى ان تذكّر كلام السجين عن القطار الدولي ! فسأل الناس الذين دلّوه على المحطة .. فركب فيه , وهو ينوي زيارة القدس او ما تبقى منها 

***


بعد وصوله فلسطين .. رأى القبّة الذهبية من بعيد , فسأل صاحب مطعمٍ قديم : 

- كيف لم يهدموه بعد ؟!

- لأن اليهود يستفيدون مادياً من السوّاح العرب الذين يزورونه لالتقاط الصور .. 

- الصور ! الا يصلّون فيه ؟ 

- منعوا الأذان منذ سنوات , بعد قتلهم الإمام اثناء صلاة الجمعة .. ومن يومها , أصبح مكاناً سياحياً فقط 

فؤاد : طالما وصلت الى هنا , سأصلّي فيه 

البائع محذراً : سيحتجزونك الجنود اليهود

- ليفعلوا ما يشاؤون , لست خائفاً منهم


ومشى في الأزقّة القديمة , الى ان وصل اخيراً لأدراج المسجد .. 

وكان متشوقاً للصلاة فيه , وهو يشعر بنبضات قلبه تتسارع في صدره وكله شوق وحنين لتحقيق حلم طفولته , الذي كان يوماً ما حلم كل العرب قبل بيع ضميرهم او إجبارهم على ذلك ! 


لكنه فور صعود درجته الأولى , أحسّ بإرهاقٍ شديد ! وحين حاول رفع قدمه الثانية , بدأ جسمه يترنح .. وكاد يسقط للخلف , لولا إسراع شابٌ فلسطيني بإمساك يده قائلاً : 

- سأساعدك يا عمّ 

فؤاد باستغراب : عمّ !


فنظر الى جسمه , ليرى يداه كأنها لعجوزٍ هرم ! فطلب من الشاب تصوير وجهه..  

وحين آراه صورته في الجوال , كان يُقارب الثمانينات من عمره (بعد ان كان في الخمسينات قبل دقائق !).. 

فاستند عليه , الى ان دخلا المسجد.. ثم قال الشاب :

- سأتركك ياعمّ , فاليهود يمنعون الشباب من الصلاة بداخله 


وبعد ذهابه .. كبّر فؤاد للصلاة والدموع في عينيه , وهو يراقب جدران المسجد المتهالكة التي يرفض اليهود ترميمها.. 

وسجد سجدته الأولى على الأرضية الباردة , بعد إزالتهم سجّادها القديم ..قائلاً في نفسه بحسرةٍ وألم : 

((سامحينا يا فلسطين , العرب باعوكِ بسعرٍ بخس .. فسحقاً لكل من ساهم في هذه الصفقة اللعينة))

 

وبعد انهائه صلاة الظهر , قال : 

- الحمد الله تحققت أمنيتي الأخيرة بالسجود في مسجد الأقصى الشريف.. (ثم رفع يديه) .. يارب !! نحتاج معجزةً إلهية لنصرة دينك وإعادة قوة وعزّة العرب , فلا تطيل الفرج علينا .. اللهم آمين ..(ثم وقف بصعوبة) .. حسناً لأصلي ركعتين السنة , وأعود الى بلادي .. 

***


تجمّعت الشرطة الإسرائيلة حول جثة العجوز داخل المسجد .. بينما حسدهُ كبار السن على موته ساجداً بين يديّ الله , فهي موتة نادرة بعد إغلاق العديد من مساجد العالم , بحجّة الحماية من إنتشار الأمراض المعدية !

***


اثناء صعود روح فؤاد مع عزرائيل الى السماء , شاهد جبريل ينزل مع شابٍ منّور الوجه نحو الأرض .. 

جبريل بفرح : أتى أمر الله بإنزال النبي عيسى الى الأرض , ليحكم الناس بالعدل

عزرائيل بارتياح : أخيراً حان وقت إعلاء كلمة الحق ومحاربة الفساد الذي عمّ الدنيا بما فيها .. 


ففرح فؤاد لعلمه بنصر الله القادم , وتمنى لوّ كان من جنود النبي عيسى ..متمّتماً بارتياح :

((هنيئاً للجيل القادم بعصرٍ يعلو فيه الحق ويزهق الباطل)) 

وأكمل صعوده لرؤية عائلته التي سبقته لجنة الخلد..


هناك 3 تعليقات:

  1. قشعر بدني ، و ... والحمد لله

    ردحذف
  2. يالها من قصة
    هذا مايبدو
    استعادتنا لعروبتنا لن تكون الا على يد النبي عيسى عليه السلام

    على فكره قصتك فكرتها تشبه رواية كل الطرق تؤدي الى روما حيث ينهض البطل من نومه وهو عجوز ويبدأ بالبحث عن سبب مرور سنين عمره هكذا
    وتحياتي

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...