تأليف : امل شانوحة
هل أعدمت الشخص الخطأ ؟!
إقترب الحارس من السجين قائلاً :
- جيمس .. هل لديك طلبٌ أخير قبل إعدامك ؟
فأجاب السجين بصوتٍ مرتعش : اريد التكلّم مع المحققّ جون
- هو يشاهدك الآن من خلف الزجاج المعتم , سأناديه لك
وبعد دخوله ، قال السجين :
- إقترب أكثر .. لا تخف , فجسمي مقيّد بهذا الكرسي اللعين
وبعد اقتراب المحققّ منه ، همس له بغيظٍ وغضب :
- إبحث عن قاتل زوجتي واعدمه بهذا الكرسي , ربما حينها أسامحك على غلطتك الشنيعة بحقي !!
وكان هذا آخر ما قاله السجين ، قبل إعدامه بالكرسي الكهربائيّ !
مما جعل المحقّق يشكّ بنفسه :
((من الغير معقول أن يكذب الشخص قبل دقائق من موته ! فهل تسبّبت في إعدام شخصٍ بريء ؟!))
***
ولم يستطع النوم تلك الليلة .. لذا قام بإخراج ملفات الجريمة لإعادة مراجعتها ، لكنه لم يجد خطأً في قراره ! فجميع الأدلة تشير الى (جيمس) .. حيث سأل موظفة البنك عن بوليصة تأمين حياة زوجته ، قبل يومين من مقتلها.. كما شهدت جارته إنه يُعنّف زوجته من وقتٍ لآخر .. لكنه مع ذلك أصرّ أنه وجدها مضرّجة بالدماء فور عودته من العمل , وإنه وضعها في سيارته بنيّة أخذها الى المستشفى ..لكن بعد تأكّده من موتها ، إرتبك كثيراً لدرجة انه فرّ من الدوريّة التي لاحقته بسبب سرعته ..
وبعد إنتهاء المحقق من مراجعة الملفات ، تساءل إن كان تسرّع باستنتاجاته ضده !
وظلّ يفكّر بالأمر طوال المساء ..
***
في الصباح .. طلب من مديره دخول شقة المغدورة ، فسأله باستغراب :
- ولماذا تريد الذهاب الى هناك ؟! أغلقنا القضية بعد تنفيذ الحكم
المحقق جون : رجاءً سيدي , أريد إنهاء شكوكي لإراحة ضميري
***
وعندما دخل الى هناك .. بحث بدقة في كل مكان ، الى أن وجد شعرة شقراء فوق السجادة الموجودة قرب سريرها ..
المحقق بدهشة : شعرةٌ شقراء ! لكن كلا الزوجين شعرهما اسود !
***
وفي مكتب التحقيقات .. ظهرت نتيجة تحليل (DNA) .. ووضعت البيانات في الكمبيوتر : لتظهر صورة شاب اشقر ، إتهم سابقاً بقيادة سيارته تحت تأثير الكحول
وأُصدر الأمر بالقبض عليه ..
لكن الشاب (آدم) أصرّ في جميع جلسات التحقيق : انه دخل شقة القتيلة قبل ايام من موتها لترتيبها , فهو يعمل في شركة تنظيفات
الاّ ان تسجيلات الكاميرا أظهرت انه قدِمَ اكثر من مرّة الى المبنى خلال الشهرين الفائتين على مقتل السيدة .. كما لم يظهر من سجّلات شركة التنظيفات (التي يعمل لديها) بأن أحداً من سكّان المبنى إتصل بهم خلال تلك المدة , باستثناء طلب القتيلة قبل يومين من مقتلها
وعلى ضوء الأدلة الجديدة ، أُعيد فتح القضية ..
***
وبعد شهرين من المحاكمة .. صدر الحكم على آدم بالإعدام , خاصة بعد رفضه تبرير زياراته المتكرّرة لذلك المبنى !
***
وفي يوم الإعدام .. إنهار الشاب باكياً , بينما كان المحقّق يشاهده من خلف الزجاج المعتم ..
آدم وهو يبكي بحرقة : انا بريء !!! لم أقتل احداً , صدّقوني !!!
وظلّ يردّد تلك الجملة ، لحين إعدامه بالكرسي الكهربائيّ
***
وبعد خروج المحقق من السجن .. رأى سيدة تركن سيارتها بتهوّر , ثم تركض باكية باتجاه البوّابة ..
فأوقفها المحقق :
- الى اين تذهبين يا امرأة ؟
فقالت بصوتٍ متهدّج والدموع تسيل على خدّيها :
- ارجوك دعني أدخل , يجب إيقافهم قبل إعدام شابٍ بريء
المحقّق بقلق : أتقصدين آدم ؟
- نعم
- أعدمناه قبل قليل
فانهارت على الأرض باكياً بحسرة .. فاقترب منها المحقق :
- هل انت قريبته ؟
فقالت بتردّد : لا ..هو عشيقي , فأنا أسكن في مبنى القتيلة
المحقق بدهشة : أتقصدين انه اعتاد زيارتك في المبنى ؟!
- نعم .. أظنه لم يخبركم ، خوفاً عليّ من زوجي .. فأنا شكوت له قسوته وغيرته الخانقة
المحقّق بصدمة وغضب : ولما لم تخبرينا بذلك قبل إعدامه ؟!!
- كنت مسافرة مع زوجي الى الخارج .. واليوم صباحاً عدنا لشقتنا , وأخبرنا البوّاب بالأمر .. اللعنة عليّ !! لقد مات حبيبي وهو يحاول حمايتي
وبكت بمرارة .. بينما ابتعد المحقّق وهو يتمّتمّ مذهولاً :
- بل اللعنة عليّ , أعدمت شخصين ظلماً !
***
بعد وصوله المنزل .. وجد رسالة في بريده ، وحين فتحها وجد شريطٌاً تسجيليّ بصوت جيمس (السجين الذي أعدمه اولاً) والذي قال :
((بما انك تسمعني الآن , فهذا يعني انك تسبّبت في إعدام شخصٍ ثاني .. فأنا أوكلت صديقي بإرسال الشريط بعد حصول ذلك.. وبصراحة اريد الإعتراف لك بشيء : كنت محقاً بشأني .. أنا قتلت زوجتي طمعاً في مال التأمين على حياتها .. لكنك كشفت لعبتي وأعدمتني .. وإن كنت تتساءل عن سبب إنكار جريمتي بآخر لحظة في حياتي ، فهو لكيّ أعلّمك درساً قاسياً .. أتذكر اثناء تحقيقك معي , سألتك سؤالاً : إن كنت تشعر بتأنيب الضمير عندما ترسل شخصاً للإعدام ؟ ..فأجبتني بغرور : ((فقط الحثالة امثالك يخطئون !! اما انا ومن في مقامي , من المستحيل أن يعذّبنا ضميرنا ، لأننا لا نخطأ ابداً)) .. لكنك اليوم يا عزيزي , أعدمت شخصاً بريئاً .. وهاهي يداك تلطّختا بالدماء مثلي .. وصار بإمكان روحي أن ترتاح ، وانا أراقبك من السماء وأنت تتعذّب بذنبك طوال حياتك .. لقاءنا في الجحيم ايها اللعين المتغطرس))
وانتهى الشريط بضحكة جيمس المجلّجلة الساخرة , تاركاً غصّة في قلب المحقّق الذي شعر بالندم والقهر الشديدين !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق