الاثنين، 24 أغسطس 2020

طفلة المنارة

 تأليف : امل شانوحة

هذا هو الجزء الثاني من قصتي : قارب الموت.رابط الجزء الأول :

https://www.lonlywriter.com/2019/08/blog-post_31.html


الجزيرة المهجورة


شاهد بحّارٌ في سفينةٍ شراعية , إشارات إغاثة قادمة من منارة الجزيرة الصغيرة (عبارة عن 3 ومضات ضوئية .. ثم التوقف دقيقة .. والعودة مرة أخرى للوميض ثلاث مرات).. 

فأخبر القبطان الذي رآها بمنظاره :

- تلك الجزيرة مهجورة منذ سنوات ! فهل عيّنوا موظفاً جديداً ؟!

المراقب : لا ادري .. هل سننقذ مُرسل الإشارة ؟

القبطان بقلق : الرياح قوية والأمواج عاتية , والشمس قاربت على المغيب .. وأخاف ان أرسوّ , فتتحطّم مقدّمة السفينة ..  

بحارٌ آخر مقاطعاً : أنظرا !! لقد عاد لإرسال نداء الإستغاثة من جديد  

ففكّر القبطان قليلاً , قبل ان يقول : 

- الأفضل ان أذهب مع اثنين منكم , بقارب النجاة .. وإن تأخرنا , ينتظر البقية هدوء الأمواج عند الصباح لإنقاذنا .. مفهوم !!  

***


وجذّف البّحارين بكل قوتهما , الى ان وصل قاربهم مع حلول المساء ..حيث لم يكن واضحاً من الجزيرة , سوى نور منارتها المُسلّط على البحر 


فصعدوا ادراج المنارة بحذر , الى ان وصلوا لباب غرفتها العلوية المقفلة من الداخل .. 

وحين طرقوا الباب , أجابتهم فتاة صغيرة بصوتٍ مرتجف : 

- ابي ارجوك !! لا اريد الموت  

فحاول القبطان تهدأتها :

- انا قبطان السفينة !! قدمت لمساعدتكِ يا ابنتي


ففتحت الباب بتردّد , وعلى وجهها علامات فزعٍ شديد !

فسألها البحّار : ماذا تفعلين وحدك هنا ؟

فأجابت بارتباكٍ وخوف : ارجوكم خذوني معكم قبل ان يقتلني والدي , كما قتل امي واخوتي السبعة 

القبطان بدهشة : هل فعل ذلك حقاً ؟!

الفتاة باكية : نعم , جنّ جنونه فجأة .. وحرق كوخنا ونحن نيام .. وانا هربت الى هنا , وأقفلت الباب عليّ 

- واين هو الآن ؟

- لا ادري ! ارجوك ياعم لنذهب من هنا فوراً .. فهو يملك بندقية صيد , وأخاف ان يقتلنا جميعاً

فهمس البحّار بإذن القبطان :

- الظلام حالك في الخارج , ولا ادري ان كان كلامها صحيحاً ام لا 

القبطان بصوتٍ منخفض : نحن لم نرى نور كوخهم .. وأظنها تقول الحقيقية , فالخوف واضحٌ على وجهها 


وهنا ! سمعوا طلقاً نارياً من بعيد , جعلت القبطان يحمل الفتاة وينطلق مُسرعاً مع بحاريّه باتجاه قاربهم .. 

ثم جذّفوا بكل قوتهم للوصول الى سفينتهم , خوفاً من لحاق والدها المجنون بهم 

***


بعد ابتعاد السفينة عن الجزيرة , وعودتها الى المحيط .. سألوا الفتاة عن اسمها .. فأخبرتهم انها تيري دوبرولت , وعمرها 11 سنة .. وانها عاشت سابقاً في مدينة غرين باي في ولاية ويسكونسن الأمريكية , قبل إنتقالهم مع ابيهم الى الجزيرة منذ اربع سنوات .. وبأن والدها فقد اعصابه بعد مكالمةٍ لاسلكية مع ادارته الذين رفضوا استقالته للمرة العاشرة , لعدم وجود بديلاً عنه .. فقرّر قتلهم والإنتحار , دون علمه بهرب ابنته الوسطى الى المنارة 


