تأليف : امل شانوحة
في القرن العاشر قبل الميلاد .. كان علم الشعوذة في ذرّوته , وكان للسحرة شأنٌ كبير في إدارة شؤون البلاد , حيث اعتاد الملوك على استشارة مشعوذيهم في امور الحرب وأحكام القضاء .. كما كان للسحرة إحتراماً ورهبة لدى العامة , بعد تمكّن أعوانهم الشياطين من الحصول على معلوماتٍ صحيحة من خلال تنّصتهم على كلام ملائكة السماء .. وبرغم صعوبة مهمّتهم , الا انها لم تكن مستحيلة في ذلك الزمان .. وكان تحقّق جزء من النبوءات كافياً لإرضاء فضول البشر في معرفة مستقبلهم , كما انها تساعد في الأعمال السحريّة وإيذاء الآخرين !
***
وفي إحدى ايام ذلك العصر القديم .. نزلت حوريّة من الجنة مُخترقةً الفضاء .. الى ان وصلت للغيوم التي جلست فوقها , وهي تنظر الى دنيا البشر وتتساءل :
- ماذا لوّ نزلت اليهم ؟ حتماً سأكون أجمل نساء الأرض , وسيتنافس الجميع على إرضائي ..
وبينما هي غارقة بأفكارها , لمحت شيئاً اسوداً يخرج من الأرض ويحلّق مُسرعاً , مُخترقاً السحب باتجاه الفضاء .. فلحقته دون ان يشعر بها .. وحين تجاوزا السموات السبع , وجدته يقف عند باب الجنة وهو يحاول التنصّت على الملائكة , مُسترقاً النظر من فتحة القفل ..
فصرخت بعلوّ صوتها :
- يا حرّاس الجنة !! هناك شيطان يتلصّص علينا
الشيطان بخوف : رجاءً اسكتي .. لا اريدهم ان يقتلونني !
وكان شيطاناً يافعاً وذكيّاً , حيث إستطاع بسرعة (وفور سماعه لصوتها من خلفه) بتحويل شكله المرعب الى شابٍ وسيم , ممّا أربكها ! فهي لم ترى مثل هيئته من قبل .. فقالت بارتباك :
- إذاً أهرب بسرعة , فليس مسموحاً لكم الإقتراب من هنا
وبهذه اللحظات .. سمعا صهيل الأحصنة من بعيد , فقالت له :
- هيا إهبط بسرعة الى الأرض , ماذا تنتظر ؟ فحارس الجنة قادماً الى هنا على حصانه السريع
الشيطان بقلق : لا استطيع .. فأبي طردني من البيت , ولن يسمح لي بالعودة الا اذا قمت بالمهمّة التي طلبها مني المشعوذ البشريّ.. لذا رجاءً أدخليني الجنة , فأنت تملكين المفتاح
- لا طبعاً , هذا ممنوع !!
وحين سمعت الحارس يصرخ من بعيد :
- من ناداني ؟!!!
لم تجد نفسها الا وقد فتحت البوّابة , ليُسرعا بالتخفّي بين اشجار الجنة وهما ينظرا بقلق نحو الملاك الحارس الذي وصل الى الباب المفتوح .. وحين لم يجد أحداً هناك , قام بإقفاله من جديد ورحل ..
الشيطان بعد ان تنفّس الصعداء : شكراً لك
الحوريّة : إسمعني جيداً , ستخرج من هنا مع حلول المساء ودون ان يراك أحد .. اساساً انت جريء لأنك أتيت الى هنا في الصباح !
- هذا لأني أعرف بأن أعداد حرسكم تزداد في المساء , فهو الوقت الذي يقوم به معظم أعوان السحرة الشياطين بعملية سرقة المعلومات , مُعرّضين أنفسهم للقتل او الحبس في جهنم
الحوريّة : معلوماتك خاطئة ..فجهنم لم تفتح ابوابها بعد , فقط في يوم القيامة
الشيطان بدهشة : أحقاً ! اذا اين يختفي شبابنا ؟!
- يقتلون حتماً .. لكن ما لا أفهمه , لما تصرّون على هذا العمل الخطير ؟
الشيطان بحزن : لأننا مجبرين .. فالجن انواع : منها الضوئي والقمري والمائي والترابي والهوائي والناري...
الحوريّة مقاطعة : وماهو نوعك ؟
- انا جني مُتشيطن ترابي , وتحكمنا الشياطين النارية من ابناء ابليس الملاعيين الذين يأمرونا بإطاعة اوامر السحرة البشريين الذين بدورهم يطالبونا بإحضار ولوّ معلومةً واحدة صادقة من خلال تنّصتنا على الملائكة , ثم يضيفون عليها عشرات الأكاذيب التي يصدّقها الأغبياء من البشر المهوسين بمعرفة مستقبلهم !
الحوريّة : لكن هذا خطأ ..فلوّ فرضنا إنكم أحضرتم لهم بشرة سعيدة , فمعرفتهم لها قبل وقتها يُفسد عليهم فرحة المفاجأة ..وان أخبرتموهم بقدرٍ سيء ينتظرهم , فهذا سيخيفهم حتماً .. ولذلك أخفى الله عنهم المستقبل , لأنهم كائناتٌ هشّة ونفسيتهم تتحطّم بسرعة !
- أعرف هذا , لكنهم يدفعون الكثير من أجل هذه المعلومة الصغيرة التي نحضرها لهم بشقّ الأنفس
الحوريّة بحزم : لهذا ستبقى تحت ناظري , الى ان تخرج من هنا .. فأنا مُحال ان أسمح لك بسرقة أيّةِ معلومة من الملائكة
- أقبل ذلك , بشرط ان تدعيني أتجوّل معك في الجنة
فتفكّر الحوريّة قليلاً , قبل ان تقول :
- حسناً لكن إيّاك ان تبتعد عني , فأنا لا أثقّ بالشياطين ..وعلينا اولاً تغير هيئتك البشريّة ..
وأخذته الى نهرٍ قريب , قائلةً :
- عليك ان تسبح في هذا النهر
الشيطان باستغراب : ولماذا ؟!
- ستخرج منه على هيئة خدم الجنة الصغار , وحينها يمكنك التجوّل هنا دون ان يلاحظك أحد .. هيا قمّ بذلك ولا تجادلني
وفعل ما أمرته به .. وقد صعق حين رأى إنعكاس وجهه على النهر (بعد خروجه منه)..
الشيطان بدهشة : يا الهي ! أبدو كصبيٍ وسيم
الحوريّة : نعم , والآن إلحقني .. سآخذك في جولةٍ سريعة
- إتفقنا
***
وأخذته اولاً الى مطبخٍ ضخم : فيه الآف النساء الجميلات اللآتي تقمنّ بإعداد الطعام ..
وحين إقترب الشيطان (بهيئة الصبي) من الحافظات العملاقة التي فيها كل أصناف الطعام , قال بدهشة :
- يا الهي ! هناك جبالٌ من الأطعمة الفاخرة , لمن كل هذا ؟!
الحوريّة : نحن نتحضّر لاستقبال المؤمنين بعد اجتيازهم ليوم الحساب
الشيطان باهتمام وقلق : وهل يوم القيامة قريب ؟!
- لا أحد يعرف .. كما ان التوقيت هنا يختلف كثيراً عن الأرض ..وأظنهنّ بدأنّ بالتحضيرات قبل سنوات من خلقي .. وقبل ان تسأل , الأطعمة هنا لا تفسد وستبقى طازجة لحين بدء طلباتهم
الشيطان بقهر : كم هم محظوظون !
- بالطبع , فمعظم سكّان الجنة سيكونون من البشر الفقراء .. الم تسمع بأن درجاتهم في الجنة تتفاوت على حسب صبرهم على مصائب الدنيا ؟
- وماذا عن اثرياء البشر ؟
الحوريّة : معظمهم فاسدون ومن اهل جهنم , الاّ من رحم ربي
- فعلاً , فقسمة الحظوظ في الدنيا غير عادلة
- هي كذلك , لكن بالآخرة سيُحاسب الجميع عن أبسط اخطائهم ..وكذلك الشاطين والجن
الشيطان بحزن : أعلم ذلك , وكم يخيفني ذلك اليوم
***
ثم مضيا في طريقهما , الى ان مرّا من امام نافذةٍ ضخمة .. وحين نظر الشيطان من خلالها عمّا يوجد خارج الجنة , قال بدهشة :
- ما أجمل منظر المجرّة !
