الخميس، 30 مارس 2017

الإنتقام الرحيم

تأليف : امل شانوحة


اب,ابن,خطف,اغنياء,فقراء,خيانة,انتقام
لا اطيق صبراً لرؤية ابني


قاد السيارة بعد ان وضع اغنية الأحرف الأبجدية لإبن السيد (الذي يعمل لديه) بناءً على طلب الوالد
و بعد قليل ..
- مراد .. اخفض الصوت قليلاً كي اجري مكالمة هاتفية
- حاضر سيدي

ثم تكلّم السيد بالهاتف , بينما كان السائق ينظر من حينٍ لآخر نحو الطفل ذو 4 سنوات الذي كان يجلس هادئاً في مقعد السلامة بالخلف 
((الو احمد .. دعّ السكرتيرة تحضّر العقد , انا في طريقي اليكم الآن .. ماذا ؟ ..آه تقصد الصوت .. انها اغنية لسامي , السائق سيوصله الى الحضانة , انه يومه الدراسي الأول .. من ؟! .. ديانا .. آه من زوجتي .. طلبت منها ان تأخذه هي , لكنها عزمت اصدقائها على الفطور في القصر .. ماذا عسانا ان نفعل ؟..المهم انتظروني ..سلام))
و اغلق السيد هاتفه .. 

و بعد نصف ساعة , وصل الى شركته و قبل ان ينزل من المقعد الأمامي , نظر الى إبنه الصغير في الخلف و قال على عجل :
- سامي حبيبي .. ستذهب اليوم الى مكانٍ جميل و ستتعرّف على اصدقاء في مثل عمرك .. عدّني ان تكون ولداً كبيراً و لا تبكي , فأنت  ستمضي بعد الوقت في اللعب ثم يعيدك مراد ثانيةً الى المنزل .. مفهوم بابا 

ثم نزل بسرعة غير آبه ببكاء الصغير الخائف , مما اضّطر السائق الى وضع اغنية اطفال جديدة عساها تهدّئه قليلاً لحين ايصاله الى روضته 

و هنا تتصل به خادمة القصر 
((نعم سلمى .. ماذا قلتي ؟.. ارفعي صوتك أنا لا اسمعك جيداً.. نعم هو يبكي و لا شيء يسكته ... و لما افعل هذا ؟! انت رأيتي البارحة كيف عاتبتني السيدة لأني حملته بعد ان جرح ركبته .. و ما ادراني , ربما تخاف عليه من الجراثيم .. ماذا تقصدين ؟ و لماذا تخاف مني انا بالذات ؟! سلمى انا لا اسمعك جيداً .. كلّميني بعد قليل , و ذكّريني بما ينقصكم لحفل السيدة كي احضره معي .. سلام))

ثم نظر الى الولد من خلال مرآة السيارة , و قال بشفقة : 
- يالك من مسكين .. فأبواك منشغلان دائماً عنك , حتى في يومك المهم هذا .. الغريب انهم انجبوك بعد الكثير من العلاجات في اهم المستشفيات الأجنبية , فلما قلّة حنانهم عليك ؟! .. طبعاً انت لا تفهم شيئاً مما اقوله .. لا يهم !


((( ثم شرد بتفكيره :
لما تصرّ سلمى على ان احمل الصبي كي اهدّأ من روعه ؟! و لما السيدة تكرهني لهذه الدرجة , رغم انني اعمل عندهم منذ شهرين فقط ؟!

ثم تذكرّ انه سمع مرة بعضاً من شجار السيدة ديانا مع الخادمة سلمى عندما كان يُحضر اغراض السوبرماركت من السيارة و يدخلها الى المطبخ حيث كانا
- انت السبب !! انت احضرته الى منزلنا 
- سيدتي آسفة لقول ذلك ..لكنكم مدينون له بهذا
- اسكتي ايتها الخادمة !! كلمة اخرى و ارميكما سويّاً بالشارع من حيث اتيتما 
فتسكت الخادمة بامتعاض , بينما تُكمل السيدة كلامها
- حقاً لا ادري كيف استطعتي اقناع زوجي بإحضاره الينا

و هنا انتبهت السيدة لوقوف السائق مراد عند باب المطبخ 
- أكنت تتنصّت علينا ؟!!
- لا سيدتي .. الآن وصلت 
- حسناً أدخل الأغراض 
ثم ذهبت السيدة و هي تشير بعينيها للخادمة بإشارة تعني ان تصمت تماماً و لا تُخبر السائق بشيء !)))


