الاثنين، 3 أبريل 2017

جزيرة ابليس !

تأليف : امل شانوحة

ابليس,انطون,ليفي,شيطان,برمودا,عبدة,مخيف
إتفاق شيطانيّ


فضاءٌ سرمديٌّ حالك ، يتوسّطه قمرٌ أنارَ أسارير بحرٍ ساجيّ .. بخلاف زورقٍ صغير تاه مصيره في دياجير الليالي..

كل شيءٍ كان هادئاً بشكلٍ يثير المللّ في روح المغامر الذي اتشح بالسواد  .. فهو قائد سفينته لكنه ليس بقبطان .. بل رجلٌ تعدّدت وظائفه : فكان عازف أورغن بالكنيسة طوال سنوات مراهقته , وعضواً في فرقة المهرجانات , ثم مصوّراً بقسم جرائم الشرطة .. 
إلاّ أن حياته انقلبت رأساً على عقب بعد انضمامه الى مجموعة الدائرة السحريّة المهتمّة بالقوى الخارقة , وهذا جعله يجازف بخوض غمار ذلك البحر الملقّب بمثلث برمودا المحفوف بالمخاطر ، والذي لقّبه الهنود الحمر سابقاً بجزيرة إبليس .. وللسبب ذاته رفض الصيادون أخذه الى هناك ، رغم المبالغ الكبيرة التي أغواهم بها .. 

فانتهى المطاف لشرائه قارباً صغيراً ، للإبحار بنفسه الى المكان المحدّد .. مُتتبّعاً خريطة قبطانٌ عجوز هو الناجي الوحيد من الموت الذي حلّ بكل من سوّلت نفسه لخوض بحر الظلمات !

وهاهو الرجل يقترب أكثر فأكثر من محيط الموقع المزعوم الذي طوّق بهدوءٍ غامض ! 
لذا قرّر أخذ غفوةً قصيرة , علّ الليلة طويلة أن تنجلي ..
***

بعد ساعة .. إستفاق على إثر انقلابٍ غريب في اجواء الطقس , بعد أن ساءَ الجوّ فجأةً ..وبشكلٍ تصاعديّ ! 
حيث مارَ البحر .. ومخَرَت السفينة عُباب الموج .. رياحٌ هوجاء .. هزيم رعدٍ ووميض برقٍ شقّا عنانَ السماء .. وابلٌ من المطر .. عاصفةٌ بحريّة شعواء تزأر بقسوة ..وهاهي الأخشاب تطقّطق تحت أقدام البحّار الخائف , موشكاً أن يُحطّم قاربه الصغير  

فحبا مُتمسّكاً بالشراع الذي راوح مكانه كطائرةٍ ورقية , إلى أن وصل الى مقدّمة السفينة بشقّ الأنفس .. 
وهناك صرخ بعلوّ صوته :
- إبليس أيها العظيم !! أتيت لأعلن ولائي .. فلا تغرقني قبل لقائك!!

وفجأة ! قشعت الريح السحاب ، وتوقفت العاصفة مع هدوء الموج .. ليظهر في المقابل سديمٌ غطّى الأفق المعتم , رغم محاولات نور القمر المتواضعة التسلّل بين طيّات سحبه الكثيفة 
وقد لاحظ البحّار تغير دفّة السفينة بعد أن عكس التيّار مسارها ! 

ورغم اعتدال موجة الرياح أخيراً ، إلاّ أن الشراع مازال يرفّرف بقوة ! وظلّ الوضع هكذا لساعةٍ أضافية ، لحين ارتطام السفينة بشيءٍ صخريّ أوقفها عن الحركة .. 
فقرّب قنديله أسفل مقدّمتها ، ليتفاجأ برسّوها على شاطيءٍ غير مألوف !

فترجّل من قاربه لاستكشاف الجزيرة الغامضة .. وبعد إبتعاده عن الشاطىء .. توغّل أكثر فأكثر بين الأعشاب البريّة المرتفعة , إلى أن انحسر الضباب عن قصرٍ أسودٍ مهيب ذوّ بوابةٍ ضخمة ، كانت مفتوحة قليلاً بما يكفي مروره من خلالها نحو ردهةٍ طويلة ، إنتهت بسردابٍ رُصّت أرضيته بالمرّمرّ الخمّري , وازدانت جدرانه بلوحاتٍ زيتية وتماثيل لشخصيات أقرب الى هيئة الوحوش ! وقد حثّه فضوله على التمعّن في تفاصيلها .. إلاّ أن الجَلبَة التي صدرت فجأة من الطابق السفليّ جعلته ينزل السلالم الإسمنتيّة بخطواتٍ حذرة ، نحو قبو القصر المُنار بشعلاتٍ نارية موضوعة على كلا جانبيه .. 