الحوريّة : نعم ويمكنك رؤية الكواكب وهي تسير في مدارها بانتظام , ومع ذلك أحب ان انزل الى سماء الدنيا لأراقب البشر من فوق الغيوم ..
الشيطان : صدّقني هي ليست جميلة كما تبدو لك , فالقويّ فيها يأكل الضعيف , وقانون الغاب هو السائد بينهم
الحوريّة : أعلم ذلك .. (ثم سكتت قليلاً) .. أتريد رؤية جهنم ؟
- أحقاً ! وهل ترونها من هنا ؟
- تعال معي
***
وفتحت جناحيها , بينما أمسّك بيدها بخوف .. لتطير به باتجاه واديٍ سحيق , وكان يوجد في الأسفل : فتحةً عميقة , وامامها عدسة مكبّرة ضخمة ..
الشيطان : هل هذا بركان ؟
- بركان في الجنة ! .. فقط انظر من خلال العدسة عمّا يوجد في أعماق الحفرة
فاقترب بحذر من الحافّة , ونظر من خلال العدسة للأسفل : ليرى وكأن جهنّم على كوكبٍ آخر بعيد ! ثم رأى زبانيتها وهم يحضّرون أدوات التعذيب المختلفة من مقالع ومساميرٍ حادة وخوازيق وحبالٍ غليظة وغيرها , إستعداداً لاستقبال أهل جهنم .. بينما الآخرون يرمون بالجمر والحطب في مواقدها لزيادة لهيبها .. كما هناك من يزرع الزقّوم في ارجاء متفرّقة من اراضي جهنم اليابسة .. وكان رئيسهم مالك (خازن النار) يُشرف على سير العمل , وهو يستعجلهم لإتمام كل شيء قبل الموعد المحدّد الذي لا يعلمه أحدٌ سوى الله ..
فبلع الشيطان ريقه بخوفٍ شديد , ثم سألها :
- وكأني أرى عدّة طبقاتٍ لها ؟!
فأجابته الحوريّة : نعم وهي سبعة : جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية...والطبقة السفلى تكون مباشرةً فوق الموقد الناريّ الضخم كما ترى : وهي لإبليس وابنائه وللمنافقين البشر , وكذلك الملحدين كفرعون وغيره .. اما الطابق السابع والأخير : فسيعاقب به المؤمنين العصاة الذي يتفاوت مدة عقابهم على حسب ذنوبهم , الى ان يغفر الله لهم ويدخلون الجنة
الشيطان بدهشة : جميعهم ؟!
- نعم , فالطابق الأخير سيُغلق بعد فترة , بعكس الطوابق الباقية ..
فيتنهّد الشيطان بحزن : آخر شخص سيخرج من هناك سيكون أكثر حظاً منا , نحن الشياطين !
- صحيح فهو سيحظى فور دخوله الجنة بنعيم يساوي عشرة أمثال الدنيا
- ما أعدلك يا ربي ! أتدرين .. لا يحقّ لرئيسنا ابليس ان يرغمنا على اتباعه ويحرمنا من دخول الجنة
الحوريّة : خاصة انه عاش هنا لفترةٍ طويلة
الشيطان بغيظ : لكن غروره أفسد كل شيء !!
- عليكم وعلى البشر المساكين
- صحيح
الحوريّة باهتمام : هل هذا يعني انك تفكّر بالتوبة ؟
فأجابها بحزن : صدّقيني الأمر ليس بهذه السهولة .. لأني في حال فشلت في مهمّتي الحالية , سيُخبر المشعوذ البشريّ الشياطين الناريّة بالأمر ويقتلونني , وربما يحرقون عائلتي ايضاً !
- هذا يعني انك مصرّ على سرقة المعلومات من هنا ؟
فكذب عليها قائلاً : لا ابداً !! بل العكس , سأخبر عائلتي واصدقائي بجمال الجنة , لربما تابوا على يديّ
الحوريّة بسعادة : إن كانت هذه نيتك , فسأريك شيئاً آخر ..إمسك بيدي
***
وطارت به نحو قصرٍ موجود في أعلى الجبال .. ودخلا الى غرفةٍ كبيرة لايوجد فيها سوى كرسي مريح ..
الشيطان باهتمام : ما هذه الغرفة ؟
فأجابته : ان جلست على هذا الكرسي يمكنك الإنتقال الى أيّ زمانٍ تريده , فلربما اهل الجنة (حين يحضرون) يتمنّون تجربة الماضي
- تقصدين من وقت آدم ؟
الحوريّة : ومن وقت سوميا إن أردّت
فقال بحماس ودهشة : أحقاً ! من وقت أبو الجن .. إذاً اريد تجربتها
- حسناً إجلس على الكرسي , واختار الحقبة الزمنية التي تريدها
وما ان أغمض عيناه , حتى رأى ابليس وهو يُطرد من الجنة مذلولاً والحقد يملأ صدره .. ثم رآه وهو يتفق مع الثعبان للعودة الى الجنة لإغواء زوجة آدم .. ثم شاهد الأحداث تتسارع , وكيف كبرت مملكة ابليس على الأرض , وكيف تحكّم ابناءه ببقيّة انواع الجن بعد آلاف المعارك الدمويّة بين الطرفين ..ثم شاهد تاريخ البشر بشكلٍ متسارع , وصولاً الى زمنه الحالي
ثم فتح عيناه وهو منبهر ممّا شاهده :
- كنّا اقوياء جداً في زمن الفراعنة , ثم أتى النبي سليمان واستعبدنا لفترةٍ طويلة .. لكنّا الآن عدنا للذرّوة بعد تأسيس البشر للماسونية , فهم يحتاجوننا دائماً في تسير امورهم التدميرية
الحوريّة باشمئزاز : لا اريد مناقشتك بهذه الأمور المريبة .. دعنا نذهب لمكانٍ آخر قبل حلول المساء
***
واثناء سيرهما بين الحقول , رأى العمّال يجتهدون في بناء القصور
فقالت الحوريّة : كل هذا تحضيراً لقدوم المؤمنين
- لكنها قصور مختلفة !
- طبعاً , فالفخامة تختلف على حسب حسنات ومكانة كل شخص ..
الشيطان : لكني أرى أعداد القصور قليلة بالنسبة لمن نوسّوس لهم ؟! .. (ثم قال بارتياح) .. يبدو اننا سننجح في إغواء البشر
فتتنهّد بضيق : احياناً أنسى انك شيطان .. (وتسكت)
فابتسم قائلاً : إكمليها .. شيطانٌ لعين , اليس كذلك ؟
فتجاهلت كلامه قائلة : هيا بنا , فهناك شيءٌ اريد أن اريك إيّاه
***
ووصلا الى بابٍ كبير موجود في إحدى زوايا الجنة ..
الشيطان : ما هذا الباب ؟
الحوريّة : ليس باباً بل مصعداً ينزل فيه اصحاب الطبقات العليا لزيارة أقاربهم واصدقائهم المتواجدين في الطبقة أقل منهم .. ونحن الآن في الطبقة الأخيرة .. وفي الجنَّةِ مائةَ درجةٍ , ما بينَ كلِّ درجَتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ .. والفِردوسُ أعلاها درجةً ، ومنها تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعَةِ .. ومِن فوقِها يكونُ عرش الرحمن...
الشيطان مقاطعاً بحماس : اذاً لنصعد الى الفردوس ونراها !!
- لم تدعني أكمل كلامي .. الأقل مرتبة لا يمكنه الصعود الى فوق
- آه ! لكيّ لا يحسدوا اصحاب الطبقة الأعلى منهم , اليس كذلك ؟
الحوريّة : في الجنة لا يوجد غيرة او حسد .. لكن مراعاةً لشعورهم , ينزلون من فوق لزيارتهم وليس العكس .. أفهمت الآن؟
- فهمت , ومع هذا لا أصدّق ان كل هذا النعيم الذي رأيناه هو للمؤمنين من الطبقة الأولى ! إذاً كيف يعيش من قصره في أعلى مرتبة من الجنة ؟
الحوريّة : الفردوس للصالحين والشهداء , وسيكونوا جيران الأنبياء.. كما يمكنهم رؤية الله
الشيطان : هم محظوظون .. وماذا عن البيت المعمور ؟ سمعت انكم تطوفون حوله
الحوريّة : نعم , لكن لم يحنّ دوري بعد .. حيث يزوره سبعون الف ملك , لا يعودون له ابداً.. فهي مرة واحدة في حياتنا , وكم أتشوّق لرؤيته
الشيطان بدهشة وخوف : يا الهي ! وهل أعدادكم هائلة لهذه الدرجة ؟!
