تأليف : امل شانوحة
الماضي الأسود
دفعه الحارس الى زنزانته ، وهو يقول :
- هذه هي الضربة القاضية يا جاك ، ستبقى في ضيافتنا حتى مماتك
فردّ جاك ساخراً :
- لا تتأمّل كثيراً .. سأخرج بعد مدّةٍ قصيرة ، كما فعلت بالمرّات السابقة
- لا ، هذه المرّة التُهمة ثابتة عليك.. والقاضي حكم عليك بالمؤبّد !! لهذا لن تخرج من زنزانتك إلاّ للقبر
وقفل الباب الحديديّ السميك للزنزانة المتواجدة بعنبر أخطر المساجين.. بينما استلقى جاك على السرير السفليّ ، وهو يقول :
- سأجد طريقة للهرب .. إن لم يكن بطريق الإستئناف القانونيّ ، فبالهرب الفعليّ من هنا.. اما برشوة احد الحرّاس ، او بحفر نفقٍ ما.. فلا شيء سيحرمني حرّيتي !!
وإذّ بجسمه ينتفض ، بعد رؤية رأس سجينٍ ثاني يطلّ من السرير الذي فوقه وهو يقول :
- لن اسمح بهروبك وحدك
جاك بفزع : من انت ؟! وكيف دخلت الى هنا ؟!
السجين : انا هنا قبلك
- لا ! عندما أدخلني الحارس ، كانت زنزانتي فارغة
- هذه زنزانتنا معاً .. كنت فقط مُتكوّراً على نفسي في سريريّ العلويّ ، بعد ان غطيّت كامل جسدي بالملاءة العفنة.. لهذا لم تنتبه عليّ
جاك بضيق : كان على الحارس إخباري بوجود سجينٍ ثاني معي
فنزل السجين اليه ، وهو يقول :
- تبدو مُتفاخراً بنفسك ، كأنك مالك السجن ونحن بضيافتك !
جاك بغرور : بالطبع !! فأنا اكثر شخص تردّد على هذا السجن
- يبدو انك صاحب سوابق ، فماهي تُهمك السابقة ؟
- وما دخلك انت ؟!!
السجين مُحذّراً : بداية غير موفّقة لك.. فأنا سأبقى معك لفترةٍ طويلة ، وعليك التعوّد على وجودي حولك..
جاك : ومن انت ؟ وماهي تهمتك ؟
- انا نسخة عنك ، إرتكبت ذات جرائمك
- ما هذا اللغز السخيف ؟!
فاقترب السجين من وجهه :
- يبدو لم تتذكّرني جيداً ، يا جاك
- انا لا اعرفك بتاتاً !
السجين : لكني اعرف ادقّ التفاصيل عنك
جاك ساخراً : أحقاً ، مثل ماذا ؟
- سأُعرّفك عن نفسي اولاً .. او بالأصحّ ، دعني أخترّ إسماً لنفسي
ثم فكّر قليلاً ، قبل ان يقول :
- حسناً ، لنعتبر ان اسمي اريك
جاك : أفهم من هذا ، انك تخاف إخباري بإسمك الحقيقيّ
اريك : لن يهمّك اسمي بجميع الأحوال.. الأهم هو ما اعرفه عنك
جاك مُتحدّياً : هات ما عندك
اريك : حسناً ، لنبدأ بمرحلة طفولتك.. تحديداً في سن التاسعة ، حين بدأت بوادر الإنحراف السلوكيّ لديك ، بعد قيامك بنتف ريش دجاج جارك.. الى ان قبض عليك ، وضربك ضرباً مُبرحاً امام والدك الذي سارع بالإعتذار منه ، بدل الدفاع عنك ! مما أفقدك الثقة بأبيك ، اليس كذلك ؟
جاك بصدمة : ماهذا الذي سمعته !
- هل فاجأتك ؟
- هذه القصة لها اكثر من اربعين سنة ، وقلّة من الناس تعرفها ! فكيف..
