السبت، 6 سبتمبر 2025

مجهولو الهوية

تأليف : امل شانوحة 

الشواهد الفارغة !


في صباحٍ باكر بطقسه البارد في شهر نوفمبر عام 2018 (بمقبرةٍ مُخصّصة لجنود الحرب العالمية الأولى ، مجهولي الهويّة) مرّ الحارس العجوز بين القبور لإزالة الأعشاب الضارّة حولها ، كما فعل كل يوم منذ توظّفه بالعشرينات من عمره 

ليتفاجأ بجندي يحفر بسكينه على شاهد أحد القبور ! 

فصرخ الحارس من بعيد ، غاضباً :

- ماذا تفعل يا هذا ؟!! لما تشوّه شاهد القبر ، وتُهين حرمة الميتين ؟!!

فأجاب الجندي وهو مازال يتابع الحفر على الشاهد الرخاميّ ، بصوتٍ مُتهدّجٍ مخنوق بالبكاء : 

- انا لست مجهول الهويّة 


ثم ادار الجندي ظهره .. ليسقط الحارس على الأرض رعباً ، بعد رؤيته تشوّه وجه الجندي : بعينه المفقوعة مع ظهور جزء من جمجمته ، وأطراف ضلوعه المُتكسّرة التي خرقت قميصه المُدمّى !

وصرخ الجندي بقهر : 

- انا ابن ذوات ، من العائلة الفلانيّة الراقية !!

وكان هذا آخر ما سمعه الحارس ، قبل فقدان وعيه !

^^^


إستيقظ الحارس ظهراً ، مع اختفاء الجندي من المقبرة !

فاقترب مُتثاقلاً من شاهد القبر الذي حُفر عليه حديثاً : الإسم ذاته الذي نطق به الجندي المُريب ! 

فقال الحارس مُتلعثماً :

- اذاً لم يكن كابوساً ! فقد رأيت شبح الجندي فعلاً .. لكن لما كتب اسمه الآن ؟ فالحرب العالميّة انتهت منذ قرن ! ولما يبدو مقهوراً هكذا ؟!


وعند تركيزه على اسم العائلة ، تذكّر انه سمعه سابقاً بالتلفاز.. فهي من العائلات المرموقة بالبلد ! فقرّر الإستعانة بصديقه ، لإيجاد احدٍ من تلك الأسرة ..

***


وبعد يومين .. إستطاع الحارس بعث رسالته لحفيد عائلة الجندي على الفيسبوك ، مع صورة للإسم المحفور على الشاهد .. لكن الحفيد تجاهل الرسالة ، لغرابتها ! 

***


وبعد اسبوع .. إجتمعت العائلة الثريّة للإحتفال ببلوغ جدهم الأكبر مئة عام .. وخلال تناولهم الكيك على المائدة الضخمة بصالة القصر ، أخبرهم الحفيد عن الرسالة وهو يضحك ساخراً من مضمونها .. 

فطلب الجد رؤية الإسم المحفور على القبر .. وبعد ان رآها من جوال حفيده.. تفاجأت العائلة بإصراره على نبش القبر ، وتحليل رفات الجندي (مجهول الهويّة) الذي ربما يكون والده .. فأمه كانت حاملاً به ، عند التحاق والده بالعسكريّة أبّان الحرب العالمية الأولى .. فحاول ابنائه إقناعه بسخافة الموضوع .. لكن العجوز أكّد عدم استلام امه لجثة ابيه بعد انتهاء الحرب .. والتي أخبرته سابقاً : برؤيتها لطريقة موت والده في منامها : بعد انفجار القنبلة اليدويّة بيده ، قبل رميها على العدو .. وهذا ما يفسّر تشوّه وجه شبح الجندي المجهول ، وبروز اضلاعه من قوّة الإنفجار 


وبسبب إصرار الجد .. قام ابنه الأصغر بالحصول على اذن الحكومة ، لإجراء فحص (DNA) 

ولوّ لم يكونوا من الطبقة المخمليّة بالمجتمع ، لما وافق موظف الدولة على طلبهم الغريب .. 


لتظهر النتيجة ايجابية ! مما اسعد الجد كثيراً بعد عثوره على جثة والده اخيراً .. والذي أمر بنقل رفاته ، لدفنه بحديقة قصره ضمن تأبينٍ عائليّ .. بعيداً عن الإعلام ، رغم غرابة الحدث !

***


لكن الأحداث الغامضة لم تتوقف هنا ، بل زادت غرابةً ورعباً ..

فبعد شهر من نقل رفات الجندي المجهول للقصر ، صُدم الحارس (فجراً) برؤية مئات الجنود بزيّ الحرب العالمية الأولى ، كل واحدٍ منهم يحفر اسمه على شاهد قبره .. وكأنهم غاروا من الشبح الأول ، وقرّروا جماعياً عدم البقاء مجهولي الهوية بعد اليوم !