- نعم , وانتم ايضاً
- أشفق على البشر , فنحن نفوقهم في العدد والقوة والدهاء
الحوريّة معاتبة : لا تقللّ من شأنهم , فبسببهم ستحرقون بجهنم .. اما نحن فخلقنا لخدمتهم بعد دخولهم الجنة
- آه صحيح , ذكّرتني بالحوريات .. ماذا عنهنّ ؟
- كنت أتوقع سؤالك , تعال معي
***
وأخذته الى صالةٍ كبيرة : تتعلّم فيه الحوريات كيفية الطيران بخفّة , والكلام والإبتسام بلطف , وحسن المعاملة والتصرّف
الحوريّة : هؤلاء حوريات يافعات , لم يتخرّجن بعد من التدريبات .. اما انا , فتخرّجت قبل سنوات ..ولاحقاً سيقسّمونا في جداول , كل مجموعة تكون ملكاً لأحد المؤمنين
- وماذا عن زوجاتهم الحقيقين في الدنيا ؟
- ستكون زوجته أجمل منا جميعاً
الشيطان : أمتأكدة من هذه المعلومة ! فقد رأيت بعضهنّ , وأشكالهنّ أشبه بزوجاتنا نحن
فابتسمت قائلة : حين يدخلنّ الجنة يتحسّن مظهرهنّ وأخلاقهنّ ايضاً
الشيطان : جميلٌ جداً .. (ثم تنهّد بضيق) .. أتدرين .. لوّ رأى الناس ما رأيته هنا , لتقاعدت الشياطين عن أعمالها , ولقضى ابليس وقته في صيد السمك
الحوريّة : معك حق , مع ان جميع الأنبياء بشّروهم بالجنة وأنذروهم من جهنّم , لكن الكثير ينسون ذلك .. الا من رحم ربي طبعاً !
- بالحديث عن الأنبياء , هل يوجد نبي بعد سليمان ؟ فقد مات قبل سنواتٍ طويلة
- انا لا أعرف بهذه الأمور .. لكن ربما نجد الإجابة في مكتبة الملائكة
فتنفّس الشيطان الصعداء وهو يخفي فرحه , لأن الأمور الغيبيّة هي ما جلبته الى هنا ..
***
في المكتبة الضخمة , وجدا كتاباً بعنوان : انبياء البشر .. ففتحته على الفهرس , وقالت له :
- ارأيت !! سيأتي بعد النبي سليمان النبي زكريا ثم يحي , ثم عيسى للنصارى .. ومن بعدهم الرسول محمد وهو خاتم الأنبياء , كما هو مكتوبٌ هنا
فتنهّد الشيطان بارتياح , وقد ارتسمت إبتسامةٍ عريضة على وجهه
الحوريّة بعد ان فتحت على صفحة الرسول محمد , قالت له :
- لا تفرح هكذا فهو سيُرسل لجميع البشر والجن , ودينه سيبقى الى يوم القيامة
الشيطان بغيظ : لا ! هذه مصيبة علينا
- ليس هذا فحسب.. إقرأ هذه الجزئيّة التي تتكلّم عنكم
فقرأ بأن مع قدوم الرسول محمد ستُغلق ابواب السماء في وجه الشياطين والجن , وكل من يحاول التنصّت على أقوال الملائكة سيُرجم بالشهب
الحوريّة : أرأيت !! هذا يعني انه في ذلك الزمان ستختفي الشعوذة تماماً
- لا أظن ذلك , فكما ذُكر في الزّبور : ان السحر باقٍ الى يوم القيامة
الحوريّة : لكن السحرة بحاجة لتنبوءاتٍ صحيحة , فكيف ستقومون بالتنّصت علينا بوجود الشهب الحارقة في المستقبل ؟
الشيطان بقلق : يبدو ان وظيفتنا ستتحوّل من صعبة الى عملٍ إنتحاريّ !
الحوريّة : ولما كل هذه المجازفة ؟!
فأجبها بعصبية : لأننا مجبرين !! فحياتنا ليست سهلة مثلكم ..فنحن محاصرون بين الملائكة وابناء ابليس الملاعيين الذين يراقبوننا وكأننا عبيداً عندهم !!
وهنا سمعا مسؤول المكتبة يقول لهما :
- سنُغلق المكتبة بعد قليل , فقد حلّ المساء
فقالت الحوريّة للشيطان : هيا دعني آخذك الى البوّابة , فأنت وعدّتني بالعودة مساءً الى الأرض ..
- حسناً كما تشائين
وفي هذه اللحظات كان يفكّر في نفسه بقلق :
((لم أتمّ مهمّتي بعد ! فماذا أفعل ؟))
وقبل خروجه من المكتبة , لمح موسوعة عن أسرار البشريّة .. وبخفّةِ يد سرق كتاباً منها وأخفاه في ملابسه , دون ان تلاحظ الحوريّة ذلك
***
وخارج بوّابة الجنة , عاد الشيطان الى شكله قديم..
الحوريّة بفزع : يا الهي ! كم شكلك مخيف
- آسف , لكن لا داعي من التنكّر بعد خروجي من الجنة ..سأذهب الآن , وأشكرك على الجولة الرائعة التي لن انساها ابداً
وقبل ان يذهب , نادته قائلة :
- أتمنى ان تفكّر جديّاً بالهداية !!
- أعدك ان أزور مدينة الجن المؤمنين , فأنا لست غبياً كيّ أحرم نفسي من نعيم الجنة
الحوريّة : إذاً السلام على من اتبع الهدى ..
وودّعته وهي لا تعلم بأنه سرق الكتاب الذي يتكلّم عن : تأثيرات الفلك على البشر ..
***
وهبط سريعاً نحو الأرض وهو سعيداً بما أخذه.. لكن قبل وصوله للأرض اعترضه ابن ابليس.. وظلّ يحقّق معه الى ان عرف بشأن الكتاب , فأخذه الى قصر والده .. وأدخله مكتب ابليس ..
وهناك تكلّم الشيطان بحماسٍ وفخر عن سرقته للكتاب بخفّة من مكتبة الملائكة .. وحين بدأ في وصف جهنّم , لاحظ ابليس خوف ابنه ! فطلب منه تركه لوحده مع الشيطان اليافع .. فخرج متضايقاً لأنه كان يرغب بسماع وصف الجنة التي لم يخبرهم ابليس عنها يوماً !
وبعد ان أنهى الشيطان وصفه لكل ما رآه بالجنة , قال له ابليس :
- أظنك تنتظر مني ان اكافئك على شجاعتك ؟
فأجاب الشيطان بغرور : طبعاً , فأنا الشيطان الوحيد الذي تجوّل بالجنة
وإذّ به يتفاجأ بإبليس يسلّط عليه عصاه ليحرقه !
ودخل ابن ابليس مُسرعاً الى المكتب بعد سماع صرخات الشيطان المتألّمة , ليتفاجأ بجثته متفحّمة !
فسأل والده بدهشة :
- ظننتك ستكرّمه وتُعلي شأنه بيننا !
- قتلته لأنه رأى أكثر من اللازم
- لكن ابي ..
ابليس مقاطعاً بغضب : أتعترض على حكمي يا ولد !!
فسكت ابنه خوفاً من ان يلاقي ذات المصير ..
ثم أردف ابليس قائلاً وهو يتصفّح كتاب الملائكة :
- خذّ جثته وسلّمها لأهله .. واخبرهم بأنه لم ينجز مهمة التنصّت , لذلك أعدمناه
الأبن : لكنك لم تجيبني على سؤالي بعد .. لما قتلته ؟
فأغلق الكتاب بعنف وتوجه نحوه بغضب , مما أربك الإبن :
ابليس بعصبية : إفهم يا غبي !! إن تفوّه هذا الأحمق بالنعيم الذي رآه فوق فسيؤمن بعض الشياطين , وربما عدد كبير من الجن .. أتريد ان تتدمّر إمبراطوريتي بعد ان أوهمت الجميع ولقرونٍ طويلة بأن الحياة في الدنيا أكثر حماسةً وجمالاً من الجنة ؟
ابنه باهتمام : وهل الجنة جميلة لهذه الدرجة يا ابي ؟!
فصفعه بقوة أوقعته أرضاً , قائلاً بغضبٍ شديد :
- ولما تظنني غاضباً لهذه الدرجة من ذريّة آدم ؟!!!!!
