الثلاثاء، 5 مارس 2019

بوّابة العالم الآخر

تأليف : امل شانوحة


الحاجز بين عالمين !

بعد إنتقال إنجي الى فرعٍ آخر للشركة , استأجرت شقة مفروشة قريبة من عملها الجديد .. ولم تجد من حاجيات المستأجر السابق , سوى كتاب قديم وجدته في خزانة الحائط .. وما ان تصفّحته , حتى انفتح على صفحة بعنوان : تعويذة الثراء .. فعرفت انه كتاب سحر .. فوضعته جانباً , وأكملت ترتيب أغراضها .. 

ولم تتذكّر الكتاب الا بعد شهرين , حين مرّت بضائقةٍ مالية .. فأخذت تقرأ التعويذة بدافع الفضول ..وكانت عبارة عن كلماتٍ متتالية غير مترابطة وغير مفهومة ! 
وبعد ان أنهتها , شعرت بنعاسٍ مفاجىء ! فذهبت للنوم 

وفي منامها : شاهدت نفسها تمشي في سردابٍ طويل , الى ان وصلت الى بابٍ حديديّ ..وحين فتحت المزلاج , وجدت بداخل الغرفة رؤوساً طائرة كبالونات الهيليوم , بوجوهٍ مرعبة كأنهم قبيلة من الجن , نظروا اليها بدهشة بعيونهم الحمراء المضيئة ! 
فصرخت عليهم بشجاعة : 
- أتركوني وشأني !! لي ثلاثين سنة مسحورة .. اريد ان أعيش !! اريد ان أتزوج , وأنجح في عملي !! وانا أحذّركم من الإقتراب منّي مجدداً .. هل سمعتم ؟!!!

فبدأ يعلو صوت أنفاسهم الغاضبة وازدادت إحمرار أعينهم , ممّا أخافها جداً ! فحاولت إقفال الباب من جديد , لكن المزلاج انكسر في يدها ..
فهربت سريعاً , وهي تسمع عوائهم ونباحهم وهم يلاحقونها داخل ممرّات السرداب , الى ان استيقظت مُتعرّقة !

فحمدت ربها بأنه مجرّد كابوس.. 
وفكّرت بنفسها : ((ثلاثون سنة ! هل النحس الذي لازمني طوال عمري كان بسبب السحر ؟ ومن يجرأ على فعل ذلك ؟!))

وحين فتحت باب الحمام , كادت تسقط من هول الصدمة ! حيث وجدت هناك , الرؤوس الطائرة محشورة فوق بعضها البعض..
فصرخت مرتعبة : ماذا تفعلون في بيتي ؟!!
فقال كبيرهم : انت فتحت الحاجز الذي بيننا وبينكم .. وحين لحقناك , إنغلق الباب خلفنا , ولم نستطع العودة الى عالمنا من جديد ! 
فسألته بقلق : وماذا يعني ذلك ؟!
فأجابها جني شاب : يعني علقنا معك هنا 

إنجي وهي ترتجف : لا يمكنكم البقاء في بيتي , هذا محال !! 
فردّت عليها جنية تحمل ابنها الرضيع : 
- لكننا لن نؤذيك , ونعدك بأن لا ندخل غرفة نومك مطلقاً
إنجي : وماذا عن الحمام ؟
فقال أحدهم : هذا مكاننا المفضّل
إنجي : يمكنكم إحتلال الحمام الآخر .. امّا هذا , فلي وحدي
كبيرهم : ذلك الحمام صغيرٌ جداً , ولن يكفينا جميعاً .. لهذا سنتوزّع في زوايا بيتك ..وعليك تقبّل الأمر , فأنت من قرأت كتاب الشعوذة وأحضرتنا اليك

ولم تستطع إنجي مجادلتهم أكثر , فهي بحاجة لدخول الحمام
وحين خرجوا , أقفلت الباب خلفهم بسرعة .. لكنها أحسّت بحركة خلف ستارة حوض الإستحمام ! وحين فتحتها , وجدت جنيّاً صغيراً يطفو هناك
- ماذا تفعل هنا ؟!!
فردّ الولد بابتسامةٍ خبيثة : أستطيع ان أفرك لك ظهرك , إن أردّت الإستحمام
- أخرج حالاً , ايها المنحرف !!
فاخترق جسده الباب المُنغلق , مُتجهاً للخارج ..
بينما كانت ترتجف بندم : ماذا فعلت بنفسي ؟! لما قرأت ذلك الكتاب اللعين؟ ..ما لحلّ الآن مع هذه الورطة ؟!