وظلّ مُتّبعاً أصداء الصخب حتى وصل إلى شقّ بوابةٍ ضخمة .. فتلصّص من خلالها ، ليتفاجأ برؤية قاعةٍ ضخمة إكتظّت بأكملها بمخلوقاتٍ غريبة ! أرجلها تشبه حوافر الحيوانات وأجسامها بشريّة مُشعرّة , ولها قرون كالثيران .
فتساءل مرتعشاً : هل وصلت أخيراً إلى عالم الشياطين ؟!

وإذّ بفرائصه ترتعد بعد ارتجاج المكان بصوت الملك الجهوريّ الذي اعتلى عرشه الذهبيّ المهيب فوق منصّته المتواجدة في مقدّمة المجلس ، مزمّجراً بغضب :
- إسكتوا جميعاً !!!!!
فسكت الحاضرون في رهبةٍ وخوف !

فأكمل الملك كلامه :
- كم مرّة أفهمتكم إنني تعبت من هذه المهنة , وأريد الإستقالة !!

فوقف أحد المخلوقات الذي يبدو من لباسه الحريريّ إنه مُقرّب من الملك , قائلاً بنبرةٍ مُنكسرة : 
- لكن لا يمكن لإبليس أن يستقيل !
فردّ إبليس بعصبية :
- انا خُلقتُ قبل سنواتٍ طويلة من خلق آدم , وبسببه ابتليت بهذه الوظيفة الملعونة !! وبما أني لن أُفنى ليوم القيامة , فمن حقّي أن أتنازل عن منصبي بعد قرونٍ أمضيتها بالتخطيط والعمل الجادّ لإغواء البشر

فترجّاه وزيره :
- اذاً لما لا تأخذ عطلة طويلة للراحة والإستجمام بدل الإستقالة ؟ فنحن بحاجتك سيدي

ليقف شيطانٌ ضخم مُعترضاً على كلام الوزير :
- إحتفظ بإقتراحك السخيف لنفسك !! 
(ثم قال لجموع الشياطين) :
- طالما قرّر ابي الإستقالة ، فليكن ما يريده !! فهو بالنهاية علّمنا جميعاً طرق الغواية .. وسيشرّفني إكمال خطّطه ومسيرته بكل جدارة

فسخر منه أخوه :
- ومن قال إنك ستكون الملك القادم ؟
فردّ بغضب : 
- انا إبن إبليس البِكر , وأنا الأحقّ بالملك !!
فأجاب أخوه بعناد :
- وأنا ملك الحروب والفتن !! وأذكى منك بهذا المجال 

فوقف شيطانٌ آخر من ابناء إبليس , قائلاً بعصبية :
- بل انا أحق منكما بالملك .. فأنا خبيرٌ في المجال الإقتصاديّ , وهذا الأهم بعالم البشر في وقتنا الحالي
فتقدّم نحوهم شيطانٌ شاب :
- أخطأت أيها الجاهل !! فأنا خبيرٌ بفتن المتعلّقة بالتكنولوجيا , وهو الأهم في العصر الحديث 

فعاتب الأخ الأكبر إخوته بإزدراء :
- انا أخوكم الأكبر !! وفتنتُ آلاف البشر قبل فقسكم من البيضة

وهنا ! صرخ إبليس بغضب , بصوتٍ يصمّ الآذان :
- إسكتوا جميعاً !!!! 
فسكت الأخوة ، وهم ينظرون لبعضهم بحقدٍ وكراهية

ثم أردف إبليس قائلاً :
- لديّ حلٌ أفضل 
فأنصت الجميع له باهتمام..

ليكمل إبليس كلامه بخبث وبصوتٍ جهوريّ :
- أعلن امام الجميع !! من يبقى حيّاً من أبنائي ، يُصبح حاكم الشياطين القادم !!