ابنه وهو يرتجف بخوف : آسف ابي , لم أقصد إزعاجك
فعاد ابليس الى عرشه وهو يشتعل غضباً :
- آدم حرمني من أجمل شيء في حياتي , وقد قلت لربي يومها : بأنني سأغوي ذرّيته .. وسأفعل ذلك , الى ان يأمر الله بقبض روحي الأبدية اللعينة !!!
فأراد ابنه تغير الموضوع , فسأله : وماذا عن الكتاب ؟
فتنفّس ابليس قليلاً ليهدّأ من اعصابه , ثم عاد لتصفّحه من جديد :
- اريد دراسته اولاً .. فقد كنت أعلم مُسبقاً بأن للقمر تأثيراً على الإنسان , وبأن للخسوف والكسوف تأثيراً على الطبيعة .. لأنني حين كنت في الجنة , سمعت الملائكة تردّد قولاً لله يقول فيه : ((فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)).. لهذا سأحتفظ بالكتاب , الى ان أجد انساناً خبيثاً يستطيع تحويله الى علمٍ يؤذي البشريّة .. والآن خذّ جثة الأحمق , واغرب عن وجهي
- حاضر ابي
***
بعد قرون .. وتحديداً في القرن الثاني قبل الميلاد , أعطى ابن ابليس (بناءً على طلب والده) ذلك الكتاب الى بطليموس السكندري ليقوم بتحويله الى كتاب بعنوان ((تيترابيبلوس – Tetrabiblos)) .. ومن بعده انتشر التنجيم في الشرق الأوسط وفي أوروبا .. وبقيّ هذا العلم الفلكي لبطليموس , حتى القرن السابع عشر حيث تغيرت ثقافته قليلاً خلال القرون اللاحقة .. وبسببه تعلّق الكثير من البشر بالأبراج الغربية والصينية لتحديد مصائرهم , بناءً على حركة الكواكب .. مما أثّر سلباً على أعمالهم وروابطهم الإنسانية كما علاقاتهم الزوجيّة , خاصة إنه يعدّ شركاً أصغر بالله لعدم الإيمان بالقدر ..
ممّا أسعد إبليس كثيراً , الذي قال في نفسه :
((كان عليّ تكريم ذلك الشيطان المغامر , لكني قتلته لأنه أغاظني حين ذكّرني بما خسرته .. وبسبب حرماني من ذلك النعيم الذي لا يعوّض , لن أتقاعس يوماً على أذيّة ذرّية آدم الى يوم الدين .. تماماً كما وعدّتك يا ربي , والتي ذكرتها في كتابك الكريم : ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ))
ثم همس قائلاً : صدق الله العظيم
ومسح دمعته بقهر ..
ماهي اسرار البشريّة ؟
في القرن العاشر قبل الميلاد .. كان علم الشعوذة في ذرّوته , وكان للسحرة شأنٌ كبير في إدارة شؤون البلاد , حيث اعتاد الملوك على استشارة مشعوذيهم في امور الحرب وأحكام القضاء .. كما كان للسحرة إحتراماً ورهبة لدى العامة , بعد تمكّن أعوانهم الشياطين من الحصول على معلوماتٍ صحيحة من خلال تنّصتهم على كلام ملائكة السماء .. وبرغم صعوبة مهمّتهم , الا انها لم تكن مستحيلة في ذلك الزمان .. وكان تحقّق جزء من النبوءات كافياً لإرضاء فضول البشر في معرفة مستقبلهم , كما انها تساعد في الأعمال السحريّة وإيذاء الآخرين !
***
وفي إحدى ايام ذلك العصر القديم .. نزلت حوريّة من الجنة مُخترقةً الفضاء .. الى ان وصلت للغيوم التي جلست فوقها , وهي تنظر الى دنيا البشر وتتساءل :
- ماذا لوّ نزلت اليهم ؟ حتماً سأكون أجمل نساء الأرض , وسيتنافس الجميع على إرضائي ..
وبينما هي غارقة بأفكارها , لمحت شيئاً اسوداً يخرج من الأرض ويحلّق مُسرعاً , مُخترقاً السحب باتجاه الفضاء .. فلحقته دون ان يشعر بها .. وحين تجاوزا السموات السبع , وجدته يقف عند باب الجنة وهو يحاول التنصّت على الملائكة , مُسترقاً النظر من فتحة القفل ..
فصرخت بعلوّ صوتها :
- يا حرّاس الجنة !! هناك شيطان يتلصّص علينا
الشيطان بخوف : رجاءً اسكتي .. لا اريدهم ان يقتلونني !
وكان شيطاناً يافعاً وذكيّاً , حيث إستطاع بسرعة (وفور سماعه لصوتها من خلفه) بتحويل شكله المرعب الى شابٍ وسيم , ممّا أربكها ! فهي لم ترى مثل هيئته من قبل .. فقالت بارتباك :
- إذاً أهرب بسرعة , فليس مسموحاً لكم الإقتراب من هنا
وبهذه اللحظات .. سمعا صهيل الأحصنة من بعيد , فقالت له :
- هيا إهبط بسرعة الى الأرض , ماذا تنتظر ؟ فحارس الجنة قادماً الى هنا على حصانه السريع
الشيطان بقلق : لا استطيع .. فأبي طردني من البيت , ولن يسمح لي بالعودة الا اذا قمت بالمهمّة التي طلبها مني المشعوذ البشريّ.. لذا رجاءً أدخليني الجنة , فأنت تملكين المفتاح
- لا طبعاً , هذا ممنوع !!
وحين سمعت الحارس يصرخ من بعيد :
- من ناداني ؟!!!
لم تجد نفسها الا وقد فتحت البوّابة , ليُسرعا بالتخفّي بين اشجار الجنة وهما ينظرا بقلق نحو الملاك الحارس الذي وصل الى الباب المفتوح .. وحين لم يجد أحداً هناك , قام بإقفاله من جديد ورحل ..
الشيطان بعد ان تنفّس الصعداء : شكراً لك
الحوريّة : إسمعني جيداً , ستخرج من هنا مع حلول المساء ودون ان يراك أحد .. اساساً انت جريء لأنك أتيت الى هنا في الصباح !
- هذا لأني أعرف بأن أعداد حرسكم تزداد في المساء , فهو الوقت الذي يقوم به معظم أعوان السحرة الشياطين بعملية سرقة المعلومات , مُعرّضين أنفسهم للقتل او الحبس في جهنم
الحوريّة : معلوماتك خاطئة ..فجهنم لم تفتح ابوابها بعد , فقط في يوم القيامة
الشيطان بدهشة : أحقاً ! اذا اين يختفي شبابنا ؟!
- يقتلون حتماً .. لكن ما لا أفهمه , لما تصرّون على هذا العمل الخطير ؟
الشيطان بحزن : لأننا مجبرين .. فالجن انواع : منها الضوئي والقمري والمائي والترابي والهوائي والناري...
الحوريّة مقاطعة : وماهو نوعك ؟
- انا جني مُتشيطن ترابي , وتحكمنا الشياطين النارية من ابناء ابليس الملاعيين الذين يأمرونا بإطاعة اوامر السحرة البشريين الذين بدورهم يطالبونا بإحضار ولوّ معلومةً واحدة صادقة من خلال تنّصتنا على الملائكة , ثم يضيفون عليها عشرات الأكاذيب التي يصدّقها الأغبياء من البشر المهوسين بمعرفة مستقبلهم !
الحوريّة : لكن هذا خطأ ..فلوّ فرضنا إنكم أحضرتم لهم بشرة سعيدة , فمعرفتهم لها قبل وقتها يُفسد عليهم فرحة المفاجأة ..وان أخبرتموهم بقدرٍ سيء ينتظرهم , فهذا سيخيفهم حتماً .. ولذلك أخفى الله عنهم المستقبل , لأنهم كائناتٌ هشّة ونفسيتهم تتحطّم بسرعة !
- أعرف هذا , لكنهم يدفعون الكثير من أجل هذه المعلومة الصغيرة التي نحضرها لهم بشقّ الأنفس
الحوريّة بحزم : لهذا ستبقى تحت ناظري , الى ان تخرج من هنا .. فأنا مُحال ان أسمح لك بسرقة أيّةِ معلومة من الملائكة
- أقبل ذلك , بشرط ان تدعيني أتجوّل معك في الجنة
فتفكّر الحوريّة قليلاً , قبل ان تقول :
- حسناً لكن إيّاك ان تبتعد عني , فأنا لا أثقّ بالشياطين ..وعلينا اولاً تغير هيئتك البشريّة ..