القبطان : وكم بقيتي في غرفة الإنارة ؟

الفتاة وهي تمسح دموعها : 6 ايام 

طباخ السفينة : وماذا أكلتي ؟

- كانت هناك 5 معلّبات فاصوليا , وزجاجة ماء .. وحين نفذ طعامي , قمت بنداء الإستغاثة على أمل ان تراها سفينةٌ عابرة

- هل والدك علّمك الطريقة ؟

- نعم , علّمنا الكثير من قوانين الملاحة حين انتقلنا الى الجزيرة 

القبطان : جيد انه فعل .. جيم !! أطعم الطفلة جيداً  

الطباخ جيم : حاضر قبطان .. هيا تيري , ستنزلين معي الى المطبخ لتناول الطعام

لكنها تردّدت بالذهاب معه , فقال لها القبطان :

- لا تخافي , نحن عائلتك منذ اليوم 


وبعد ذهابهما ..قال البحّار :

- المسكينة , شاهدت مقتل اهلها على يد والدها المجنون

البّحار الآخر : هل تظنه انتحر ؟ فالجزيرة كانت هادئة بشكلٍ مخيف , كأنها مهجورة !

القبطان : طالما سمعنا طلقةً نارية , فاللعين مازال حياً .. وحين أصل للميناء , سأبلّغ عن جريمته ليقبضوا عليه

- جيد اننا أنقذناها في الوقت المناسب

- وماذا سنفعل بها ؟

القبطان : عند وصولنا اميركا , أُسلّمها لصديقي رئيس الشرطة ليتكفّل بتسفيرها الى ولايتها التي فيها اقاربها 

- اميركا ! الم نكن ذاهبين الى اسبانيا ؟

القبطان : سنغيّر طريقنا لأجلها ..

- وماذا عن السرطعانات التي اصطدناها للمطعم الإسباني الشهير ؟

القبطان : طالما لم يدفعوا جزءاً من سعرها مُقدماً , فلسنا ملزمين بإحضار طلبهم على الموعد المحدّد .. (ووقف قائلاً بحزم) .. سنتوجه لأميركا , وهذا قرارٌ نهائي !!


وعاد القبطان الى كابينته , تاركاً بحّارته متضايقين من قراره المفاجىء الذي سيُطيل رحلتهم البحرية , بعد ان كانوا يأملون برؤية عائلاتهم خلال الأسابيع المقبلة في بريطانيا ! 

***


ومنذ تغير إتجاه الرحلة , حاصرهم ضبابٌ كثيف ! وتعطّلت بوصلة السفينة دون سببٍ تقنيّ .. فكان على القبطان توجيه سفينته على حسب خبرته البحرية , مُتجاهلاً قلق البحّارة من هذه المخاطرة .. 


ومع مرور الأيام .. لاحظ الجميع خوف الببغاء والكلب من الصغيرة كلما ارادت اللعب معهما ! كما لاحظوا بقائها فتراتٍ طويلة وحدها في مؤخرة السفينة , وهي تغني تراتيل بلغةٍ غريبة ولحنٍ كئيب .. واحياناً تقصّ عليهم قصصاً مرعبة لا تناسب عمرها ! 

وكانت تفضّل الأكل وحدها .. وذات يوم رآها الطباخ ترمي الأكل في البحر .. فعاتبها برفق , فأخبرته انها رمت بقايا طعامها للأسماك .. 


اما البحّار المُختصّ بمراقبة الملاحة ليلاً , فوجدها اكثر من مرة تجلس فوق السارية دون خوفٍ من الأمواج العاتية .. كما عادةً تسهر لوقتٍ طويل , وتستيقظ قبلهم كأنها لا تنام مطلقاً !


ولاحقاً بدأت تقوم بحركات تُغضب البحّار العجوز المتدين , حيث تعمّدت دخول غرفته في غيابه لقلب الصليب رأساً على عقب , وتمزيق اوراقاً من إنجيله واطفاء شموع العبادة من دون سبب ! 

فشكى للقبطان الذي رفض معاقبتها لصغر سنها .. فقرّر العجوز مراقبتها , الى ان وجدها في احدى الليالي ترسم بالطبشور على أرضيّة السفينة : إشارات شيطانية تُشبه طلاسم المشعوذين ! لكنها سرعان ما استبدلتها بشخبطات اطفال , قبل وصول القبطان (حين ذهب العجوز لمناداته) ..