فاعترض الإبن الأوسط بدهشة : 
- لكن يا ابي , هذا سيؤدي لإفناء بعضنا من أجل العرش !
فضحك أخوه الأكبر ساخراً : هل خفت أيها الصغير الأرعن ؟
فردّ عليه بغضب : كنت اتأكّد فقط من قراره إيها الأحمق !! لكني حتماً من سيفوز بالعرش , لأني قائد جيشٍ مُخضرم .. والجميع يشهد لي بذلك
فعقّب الأخ الصغير على كلامه بعصبية : 
- يالك من مغرورٍ متعجرف !!

لتعود أصوات الهرج والمرج تضجّ في أركان القاعة , إلى أن صمتوا جميعاً بدهشةٍ وذهول فور رؤيتهم لحارس البوّابة يقتاد برمحهِ القبطان البشريّ الخائف باتجاه عرش إبليس ! قائلاً له :
- سيدي آسف على المقاطعة.. لكني وجدت هذا البشريّ يسترق السمع قرب الباب , فهل تأذن لي بقتله ؟
وكان يضع سكينته قرب أوداج الرجل المرتعش.. 

لكن إبليس أشار بيده أن يتركه ويذهب .. ثم طلب منه الإقتراب من عرشه

فمشى القبطان بخطواتٍ مُتثاقلة , وعيون الشياطين تُحمّلق اليه مُتجهّمة !
ثم سأله إبليس مُستفسراً : من انت ؟

فأجاب الرجل بوجهٍ شاحب وصوتٍ مُتهدّج :
- إسمي أنطون ليفي .. أمريكي يهوديّ 
- وهل تدرك إنك خُضّت بحر الظلمات ؟
فلم ينبس بكلمة بل وجَمَ من رهبة الموقف , واكتفى بإيماءة الموافقة 

فأكمل إبليس إستجوابه :
- ولما كل هذه المجازفة ؟!
فأجاب أنطون : بالحقيقة .. كنت أبحث عنك , سيدي 
فصعقت الشياطين بإجابته الغير متوقعة !

وتذكّر إبليس شيئاً , فسأله : 
- هل أنت من أعلنت ولائك لي خلال العاصفة قبل قليل ؟!
فأجابه أنطون بجذلٍ وارتياح :
- هذا يعني إنك رأيتني هناك ؟! .. كنت متأكداً إنك الإله !! 
وخرّ ساجداً له 
ليتفاجأ الجميع , حتى أن بعضهم شهق بدهشة !

وكانت ردّة فعل إبليس من سجوده , أن نظر للأعلى وهو يقول بازدراء : 
- أترى هذا يا آدم !! أحد ابناء ذريّتك يسجّد لي .. (ثم تنهّد بارتياح).. أخيراً اللحظة التي انتظرتها طوال حياتي  
وضحك بنشّوة المنتصر..
ثم قال لأنطون :
- حسناً يمكنك رفع جبينك الآن 

و لمّا اعتدل , سأله إبليس :
- وماذا تنوي فعله لإرضائي ؟
أنطون بحماس : اريد نشر بدعةٌ جديدة بين الناس ، تبيح لهم المحظورات
فسأله إبليس :
- فسّر أكثر ..

وقبل أن يجيبه , تفاجأ بأحد ابناء إبليس يقاطعه :
- إكمل حديثك لاحقاً .. ابي رجاءً ، إخبرني متى سأبدأ معاركي ضدّ أخوتي للحصول على عرشك ؟
فأسرع أنطون قائلاً لإبليس :
- أتسمح لي بقول شيء سيدي ؟ 
فأومَأ إبليس برأسه موافقاً , فأكمل أنطون كلامه :
- طالما إن البشر أتعبوكم , فأذن لي بمهمّة إضلالهم .. فبرأيّ لا داعي لاستقالتك سيدي , فأنت ..
فقاطعه نفس الإبن متضايقاً :
- وما دخلك انت أيها الفضوليّ ؟!! دعّ ابي يُقرّر من منّا سيأخذ مكانه 

ليتفاجأ الحضور بردّة فعل إبليس بعد قيامه بإطلاق شرارة النار من عصاه الذهبية ، نحو ابنه الجريء .. ليتحوّل في ثواني الى رماد ! 

من بعدها قال إبليس غاضباً لبقيّة الشياطين ، وهو يلوّح بعصاه مُهدّداً :
- من ايضاً مستعجل لرحيلي ؟!!

فارتفعت أصواتهم الخائفة : 
- ليس انا .. 
- ولا انا
- دُمت لنا قائداً أبديّاً ، سيدي !! 