فأخرج الحارس جواله من جيبه ، بيده التي ترتجف بقوة .. لتصوير مشهد اشباح الجنود وهم منشغلين بحفر اسمائهم على الشواهد ! 

ثم تسلّل بخفيةٍ وحذر الى غرفته الصغيرة بطرف المقبرة ، لحين اختفاء آخر شبحٍ من المقبرة .. 


وبعد نشره الفيديو بالإنترنت ، تلقى مئات التعليقات الذين اجمعوا أنه ذكاء اصطناعي !

فعاد الحارس لنشر فيديو له : وهو يشرح ما حصل مع العائلة الثريّة .. لتنشهر فيما بعد قصة الشبح الأول ، لعدم إنكار الجد دفن رفات والده بقصره (في مقابلةٍ صحفيّة) 


ومع ذلك أكمل البعض إتهامهم للحارس : بإصراره أن يكون محطّ الأنظار ، بعد نجاحه مع العائلة الثرية التي كافئته سابقاً : بشاحنة نقلٍ جديدة !


فلم يكن امام الحارس الا نشر فيديو آخر : للأسماء المحفورة بالسكين على شواهد القبور .. 


وماهي الا ساعات ، حتى اكتظّت المقبرة (التي خلت لسنواتٍ طويلة من الزوّار) بأهالي اولئك الجنود .. وجميعهم أصرّوا على نبش القبور ، لإجراء تحليل (DNA) لدفن اجدادهم بطريقةٍ لائقة !

 

وبالفعل اتت جميع النتائج ايجابية دون استثناء .. مما شكل صدمة ، ليس فقط لأهالي هذه الدولة بل للعالم اجمع ! بعد انتشار هذه الفيديوهات كالنار بالهشيم بالإنترنت ، مع ترجمة الحدث بمعظم لغات العالم .. 


لكن اللغز لم يحلّ بعد ! فالسؤال الأبرز هو : لما خرجت اشباح الجنود من قبورها ، بعد مرور قرن على نهاية الحرب العالمية الأولى ؟ ولما ظهروا بالفيديو وهم يبكون قهراً بعد دفنهم مجهولي الهوية ؟ وهل شعروا بالإهانة لعدم وضع اسمائهم على الشواهد ، مما أثّر سلباً على نفسيّتهم بعالم البرزخ؟!

***


بعد هدوء العاصفة ، وانشغال العالم بقصصٍ واحداثٍ جديدة .. سهر الحارس أيامه الأخيرة ، مُنعزلاً بغرفته الصغيرة (بالمقبرة) بعد تلقيه قرار الحكومة بضرورة إخلاء منزله خلال شهرٍ واحد ، عقب خلوّ المقبرة من رفات الجنود الذين نقل كل واحدٍ منهم لمقبرة عائلته .. 


وذات يوم ، قبيل الفجر .. إستفاق الحارس على صوت خدش السكين على الجدار الخارجيّ لغرفته ! لكنه لم يجرأ على الخروج الا بعد شروق الشمس  

ليقرأ الرسالة المحفورة :

((قريباً ستمتلأ المقبرة بمئات الجثث مجهولي الهويّة .. لهذا تركنا قبورنا للموتى الجدّد))

وعاد لنشر العبارة المخيفة بالإنترنت ، وهو يحلف بعدم رؤيته من حفرها 


ليواجه سيلاً من الإنتقادات الجارحة ، عن رغبته المريضة للبقاء تحت اضواء الشهرة ! حتى انه تلقى تهديداً من الموظف الحكوميّ (المسؤول عن قبور المدينة) بطرده قريباً من منزله ، لأن مزحه تجاوز الحدود


لكن شيئاً غريباً نُشر ضمن التعليقات الساخرة (من الحارس) وهو تعليقٌ غاضب من احدهم يقول :

- لا يحقّ للأشباح فضح مُخطّطنا القادم !!

فسأله احدهم بسخرية :

- ومن تكون حضرتك ؟ جني ام مشعوذ ؟

فأجابه بغموض : إرفع سقف توقعاتك قليلاً

فعاد لسؤاله : 

- اذاً إمّا ان تكون ابليس او رئيس الماسون ؟

فاكتفى الشخص الغامض بنشر : إيموجي ضاحك 

واختفى من الإنترنت دون توضيح قصده او نيّته !

***


في الأيام التالية ، انشغل الحارس بعمله الجديد (نقل البضائع بشاحنته الجديدة) .. 

في المقابل ، ضجّ العالم بفيديو لأحد المصورين بعد تسلّله لمخزنٍ حكوميّ سرّي ، وجده مُكتظاً بالتوابيت الخشبية الفارغة ! خاصة بعد إخباره المشاهدين : بشراء الحكومة للعديد من الأراضي البور .. إستطاع تصوير احدها ، ليجدها مليئة بالشواهد الرخاميّة الخالية من الأسماء : مُجرّد ارقامٍ تسلسليّة وصلت للآلاف .. وربما الملايين بقبورٍ اخرى غير مُعلنة ! 