وحين خرجت .. وجدتهم يطفون في زوايا البيت ..فذهبت الى غرفتها , وبدأت بوضع المكياج للذهاب الى عملها .. 
فسمعت الجنية تقول لها من السقف : 
- لا تكثري من استخدامه , فهذا يجعلك تبدين كأمرأةٍ رخيصة 
فأجابتها إنجي بغضب : وما دخلك انت ؟!! ثم الم نتفق بأن لا تدخلوا غرفتي ؟ 
- أردّت بعض الحليب لإبني الرضيع
باستغراب : أتأكلون مثلنا ايضاً ؟!
- نعم , لطالما أكلنا بقايا طعامكم
- ستجدين كل ما تحتاجينه بالثلاجة .. إخرجي الآن , فعليّ الإسراع الى عملي

وقبل خروج إنجي من المنزل , قالت لهم :
- إيّاكم ان تلحقوني الى الشركة , فلا اريد ان أُطرد بسببكم 
فردّ كبيرهم : إطمئني , فنحن لن نتحرّك شبراً من بيتك 
فتمّتمت بضيق : يالا سعادتي !
وخرجت وهي تفكّر بطريقة لإعادتهم الى عالمهم..
***

ولم يكن الوضع أفضل حالاً في الشركة , حيث طالبها المدير بإعادة كتابة التقرير من جديد , بعد ان أهانها امام بقية الموظفين 
وقبل عودته الى مكتبه , تعثّر فجأة ليسقط فوق سِلال النفايات , بينما حاول الجميع كتم ضحكاتهم الساخرة .. 

وكانت إنجي الوحيدة التي رأت الجني الشاب وهو يدفعه من الخلف , والذي حلّق في الهواء باتجاهها قائلاً :
- لن أسمح لأحد ان يؤذي حبيبتي
إنجي باستغراب : حبيبتك ؟!
- نعم .. أنا الجني العاشق الذي تزوجك منذ ثلاثين سنة , هل نسيتني فوراً بعد ان فككّتِ سحرك ؟!
وقبل ان تستوعب ما قاله ! رأت زميلتها تقترب من مكتبها .. فهمست له:
- إبتعد من هنا فوراً 
الجني : حسناً سأختفي من امامك

زميلتها : مع من كنت تتحدثين ؟!
إنجي بارتباك : لا احد , كنت أفكّر فقط بتقريري الجديد 
- دعك من المدير .. فهو بعد الذي حصل له , لا أظنه يخرج من مكتبه لبقية اليوم.. ومع هذا لن ألهيك عن عملك .. نتكلّم لاحقاً  

وحين فتحت إنجي حاسوبها , وجدت كلاماً يُكتب لوحده على الشاشة ! بعبارةٍ تقول :
((قريبتك سحرتك وانت صغيرة , ومن وقتها ارتبطنا سويّاً ..وانا حزين لأن سحرك إنفك فور دخولك عالمنا .. كانت خطوة جريئة منك , لكن نتائجها سيئة .. فبعد ان كنت مرتبطة بي فقط , أصبحتي مقيّدة بكل افراد عائلتي ! فهل انت سعيدة الآن ؟))

فصرخت بغضب : أتركني وشأني ايها اللعين !!!
قالتها بصوتٍ عالي وهي تحذف كلامه من الشاشة , ليلتفت اليها بقيّة الموظفين بدهشة ! ..لكنها تظاهرت بأنها تكلّم أحدهم بجوالها .. بينما كان عقلها مشغول بإيجاد حلٍّ سريع لإنهاء مشكلة الجن الذين احتلّوا منزلها , فوالداها سيزورانها بنهاية الأسبوع .. فهل سيتمكّنان من رؤيتهم مثلها ؟!

وقبل انتهاء الدوام .. تقدّم منها موظف لطالما أُعجبت به , وتكلّم معها برقةٍ غير معهودة ! بينما كان الجني الشاب يراقبهما من بعيد بغضبٍ وغيرةٍ شديدين ..