حينها ارتأى إبليس تأجيل الجلسة , لإكمال اجتماعه مع البشريّ في مكتبه 
***

وبعد أن أصبحا بمفردهما هناك ، سأله إبليس عن مخطّطاته المستقبيليّة ؟ 
فأجاب أنطون بحماس : اريد إنشاء ديناً لعبادتك , سنقوم فيه..
إبليس مقاطعاً بنبرةٍ ساخرة : 
- الا تعرف إن عبادة الشياطين موجودة منذ ايام الفراعنة , وحينها سمّوني بالإله الفرعوني (الست) .. وفي الحضارة الهنديّة لقبوني ب(كالي ربة الموت) .. كما سمّوني (أهريمان) في الديانة الزرادشتية بالحضارة الفارسية .. وظهرت ايضاً فرقة من عبدة الشيطان لقبّوا أنفسهم ب(الكثارية) في الدين المسيحيّ ؟ .. يعني أنت لم تأتي بجديد 

فحاول أنطون تفسير فكرته لإبليس :
- أعرف كل هذا .. لكن عقيدتي ستكون مختلفة عنهم , فأنا أنوي تقسيمها الى قسمين ..الأولى : ستُدعى بالإبليسية الإلحادية .. والثانية بإسم : الشيطانية الروحانية ، وسأطلق على تابعيّ هذا التيّار لقب (عبدة الشيطان).. وأنا سأترأس القسم الأول .. حيث روّاده لن يؤمنوا بأيّ شيء , لا بالله ولا بيوم القيامة ..(بتردّد)..ولا حتى بوجودك سيدي

إبليس بدهشة : لحظة ! ألا تراني أمامك , فكيف تنكر وجودي ؟!
- لأني اريد فكراً قادراً على التوسّع بين رجال السياسة والعلوم ومشاهير الفن والإعلام .. فنحن بهذا القسم لن نقوم بأيّ شيءٍ يخالف القوانين , وبذلك نضمن إنتشاره بشكلٍ أوسع من النوع الثاني الذي سيعجبك حتماً .. والذي سأشرف عليه ايضاً ، لكن بشكلٍ سرّي
إبليس باهتمام : فهمت ، والآن حدّثني أكثر عن عبدة الشيطان 
- بهذا النوع سيكون كل شيءٍ مباح , لا قوانين أخلاقية تمنع روّاده من فعل ما يشتهون
- تقصد زنا وخمور وقتل ومخدّرات ؟

أنطون بخبث : بل أيضاً الذبائح البشريّة والإعتداء على الأطفال وشرب الدماء , والإستمتاع بأنين الرضّع حين نحرقهم احياءً .. يعني كل ما يخطر في بالك 
إبليس بابتسامة رضا : أعتقد من سينضمّ لهذا القسم ، هم فئة المراهقين والمجانين .. او لنقل : المشاغبون حول العالم 
- بالضبط !! وسيعرفون بسيماهم .. أقصد من خلال ملابسهم السوداء , وأشكالهم المشوّهة بشتّى انواع القِراط والوشوم المرعبة , وكلماتهم المبتذلة .. كما سيكون لديهم إحتفالاتٍ صاخبة مليئة بالتصرّفات المنحرفة
إبليس : ممتاز !! يبدو أن الكثيرين سينضموا لتيّارك الجديد , بخلاف الماسونيين الذي أصرّ قائدهم (جيمس اندرسون) على وضع قيوداً مشدّدة ضمن دستوره للحصول على عضويّة المشاركة في محافلهم

أنطون : الحركة الماسونية تركّز أكثر على الشخصيات السياسية في سبيلها للسيطرة على العالم ، وتوحيدهم بأفكارٍ متفقٌ عليها ضمن مخطّطات طويلة الأمد .. بينما ستغدو أفكاري المتحرّرة لعبدة الشياطين كالسوسة التي تنخر عماد المجتمع , فالشباب اليافع هم مركز اهتمامي 
إبليس بفرح : رائع !! يبدو إنك خطّطت جيداً لفكرتك الجهنميّة .. لكن دعني اتأكّد اولاً أنها ستنجح , قبل إصدار أوامر لأبنائي لمساعدتك لاحقاً