و في هذه اللحظات .. انتبه السائق الى وصوله للحضانة 
- و هآقد وصلنا الى مدرستك يا صغير .. هيا بنا
لكن الصغير اصابته الهستيريا بعد ان تركه السائق في الحضانة .. فأسرعت المعلمة الى الخارج لتنادي مراد قبل ان يركب السيارة
- استاذ لو سمحت !! الصغير يصرخ بقوة , ارجوك تعال معنا

و ما ان دخل مراد الحضانة حتى اسرع اليه الصغير الذي كان يبكي بخوف .. و ما ان ضمّه السائق الى صدره حتى هدأ تماماً ! و هذه كانت نفس ردّة فعل الصغير البارحة حين حمله بعد ان وقع من دراجته 
المعلمة بابتسامة : يبدو ان ابنك متعلقٌ جداً بك
مراد و هو مازال مندهشاً : ماذا ! لا لا ..هو ابن السيد الذي اعمل لديه  
- برأيّ ان تبقى معه قليلاً الى ان يتعوّد على اصدقائه الجددّ  

و بعد ان بقيّ مراد بعض الوقت يلاعب الصغير بغرفة الألعاب , ودّعه بهدوء ثم ذهب 
***

و في السيارة .. شرد مراد قليلاً و هو يتذكّر زوجته المرحومة عندما كانت حاملاً بشهرها الخامس
- اتدري يا حبيبي .. انا اعدّ الأيام و الساعات كيّ الدّ صغيرنا , والله اتمنى ان اراه اليوم قبل الغد
- سترينه يا عزيزتي و سنربّيه جيداً , لا تقلقي

ثم عاد السائق بذهنه و مسح دمعته بغضب
- عليك اللعنة ايتها الخائنة !! اتمنى ان تكوني في جهنم الآن

و هنا تتصل به سيدة القصر
- مراد .. اين اغراض حفلتي يا غبي ؟!! فأصدقائي على وشك الوصول
- سأحضرهم حالاً سيدتي .... الن تسأليني عن الصغير ؟
- و لا تنسى ان تجلب العصير .. مفهوم !!
- حاضر !

و اغلقت الهاتف في وجهه
باستغراب : لم تسألني عن ابنها ! يالقلبك القاسي يا امرأة .. (و بغضب) ..اللعنة على كل النساء !!
***

و مرّت الشهور داخل القصر .. كان مراد فيها منشغلٌ بعمله كسائق , رغم تزايد علامات الإستفهام في ذهنه .. 
فلما يشعر مثلاً بأنه مراقب من قبل السيدة خاصة عند لعبه مع الصغير !  و لما يشعر بأن الخادمة تُخفي عنه امراً ! هذا عدا عن الأشخاص الذي كان يقابلهم السيد في مكتبه , حيث بدت اشكالهم اقرب الى رجال عصابات
  
و جاء اليوم الذي طردت فيه السيدة خادمتها سلمى من القصر , وكان عليه ان يوصلها الى المحطة كي تعود الى قريتها 
لكن قبل ان تستقلّ القطار اعطت السائق رسالة و هي تقول :
سلمى : كتبت لك كل شيء هنا ..(و بنبرة شفقة).. كان الله في عونك  يا مراد 

و عندما عاد السائق الى غرفته في حديقة القصر قرأ الرسالة و كان فيها :