وأخذته الى نهرٍ قريب , قائلةً :
- عليك ان تسبح في هذا النهر
الشيطان باستغراب : ولماذا ؟!
- ستخرج منه على هيئة خدم الجنة الصغار , وحينها يمكنك التجوّل هنا دون ان يلاحظك أحد .. هيا قمّ بذلك ولا تجادلني
وفعل ما أمرته به .. وقد صعق حين رأى إنعكاس وجهه على النهر (بعد خروجه منه)..
الشيطان بدهشة : يا الهي ! أبدو كصبيٍ وسيم
الحوريّة : نعم , والآن إلحقني .. سآخذك في جولةٍ سريعة
- إتفقنا
***
وأخذته اولاً الى مطبخٍ ضخم : فيه الآف النساء الجميلات اللآتي تقمنّ بإعداد الطعام ..
وحين إقترب الشيطان (بهيئة الصبي) من الحافظات العملاقة التي فيها كل أصناف الطعام , قال بدهشة :
- يا الهي ! هناك جبالٌ من الأطعمة الفاخرة , لمن كل هذا ؟!
الحوريّة : نحن نتحضّر لاستقبال المؤمنين بعد اجتيازهم ليوم الحساب
الشيطان باهتمام وقلق : وهل يوم القيامة قريب ؟!
- لا أحد يعرف .. كما ان التوقيت هنا يختلف كثيراً عن الأرض ..وأظنهنّ بدأنّ بالتحضيرات قبل سنوات من خلقي .. وقبل ان تسأل , الأطعمة هنا لا تفسد وستبقى طازجة لحين بدء طلباتهم
الشيطان بقهر : كم هم محظوظون !
- بالطبع , فمعظم سكّان الجنة سيكونون من البشر الفقراء .. الم تسمع بأن درجاتهم في الجنة تتفاوت على حسب صبرهم على مصائب الدنيا ؟
- وماذا عن اثرياء البشر ؟
الحوريّة : معظمهم فاسدون ومن اهل جهنم , الاّ من رحم ربي
- فعلاً , فقسمة الحظوظ في الدنيا غير عادلة
- هي كذلك , لكن بالآخرة سيُحاسب الجميع عن أبسط اخطائهم ..وكذلك الشاطين والجن
الشيطان بحزن : أعلم ذلك , وكم يخيفني ذلك اليوم
***
ثم مضيا في طريقهما , الى ان مرّا من امام نافذةٍ ضخمة .. وحين نظر الشيطان من خلالها عمّا يوجد خارج الجنة , قال بدهشة :
- ما أجمل منظر المجرّة !
الحوريّة : نعم ويمكنك رؤية الكواكب وهي تسير في مدارها بانتظام , ومع ذلك أحب ان انزل الى سماء الدنيا لأراقب البشر من فوق الغيوم ..
الشيطان : صدّقني هي ليست جميلة كما تبدو لك , فالقويّ فيها يأكل الضعيف , وقانون الغاب هو السائد بينهم
الحوريّة : أعلم ذلك .. (ثم سكتت قليلاً) .. أتريد رؤية جهنم ؟
- أحقاً ! وهل ترونها من هنا ؟
- تعال معي
***
وفتحت جناحيها , بينما أمسّك بيدها بخوف .. لتطير به باتجاه واديٍ سحيق , وكان يوجد في الأسفل : فتحةً عميقة , وامامها عدسة مكبّرة ضخمة ..
الشيطان : هل هذا بركان ؟
- بركان في الجنة ! .. فقط انظر من خلال العدسة عمّا يوجد في أعماق الحفرة
فاقترب بحذر من الحافّة , ونظر من خلال العدسة للأسفل : ليرى وكأن جهنّم على كوكبٍ آخر بعيد ! ثم رأى زبانيتها وهم يحضّرون أدوات التعذيب المختلفة من مقالع ومساميرٍ حادة وخوازيق وحبالٍ غليظة وغيرها , إستعداداً لاستقبال أهل جهنم .. بينما الآخرون يرمون بالجمر والحطب في مواقدها لزيادة لهيبها .. كما هناك من يزرع الزقّوم في ارجاء متفرّقة من اراضي جهنم اليابسة .. وكان رئيسهم مالك (خازن النار) يُشرف على سير العمل , وهو يستعجلهم لإتمام كل شيء قبل الموعد المحدّد الذي لا يعلمه أحدٌ سوى الله ..
فبلع الشيطان ريقه بخوفٍ شديد , ثم سألها :
- وكأني أرى عدّة طبقاتٍ لها ؟!
فأجابته الحوريّة : نعم وهي سبعة : جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية...والطبقة السفلى تكون مباشرةً فوق الموقد الناريّ الضخم كما ترى : وهي لإبليس وابنائه وللمنافقين البشر , وكذلك الملحدين كفرعون وغيره .. اما الطابق السابع والأخير : فسيعاقب به المؤمنين العصاة الذي يتفاوت مدة عقابهم على حسب ذنوبهم , الى ان يغفر الله لهم ويدخلون الجنة
الشيطان بدهشة : جميعهم ؟!
- نعم , فالطابق الأخير سيُغلق بعد فترة , بعكس الطوابق الباقية ..
فيتنهّد الشيطان بحزن : آخر شخص سيخرج من هناك سيكون أكثر حظاً منا , نحن الشياطين !
- صحيح فهو سيحظى فور دخوله الجنة بنعيم يساوي عشرة أمثال الدنيا
- ما أعدلك يا ربي ! أتدرين .. لا يحقّ لرئيسنا ابليس ان يرغمنا على اتباعه ويحرمنا من دخول الجنة
الحوريّة : خاصة انه عاش هنا لفترةٍ طويلة
الشيطان بغيظ : لكن غروره أفسد كل شيء !!
- عليكم وعلى البشر المساكين
- صحيح
الحوريّة باهتمام : هل هذا يعني انك تفكّر بالتوبة ؟
فأجابها بحزن : صدّقيني الأمر ليس بهذه السهولة .. لأني في حال فشلت في مهمّتي الحالية , سيُخبر المشعوذ البشريّ الشياطين الناريّة بالأمر ويقتلونني , وربما يحرقون عائلتي ايضاً !
- هذا يعني انك مصرّ على سرقة المعلومات من هنا ؟
فكذب عليها قائلاً : لا ابداً !! بل العكس , سأخبر عائلتي واصدقائي بجمال الجنة , لربما تابوا على يديّ
الحوريّة بسعادة : إن كانت هذه نيتك , فسأريك شيئاً آخر ..إمسك بيدي
***
وطارت به نحو قصرٍ موجود في أعلى الجبال .. ودخلا الى غرفةٍ كبيرة لايوجد فيها سوى كرسي مريح ..
الشيطان باهتمام : ما هذه الغرفة ؟
فأجابته : ان جلست على هذا الكرسي يمكنك الإنتقال الى أيّ زمانٍ تريده , فلربما اهل الجنة (حين يحضرون) يتمنّون تجربة الماضي
- تقصدين من وقت آدم ؟
الحوريّة : ومن وقت سوميا إن أردّت
فقال بحماس ودهشة : أحقاً ! من وقت أبو الجن .. إذاً اريد تجربتها
- حسناً إجلس على الكرسي , واختار الحقبة الزمنية التي تريدها
وما ان أغمض عيناه , حتى رأى ابليس وهو يُطرد من الجنة مذلولاً والحقد يملأ صدره .. ثم رآه وهو يتفق مع الثعبان للعودة الى الجنة لإغواء زوجة آدم .. ثم شاهد الأحداث تتسارع , وكيف كبرت مملكة ابليس على الأرض , وكيف تحكّم ابناءه ببقيّة انواع الجن بعد آلاف المعارك الدمويّة بين الطرفين ..ثم شاهد تاريخ البشر بشكلٍ متسارع , وصولاً الى زمنه الحالي
ثم فتح عيناه وهو منبهر ممّا شاهده :
- كنّا اقوياء جداً في زمن الفراعنة , ثم أتى النبي سليمان واستعبدنا لفترةٍ طويلة .. لكنّا الآن عدنا للذرّوة بعد تأسيس البشر للماسونية , فهم يحتاجوننا دائماً في تسير امورهم التدميرية
الحوريّة باشمئزاز : لا اريد مناقشتك بهذه الأمور المريبة .. دعنا نذهب لمكانٍ آخر قبل حلول المساء
***
واثناء سيرهما بين الحقول , رأى العمّال يجتهدون في بناء القصور
فقالت الحوريّة : كل هذا تحضيراً لقدوم المؤمنين
- لكنها قصور مختلفة !