ثم ضغط إبليس على زرّ موجود اسفل مكتبه .. ليدخل اليه جنّي مُتشيّطن (بجناحين) .. فقال له إبليس :
- اريدك أن ترسل جيشاً من الجن للسماء لإستراق السمع , كيّ أعرف إن كانت مخطّطات هذا الرجل..(وأشار الى أنطون ليفي).. ستنفعني في المستقبل لإضلال البشر 
- حاضر سيدي , سأرسل الفدائيين حالاً

وبعد خروج الجني المتشيّطن من مكتبه , سأله أنطون باستغراب :
- عفواً سيدي ! لما ترسل جيشاً من الجن ؟! ولما أطلق عليهم رئيسهم لقب الفدائيين ؟! 
- ستعرف قريباً ..
***

بعد ساعة .. عاد رئيس الجن ومعه جني شاب مُضرّجاً بدمائه الزرقاء وجوانحه الممزّقة , وهو يستند بتعب على رئيسه الذي قال لإبليس :
- كالعادة ! مات جميع الجنود بالشُهب , ما عدا هذا البطل .. هيا قلّ لإبليس ما سمعته في السماء ؟

فأجاب الجني متألّماً : نعم سيد إبليس .. دين هذا الرجل سينتشر حول العالم ، رغم محاولة المسؤولين محاربة تلك الظاهرة المقلقة .. كما قمت بالتأكّد من مقوّلة الفدائيين السابقين : وبالفعل !! عصر الفساد من الماسون وعبدة الشيطان سينتهي مع نزول المسيح في آخر الزمان

ثم خرّ الجني ميتاً على الأرض .. فقال إبليس لقائد الجن :
- إحمله للخارج .. واعطي عائلات الفدائيين أكياس الذهب ، مكافأةً عن بطولات ابنائهم الراحلين

وبعد أن سحب رئيس الجن ، الفدائيّ الميت الى خارج المكتب ..أردف إبليس قائلاً :
- أتدري يا أنطون ..منذ عهد النبي محمد وأنا أخسر جنودي في مهمّة إستراق السمع من السماء لمعرفة المستقبل .. فالملائكة المسؤولة عن الشُهب تبقى دائماً على أتمّ الإستعداد ..(ثم تنهّد بضيق)..المهم الآن ، كما سمعت .. ستنجح في مهمّتك ، لذا سأعطيك مباركتي .. كما سأرسل لك خططي مع الشياطين أول بأول ، وسأبقى على اطلاع بأعمالك .. والآن عدّ إلى الشاطىء .. وسآمر الجن الغوّاص أن يوصلوك بأمان الى شطّ بلادك .. هيا انطلق وبالتوفيق لك 
***

بعد خروج (أنطون ليفي) سعيداً من جزيرة إبليس .. إقترب الوزير من إبليس الذي كان يراقب سفينة أنطون وهي تبتعد عن شاطىء جزيرته ، من النافذة العلويّة لقصره :
- أعذرني سيدي .. ما كان عليك أن تبقيه حيّاً بعد معرفته بمقرّنا السرّي
إبليس : تركته يعيش لأني تعبت من إضلال البشر وحدي , لهذا قرّرت أن أدع ذلك الخائن يساعد ابنائي قليلاً بهذه المهمّة
الوزير باستغراب : الخائن ؟!

إبليس بعصبية : طبعاً خائن !! أليس من ذريّة عدوي آدم ؟ وطالما رغب بمساندتي لإضلال بني جنسه , فهو خائن لكل البشريّة .. والخائن مكروه من كلا الطرفين .. المهم اسمعني .. اريدك أن تطلعني على إنجازاته من حينٍ لآخر .. مفهوم !!
- حاضر سيدي
***

وبعد سنواتٍ عديدة .. دخل الشيطان (الوزير) مستعجلاً الى مكتب إبليس :
- سيدي .. (أنطون ليفي) يحتضر
إبليس بلا مبالاة ، وهو يكتب بعض اوامره للشياطين : أحقاً 
- نعم سيدي .. وهو يناجيك متألّماً من سكرات الموت , ويتمنى رؤيتك في الحال
- إطلعني اولاً على إنجازاته ؟ 
- كما أخبرتك سابقاً .. هو تمكّن من تأسيس اول كنيسة للشيطان , وألّف كتابيّ الإنجيل الشيطاني والطقوس الشيطانية .. وكوّن فرقة لعبدة الشيطان ، أصبحوا متميزين بموسيقاهم الصاخبة ومحافلهم الدموية السرّية ... 