فربط العالم ما حدث ، بالجملة المحفورة على منزل الحارس .. وتساءلوا بقلق : إن كانت هناك حربٌ نوويّة قادمة ستبيد الملايين ، وينتهي مصير الجثث المجهولة كأرقامٍ مُتسلسلة على الشواهد ؟!

***


لكن ما حصل في سنة 2026 كان اقل تكلفة من حربٍ شاملة ، لكنه اكثر خبثاً ! فبمجرّد قيام المسؤولين القذرين بالموافقة الجماعيّة على تنفيذ خطتهم السرّية .. حتى قامت جميع محطّات الإتصالات : برفع شبكة الوايّ فايّ الى (5G) التي ادّت الى تفعيل الشريحة الصغيرة المدسوسة في اجسام المُتطعّمين بجائحة كورونا .. مما تسبّب بسكتاتٍ قلبية مفاجئة ! ادتّ لتساقط الناس في كل مكان موتى بشكلٍ مفاجئ ، مع اختلاف اعمارهم .. 


ولم يمضي وقت على هذه الفاجعة ، حتى امتلأت القبور في كل العالم بالجثث مجهولة الهويّة ! لأن الكثيرين ماتوا في الطرقات ، دون حملهم أوراقاً ثبوتيّة 

***


وكأن هذه المصيبة لا تكفي ، فبعد انتهاء الأزمة : بموت نصف مليار شخص حول العالم ! لمح الحارس (قبيل الفجر) بعد خروجه من العمارة (التي انتقل اليها بعد تركه حراسة القبور) شبح نقيبٍ ميت (من الحرب العالمية الأولى) وهو يحفر رسالة بخطٍ صغير بنصل سكينه على باب شاحنة النقل (هديّة العائلة الثريّة له).. جاء فيها:


((على الموتى الجدّّد الإنتظار مئة عام ، للسماح لهم من حرّاس العالم الآخر بالظهور وحفر اسمائهم على الشواهد ، كما حصل معنا .. وطوال هذه المدّة ، سيعانون من الوحدة القاتلة داخل قبورهم ، دون زيارة اهاليهم لهم .. ورغم ما حلّ بعالمكم ، كان مصيبةً كبيرة .. لكنها ليست الأخيرة ، فالقادم اسوء بكثير .. فقريباً سيُقتل ثلث العالم بالحروب .. وسيموت الثلث الثاني بمرضٍ مُعدي يجتاح الدول .. اما الثلث الأخير : فسيتمنى لوّ كان محل الثلثا السابقيّن من سوء الأحوال المعيشيّة.. كان الله في عون البشريّة من الصدمات المرعبة القادمة))  


لكن الحارس هذه المرة ، أخرج طلاءً من صندوق شاحنته .. وقام بإخفاء الرسالة المحفورة على باب سيارته ، وهو يقول بضيق : 

- لا احد بحاجة لمعرفة هذه المعلومات المُحبطة

وأدار شاحنته بعد أخذه قرار : بالعيش كل يومٍ بيومه ، وترك المستقبل للقدر

وأكمل عمله ، كيومٍ عاديّ آخر !    

**** 


ملاحظة : 

هذه قصة خياليّة : فموضوع الشرائح المدسوسة في اجسام المُتطعّمين بجائحة كورونا ، كما الأثر المميت الذي سيحصل للناس بعد رفع الوايّ فايّ الى (5G) هو مجرّد إشاعة لنشر الخوف والبلبلة.. فالتكنولوجيا الطبّية والإتصالات لا تعمل بهذه الطريقة.. واللقاحات لا تحوي شرائح ولا أجهزة إلكترونيّة ، حسب اقوال المسؤولين بمنظمة الصحّة العالميّة.. 

وإن كنت أشك بأن ما حصل بكورونا ، هو تخطيط لشيءٍ مرعب سيحصل مستقبلاً .. ربما بإضعافهم المناعة العامّة ، قبل نشرهم جرثومة او ميكروبٍ قاتلٍ يجتاح العالم .. والله اعلم !


هناك 3 تعليقات:

  1. قرأتها الساعة 1 صباحا بتوقيت بلدي الجزائر من أين يأتي النوم ؟ فعلتي جرس الخطر في رأسي استاذة أمل .. سلمت اناملك على كل حال 🤍 قصة رائعة الصراحة

    ردحذف
  2. اسعدني تعليقك .. هذه بعض الأقكار المُقلقة التي تدور في رأسي ، فأردّت مشاركتها معكم .. اقرأي آية الكرسي ، ونوماً هائناً أختي شيماء .. تحياتي لأهل الجزائر

    ردحذف

البرامج الذكية

تأليف : امل شانوحة  الجهل الإلكتروني في غرفة محادثةٍ سرّية بين العقول الإلكترونيّة الثلاثة : برنامج (ChatGPT) و(Copilot) و(Gemini) تناقشوا ف...