((اخي مراد .. لا ادري كيف سأخبرك بالحقيقة .. لكن زوجتك لم تخونك مع خطيبها القديم .. لقد اجبروها على قول ذلك كي يأخذوا منك ابنك ..اتذكر الأشخاص الذين ضربوك في الشارع حتى اوشكت على الموت , سيد القصر هو من ارسلهم اليك .. القصة كالتالي : اظنك تعرف كم عانت السيدة ديانا حتى حملت , و بعد ان اخبرت الإعلام و جميع معارفها بالأمر اتضح انه حملٌ كاذب , وحينها طمعت بإبنك .. لكن زوجتك رفضت تماماً ان تبيعهم الولد واستقالت من عملها كطبّاخة القصر , فهدّدوها بقتلك .. و عندما عدّت انت الى بيتك بعد اسبوع قضيته بالمستشفى , اخبرتك المسكينة بأن الولد ليس ابنك , لأنها كانت خائفة عليك منهم .. وانت ماذا فعلت ! طلقتها بعد ان اشبعتها ضرباً , و بالكاد استطاع الطبيب انقاذ حملها .. و في الوقت الذي امضيته في السجن بسبب العنف الزوجي , كانوا الملاعيين قد سجنوا زوجتك شهوراً في قبو القصر الى ان جاء يوم الولادة , لكن الطبيب (الذي احضروه بالسرّ) لم يستطع وقف النزيف .. و قاموا لاحقاً بإرسال جثمانها الى قريتنا بعد ان زوّر طبيبهم شهادة الوفاة و بأنها ماتت مع جنينها لضعفٍ في قلبها , و الغريب انه لم يلاحظ احد عدم وجود جثة الصغير معها ! .. و على فكرة : انا التي اصرّيت على السيد ان يوظّفك بالقصر (بعد ان خرجت من السجن) لأني اقنعته بأنه من الأفضل ان تبقى تحت رقابتهم كيّ لا تعرف بموضوع ابنك بالصدفة.. و قد هدّدوني لاحقاً بالقتل في حال بحت لك بالسرّ , لكني لم اعدّ احتمل ان اراك تلاعب الصغير على انه ابن السيد , واظنك لاحظت كيف يهدأ عندما تكون بجانبه .. و الآن لم اعد خائفة منهم بعد ان تركت عملي , فأنا مدينة بذلك لزوجتك فهي كانت زميلتي في العمل و كلنا بالنهاية ابناء نفس القرية .. و لهذا ارجوك يا مراد .. انتقم لزوجتك و استرجع ابنك من ايدي الأشرار .. لكن كنّ حذراً لأنك تحت المراقبة و كذلك جوّالك .. و القرار الآن يعود اليك .. بكل الأحوال انتبه على نفسك .. مع السلامة)) 

رمى مراد الرسالة جانباً و قلبه يرتجف بشدّة .. مسح العرق عن جبينه و هو يحاول ان يتذكّر ليلته الأخيرة مع زوجته التي اشبعها فيها ضرباً و هو ينعتها بأسوء الألقاب و الألفاظ 
- لا ! هذا غير صحيح .. الصغير هو ابني ! .. هل ظلمت زوجتي ؟!.. اللعنة مالذي يحصل من ورائي ؟!

و لم يستطع مراد النوم طوال الليل , و هذا ما جعله يلاحظ اصوات المتسلّلين ليلاً الى القصر
***

في صباح اليوم التالي بالمستشفى :
سيد القصر : لا ادري كيف اشكرك يا مراد , فأنت انقذت ابني من ايدي الخاطفين ..
مراد : هذا واجبي .. لكن من هم ؟ و ماذا يريدون من الصغير ؟
- منافسي في العمل , يريدون خطف ابني للضغط علي كي انسحب من المناقصة .. و قد اخبرت المحقق بكل شيء و هم سيتكفّلون بالموضوع 

و هنا خرجت السيدة من الغرفة , فسألها زوجها بقلق :
- كيف هو ابني ؟
- لا تقلق , لقد نام بعد ان اعطته الممرضة مهدّئاً .. اتمنى ان لا يترك الجرح علامة في رأسه

ثم تلتفت الى السائق و تقول :
- شكراً لأنك انقذت ابني 
- لا شكر على واجب 

ثم ذهب السيد و زوجته الى غرفة الطبيب ليستفسروا عن المدة التي سيمضيها الصغير في المستشفى

و بينما كان السائق ينتظرهما في الممرّ , لاحظ بقعة دماء الطفل 
على سترته عندما حمله بعد ان اسقطه احد الخاطفين عندما انهال عليهما ضرباً بالعصا .. و هنا خطرت على باله فكرة و هي ان يذهب الى مختبر المستشفى و يطلب مقارنه دمه بدم الطفل لفحص الأبوّة
***

و في المساء .. كانا قد تركا السائق لوحده في المستشفى كي يعيد الطفل صباحاً الى القصر .. و حينها اقتربت منه الممرضة وقالت: 
- لقد ظهرت نتيجة فحص الدم .. تفضّل

و اعطت مراد الظرف , ففتحه و قلبه يدقّ بقوّة .. و كانت النتيجة تؤكّد ما قالته الخادمة .. و عرف انه ظلم زوجته المرحومة , فانهار ببكاءٍ مرير..  ثم لم يشعر بنفسه الا و هو يدخل غرفة الصغير النائم و انحنى قربه  و صار يقبّل وجنته و يداه و رجلاه و هو يبكي بقوّة :
- ابني حبيبي .. سامحني بابا .. لقد ظلمتك و ظلمت امك .. سامحني يا عمري

و بعد ان امضى ساعة يتأمّل شكل ابنه النائم , جلس مراد طوال الليل على الكرسي المقابل لسرير الطفل و هو يخطّط كيف سينتقم من سيد القصر و زوجته اللذان دمّرا حياته و حياة عائلته
***

بعد شهر .. استطاع مراد ان يتعرّف على احد منافسيّ سيد القصر الذي اعطاه ملفاً مهماً كان قد سرقه من مكتب السيد , و الذي ادّى لاحقاً الى خسارة مالية كبيرة كانت السبب في تزايد المشاكل بينه وبين زوجته .. 