فما كان منه الا ان أطلع زملائه على شكوكه بكونها فرداً من عائلة عبّاد الشيطان , وان والدها أحرقهم كقرابين لإبليس .. لكنهم لم يصدقوا كلامه , لأنها تتصرّف امامهم كفتاةٍ ساذجة 

***


في عصر أحد الأيام .. هجم الكلب عليها , اثناء محاولتها إخراج الببغاء من قفصه الكبير  ..وسمع البحّارة نباحه الغاضب الذي توقف فجأة !


وحين دخلوا اليها , وجدوه مطعوناً ! والببغاء فرّ من نافذة المقصورة المفتوحة.. 

فصفعها صاحب الكلب بغضب .. فبكت وهي تبرّر لهم انها ارادت اللعب مع الببغاء .. وحين هجم الكلب عليها ! رفعت السكين لدفاع عن نفسها , فانغرزت في قلبه .. 


ولم يصدّق روايتها احد , ماعدا القبطان الذي أمرهم برمي الكلب الميت في البحر والعودة الى عملهم .. 

فاجتمعوا بالمطبخ لتخطيط على التخلص من الفتاة المنحوسة التي استحوذت على قلب القبطان (الذي يحنّ لإبنته وامها اللتان ماتتا قبل اعوام بالسلّ)

***


وفي المساء .. ذهبوا الى غرفتها للقبض عليها وسجنها في قبو السفينة , لكنهم وجدوا غرفتها فارغة .. 


فصعدوا الى سطح السفينة , ليجدوها تفتح أقفاص السرطعانات وتعيدهم للبحر .. 

فهجموا عليها غاضبين , بعد ضياع رزقهم الذي اصطادوه خلال ثلاثة اشهر شتوية قارصة .. 

لكنها استطاعت الهرب منهم , والصعود لفوق السارية .. 


وهناك وجدوا الخفافيش تدور حولها بمشهدٍ مرعب .. ونور القمر يسطع عليها وهي تلقي تعويذة على البحر , جعلته يضّطرب دون سابق انذار !

وبالكاد استطاعوا التشبّث بالشراع كي لا يسقطوا في البحر الهائج ..في الوقت الذي كان يحاول فيه القبطان السيطرة على سفينته , دون علمه بما حصل على سطح سفينته.. 


وفجأة ! هدأ البحر وسكنت إهتزازات السفينة كأن شيئاً لم يكن .. فمرّت الفتاة بجانبهم , وهي تقول بلؤم :

- سأسامحكم هذه المرة , لكن ستندمون في حال ضايقتموني ثانيةً .. تصبحون على خير 


فدبّ الرعب في نفوس البحارة الذين سارعوا الى كابينة القبطان لإخباره بما حصل , لكن كعادته لم يصدّق كلامهم .. وأخبرهم ان العاصفة الهوجاء هي السبب في سقوط أقفاص السرطعانات في البحر وخسارة رزقهم , ولم يكن لتيري يداً في الموضوع .. 


فعادوا غاضبين الى غرفهم .. واتفقوا على التناوب في مراقبتها , الى ان يأتي الوقت المناسب للتخلّص منها 

***


ومرّ اسبوعٌ كامل دون حوادث غريبة , فتيري تصرّفت كفتاةٍ عادية : تأكل وتغني وترقص وتنام , دون فعل اشياء تثير الريبة .. 


لكن الأمور تغيرت مع وصول سفينة البريد التي يجمع صاحبها رسائل السفن المسافرة لتوصيلها لعائلاتهم

ولأن تيري ذكية .. فقد لاحظت إرتباك ساعي البريد حين علم بقصتها , فابتعدت عنهم لتراقبهم من بعيد : فسمعت رجل البريد يخبرهم بأن الجزيرة مهجورة منذ سبع سنوات , بعد حريقٍ شبّ في كوخ موظف المنارة الذي مات مع زوجته وابنيه التوأمين 


بحّار : ألم يكن لديه ابنة ؟!

الطباخ : هل انت غبي ؟ يقول انها مهجورة منذ سبع سنوات , فكيف عاشت وحدها هناك

البحّار العجوز : الأدهى انها كذبت علينا وأخبرتنا انها احتمت في غرفة المنارة هرباً من والدها المجنون 

البحّار (المراقب الليلي) بخوف : هل تظنها جنية ؟! 