وبعد ذهاب الموظف الى مكتبه .. ذهبت إنجي الى حمام الشركة لتغسل وجهها وهي في قمّة السعادة , لتفاجأ بالمرآة بوقوف الجني خلفها !
- لما لحقتني الى هنا ؟!
الجني الشاب بعصبية : انت سعيدة لأن حبيبك يكلّمك لأول مرة , اليس كذلك ؟
إنجي : نعم , واقتنعت الآن بأن سحري إنفك أخيراً ..فما الذي يغضبك ؟ 
- أنسيتي بهذه السرعة انني كنت زوجك لثلاثين سنة ؟!!
إنجي : وانا أحرّرك من هذا القيد .. إذهب وتزوّج جنية من عالمك , ودعني أكمل حياتي
- لن أرضى بذلك , وسأذهب الآن لأؤذي ذلك الحقير !!
فقالت بغضب : إيّاك ان تفعل !! هل سمعت ؟ والله أحرقك انت واهلك ان اقتربت من حبيبي !!
- أبهذه السرعة أصبح حبيبك ؟! اساساً لا يمكنك مواجهة عائلتي كلها لوحدك  
- سأفعل ان اضّطر الأمر لذلك
- أتخاطرين بحياتك من أجل ذلك التافه ؟!

إنجي : إسمعني جيداً .. من المستحيل ان يكون هناك رابط يجمعنا , فنحن من عالمين مختلفين .. لذا رجاءً دعني وشأني , فأنا اقتربت من سن العنوسة , واريد زوجاً واولاد .. وانت ايضاً كبرت وبحاجة الى زوجة جنية , تنجب منها اطفالاً
- تتكلّمين كأمي !
إنجي : لأن معها حق .. (ثم تتنهّد بضيق) .. إسمع , يمكنك الذهاب الى عالمك وانت مرتاح الضمير , فأنا سامحتك على السنوات التي فاتت من عمري , فارتباطك بي كان غصباً عنك .. لكن السحر اللعين انتهى الآن , وأصبحنا أخيراً أحرارا
- وكيف أعود بعد ان أغلقتي بوّابة عالمنا ؟ 
- سأجد حلاً , أعدك بذلك .. والآن عدّ الى بيتي , ودعني أنهي الدوام على خير , قبل ان يظنّ زملائي بأني فقدّت عقلي ان رأوني أكلّم نفسي كثيراً.. فهيا رجاءً , إذهب من هنا

فرحل الجني بهدوء , لتسرع هي بالخروج نحو مكتبها .. وتقوم ببحثٍ مطوّل على حاسوبها لإيجاد طريقة لإصلاح الوضع .. 

وبعد ساعة , وجدت عنوان مشعوذة تعيش في خيمة على الشاطىء القريب من شركتها .. فقرّرت الذهاب الى هناك , فور انتهاء الدوام
***

وفي الخيمة , أخبرتها إنجي بما حصل معها ..
المشعوذة : حسناً .. تعالي معهم مساءً , لأعطيك التعويذة المناسبة
*** 

وقبيل المساء .. أقنعتهم إنجي بالذهاب معها للإستمتاع بغروب الشمس عند الشاطىء .. 
ومن بعدها استغلّت إنشغال الجن بالرقص حول المصطافين الذين عزفوا على آلاتهم الموسيقية بسعادة , دون ان يروا المخلوقات المرعبة التي تجمّعت حولهم !
فدخلت وحدها الخيمة .. وحين أطلّت المشعوذة ورأت عددهم الكبير , أعطتها ورقة فيها تعويذة قوية لفتح بوّابة عالمهم من جديد.. 

لكن إنجي رأت بأنه لا داعي لقراءتها , بعد ان قرّرت العودة سريعاً الى بيتها وترك الجن فرحين عند الشاطىء 
حيث تمّتمت بخبث وهي تقود سيارتها : 
- لا أظن باستطاعتهم معرفة عنوان شقتي .. فليذهبوا ويبحثوا عن مكانٍ آخر يعيشون فيه , بعيداً عني
***

وحين دخلت غرفة نومها لتستريح , تفاجأت بالطفل الجني ينام على سريرها !
إنجي بضيق : اللعنة ! لما لم تأخذه امه معها ؟! 
وعندما حاولت وضعه في غرفةٍ أخرى , استيقظ وبدأ يبكي من الجوع 
فأحضرت له الحليب .. لكنه مرّ من خلال فمه الشفّاف , وانسكب على الأرض !
- كيف أستطيع إطعام مخلوقاً من الهلام ؟! 