و مرّت الأيام الى ان اتت الليلة المنتظرة حين انفجر الرجل غضباً من زوجته ديانا فدفعها بقوة لتسقط من اعلى الدرج و تدقّ عنقها .. فأسرعت الخادمة الجديدة بالإتصال بالإسعاف .. 

و هنا اقترب مراد من السيد الذي كان يبكي فوق جثتها مذهولاً واستغلّ شتات افكاره و اقنعه بالهرب قبل ان تصل الشرطة وتسجنه لقتله زوجته .. و بالفعل اجلسه بالمقعد الأمامي بينما وضع الصغير في مقعد السلامة الخلفي و قاد السيارة الى اطراف المدينة  
و بعد ان هدأ السيد من بكائه الهستيري , انتبه على وجود الطفل في المقاعد الخلفية , فسأل السائق :
- و لما احضرته معنا ؟!
- من الأفضل ان تسافر معه الى خارج البلاد .. و لا تقلق , فكل شيءٍ جاهز .. جواز السفر و تذكرة الطائرة..
السيد باستغراب  : و كيف عرفت انني سأحتاجهم هذا اليوم ؟!
- لم اعرف .. لكن السيدة طلبت مني ذلك قبل يومين , يبدو انها كانت تخطّط الى رحلة ..
مقاطعاً و بعصبية : رحلة و نحن في وسط ازمة مالية ! يالها من متعجرفة مجنونة !! 

ثم يتذكر ان زوجته ماتت قبل قليل فيعود الى البكاء .. و ظلّ هكذا الى ان توقفت السيارة على حافة الجبل .. و اذّ به يتفاجىء بمراد يرفع في وجهه المسدس و يقول مهدّداً : 
- لكنك لن تسافر الى ايّ مكان , بل ستلحق بزوجتك بعد قليل 

السيد بدهشة و خوف : ماذا تفعل يا مجنون ؟!
- استردّ حياتي ايها اللعين !! فقد عرفت كل شيء و كيف خططت انت و زوجتك العاقر لتسلبا مني ابني 
بخوف : كانت فكرة زوجتي , انا لم ..

- انت من ارسلت الأشخاص الذين كادوا يقتلونني , و انت من طلبت من محاميك ان يسجنني بتهمة العنف الأسري , و كل هذا للضغط على زوجتي كي تعطيكم الولد
- اذاً خذّ ابنك و اتركني ارحل من البلد !! اصلاً انا لم اشعر بحنان الأبوّة تجاه طفلك , و كأن هناك شيء يمنعني من ذلك ! و كذلك زوجتي

- طبعاً ..و كيف ستحبون ابن السائق و الطباخة التي كانت تعمل لديكم , هذا لا يليق بمقامكم الرفيع .. لكني مع هذا سأقبل بعرضك  و آخذ ابني و ارحل .. لكن ان اقتربت مني او منه ثانيةً فسأقتلك .. افهمت !! سأقتلك !! 
السيد بخوفٍ شديد : لن اقترب منكما .. اعدك بهذا .. خذه و دعني اذهب .. ارجوك

و خرج مراد من السيارة بعد ان اخذ ابنه النائم معه .. لكن قبل ان يبتعد وضع الصغير يده على فم والده , و على الفور تذكّر مراد زوجته التي كانت لديها نفس العادة حيث لا تنام الا بعد ان تضع يدها على فمه .. و صار يتخيّلها و هي تبكي وحيدة في قبو القصر الذي امضت فيه شهوراً , و كيف ماتت من نزيف الولادة قبل ان ترى وليدها التي كانت تنتظره بفارغ الصبر .. 

فعاد اليه جنونه !!! ووضع ابنه النائم على الرصيف .. ثم انطلق مسرعاً نحو السيارة التي كان يحاول السيد ادارة محرّكها بصعوبة 
- هيّا تحركّي ايتها السيارة الملعونة !! ليس وقتك الآن لتتعطّلي ..ماذا يحصل ؟! .. لا ! مراد لا تفعل ارجوك !!

و حينها كان مراد يدفع بكل قوته السيارة , لتسقط (و بداخلها السيد) من اعلى الجبل

ثم يعود ليحمل ابنه و هو يبتسم ابتسامة النصر  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...