ساعي البريد : لا ادري ! لكن عليكم التخلص منها قبل ان تغرقوا كالسفينتين اللتان إختفتا في المحيط الأطلسي

البحّار : وماذا حصل لهما ؟

ساعي البريد : إحداها كانت سفينة نقل , والثانية للقراصنة .. ولم ينجوا من الحادثين سوى بحّارين يافعين , كلاهما أكّدا ان الشؤم أصاب السفينتين منذ إنقاذهم فتاةً صغيرة كانت لوحدها في قاربٍ مطاطي , إسمها تيري 

العجوز بخوف : تيري دوبرولت ؟!


ساعي البريد : أظن ذلك ! الغريب ان الحادثتين حصلتا قديماً , فكيف لم تكبر الفتاة بعد ؟!

الطباخ بفزع : لأنها ليست إنسيّة ! 

ساعي البريد : اذاً تخلّصوا منها , ماذا تنتظرون ؟

- القبطان يدافع عنها دائماً , ويدلّلها كأنها ابنته المتوفاة 

- برأيّ إنقلبوا عليه , قبل غرقكم جميعاً  

- سنفعل هذه الليلة .. 

البحّار بصوتٍ منخفض : هاهي اللعينة قادمة الينا , عُدّ الى سفينتك حالاً 


فقفز ساعي البريد الى سفينته الصغيرة , حاملاً رسائلهم .. ثم لوّح لهم , دون النظر اليها : 

- الوداع !! اراكم حين تصلون بريطانيا

- سلّم على اهلنا !!

ساعي البريد : لا تقلقوا , سأوصل رسائلكم بأقرب وقتٍ ممكن .. الى اللقاء يا اصدقاء


وقبل ابتعاده عنهم , ظهرت دوّامة ضخمة من العدم ! سحبت سفينته الى قاع البحر , ليغرق امام أعين البحارة الخائفين .. 

فنظروا خلفهم , ليروا ابتسامة تيري المرعبة .. فهجموا عليها هجمة رجلٍ واحد , مغلقين فمها لكي لا توقظ القبطان .. وقاموا بربطها وإنزالها بالقوة الى القبو .. 

***


بعد ساعتين .. استيقظ القبطان لتناول غدائه , وسألهم عن تيري .. فأخبروه انها أصرّت على الذهاب مع ساعي البريد الى بريطانيا 

القبطان بعصبية : ولما لم توقظوني ؟!! نحن ذاهبون الى اميركا لأجلها 

- هي أخبرتنا ان خالتها تعيش في لندن 

- على الأقل دعونا أودّعها  

- رفضت إيقاظك لأنك متعب

الطباخ : والآن ماذا يا قبطان , هل سنعود الى اسبانيا ؟

- وماذا سنفعل هناك بعد خسارة بضاعتنا 

- آه صحيح , الملعونة أطلقت السرطعانات في البحر 

القبطان بغضب : كفّوا عن لومها عن كل حادثة تصيبنا !! 

البحّار الشاب بغيظ : انت تدافع عنها دائماً !

القبطان : حين تصبح اباً , ستتصرّف مثلي .. والآن سأذهب لإدارة الدفّة  للشمال , لمعاودة الصيد من جديد .. (ثم تنهد بضيق) .. آمل ان نخرج من هذا الضباب الذي رافقنا طوال الرحلة  


وبعد ذهاب القبطان ..

العجوز بغيظ : لم يظهر الضباب الا بعد إنقاذنا لتيري اللعينة

- هذا صحيح , لكنه لم يشاهد ما رأيناه .. المهم اننا أبعدناها عن ناظريه  

***


في آخر الليل .. نزل الطباخ ومعه شطيرة جبن للفتاة , لكنه تفاجىء بالفئران تأكل اكياس الدقيق والذرة .. وتيري توجههم من داخل قفص الببغاء الكبير لإفساد المزيد من المؤن , وكأنهم يفهمون كلامها !

- ايتها الملعونة !! ماذا تفعلين ؟ أتريدين إماتتنا جوعاً .. أحلف انني سأقتلك 


وفور اقترابه من القفص , هجمت عليه الفئران بإشارةٍ من اصبعها ! 