ثم حملته ناحية الثلاجة .. وحين فتحتها , أشار الطفل الى الدجاجة المسلوقة..
إنجي باستغراب : هل تأكلون اللحم بهذا العمر الصغير ؟! خذّ هذه القطعة.. 
لكنه لم يأكل سوى عظام الدجاجة !
إنجى بخوف : كنت قرأت بأن العظام هو طعامهم المفضّل , كم هذا مخيف ! .. يا الهي ! يأكلها وكأنها شيبسي ! ..هآ يا صغير , هل شبعت الآن ؟ هل تسمح لي بالنوم , فأنا مستيقظة منذ الصباح ؟ ..هيا اذهب وحلّق في البيت كما تشاء , لكن لا تصدر صوتاً .. مفهوم !!

ثم ذهبت وحدها الى غرفتها .. وحين استلقت على سريرها , وجدت الطفل يخترق بابها المغلق ويطفو باتجاهها , وينام بقربها !
- ابتعد عني رجاءً , واخترّ مكاناً آخر تنام فيه  
لكنه اقترب أكثر , ووضع رأسه على صدرها .. 
- يا الهي ! هذا ما كان ينقصني ..
وحين سمعت شخيره , تركته مكانه .. 
- جسدك باردٌ جداً ! دعني أغطيك بلحافي ..
***

بعد ساعتين .. وصلت قبيلة الجن غاضبةً الى بيتها , بعد تخلّيها عنهم عند الشاطىء , وكانوا ينوّون إيذائها .. 
لكن والدة الطفل أوقفتهم بعد ان رأتها تحتضن رضيعها النائم بحنان .. فقرّروا مسامحتها على مخالفتها لإتفاقهم السابق , بعد ان برّر كبيرهم فعلتها قائلاً :
- لا يمكن لومها على خوفها من معاشرتنا , فالبشر بالعادة جبناء ..لذا دعوها وشأنها

ثم ارتفع بعضهم الى زوايا السقف ليناموا , بينما فضّل الباقون النوم في الحمام الصغير ..

وعندما استيقظت قبيل الفجر ورأتهم نياماً في بيتها , علمت بأن التخلّص منهم لن يكون بهذه السهولة !
***
بعد يومين , وفي صباح يوم عطلتها .. إتصل والداها ليخبراها بأنهما في الطريق لزيارتها ..فأسرعت إنجي بحشرهم جميعاً داخل الحمام الصغير , لكن كبيرهم اعترض قائلاً :
- توقفي عن دفعنا يا إنجي .. فاستحالة ان نسعّ جميعنا هنا , انت تُأذيننا هكذا !!
ففكّرت قليلاً قبل ان تقول : حسناً يمكنكم البقاء في الحمام الكبير , لكن إيّاكم ان تخرجوا منه..
فسألتها الجنية بقلق : وكم سيبقى والداك هنا ؟
إنجي : ساعتين تقريباً , ولا اريدكم ان تخيفوهما بأيّةِ حركةٍ سخيفة ..هل كلامي مفهوم ؟

وووصل والداها بعد قليل .. وامضيا ثلاث ساعات بزيارتها .. 
وقبل عودتهما الى مدينتهما , أراد والدها دخول الحمام الكبير .. لكنها أسرعت بإيقافه : 
- لا توقف !! أقصد ..هذا الحمام معطّل يا ابي , يمكنك استخدام الآخر

وبعد دخوله .. نادتها امها من المطبخ ..
- لما الطعام مبعثرٌ ومفتّتٌ هكذا في الثلاجة , وكأن فأراً عبث بداخلها؟!
- آسفة يا امي .. بالكاد وجدّت الوقت لتنظيف شقتي , لكن أعدك بالإهتمام أكثر 
بينما قالت في ذهنها : ((الطفلان اللعينان , دائماً يعبثان بطعامي ! متى يا ربي ينتهي هذا الكابوس؟))

وبعد ذهاب أهلها , أسرعت بإخراج الجن من الحمام ..
حيث قال كبيرهم بعصبية : ضاق صدرنا ونحن محشورين فوق بعضنا البعض !! 
إنجي : أشكركم لبقائكم هادئين ..
فقال أحدهم : لقد جعنا كثيراً , ماذا سنأكل على الغداء ؟
إنجي : وماذا تريدون ان أطلب لكم ؟ 
فأجابتها الجنية : لا داعي لذلك , سأعدّ الطعام في الحال
وحلّقت نحو المطبخ .. 