- طبعاً , فالفخامة تختلف على حسب حسنات ومكانة كل شخص ..
الشيطان : لكني أرى أعداد القصور قليلة بالنسبة لمن نوسّوس لهم ؟! .. (ثم قال بارتياح) .. يبدو اننا سننجح في إغواء البشر
فتتنهّد بضيق : احياناً أنسى انك شيطان .. (وتسكت)
فابتسم قائلاً : إكمليها .. شيطانٌ لعين , اليس كذلك ؟
فتجاهلت كلامه قائلة : هيا بنا , فهناك شيءٌ اريد أن اريك إيّاه
***
ووصلا الى بابٍ كبير موجود في إحدى زوايا الجنة ..
الشيطان : ما هذا الباب ؟
الحوريّة : ليس باباً بل مصعداً ينزل فيه اصحاب الطبقات العليا لزيارة أقاربهم واصدقائهم المتواجدين في الطبقة أقل منهم .. ونحن الآن في الطبقة الأخيرة .. وفي الجنَّةِ مائةَ درجةٍ , ما بينَ كلِّ درجَتينِ كما بينَ السَّماءِ والأرضِ .. والفِردوسُ أعلاها درجةً ، ومنها تُفجَّرُ أنهارُ الجنَّةِ الأربعَةِ .. ومِن فوقِها يكونُ عرش الرحمن...
الشيطان مقاطعاً بحماس : اذاً لنصعد الى الفردوس ونراها !!
- لم تدعني أكمل كلامي .. الأقل مرتبة لا يمكنه الصعود الى فوق
- آه ! لكيّ لا يحسدوا اصحاب الطبقة الأعلى منهم , اليس كذلك ؟
الحوريّة : في الجنة لا يوجد غيرة او حسد .. لكن مراعاةً لشعورهم , ينزلون من فوق لزيارتهم وليس العكس .. أفهمت الآن؟
- فهمت , ومع هذا لا أصدّق ان كل هذا النعيم الذي رأيناه هو للمؤمنين من الطبقة الأولى ! إذاً كيف يعيش من قصره في أعلى مرتبة من الجنة ؟
الحوريّة : الفردوس للصالحين والشهداء , وسيكونوا جيران الأنبياء.. كما يمكنهم رؤية الله
الشيطان : هم محظوظون .. وماذا عن البيت المعمور ؟ سمعت انكم تطوفون حوله
الحوريّة : نعم , لكن لم يحنّ دوري بعد .. حيث يزوره سبعون الف ملك , لا يعودون له ابداً.. فهي مرة واحدة في حياتنا , وكم أتشوّق لرؤيته
الشيطان بدهشة وخوف : يا الهي ! وهل أعدادكم هائلة لهذه الدرجة ؟!
- نعم , وانتم ايضاً
- أشفق على البشر , فنحن نفوقهم في العدد والقوة والدهاء
الحوريّة معاتبة : لا تقللّ من شأنهم , فبسببهم ستحرقون بجهنم .. اما نحن فخلقنا لخدمتهم بعد دخولهم الجنة
- آه صحيح , ذكّرتني بالحوريات .. ماذا عنهنّ ؟
- كنت أتوقع سؤالك , تعال معي
***
وأخذته الى صالةٍ كبيرة : تتعلّم فيه الحوريات كيفية الطيران بخفّة , والكلام والإبتسام بلطف , وحسن المعاملة والتصرّف
الحوريّة : هؤلاء حوريات يافعات , لم يتخرّجن بعد من التدريبات .. اما انا , فتخرّجت قبل سنوات ..ولاحقاً سيقسّمونا في جداول , كل مجموعة تكون ملكاً لأحد المؤمنين
- وماذا عن زوجاتهم الحقيقين في الدنيا ؟
- ستكون زوجته أجمل منا جميعاً
الشيطان : أمتأكدة من هذه المعلومة ! فقد رأيت بعضهنّ , وأشكالهنّ أشبه بزوجاتنا نحن
فابتسمت قائلة : حين يدخلنّ الجنة يتحسّن مظهرهنّ وأخلاقهنّ ايضاً
الشيطان : جميلٌ جداً .. (ثم تنهّد بضيق) .. أتدرين .. لوّ رأى الناس ما رأيته هنا , لتقاعدت الشياطين عن أعمالها , ولقضى ابليس وقته في صيد السمك
الحوريّة : معك حق , مع ان جميع الأنبياء بشّروهم بالجنة وأنذروهم من جهنّم , لكن الكثير ينسون ذلك .. الا من رحم ربي طبعاً !
- بالحديث عن الأنبياء , هل يوجد نبي بعد سليمان ؟ فقد مات قبل سنواتٍ طويلة
- انا لا أعرف بهذه الأمور .. لكن ربما نجد الإجابة في مكتبة الملائكة
فتنفّس الشيطان الصعداء وهو يخفي فرحه , لأن الأمور الغيبيّة هي ما جلبته الى هنا ..
***
في المكتبة الضخمة , وجدا كتاباً بعنوان : انبياء البشر .. ففتحته على الفهرس , وقالت له :
- ارأيت !! سيأتي بعد النبي سليمان النبي زكريا ثم يحي , ثم عيسى للنصارى .. ومن بعدهم الرسول محمد وهو خاتم الأنبياء , كما هو مكتوبٌ هنا
فتنهّد الشيطان بارتياح , وقد ارتسمت إبتسامةٍ عريضة على وجهه
الحوريّة بعد ان فتحت على صفحة الرسول محمد , قالت له :
- لا تفرح هكذا فهو سيُرسل لجميع البشر والجن , ودينه سيبقى الى يوم القيامة
الشيطان بغيظ : لا ! هذه مصيبة علينا
- ليس هذا فحسب.. إقرأ هذه الجزئيّة التي تتكلّم عنكم
فقرأ بأن مع قدوم الرسول محمد ستُغلق ابواب السماء في وجه الشياطين والجن , وكل من يحاول التنصّت على أقوال الملائكة سيُرجم بالشهب
الحوريّة : أرأيت !! هذا يعني انه في ذلك الزمان ستختفي الشعوذة تماماً
- لا أظن ذلك , فكما ذُكر في الزّبور : ان السحر باقٍ الى يوم القيامة
الحوريّة : لكن السحرة بحاجة لتنبوءاتٍ صحيحة , فكيف ستقومون بالتنّصت علينا بوجود الشهب الحارقة في المستقبل ؟
الشيطان بقلق : يبدو ان وظيفتنا ستتحوّل من صعبة الى عملٍ إنتحاريّ !
الحوريّة : ولما كل هذه المجازفة ؟!
فأجبها بعصبية : لأننا مجبرين !! فحياتنا ليست سهلة مثلكم ..فنحن محاصرون بين الملائكة وابناء ابليس الملاعيين الذين يراقبوننا وكأننا عبيداً عندهم !!
وهنا سمعا مسؤول المكتبة يقول لهما :
- سنُغلق المكتبة بعد قليل , فقد حلّ المساء
فقالت الحوريّة للشيطان : هيا دعني آخذك الى البوّابة , فأنت وعدّتني بالعودة مساءً الى الأرض ..
- حسناً كما تشائين
وفي هذه اللحظات كان يفكّر في نفسه بقلق :
((لم أتمّ مهمّتي بعد ! فماذا أفعل ؟))
وقبل خروجه من المكتبة , لمح موسوعة عن أسرار البشريّة .. وبخفّةِ يد سرق كتاباً منها وأخفاه في ملابسه , دون ان تلاحظ الحوريّة ذلك
***
وخارج بوّابة الجنة , عاد الشيطان الى شكله قديم..
الحوريّة بفزع : يا الهي ! كم شكلك مخيف
- آسف , لكن لا داعي من التنكّر بعد خروجي من الجنة ..سأذهب الآن , وأشكرك على الجولة الرائعة التي لن انساها ابداً
وقبل ان يذهب , نادته قائلة :
- أتمنى ان تفكّر جديّاً بالهداية !!
- أعدك ان أزور مدينة الجن المؤمنين , فأنا لست غبياً كيّ أحرم نفسي من نعيم الجنة
الحوريّة : إذاً السلام على من اتبع الهدى ..
وودّعته وهي لا تعلم بأنه سرق الكتاب الذي يتكلّم عن : تأثيرات الفلك على البشر ..
***
وهبط سريعاً نحو الأرض وهو سعيداً بما أخذه.. لكن قبل وصوله للأرض اعترضه ابن ابليس.. وظلّ يحقّق معه الى ان عرف بشأن الكتاب , فأخذه الى قصر والده .. وأدخله مكتب ابليس ..