وبالكاد استطاع رفاقه تخليصه منهم , وإبعاده من غرفة المؤن الذين أقفلوها بإحكام من الخارج ..

البحّار بقلق : رجاءً إكتم صراخك , كي لا يسمعك القبطان

الطباخ بألم : الفئران الملاعيين ! قرضوا كل جزءٍ في جسمي  

- طبيبنا سيداوي جروحك .. المهم لا يقترب احدٌ من الملعونة , قبل رميها في البحر 

- ومتى سنفعل ذلك ؟

- غداً هو السابع من شهر اغسطس

- آه ! ذكرى موت زوجة القبطان , سينشغل في غرفته لرؤية صورها وقراءة مذكراتها كما يفعل كل سنة 

- نعم , وحينها نتخلص منها .. الآن لنعود الى غرفنا

- الن نطعم الصغيرة ؟

الطباخ بعصبية : لا أظنها مثلنا , فهي لا تأكل ولا تنام .. اساساً موتها رحمة للجميع !! رجاءً خذوني للطبيب , قبل تجرثم جروحي 

- هيا ساعدوني في حمله

*** 


في تلك الليلة .. رأى القبطان مناماً بأن تيري مسجونة مع الفئران بغرفة المؤن في قبو السفينة , وهي تترجاه بإنقاذها من البحّارة الذين يخطّطون لقتلها ..


فاستفاق فزعاً , ونزل وحده الى هناك بعد نوم البحّارة ..

وحين رآها في قفص الببغاء ومن حولها الفئران , شعر بغضبٍ شديد لكذب رفاقه عليه .. وفكّ سجنها , وحملها بحنان الى غرفتها .. 


في هذه الأثناء .. همست في اذنه بتعويذة شيطانية , جعلته يفقد اعصابه .. وينطلق كالمجنون الى غرف البحّارة , لإطلاق الرصاص عليهم الواحد تلوّ الآخر .. حتى الطبيب الذي قفز من نافذة غرفته للبحر ! أفرغ مسدسه عليه , مُتسبباً في غرقه 


وبعد ان هدأ غضبه , لم يصدق ما فعله ! وأخذ يبكي امام جثث رفاقه 

فاقتربت تيري منه , وهي تقول :

- أحسنت !! كان عليك قتلهم .. الآن بقينا لوحدنا , وعلينا إكمال حياتنا كزوجين مُحبّين

القبطان بدهشة : ماذا قلت ؟! 


وهنا تحوّلت الى امرأةٍ جميلة , جعلته يسقط على الأرض من هول الصدمة!

- أنت جنية ؟!

تيري : امي من الجن , وابي ..

مقاطعاً بعصبية وخوف : إبتعدي عني !!

- الم أعجبك ؟ سأكون زوجة مطيعة

- هذا محال !!

فقالت بنبرةٍ تهديد : أنصحك ان لا تفعل كموظف المنارة الذي رفض خيانة زوجته , فأحرقته مع عائلته 

- هل كانت قصتك مُلفّقة ؟.. لكن كيف ! نحن سمعنا طلقةً نارية جعلتنا نُهرّبك من الجزيرة 

- الأصوات والأضواء وغيرها , جزءاً من قدراتي الخارقة .. سأشاركها معك بعد دمج روحينا معاً 

- مستحيل !! 

- آه لحظة ! فهمت مشكلتك 


ثم تحوّلت لشكل زوجته , لتُشبه الصورة المعلّقة في كابينته .. 

وقالت بصوتٍ حنون :

- اشتقت اليك حبيبي , تعال اليّ 

فوجّه بندقيته نحوها بغضب :

- عودي الى شكلك القديم فوراً !! فأنا لن أسمح لجنيةٍ قذرة بالتشبّه بزوجتي الملاك

- قذرة ! يبدو اخطأت باختيار رجلٍ غير طموح مثلك  


ورمت القنديل عليه .. وأخذت تراقبه وهو يحترق ببطء .. قبل قفزه من نافذة السفينة الى البحر لإطفاء نيرانه

فتنهدت بضيق : 

- لما تصعّب الأمور عليّ .. حسناً !! سأساعدك لمقابلة زوجتك اللعينة


وألقت تعويذتها على البحر !! لتظهر دوّامة كبيرة سحبت جسده , ويغرق  كساعي البريد 

***


بعد هدوء الوضع .. ركبت تيري قارب النجاة بعد إحراقها السفينة ..

وصارت تجذّف باتجاه جزيرة المنارة التي كانوا يدورون حولها لأسابيع دون علمهم , بسبب الضباب الذي أحاطهم من تعويذاتها المتكرّرة ..

***


بعد صعودها الى غرفة المنارة .. سمعت صوت والدها يخرج من البحر 

- الن تعودي لمملكتي ؟!!

- ليس قبل تحقيق حلمي  

- وماهو ؟ .. أغرقتي ثلاثة سفن حتى الآن , وقتلتي عائلة موظف المنارة .. فماذا تريدين بعد ؟

تيري : بحّارة السفينتين كانوا من الحمقى واستحقوا الموت , والثالثة تابعة لقراصنة ارادوا العبث بجسدي , فأدّبتهم على طريقتي ..اما عائلة موظف المنارة البسطاء .. أزعجوني باهتماهم الزائد , فأحرقتهم جميعاً .. ثم يا ابي , حلمي لم يكن السيطرة على البشر والإنتقام منهم 

- اذاً ماذا ؟ 


فسكتت قليلاً , ثم قالت :

- كنت أودّ الإحتفاظ بسرّية مهمتي , لكني سأخبرك .. اريد الزواج من إنسي , كي أملك قدرات العالمين معاً

- كم مرة أفهمتك انها اسطورة صعبٌ تحقيقها , فلا احد يرغب الزواج من ابنة ابليس , خاصة وانت مُتلبّسة جسد فتاةٍ صغيرة

- من سوء حظي انني لم أجد سوى تيري تصارع الموت في قاربها المطاطيّ .. ليتها كانت امرأة ناضجة , لكان إغوائهم اسهل بكثير  

- اذاً لماذا قتلتي القرصان الذي احبك بشغف ؟

- لأني اريد رجلاً شريفاً , وليس قرصاناً فاسداً

صوت ابليس : تربية وافكار امك الجنية المتدينة أفسدت عقلك .. برأيّ تخلّي عن حلمك المستحيل وعودي الينا , فلك سنوات تحاولين مع البشر

- سأعود بعد قرن 

- أهذا وعد ؟

- وعد يا ابي 

- يالك من ابنة عنيدة .. سأعود لأخذك بعد قرن .. الى اللقاء


وبعد هدوء البحر , شاهدت نوراً من بعيد .. لترى من منظار المنارة , سفينةً سياحية فخمة تمرّ قرب جزيرتها .. فقالت بارتياح :

- هذه السفينة مليئة بالأثرياء الذين يكونوا عادةً من أطمع البشر .. وحتماً سيقبل احدهم الزواج مني , بعد ان أعده بالثروة المالية والشهرة العالمية .. وحينها أملك قدرات تفوق ابليس , وأصبح ملكة الشياطين بعد عزل والدي العزيز عن كرسيه .. لتكون اول قراراتي : حرباً شعواء لحين إفناء البشرية , وعودة الجن والشياطين لامتلاك الأرض من جديد 


ثم أطلقت ضحكةً مجلّجلة تردّد صداها بين جدران غرفة المنارة الضيقة , بعد رؤيتها لسفينة السياحية وهي ترسو على جزيرتها المهجورة إثر استجابتهم لنداء الإستغاثة الذي أوقعهم في فخٍّ مميت .. 

فهل ستنجح هذه المرة بتحقيق حلمها المخيف ؟!

هناك 6 تعليقات:

  1. جميلة القصة أستاذة أمل
    أرجو إن كانت القصة جزءاً ثانياً وضع ملاحظة بقراءة الجزء الأول أولا لربط الأحداث مع بعض قبل قراءة الجزء الثاني
    مجرد رأي..

    ردحذف
  2. بحيث يكون رابط الجزء الأول في أول القصة( الجزء الثاني )

    ردحذف
  3. قصة رائعة، شكرا لك استاذة أمل

    ردحذف
  4. قصة جميلة جدا..أرجو منك ألا تتأخري عن موعد الجزء الثالث من القصة..ووفقك الله

    ردحذف
  5. استاذة أمل قد راسلتك على بريد المدونة ، أرجو ان تردي علي .. تحياتي

    ردحذف
  6. قصة رائعة جداً
    شكراً استاذه أمل

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...