تأليف : امل شانوحة
طيف المهرّج
في مهرجانٍ شعبيّ بقريةٍ زراعية .. إجتمع ثمانية اولاد حول مهرّجٍ يُغطي كامل وجهه بالزينة ، حاملاً بالوناته الملونة ..وهو يقول لأهلهم بغموض :
- إتركوا اولادكم يختارون اللون الذي ينجذبون اليه ، فهو سيحدّد مستقبلهم
ورغم غرابة كلامه ! الا ان الأولاد فرحوا باختيار كل واحدٍ منهم ، لوناً مختلفاً عن الآخر
***
بعد اسبوعين .. إجتمعت النّسوة في مناسبة خطوبة إحدى الصبايا.. حيث تناقشت الأمهات الثمانية ، طباع اولادهم التي تغيرت بعد المهرجان ! وذلك بإصرارهم على طلاء غرفهم وتغيّر الوان ملابسهم ، حتى اصناف طعامهم الى نفس لون البالون الذي اختاروه بالمهرجان الذي كان له تأثيراً ايجابياً عليهم في الأسبوع الأول :
فالولد الذي اختار البالون الأحمر : أصبح مُفرط النشاط ، ومُحبّاً للدراسة على غير عادته !
اما الولد الذي اختار اللون الأزرق : زاد تركيزه ، وأصبحت تصرّفاته رزينة
واللون الأخضر : صار متوازناً ومنسجماً ، بقراراتٍ تفوق سنه !
والطفلة صاحبة البالون الأصفر : ظهرت موهبتها الإبداعيّة بالرسم
والبرتقالي : أصبح إجتماعياً مع محيطه ، بعد ان كان مُحباً للعزلة !
اما البنفسجي : فصار مُهتماً بالأمور الروحانية مع تزايد اسئلته الوجوديّة ، رغم عدم تجاوزه 10 سنوات (وهو اكبرهم سناً)
والبالون الأسود : زوّد من هيبة الصبيّ وقوّة شخصيّته بين اقرانه
اما الطفلة صاحبة البالون الأبيض : فأصبحت كالملاك ، بقلبها الذي زاد صفاءً وبراءة
لكن امورهم انقلبت رأساً على عقب بالإسبوع التالي :
فمن اختار البالون الأحمر : تحوّلت تصرّفاته لعدوانيّةٍ مُفرطة !
والأزرق : فكثرت ساعات نومه .. حتى اصبح نادراً ما يخرج للعب مع اصدقائه .. ومشاعره باردة بشكلٍ مُقلق !
والأخضر : صار مغامراً متهوّراً .. يقضي معظم وقته بحقول القرية ، مما أجبر والده على ضربه لإعادته للمنزل !
اما الطفلة صاحبة البالون الأصفر : فزادت غيرتها من اخيها الصغير ، محاولةً ايذائه بشتّى الطرق ! مما اقلق والديها
البرتقالي : تضاعف عدد اصدقائه بشكلٍ ضايق عائلته ، بعد إحضارهم كل يومٍ الى منزله !
اما البنفسجي (10 سنوات) : فصار مُدمناً على دراسة الأديان الأخرى ، لاكتشاف الدين الصحيح بينهم ! (حسب قوله)
وأخطرهم ، كان من اختار البالون الأسود : حيث انحصر حديثه عن طرق الإنتحار بعد زيادة اكتئابه بشكلٍ مخيف ، دون سببٍ واضح !
اما الطفلة صاحبة البالون الأبيض : فأصبحت مُشتّتة التفكير ، كأنها تعيش في فراغٍ نفسيّ وروحيّ بعد انقطاع تواصلها مع محيطها !
وظلّت الأمهات تتشاركن قصص ابنائهن ومشاكلهن التي ظهرت حديثاً ، الى ان تذكّرت إحداهن : الشاب الذي طُرد من قريتهم بعد محاولته إقناع الناس بطاقة الألوان التي كان مهووساً بدراستها .. وربما عاد على هيئة مهرّج ، للإنتقام من الأباء الثمانية من خلال اولادهم .. فهم من فتنوا عليه لرئيس القرية ، وأقنعوه بنفيه للجبال قبل عشر سنوات !