وهناك تكلّم الشيطان بحماسٍ وفخر عن سرقته للكتاب بخفّة من مكتبة الملائكة .. وحين بدأ في وصف جهنّم , لاحظ ابليس خوف ابنه ! فطلب منه تركه لوحده مع الشيطان اليافع .. فخرج متضايقاً لأنه كان يرغب بسماع وصف الجنة التي لم يخبرهم ابليس عنها يوماً !
وبعد ان أنهى الشيطان وصفه لكل ما رآه بالجنة , قال له ابليس :
- أظنك تنتظر مني ان اكافئك على شجاعتك ؟
فأجاب الشيطان بغرور : طبعاً , فأنا الشيطان الوحيد الذي تجوّل بالجنة
وإذّ به يتفاجأ بإبليس يسلّط عليه عصاه ليحرقه !
ودخل ابن ابليس مُسرعاً الى المكتب بعد سماع صرخات الشيطان المتألّمة , ليتفاجأ بجثته متفحّمة !
فسأل والده بدهشة :
- ظننتك ستكرّمه وتُعلي شأنه بيننا !
- قتلته لأنه رأى أكثر من اللازم
- لكن ابي ..
ابليس مقاطعاً بغضب : أتعترض على حكمي يا ولد !!
فسكت ابنه خوفاً من ان يلاقي ذات المصير ..
ثم أردف ابليس قائلاً وهو يتصفّح كتاب الملائكة :
- خذّ جثته وسلّمها لأهله .. واخبرهم بأنه لم ينجز مهمة التنصّت , لذلك أعدمناه
الأبن : لكنك لم تجيبني على سؤالي بعد .. لما قتلته ؟
فأغلق الكتاب بعنف وتوجه نحوه بغضب , مما أربك الإبن :
ابليس بعصبية : إفهم يا غبي !! إن تفوّه هذا الأحمق بالنعيم الذي رآه فوق فسيؤمن بعض الشياطين , وربما عدد كبير من الجن .. أتريد ان تتدمّر إمبراطوريتي بعد ان أوهمت الجميع ولقرونٍ طويلة بأن الحياة في الدنيا أكثر حماسةً وجمالاً من الجنة ؟
ابنه باهتمام : وهل الجنة جميلة لهذه الدرجة يا ابي ؟!
فصفعه بقوة أوقعته أرضاً , قائلاً بغضبٍ شديد :
- ولما تظنني غاضباً لهذه الدرجة من ذريّة آدم ؟!!!!!
ابنه وهو يرتجف بخوف : آسف ابي , لم أقصد إزعاجك
فعاد ابليس الى عرشه وهو يشتعل غضباً :
- آدم حرمني من أجمل شيء في حياتي , وقد قلت لربي يومها : بأنني سأغوي ذرّيته .. وسأفعل ذلك , الى ان يأمر الله بقبض روحي الأبدية اللعينة !!!
فأراد ابنه تغير الموضوع , فسأله : وماذا عن الكتاب ؟
فتنفّس ابليس قليلاً ليهدّأ من اعصابه , ثم عاد لتصفّحه من جديد :
- اريد دراسته اولاً .. فقد كنت أعلم مُسبقاً بأن للقمر تأثيراً على الإنسان , وبأن للخسوف والكسوف تأثيراً على الطبيعة .. لأنني حين كنت في الجنة , سمعت الملائكة تردّد قولاً لله يقول فيه : ((فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ)).. لهذا سأحتفظ بالكتاب , الى ان أجد انساناً خبيثاً يستطيع تحويله الى علمٍ يؤذي البشريّة .. والآن خذّ جثة الأحمق , واغرب عن وجهي
- حاضر ابي
***
بعد قرون .. وتحديداً في القرن الثاني قبل الميلاد , أعطى ابن ابليس (بناءً على طلب والده) ذلك الكتاب الى بطليموس السكندري ليقوم بتحويله الى كتاب بعنوان ((تيترابيبلوس – Tetrabiblos)) .. ومن بعده انتشر التنجيم في الشرق الأوسط وفي أوروبا .. وبقيّ هذا العلم الفلكي لبطليموس , حتى القرن السابع عشر حيث تغيرت ثقافته قليلاً خلال القرون اللاحقة .. وبسببه تعلّق الكثير من البشر بالأبراج الغربية والصينية لتحديد مصائرهم , بناءً على حركة الكواكب .. مما أثّر سلباً على أعمالهم وروابطهم الإنسانية كما علاقاتهم الزوجيّة , خاصة إنه يعدّ شركاً أصغر بالله لعدم الإيمان بالقدر ..
ممّا أسعد إبليس كثيراً , الذي قال في نفسه :
((كان عليّ تكريم ذلك الشيطان المغامر , لكني قتلته لأنه أغاظني حين ذكّرني بما خسرته .. وبسبب حرماني من ذلك النعيم الذي لا يعوّض , لن أتقاعس يوماً على أذيّة ذرّية آدم الى يوم الدين .. تماماً كما وعدّتك يا ربي , والتي ذكرتها في كتابك الكريم : ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ))
ثم همس قائلاً : صدق الله العظيم
ومسح دمعته بقهر ..
ملاحظة :
ردحذفالقصة تتحدّث عن الحقبة ما بعد وفاة سيدنا سليمان , حيث كانت الشعوذة والسحر في ذروّتها .. وجميع المعلومات المذكورة في القصة صحيحة دينياً .. وكل ما أردّته هو وصف تقريبي للجنة وجهنم للقارىء , لكن بالنهاية في الجنة ما لا عينٌ رأيت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر
جميلة جدا انسة امل تحية من القلب
ردحذفلكن اضحكتني فكرة الحوريات اللواتي يملكهم شخص من المؤمنون فكرة مضحكة و غريبة جدا
لكن قصة رائعة شعرت كأني انا موجودة مكانهم احسنتي
لم تعجبني لأن أغلبها أحادية والاعتقاد لا نأخذه من الأحادي بل التواتر القطعي.. ولن يبكي إبليس أبدا ولن يندم أبدا.. ولن نرى الله قال لن تراني ولن على التأبيد أي في الدنيا والآخرة
ردحذفمن قال لك ان المؤمنين في الجنة لن يروا الله ؟!
حذفالم تقرأ الآية القرآنية : (( وجوه يومئذ ناضرة . إلى ربها ناظرة ))..
وفي الحديث الصحيح : فيما رواه مسلم في صحيحه ( 266 ) عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ وهي الزيادة ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )
فجميع من يدخل الجنة يرى الله , لكن تتفاوت الرؤية على حسب منزلتهم بالجنة .. فالطبقة الأخيرة يرونه فقط في يوم الجمعة .. اما اهل الفردوس فيرونه بكرةً وعشيا .. وهذه معلومات دينية صحيحة
أختي أمل راجعي الحديث سنده ومتنه... راجعي معنى كلمة ناظرة... وزيادة فسرها ابن عباس رضي الله عنهما بشيء آخر وهذا المتواتر والثابت عند العلماء أما الحديث فهو آحادي أو مكذوب والدليل أن مشند الإمام مسلوم والبخاري به أخطاء وأحاديث مكذوبة ابحثي بنفسك عن الأحاديث واقرأي.. وأرجوا أن لا تغضبي فأنا أعشق رواياتك وتأثري بها كبير جدا لذلك علقت لهذه القصة لأنها تؤثر في الاعتقاد.. إن كان الذي قال لا إله إلا الله يعذب في النار وبعدها يدخل الجنة سأقولها ومرحبا بالحرية... الاعتقاد قول وفعل واقترن القول بالفعل في عدة أيات وذكر الله عن عباد الرحمن قال ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. قال يخلد ولا توجد آية صريحة على أن من يدخل النار يخرج منها.. بل يوجد أيات تدل على أنه من يدخل النار لن يخرج منها
حذفوَقَوْلُهُ ﷺ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ.
