كتابة : امل شانوحة
تطبيقٌ مصيريّ
جاكلين فتاةٌ عشرينية مرحة ، لا تأخذ الحياة محمل الجد ، ولا تهتم بدراستها الجامعيّة ..وبقيت على هذه الحال ، الى ان وصلها اعلان على حاسوبها :
((تطبيقٌ هادف ، يمكنك بواسطته الإتصال بنسختك الماضية او المستقبلية))
فضولها جعلها تفتح البرنامج ، لتشاهد شبيهتها بعمر الخمسين !
فسألتها باستغراب :
- هل هذه إحدى الفلاتر ؟
- انا هو انت !! لكن اكثر نضجاً .. اسأليني ما شئتِ ؟
ورغم شكوكها ، سألتها عن مصيرها العلميّ ؟
فأجابت شبيهتها بأنها ستصبح معلمة علوم للمرحلة الإبتدائية .. يعشقها جميع الطلّاب ، بسبب افكارها الإبداعية بالتعليم
جاكلين : كلامك هذا يجعلني اهتم اكثر بدراستي !
- عليك فعل ذلك .. لأنك ستندمين على إضاعة وقتك بالنادي ، والنزهات مع الأصدقاء الذين ستنفصلين عنهم فور تخرّجك الجامعيّ
وأخذت تنصحها برويّةٍ وهدوء ، الى ان قالت جاكلين :
- سيسعد والدايّ بهذا التطبيق ، بعد ان أتعبتهما بإهمال مستقبلي .. شكراً على كل شيء ، عليّ الذهاب الآن
النسخة الكبيرة : لحظة !! قبل إغلاقك البرنامج ، هل سأراك مجدّداًً؟
- طبعاً !! فلديّ عشرات الأسئلة حول مستقبلي .. لكن عليّ الدراسة بالحال !! فغداً لدينا امتحانٌ اختياريّ ، لرفع علاماتنا النهائية .. وكنت انوي تجاهله ، لكني سأدرسه بعد كلامك التحفيزيّ.. القاك غداً ، فعندي الكثير من الأسئلة حول حياتي العاطفية
***
وبمضيّ الشهور .. تعلّقت جاكلين بالتطبيق الذي صارت تحادثه ساعتين كل يوم ، مع تغيّر شخصيّتها بشكلٍ جذريّ .. حتى اصبحت فتاةً مسؤولة ، وأكثر وعياً ونضجاً
الى ان اتى يوم ، اختفت فيه نسختها المستقبلية ! وكان آخر شيءٍ تحدثتا عنه ، هو الإحتفال بسنها 51 ..
جاكلين بقلق : هل هو عطلٌ الكترونيّ ؟ ام انني سأتوفى بعد يومٍ واحد من بلوغي سن 51 ! .. إن كان هذا مستقبلي ، فالأمر مرعب .. ليس لديّ الكثير من الوقت لتحقيق جميع احلامي وطموحاتي
وقد آلمها كثيراً اختفاء نسختها التي تعوّدت على رؤيتها كل يوم .. فتلك المحادثات كانت بمثابة جلسات إرشادٍ نفسيّ ، مليئة بالحكمة والدفء..
لكن في المقابل ، زاد حرص جاكلين واهتمامها بدراسة علم نفس الأطفال ، لمساعدتها لاحقاً بعملها التربويّ مع طلّاب الإبتدائي .. كما قراءتها العديد من الأبحاث العلميّة عن اساليب تعليم الصغار المتطوّرة ..
كل هذا بنى لها مساراً مهنياً مميزاً ، جعلها تتوظف مباشرةً بعد تخرّجها .. بعكس زملائها الذين واجهوا صعوبة في ذلك
***
ولم تمضي سنتيّن على بدء تعليمها المرحلة الإبتدائية ، حتى حصلت على ترقية لتدريس الثانوية .. لكنها أصرّت على تعليم الصغار
فالإدارة لا تعلم باطلاع جاكلين على مستقبلها ، من خلال التطبيق الذي ظلّ مُستمراً بالإنترنت بشخصياته المتعددة ..دون شخصيّة جاكلين الخمسينية التي اختفت للأبد !
***
بنهاية العام ، وفي حفلٍ مدرسيّ جمع معلمي المرحلة الإبتدائية لمدراس المنطقة .. التقت جاكلين مع معلم رياضيات من مدرسةٍ اخرى ، بعد ان سمعته بالصدفة وهو يتناقش مع زميله عن نفس التطبيق !
فطلبت محادثته جانباً ، وأخبرته بما حصل معها..
فأجابها الأستاذ جاك :
- لا ، نسختي لم تختفي ! لأني اساساً لم أخترّ المستقبل ، بل الماضي
جاكلين بدهشة : الم يكن لديك فضول لمعرفة ما سيحدث لك بالسنوات القادمة ؟!
جاك : بل اتشاءم من ذلك .. وجيد انني اخترت الماضي ، لأنه واضح تأثير إختفاء نسختك المستقبلية على نفسيّتك
جاكلين باهتمام : وكيف هذا ؟!
- انت معروفة بين الموظفين بتفانيك بالعمل .. وانضمامك للكثير من الدورات الثقافية ، لتحسين مهارتك بالتعليم .. لدرجة رفضك الزواج او الإندماج مع محيطك !
- هذا صحيح .. ولولا إصرار المديرة على قدومي الى الحفل ، لما فعلت ؟ لكن لا تلومني ، فليس لديّ الكثير من الوقت لأضيّعه بالنزهات والمناسبات.. فأنا لا ارغب الموت ، دون ترك أثرٍ حسنٍ من بعدي
جاك : ولهذا السبب بالذات ، اخترت الماضي بالتطبيق
جاكلين : ولماذا تريد محادثة نسختك الصغيرة ؟! فأنت بالنهاية تعرف جميع الأحداث التي مرّرت بها في طفولتك ! يعني لا معلومات جديدة..
مقاطعاً بقهر : كنت بحاجة لشفاء طفلي الداخليّ .. فوالدي كان قاسياً جداً ، مما جعلني ضعيف الشخصية ، اعيش بظلال الآخرين .. لكن بعد رؤيتي لنسختي الصغيرة بجسمه المليء بالرضوض والكسور من عنف ابي المرحوم .. بدأت اواسيه كل يوم ، وأُفهمه أن ما يحدث حوله ليس ذنبه .. وانه لا يشبه الصفات التي نعتها به والدنا : كولدٍ فاشل وغبيّ وعديم المسؤولية ..
- وهل تحسّنت نفسيّة الصبي ؟ ..أقصد نسختك القديمة ؟
جاك بارتياح : كثيراً !! وصار يمزح معي ويضحك على غير عادته ! دون انتباهي بأنه من خلال تشجيع الصغير على تجاهل نقد والده المدمّر وبناء علاقاتٍ صحيّة مع اصدقائه ، كنت أعيد بناء شخصيتي الجديدة بعد تحرّري من اوجاع الماضي !
- وما النواحي التي تحسّنت بها ؟
- كل شيء !! فقد اصبحت معلماً قوياً ، بعد ان كان الطلاّب والمعلّمين يستهزئون مني .. ولكيّ أتشافى تماماً : انتقلت لمدرسةٍ اخرى ، التي أظهرت فيها شخصيتي الجديدة
جاكلين : حسناً فعلت .. لأن الذين تعاملوا مع نسختك الضعيفة سيتابعوا تنمرهم عليك ، دون فهمهم التغيّر المفاجئ الذي حصل لك ، بفضل تطبيقنا الرائع !!
جاك : صحيح ان البرنامج كان له أثراً إيجابيّاً علينا .. لكنه كان كارثياً على الآخرين
جاكلين باهتمام : انا قطعت علاقتي بالتطبيق بعد موت نسختي المستقبلية ، فماذا حصل ؟!
- بعض الأشخاص الذين استعلموا التطبيق ، لم يكونوا اقوياء مثلك بعد موت نسخهم المستقبلية .. فأنت ضاعفتي جهودك ودراستك .. بينما انهار عدداً منهم ، وأقدم البعض على الإنتحار .. بينما انحرف الآخرون بتعاطي المخدرات وارتكاب الجرائم ، طالما لا مستقبل لهم!
- يا الهي ! علينا ارسال شكوى لصاحب التطبيق ، لمنع إختفاء النسخ المستقبلية .. فلا احد يرغب بمعرفة تاريخ وفاته !
جاك : وهذا ما كنت أحادث به زميلي قبل قليل .. فهو اعطاني عنوان مُبرمج التطبيق .. ما رأيك لوّ نزور مكتبه معاُ ؟
***
وبالفعل قاما بزيارته بنهاية الاسبوع ، ليتفاجآ بجوابه :
- اساساً لم تتحدّثا مع نسختكما الماضية والمستقبلية .. بل هي محاكاة ذكية أنشأها الذكاء الاصطناعي ، بناءً على تحليل بياناتكما .. لكن يبدو ان الذكاء الاصطناعي طوّر نفسه ، واستقلّ عن سيطرتي ! فهو من قرّر موت النسخ المستقبلية ، لتحفيز المستخدمين على العمل .. لكن حسب كلامكما ، فالأمور خرجت عن السيطرة !
جاك بقلق : هل كنا حقاً نُحادث الذكاء الإصطناعي ، ام نسخنا من العالم الموازي ؟
جاكلين بخوف : او ربما كائناتٍ شيطانية اخترقت البرنامج !
فتنهّد المبرمج بضيق : كل الإحتمالات واردة !
^^^
وخرجا من مكتبه ، مُثقليّن بالأسئلة ! فالتطبيق الذي غيّر حياتهما ، ربما يكون بداية لتغيير العالم :
- فهل سيتحوّل إلى أداة للسيطرة على العقول ؟
- او يُعيد برمجمة الأجيال القادمة وفقاً لخوارزميات لا اخلاقية ؟
- وهل يمكننا حقًا الوثوق بمرآةٍ رقمية ، لا نعرف من يقف خلفها ؟!
وعاد جاك وجاكلين الى بيوتهما ، وهما قلقيّن على مصير البشريّة المتوقف على مخطّطات الذكاء الإصطناعي الذي يزداد براعةً ومكراً كل عام !
الذكاء الاصطناعي رهيب جدا وكل شيى متوقع منه تماما
ردحذفوان تطوّر اكثر من ذلك ، سيقضي على كل المواهب البشرية .. مُخلّفاً ملايين العاطلين عن العمل !
حذفكتابة
حذفالفكرة؟ هل تعليق أو ؟
للاسف هذا ما سيحصل او حصل
حذفهذه القصة للأسف تعبير عما يحدث الان فعلا فالكثير يلجأ للتطبيقات الذكية ويعتمد عليها ويتأثر بها وينفصل بها عن ما حوله ومن حوله 😥
ردحذف💚
إن بقيّ التطوّر على هذا الحال ، لن يكون هناك داعي للمدارس والجامعات بعد اعتماد الطلّاب الكليّ على الذكاء الإصطناعي بحلّ واجباتهم والقيام بأبحاثهم العلمية ..
حذفانا اظن ان العلماء اخترعوا الذكاء الإصطناعي من القرن الماضي .. لكنهم لم يسمحوا فيه للعامة الا بهذا الزمن ..لأنه لو اعتمدنا عليه بكل شيء ، وصولاً للإستشارات الطبية والنفسية وتفسير الأحلام والقرارات المستقبلية ، فسيخف الوعي والإدراك لدينا مع قلة تشغيل ادمغتنا ..
تخيّل لو بقينا على هذه الحال لسنوات ، الى ان يقوم هاكر بنشر جرثومة تقضي على إنترنت العالم .. حينها سنلاحظ اختفاء مواهبنا بعد اهمالها ، وضمور عقولنا .. وبذلك يتفشّى الجهل والحروب بالمستقبل القريب .. والله اعلم