وحين لحقتها إنجي , وجدتها تضع الطعام الساخن على المائدة التي تجمّع حولها الجن .. 
إنجي بدهشة : كيف استطعت الطبخ بهذه السرعة ؟! 
الجنية بابتسامة : وقتنا يختلف يا عزيزتي عن وقتكم 
ففسّر كبيرهم قائلاً : يعني الدقيقة التي استغرقتها انت للوصول الى مطبخك , مرّت علينا وكأنها ساعة .. هل فهمت الآن لما ضاق صدرنا في الحمام؟ 
الولد : نعم , فتلك الساعات الثلاثة مرّت علينا كيومٍ طويلٍ مملّ للغاية 

إنجي : لم أكن أعلم ذلك ! أعتذر منكم  ..(ثم اقتربت من المائدة)..رائحتها جميلة , وهي تشبه طعامنا .. دجاج وأرز وسلطة ايضاً ..
الجنية : وهل ظننت اننا نأكل فقط بقايا طعامكم ؟ بل لدينا عزائم وموائد فخمة في المناسبات وحفلات الزواج .. هيا إجلسي وكلي معنا
الولد : لا تقلقي , فطعام امي لذيذ
فوضعت إنجي ملعقة الأرز في فمها بقلق , لكن طعمه أعجبها : 
- هو لذيذ , لكن ينقصه الملح 

وحين رشّت بعض الملح فوق الطعام , لاحظت الرعب في عيونهم!
إنجي باستغراب : ماذا هناك ؟!
فأجابها كبيرهم بضيق : نحن نكره الملح جداً .. وبعضكم يحاربنا به , حين يغسل أرضيّة منزله بملح البحر , فلا يمكننا الإقتراب من بيته حتى يجفّ أثره  
إنجي : لا تقلقوا فهو غير مؤذي , بل يزيد من لذّة الطعم
فقال أحدهم : أعداءنا الشياطين يسكنون البحار , ونحن لا نستطيع الوصول اليهم لأن الملح يذيب أجسادنا كالأسيد 
فأبعدت إنجي الملح عن الطاولة , وهي تقول : 
- حسناً لن استخدم الملح ثانيةً بوجودكم .. هيا إكملوا طعامكم 

وبعد إنهاء صحنها , قالت للجنية : انا سعيدة لأنك طبختي لي , وممّتنة لترتيبك منزلي قبل وصول أهلي ..
الجنية : ويمكننا ايضاً مساعدك بأشياء كثيرة
إنجي : ماذا تقصدين ؟
كبيرهم : حين كنّا بالحمام قرّرنا ان نبقى معك , فعالمكم أجمل بكثير من عالمنا 
إنجي بضيق : لا طبعاً , نحن لم نتفق على ذلك ! وكنت سأتلو تعويذة المشعوذة مساءً , لأفتح بوّابة عالمكم من جديد 
الجن : لكننا لا نريد

إنجي بحزم : القرار ليس بيدكم !! 
الجنية : لكننا لم نؤذيك ! بل انا على استعداد لمساعدتك بكافة امور المنزل
وقالت صبية منهم : وانا استطيع مساعدتك بكتابة التقارير المحترفة , الى ان تنالي ترقية بعملك  
كبيرهم : كل ما نريده هو ان تقبلي عيشنا معك بسلام 
إنجي بغضب : قلت لا !! فأنا لا اريد العيش بهذا الرعب للأبد .. (ثم وقفت قائلةً بعصبية) ..أتدرون !! لن انتظر حتى المساء .. 

وأخرجت ورقة التعويذة من جيبها , وبدأت تتلوها على عجل .. ليُفتح بابٌ مضيء بجدار الصالة .. فتجمّع الجن حوله بقلقٍ وحزن.. 
إنجي بارتياح : وهآقد نجحت التعويذة , وصار بإمكانكم العودة الى عالمكم
لكن لا احد منهم تحرّك من مكانه !
إنجي : هيا رجاءً أخرجوا من بيتي !!
لكنهم تجمّدوا في مكانهم..
إنجي : حسناً راقبوني , الأمر جداً سهل .. فقط مرّوا من خلال هذا الباب المضيء .. تماماً كما أفعل الآن 

ودخلت إنجي الى خلف الجدار , ولحقها الولد.. 
فنادته امه بخوف :
- عدّ الى هنا فوراً !!

وفجأة ! إنغلقت البوّابة من جديد , لتعلق إنجي والولد الجني داخل سردابٍ طويل .. ولم تنجح التعويذة لفتح الباب من جديد !
إنجي بقلق : ماذا نفعل الآن ؟!
الولد : طالما لا نستطيع فتح الباب , فلنُكمل طريقنا باتجاه الطرف الآخر من السرداب 
- لكني لا اريد الذهاب الى عالمكم المخيف !
- عالمنا لا يختلف كثيراً عن عالمكم , لكنه أقلّ تطوّراً
إنجي بقلق : ماذا تقصد ؟
- ستعلمين بعد قليل , تعالي معي

وصار الولد يطفو محلّقاً في السرداب , وإنجي تلحقه .. حتى وصلا الى الباب الحديديّ نفسه الذي رأته سابقاً في منامها ! 
فأمسكت المزلاج , وهي تقول برعب :
- يا خوفي ان أجد بداخل الغرفة , قبيلةً أخرى من الجن !
الولد : هيا افتحيه , فنحن ليس لدينا القوة لذلك .. حتى انظري
وحين حاول إمساكه , إخترق المزلاج الحديدي يده الشفّافة
الولد : أرأيتي ..نحن مجرّد اطياف مخلوقة من النار , ولا نستطيع تجاوز الحاجز الا بواسطة ساحر بشريّ يفتح لنا القفل , كما فعلتي أنت
- لكني لست بساحرة !
- أنسيتي انك قرأتي الكتاب السحري تلك الليلة 
إنجي : آه فهمت .. حسناً سأفتح الباب , ولنرى المصيبة التي تنتظرنا خلفه  

لكن هذه المرة وجدت خلفه , شارعاً يشبه الشارع القريب من مبنى سكنها ! الإختلاف الوحيد : انه لا توجد سيارات في شوارع الجن , بل عربات تجرّها خيول لديها قرون وجوانح !
إنجي بدهشة : ما ذلك المخلوق الغريب ؟!
الولد : هذا حصان , لكن دوابنا وماشيتنا تختلف قليلاً عن عالمكم 
- كنت أراها في صغري في الرسوم المتحرّكة !
- سترين الكثير من الغرائب في مدينتنا , واريد ان أخبرك منذ الآن اننا لم نكتشف الكهرباء بعد 
إنجي باستغراب : ماذا ! أهذا يعني اننا نسبقكم بأكثر من مئة عام؟ 
- بل عدّة قرون  
إنجي بدهشة : ظننت العكس تماماً !

وقد ارتعبت كثيراً وهي تقطع الشارع , حين رأت مجموعة من الجن تزحف كالثعابين فوق الأرض الموحلة !
الولد منبّهاً : لا تظهري خوفك هكذا , كيّ لا يعلموا انك من البشر 
- لكنهم سيعلمون حتماً , فأنا لا أشبهكم 
- أحياناً قائدنا يُكافىء السحرة البشريين بزيارة مدينتنا , لذلك ترين الجن يخفضون رؤوسهم حين يرونك 
إنجي : أيظنوني ساحرة ؟!
الولد : ليس أيّ ساحر يحصل على هذا الإمتياز , فقط أدهى وأخبث السحرة البشريين .. هل فهمتي سبب إحترامهم لك ؟ ..والآن دعيني آخذك الى بيتي .. وهو يصادف الشقة ذاتها التي تعيشين فيها , لكن ببعدٍ زمانيّ آخر ..هيا بنا 
***

وحين دخلت بيته .. كان تماماً كشقتها , لكن أماكن الغرف متواجدة بشكلٍ معاكس ! وفيها ذات الأثاث , مع خلوّها من الأدوات الكهربائية
إنجي بقلقٍ وحزن : كيف سأعيش في هذا العصر المتخلّف ؟! 
***

ومضى شهران وإنجى عالقة في عالم الجن .. حيث كان عليها القيام يدويّاً بواجبات المنزل : من غسيل وإعداد الطعام على ضوء القناديل ..كما عليها كل صباح إحضار الماء من البئر , وإعداد الخبز بالفرن ! 
بينما اهتمّ الولد بإطعام الماشية , والمداومة على المذاكرة في مدرسة السحرة الإبتدائية !