حذففالعصاة من المسلمين يعذّبون في النار , لكن لا يخلّدون فيها .. ويخرج كل من في قلبه ذرّة ايمان , الى ان يخرج آخر شخص من الطبقة العلوية من جهنم , بعكس الملحدين والمنافقين فهم بالدرك الأسفل من النار .. وحديث نعيم الرجل الأخير الذي يخرج من جهنم والذي يعادل عشر امثال الدنيا , هو صحيح وذكره عبد الله بن مسعود عن الرسول .. تأكّد بنفسك
عزيزتي أمل. أنا أنثى بالمناسبة ودائما أحب رواياتك وأتصفح مدونتك دائما وغيرتي فيني الشيء الكثير.. ولكن لماذا عباد الرحمن يخلدون في النار إن فعلوا المعاصي؟ أعطيتك آية فردي علي بآية.. بالنسبة لرؤية الباري فذلك من المحالِ..سواء في الدنيا أو في الآخرة.. وقلت لك علينا أن نتتبع الأحاديث المتواترة لا الأحادية لأن هذا اعتقاد والاعتقاد نأخذه من المتواتر.
حذفوالدي هو الشيخ عبد الحميد شانوحة من علماء السنة في لبنان للقراءات العشرة وكتب الأحاديث الستة , وقد سألته عن سؤالك .. فقال ان الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتاب (تيسير كريم الرحمن في تفسير كلام المنان) فسّر آيتان سورة القيامة : ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ , إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)) بأن من يدخل الجنة يرى الله .. اما قول الله لسيدنا موسى (لن تراني) فهي بالدنيا فقط , لأن حجاب الله النور .. وفى الحديث "أن الله حجابه النور لوّ كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره"
حذفاما في الآخرة فيرفع هذا الحجاب عن عباد الرحمن الذين ذكروا في سورة الفرقان آية 68.. وقال الله عن عباد الرحمن حسب تفسير السعدي : { وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } : أيّ يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه.
{ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ } وهي نفس المسلم والكافر المعاهد، { إِلَّا بِالْحَقِّ } كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله.{ وَلَا يَزْنُونَ } أيّ يحفظون فروجهم { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ } والمقصود هنا : من يفعل عكس عمل عباد الرحمن من الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا فسوف { يَلْقَ أَثَامًا } اي يدخل جهنم ..
وقال السعدي عن التخليد بالنار :
((وأما خلود القاتل والزاني في العذاب : فإنه لا يتناوله الخلود, لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار, ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل))
الرابط :
https://ar.islamway.net/quran/interpretation/saadi/25
بل القول السائد عند مشايخ السنة : بأن من أنكر رؤية الله في الجنة فهو من الفرقة المعتزلة .. ومن قال عن الخلود الأبدي للعصاة المسلمين في جهنم : فهي أقوال الأباضية والخوارج .. لهذا أردّت تنبيهك
اما عن الأحاديث الأحادية والمتواترة : فهناك الكثير من الأحاديث الأحادية أُخذت بها , ولوّ ذكّرت على لسان صحابي واحد جليل .. فالرسول كان يعلّم بعض الصحابة الدين , ثم يرسله الى قوم ليعلّمهم الدين .. وما قالوه عن احاديث خصّهم الرسول بها : هي صحيحة وأُخذ بها
وتعريف الأحاديث الأحادية : هو مقابل المتواتر , وهو الذي يُوجب العمل به .. وهذا في كتاب (شرح متن الورقات) للإمام جلال الدين محمد أحمد المحلي ..
اما عن ابليس : فقد ذكرت بالقصة انه مقهور من آدم لإخراجه من الجنة , وليس غضبه ندماً على معصيته لله .. كما ذكر في الحديث : ( إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ : يَا وَيْلَهُ ! - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ : يَا وَيْلِي - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ)..
وبالنهاية أقول : كتبت هذه القصة لأخذ العبرة والموعظة , وهي ليست كتاباً دينياً .. والقصة خبر , والخبر قابل للتصديق او التكذيب ..ولك الخيار .. دمتي بخير
ما زلت متمسكة برأيي.. فلو اعتقدت بأنني سأخرج من النار لأنني قلت الشهادة فسينتشر الظلم مني لأولئك الذين لا أستطيع مسامحتهم. لأنني ببساطة سأخرج من النار.. الآيات صريحة. وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة وربنا سخر منهم بسؤاله عندما قال قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده؟ أم تقولون على الله ما لا تعلمون؟ بعد ذلك رد الله علينا وقال بلى من كسب سيئة (واحدة فقط) وأحاطت به خطيئته فؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون.. ولم يذكر لا لليهود ولا للنصارى ولا للمسلمين. الكلام هنا عام جدا.. هذا رأيي واعتقادي بغض النظر عن المذاهب والعلماء
حذفاختي الكريمة .. القرآن لا يُفسّر آياته على حسب ما نفهمه نحن العامّة , بل نحتاج ان نقرأ ما فسّره العلماء ..والآيه التي ذكرتها هي لليهود , وفسّرها ابن كثير : ((من عمل سيئة وأحاطت به خطيئته)) : أيّ من وافى يوم القيامة وليس له لديه حسنة ، بل جميع أعماله سيئات ، فهو اذاً من أهل النار
حذفالرابط
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura2-aya81.html
بالنهاية رحمة الله واسعة فلا تضيقيها علينا , الله أرحم من ان يخلّدنا بالنار من اجل خطيئة واحدة ..ولوّ كان كذلك فلا داعي من وجود الجنة , لأننا حتماً سنكون جميعاً في النار على حسب عقيدتك
وانا حاولت ان أنصحك لأنني أخبرتك بمذهب أهل السنة والجماعة ورأيهم بهذا الموضوع .. اما من سيدخل الجنة والنار , فهذا عمل الله وحده ولا دخل لنا فيه..فدعي الخلق للخالق فهو الرحمن الرحيم الأعلم بظروف عباده
ودعينا نغلق هذا الجدال العقيم , فهذه مدونة للقصص وليس موقعاً دينياً ..وان لم تعجبك هذه القصة , فهناك قصتين احاول كتابتهما حالياً , إحداها بعنوان : سفينةٌ تائهة .. والثانية بعنوان : عاشق القهوة
أتمنى ان تنال إعجابكِ , تحياتي لك وللجميع
الجنه ذلك المكان الذي هو لاعين رات ولاخطر قلب
ردحذفبشر
ابدعتي بالوصف حوريه والشيطان
كانه حب
لو مثلا جبتي تصور
لقاءهما بعد موته كيف حاله
ابليس شر مطلق ليوم دين
عندما تكتبي عن ابليسو تبدعي
هههه اين زوجته الصغيره الان
نتظر قصه عن جاكلين وحبها لرجل غير دينها
مثلا تبدء حياتها فتاه شقراء جميله القوام
تقع بحب شاب غير دينها
وهو شاب ملتزم
فهمتي قصدي استاذه امل
خطرت لي الفكرة سابقاً , لكني وجدت فيلماً اجنبي يحكي عن جندية امريكية تقع في غرام شاب ملتزم من معتقلي غوانتانامو .. وناقشوا الموضوع بالفيلم بشكلٍ مفصّل , وان كتبت عن نفس الفكرة فستكون سرقة أدبية .. وأفضّل ان تكون افكاري غير مستهلكة.. لكن أشكرك على اقتراحك .. وأضحكتني حين ذكرت زوجة ابليس الغبية
حذفهل المسيحيين ايضا مثل اليهود كافرين ام لا
ردحذففي سورة آل عمران آية (85) , قال الله تعالى : ((وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ))
حذفأي: من يدين لله بغير دين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده، فعمله مردود غير مقبول، لأن دين الإسلام هو المتضمن للاستسلام لله، إخلاصا وانقيادا لرسله فما لم يأت به العبد لم يأت بسبب النجاة من عذاب الله والفوز بثوابه، وكل دين سواه فباطل
الرابط :
http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/saadi/sura3-aya85.html
لكن عندنا آية في القرأن تقول ان النصارة من اهل الكتاب
ردحذففكيف هذا
انا برأي الانسان يحاسب حسب اعماله و اخطائه و ليس على دينه فغير مقنع ان يكون شخص نصراني لديه اعمال حسنة و اخلاق حميدة ولا يدخل الجنة
لدي صديق مسيحي يساعد المحتاج سواء كانوا نصارة ام مسلمين و ذو اخلاق حميدة ويصلي و يصوم و دائما يساعد المرضى و العجائز ايعقل ان الله لن يرى كل هذه الاعمال الحسنة فأذ كان كذلك فالمعنى واستغفر الله انه ليس عادلا لا يعقل هذا
وايضا لدينا سورة في القرآن الكريم تتكلم عن التوراة و الانجيل وانه يجب على المسلم الاتباع بها
شاهد هذا الفيديو , فيه الإجابة بشكلٍ مبسّط ..
حذفالرابط
https://www.youtube.com/watch?v=YH2ltzjEafI
أحسنت الكتابة أختي أمل
ردحذف