إبليس مقاطعاً باهتمام : وكم عدد روّاد تيّاره الجديد ؟
- كما تعرف سيدي ..أنطون قسّم دينه الى قسمين : فالتيار الإبليسي الألحادي انضمّ اليه اكثر من مئتي الف شخص من المشاهير والقادة .. اما القسم الفوضوي المسمّى بعبدة الشيطان : فلا يمكن حصرهم ، لأنهم منتشرون حول العالم ، حتى انه وصل للبلاد العربية !
- اذاً يستحق المكافأة .. سأذهب لأراه في لحظاته الأخيرة 
***

وفي مدينة شيكاغو الأمريكية ، وفي منزل قائد عبدة الشياطين .. تجمّع أنصاره ، بالإضافة لزوجته (برتون بلاش) خارج غرفته وهم يبكون رئيسهم الذي يحتضر في الداخل

ليظهر فجأة إبليس قرب سرير أنطون ليفي الذي قال بدهشةٍ وارتياح: 
- كم انا سعيد لقدومك ...(ثم قال بحزنٍ وألم) .. يبدو إنني أموت يا سيدي !
فقال إبليس بقسوةٍ وسخرية : بالطبع ستموت !! هل صدّقت كذبتك التي ألّفتها : بأن من يبيع روحه لإبليس سيعيش حياةً أبديّة
فقال أنطون وهو ينازع الموت : كنت أؤمن بهذا حقاً !
- لا يا عزيزي .. الموت لا يتأخّر دقيقة واحدة , فلكل أجلٍ كتاب
- لكنك الإله ! رأيتك بنفسي وأنت تسيطر على الطقس ، ولم تُغرق سفينتي بعد أن قدّمت الولاء لك  

فصرخ إبليس : يا غبي !! كان ذلك من عمل الجن الغوّاص المتواجد لحراسة جزيرتي .. يعني باختصار .. لم تكن هناك عاصفة من الأساس , كلّها تأثيرات سينمائية في خيالك .. فالجن قادرٌ على التلاعب بعقول البشر الهشّة .. وهذا ما حصل مع جميع الصيادين والطيارين الذين حلّقوا فوق جزيرتي .. فبعد إرعابهم بتلك الخيالات ، يفقدون السيطرة على القيادة ويغرقون .. كل ما في الأمر , انه حين أخبرني جُندي إنك ناجيتني لحمايتك من الغرق ، طلبت منهم أن يوصلوا سفينتك إلى جزيرتي بسلام كيّ أعرف نواياك .. هل فهمت الآن ؟!! 
أنطون بصدمة وحزن : لكنك ملك الجحيم !
إبليس : لا !! انا لا أملك شيئاً سوى غوايتكم , وقد أتيت اليوم لأشكرك على مساعدتي بهذه المهمّة.. هذا كل شيء

وفجأة ! صرخ (أنطون ليفي) وهو يتلفّت حوله بخوف :
- نار !! أرى ناراً في كل مكان !.. إبليس ارجوك ساعدني !! 
إبليس بسخرية : بالتأكيد سترى النار .. فأنا لم أعدك او أعد احداً بالجنة .. لكن نظراً لسوء أفعالك , سأسمح لك بمشاركتي الجاكوزي المتواجد في الدرك الأسفل من جهنم

ثم خرج ضاحكاً من عنده ، دون أن يروه تابعيه الذين أسرعوا نحو الغرفة لوداع قائدهم (أنطون ليفي) الذي كان يتلفّظ بكلماته الأخيرة والدموع تسيل على خدّيه :
- ماذا فعلت ؟! لقد ارتكبت خطأً جسيماً ! 

وحاول طلب الصفح والغفران من الله تعالى , وسط دهشة زوجته ومناصيره ! قبل إطلاقه صرخة روحه الأخيرة المتجهة نحو مصيره المشؤوم  
*****

ملاحظة :
 
نُشرت هذه القصة في الخانة الرئيسية لموقع كابوس
الرابط :
http://www.kabbos.com/index.php?darck=3506

هناك تعليق واحد:

مسابقة الجدارة

تأليف : امل شانوحة منصبٌ رفيع إستوفى خمسة شباب شروط الوظيفة في شركةٍ مرموقة .. واجتمعوا في مكتب المدير العام (أغنى تجّار البلد) الذي قال لهم...