^^^
وبعد انتهاء المناسبة النسائية .. عادت الأمهات الثمانية الى بيوتهن ، وهن خائفات على مصير اولادهنّ ! وقمن بالضغط على ازواجهن ، لنقل شكواهن لرئيس القرية الذي اصدر اوامره لاحقاً : بتتبّع المهرّج نحو الجبل القريب من القرية
^^^
وعندما وصل الأباء الثمانية الى كهف الجبل ، وجدوا المهرّج يغني وهو ينفخ بالوناتٍ ملوّنة جديدة .. فسأله احدهم بحنق :
- هل تنوي أذيّة اولادٍ آخرين ، ايها الحقود الشرير ؟!!
فالتفت اليهم بابتسامته المريبة :
- اولادكم اختاروا مصيرهم بأنفسهم ، ولا يمكنكم فعل شيء لتغير مستقبلهم
فقال احد الآباء :
- انت كنت شاباً مهرطقاً ، تريد الإثبات بالقوة نظريتك حول طاقة الألوان
فأجابه المهرج ساخراً :
- وهآ انا أثبّتها من خلال اولادكم .. فمن المجنون الآن ؟
فعادوا قلقين للقرية ، بعد اتفاقهم على استدعاء طبيبٍ نفسيّ من المدينة (مُتخصّص باضّطرابات الأطفال) دون علمهم بأن زوجاتهم قرّرن تغير الألوان المفضلة لأولادهم : عن طريق طلاء غرفهم بألوانٍ مغايرة ، ورميّ ملابسهم القديمة مع إجبارهم على لبس ما اشتروه حديثاً ، وطبخ اصنافٍ لا تحوي لونهم الذي يصرّون عليه بعد ذلك المهرجان المشؤوم !
ليصل الأباء الى بيوتهم متأخرين ، وقد عمّت الفوضى من اولادهم المنهارين عصبياً بعد التغير الجبريّ لروتينهم اليوميّ .. حتى ان الأباء بصعوبة منعوهم من مغادرة البيوت مساءً ، مع محاولة تهدئة صراخهم الهستريّ !
مما أقنع الإمهات بصحّة قرار ازواجهم ، بضرورة إحضار الطبيب الشهير لعلاج اولادهم من ازمتهم الغريبة !
***
بعد يومين مُتعبين مع الأولاد الثمانية الذين زادت مشاغباتهم وتصرّفاتهم المستفزّة لأهاليهم .. عاينهم الطبيب النفسي بجلساتٍ انفراديّة .. ليُخبر بعدها الأباء بنتيجته النهائية :
- كأن طاقاتهم الداخليّة سُحبت عنوة ، مما أوجعهم جسدياً ونفسياً ..وهو شيءٌ غير علميّ ، بل أشبه بتعويذةٍ صعبٌ فكّها !
وهنا فهم الأهالي بأن المهرّج استخدم سحراً اسوداً ، بعد ان ظنوه سابقاً مهووساً بعلوم الطاقة فحسب !
وهذا ما أجبرهم على إحضار المشعوذة المنبوذة (التي تعيش بأطراف القرية) لحلّ اللغز العصيب !
***
بعد حديث المشعوذة مع الأولاد على انفراد ، قالت لأهاليهم :
- لقد ربط المهرّج أرواحهم بالألوان... كل لونٍ أصبح بوابة لطاقةٍ ملعونة.. لكن يمكنني عكس قوّة الطيف ، حينها سيرتدّ السحر على المهرّج أينما كان
ثم طلبت من الأهالي إلتزام الصمت ، لحين انتهاء جلستها الشفائيّة .. واضعةً الأولاد على جانبي مرآةٍ مزدوجة ..
ثم بدأت بتلاوة تعويذاتٍ معينة ، وهي ترمي كراتٍ ملوّنة داخل موقد النار .. ليظهر طيفٌ ملوّن احاط بالأولاد الذين حاولوا الهرّب ، قبل نفخها غباراً سحريّاً على وجوههم ، أجبرتهم على طاعتها دون مشاغبة !
^^^
في هذه الأثناء ، تواجد المهرّج في كوخٍ قديم بالغابة (بعد تركه الكهف ، خوفاً من انتقام الأباء الثمانية) ..
وقبل مسح زينته المُبهرجة التي أتعبت بشرته ، تفاجأ بألوان مفروشات الكوخ تُسحب لخارج النافذة المفتوحة !
فخرج لمعرفة السبب ، لينصدم برؤية ثماني اطيافٍ ضخمة تحيط به .. تبدو كهالاتٍ ملونة ، بحضورٍ طاغي !
فصرخ خائفاً : من انتم ؟!!
- نحن حرّاس الألوان .. وجئنا لمعاقبتك على تشويه طاقتنا
المهرّج مُعترضاً : لست شرير القرية !! بل هم طردوني منها ، لاهتمامي بطاقة الألوان ! فأنا اول من صدّقت بقوتكم ، فكيف تريدون اذيّتي الآن ؟!
- وما ذنب الأطفال لتعاقبهم بمصيرٍ مُحدّد طوال حياتهم ؟
المهرج غاضباً : أبناء الملاعين هم مرآتي.. فكما تركوني مُشرّداً ووحيداً مُعدماً ، سيذوقون صغارهم طعم العزلة والضياع والتمرّد .. ولن تنفع ثرواتهم ولا حكمتهم ولا مراكزهم ، لتغير الطاقات الداخليّة لإبنائهم ..
- لقد اعماك الإنتقام .. فنحن طاقة نقاءٍ وصفاء ، مهمّتنا منح البهجة للناس وإعطاء معنى لحياتهم الباهتة .. وانت تعدّيت على خصوصيتنا .. لذلك حكمنا بالإجماع !! بإزالة الواننا منك
وفجأة ! انسحبت الوان ملابسه المُبهرجة مع مكياج وجهه ، كل لونٍ امتصّه الحارس الموكّل به.. لتصبح ثياب المهرج رماديّة اللون ، بوجهه الشاحب .. ولم يكتفوا بذلك ، بل قاموا بسحب الوانه الداخلية : من دماءٍ وأعضاءٍ حيويّة .. ليسقط المهرج جثةً هامدة ، بعد تحوّله الى مومياء .. ومنها الى رماد تناثر بالهواء ، مع عودة الأطياف الثمانية لعالمهم الموازي !
^^^
بهذه الأثناء ، إستعاد الأولاد نشاطهم وحيويتهم .. ليسارع الأهل باحتضانهم وهم سعداء بشفائهم ..
وقبل رحيل المشعوذة ، نبّهت الأهل قائلةً :
- صحيح انني نجحت بعكس قوة الأطياف ، لكن أثرها سيبقى مع اولادكم .. فهم لن يعودوا الى شخصيتهم القديمة قبل المهرجان .. بل بنسخةٍ جديدة مُتزنة ، بعد مرورهم بتجربة الأطياف الثمانية .. وهذا يعني انهم سيكونون اكثر حدساً وحساسيّة من ابناء جيلهم
إحدى الإمهات بقلق :
- وهل ستبقى لديهم سلبيات الألوان السابقة ؟
المشعوذة : لا ، فقط ايجابيات الألوان .. المهم ان لا تحاولوا تغيرهم .. فقط !! تقبلوا نضوجهم الذي يفوق عمرهم بأشواط
وبعد دفعهم اجرة المشعوذة ، عاد الأهالي مع اولادهم الذين بدى من كلامهم انهم امتلكوا عقليّة حكماء ، رغم صغر سنهم .. بعيونٍ تلمع ذكاءً وحكمة ، بعد عبورهم بوابةٍ خفيّة لا رجعة منها !
هذه قصة اطفال فوق سن 12 .. اتمنى ان تعجبكم
ردحذففي ذهني عدة أفكار لقصص يا أستاذ أمل
ردحذفهل أرسلها لكي هنا أو في بريد المدونة
وهل أرسلها رؤوس أقلام أو مختصرة في عدة أسطر
بعضها مثير للجدل قد تكون فكرتها مخالفة لشروط المدونة فلن أقوم بإرسالها
ان ارسلتها هنا كرؤوس اقلام ، فلن انشر تعليقك ، حفاظاً على سرّية افكارك .. او ارسلها على البريد الإلكتروني .. وان اعجبتني وحوّلتها لقصة ، سأكتب انك صاحب الفكرة
حذفاحتفظت بافكارك بملف عندي .. كنت كتبت اكثر من قصة عن النرجسين ، وكذلك البشر المتواجدين بكوكب اخر .. على كلٍ ، لنتركها للمستقبل ..لربما اجد قصة ملائمة لافكارك .. تحياتي لك
حذف💚
ردحذف