وبينما كانت تغسل ملابسها بالنهر البارد , تمّتمت بضيق : 
- لهذا لم يرضون العودة الى عالمهم , فحياتنا أسهل بكثير .. الآن عرفت قيمة الأشياء البسيطة التي كنّا نستخدمها بشكلٍ يومي .. كم انا مشتاقة الآن لكوب كابتشينو ساخن 
***

وفي صباح يومٍ بارد .. شاهدت إنجي خالتها تسير باتجاه كهف الجبل الذي يجتمع فيه السحرة الإنسيّين مع رئيس الجن بنهاية كل عام (كما أخبرها الولد) .. 
فقالت إنجي في نفسها بغضب , بعد ان إختبأت خلف الشجرة :
((الآن عرفت من سحرني .. اللعنة عليكِ !!))
***

وفي المساء .. أخبرها الولد انه سيقام إحتفالٌ سنويّ , والحضور إجباري لجميع الجن .. وعليها الذهاب معه لأعلى الجبل , والا سيكشفون أمرها ويعاقبونها على اختراق عالمهم دون إذنهم ..

فصعدت معه الى فوق .. وبنهاية الخطبة الطويلة التي ألقاها رئيسهم , أطلق صافرته .. ليركض جميع الجن باتجاه حافّة الجبل ويقفزون منه , مُحلّقين بالسماء تحت نور القمر .. 
فهمست إنجي للولد بخوف : ماذا يفعلون ؟!
فأجابها بقلق : آسف , نسيت هذه الجزئيّة ! علينا التحليق معهم , والا انكشفنا !
إنجي بصوتٍ منخفض وقلق : انت تعلم انني لا استطيع الطيران , وسأقع لأسفل الوادي وأموت في الحال
- اذاً سأحاول تهريبك من بين الجموع ..

وبينما كانا ينسحبان بهدوء من الحفلة , نادتها جارتها بحماس :
- هيا ايتها الساحرة العظيمة إنجي , لنقفز سوياً !!
وأمسكت يدها , وسحبتها بقوة نحو الحافّة .. لكن إنجي إبعدتها عنها بآخر لحظة صارخةً :
- لا استطيع الطيران , الا تفهمين !!

قالتها بصوتٍ عالي , سمعه جميع الجن الذين تجمّعوا حولها بغضب ..حينها قال رئيسهم بحزم : 
- كنت أشكّ بك منذ البداية , لأنك لم تحضري دروسي مع بقية السحرة الإنسيين المميزين .. ايها الجنود !! قيدوها وخذوها الى السجن الى يوم تنفيذ حكم الإعدام حرقاً في الساحة , والذي سيتمّ مع إكتمال البدر في الشهر القادم

وعلى الفور !! قام جنوده بربطها وأخذها الى سجنهم وهي ترتجف رعباً , بينما أسرع الولد الى بيت قريبه المشعوذ العجوز الذي أخبره بكل شيء ..
العجوز : إذاً دلّني على ذلك السرداب , لعلّي أعيد أهلك الى هنا .. وحينها نخطّط جميعنا لطريقة لإنقاذها من ذلك السجن شديد الحراسة 
***

وبالفعل ذهب معه الى الباب الحديديّ في آخر السرداب .. وقرأ العجوز تعويذة استطاع بها فتح الحاجز بين العالمين .. لتسرع الأم باحتضان ابنها بشوقٍ كبير 
الولد : امي , لا وقت للبكاء ..فحياة إنجي بخطر 
العجوز : سيعدمونها ان لم نجد حلاً سريعاً .. فهيا بنا
وأسرع الجميع عائدين الى عالمهم ..
***

وبعد التفكير للياليٍ طويلة .. استطاعوا القيام بخطتهم قبل يومين من تنفيذ حكم الإعدام .. حيث تمكّن كل واحدٍ منهم بإلهاء أحد حرّاس السجن .. بينما استطاع الشاب التسللّ بخفّة الى زنزانتها .. 
وحين رأته بجانبها , قالت بارتياح : 
- لم أعتقد يوماً انني سأسعد برؤيتك لهذه الدرجة !
الجني الشاب : سأخرجك حالاً من هنا 
إنجي : ولما تخاطر بحياتك ؟
- لأنك كنت زوجتي لثلاثين سنة , أنسيتي ؟ ..هيا بنا

واستطاع إخراجها من السجن , بعد ان قام قريبهم العجوز بتنويم الحرّاس مغناطيسياً عن طريق تعويذةٍ قوية .. 

ثم أسرعوا جميعاً بإيصالها الى السرداب , حيث باب شقتها مازال مفتوحاً 
كبيرهم : هيا يا إنجي , إذهبي الى عالمك 
إنجي بقلق : وماذا عنكم ؟ 
الجني الشاب : سنواجه مصيرنا , على أمل ان لا يكون شاهدنا أحد ونحن نهرّبك من السجن , والا سنحرق جميعنا بتهمة الخيانة .. إدعي لنا 
إنجي بحزن : كان الله في عونكم يا اصدقاء 

فقالت صبيّة من الجن : على فكرة .. كنت داومت على الذهاب الى عملك , بعد تشبّهي بشكلك .. وأبشّركِ بأنك أصبحتي رئيسة الموظفين , بعد حصولي على ترقياتٍ متتابعة.. 
إنجي بدهشة : أحقاً ! 
فقال رجلٌ منهم : نعم فإبنتي ذكية , واستطاعت إبهار مديرك بتقاريرها القوية.. 
إنجي : ظننت بأنني طردّت من عملي بسبب غيابي المطوّل .. 
الجنية الصبية : لا طبعاً , لم أردّ ان تتأذي بسببنا .. كما اتصلت بأهلك أكثر من مرة مُقلّدةً صوتك , كيّ لا يشعرا بغيابك ويقلقا عليك  
إنجي : أشكرك يا عزيزتي على كل شيء 
الصبية الجنية : أحببت ردّ الجميل لقبولك عيشنا في بيتك 
كبيرهم بقلق : لا وقت الآن للأحاديث المطوّلة .. فأنا خائف ان يلحقنا الجنود , في حال لاحظوا هروبك من السجن .. فهيا يا إنجي صار وقت رحيلك 

فقال الولد بعيونٍ دامعة : وداعاً يا امي الإنسيّة 
إنجي بحزن : وداعاً يا صغيري , انتبه على دروسك وعلى أهلك ..سلام 
وما ان دخلت شقتها , حتى انغلق الباب خلفها مباشرةً !

وبعد ان هدأ روعها , أسرعت إنجي ناحية الخزانة .. ووضعت كتاب السحر بكيس زبالة , ورمته خارج شقتها وهي تقول : 
- كان يوماً أسوداً حين قرأتك , لا سحر وخرابيط بعد الآن 
***

وفي اليوم التالي .. وجد شابٌ فقير كتاب السحر بحاوية الزبالة .. وحين تصفّحه , إنفتح لوحده على الصفحة ذاتها !
فقرأ العنوان : 
- تعويذة الثراء .. جيد , سأقراها هذا المساء

وابتسم وهو يتأمّل مستقبله الزاهر ! 

هناك 5 تعليقات:

  1. هناك قصتين رومنسيتين : إحداها بزمن الحرب والثانية نفسيّة , سأحاول كتابتهما قريباً بإذن الله .. تحياتي للجميع

    ردحذف
    الردود
    1. قصة رائعة جدا
      واخيرا قصة للجن ولاتظهرهم كوحوش مفترسين
      شكرا لجهودك

      حذف
  2. من روائع الكاتبه امل المتألقة
    دوما ابدعتي بسرد القصه
    نهايه غير متوقعه الا حداث
    التعليق تحت اسم محمد
    نتظر جديدك دوما
    بس ماذكرتي كيف تعاملت الجنيه مع ذالك الشاب
    وخالتها الشريره

    ردحذف
  3. شكرتش استاذتنأ المبدعة أمل
    في انتظار قصصك الرائعة بشوق كبير

    ردحذف
  4. شكرا لك واخيرا قصه تطهر الجن علي حقيقتهم البيضاء

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...