اريك مقاطعاً : لا تُكثر الأسئلة ، دعني أُكمل سجلّك المُشرّف.. بسن ١٣ كنت مشتركاً بسباق اولاد الحيّ الذي ربحه دائماً ، الولد صاحب الدرّاجة الجديدة .. مما اغاظك .. فانتظرت نوم الجميع ، وتسلّلت لحديقته.. ثم غرزت الدبوس مراراً في عجلته .. لتفوز انت في اليوم التالي ، بعد وقوع الصبيّ الذي كسر ذراعه
جاك بدهشة : لا ! هذه صعبة .. فلا احد رآني وانا اقوم بذلك.. هل انت من اولاد حييّ الشعبيّ ؟
- سأجيبك على اسئلتك بعد إنهاء جرائمك السابقة.. (ثم سكت قليلاً) .. هل تذكر جاكلين ، الفتاة البريئة التي تعرّفت عليها بكافتريا الجامعة ؟ والتي أخبرتها بتخصّصك بقسم العلوم ، بالإضافة لعملك بالكافتريا لمساعدة والدك بمصاريف الجامعة .. والمسكينة أحبّتك بصدّق .. الى ان أخبرتها صديقتها أنك مجرّد عاملٌ جاهل ، دون حصولك على شهادة المتوسطة ! حينها لم تكتفي جاكلين بفسخ علاقتها بك ، بل ايضاً غيّرت جامعتها .. وكيف كانت ردّة فعلك ؟ دهست صديقتها بدرّاجتك الناريّة المستعملة دون رحمة !
جاك مقاطعاً : لم انوي قتلها.. فقط كسرت حوضها ، عقاباً لها
اريك : مما تسبّب بعقمها وانفصالها عن خطيبها.. وبسببها سُجنت لأول مرة ، بعد ظهور الحادثة بكاميرا الشارع
- هل تلاحقني منذ طفولتي حتى اليوم ؟!!
- لم انتهي بعد.. (ثم سكت قليلاً) .. بعد سجنك الأول ، تخلّت عائلتك عنك.. وخرجت من السجن دون عملٍ او مُعيل.. وتشرّدت عاماً بالشوارع ، قبل حصولك على عمل بمحطّة بنزين.. وعندما شتمك صاحب السيارة الفخمة بعد مسحك زجاجه الأماميّ دون إذنه.. سكبت بعضاً من البنزين فوق مقعده الخلفيّ من شقّ النافذة ، اثناء إنشغاله بالجوال .. ولم يبتعد بضعة امتار حتى نشب الحريق بسيارته بعد إشعال سيجارته.. وبسبب كاميرا المحطة ، اعادوك الى هنا ، اليس كذلك ؟
فهجم جاك على اريك ، مُمسكاً بزيّ سجنه البرتقاليّ .. قائلاً بعصبيّة:
- هل انت مخبرٌ سرّي ، ام طبيبٌ نفسيّ مُندسّ في زنزانتي ؟!! فمن المستحيل ان يعرف احد كل هذه المعلومات عني !
فأزال يد جاك عن ثيابه ، قائلاً ببرود :
- قلت ، سأخبرك بكل شيء .. حتى ادقّ التفاصيل عنك ، قبل الإفصاح عن حقيقتي.. فاجلس بهدوء ، واستمع لما تبقى من حياتك التعيسة
وبعد جلوس جاك مُرغماً على سريره ، أكمل اريك كلامه :
- بعد خروجك من الزنزانة ، رفض الجميع توظيفك .. مما جعلك تتهوّر بسرقة بنك بمسدس لعبة ! لكن الحارس انتبه على زيف سلاحك ، قبل خروجك من البنك .. وأوسعك ضرباً .. لتستيقظ من إغمائك داخل الحجزّ .. ولم يمضي وقت ، حتى أُغرمت بحارسة السجن الجديدة التي بغبائها بادلتك المشاعر ! وعندما ساعدتك بالهرب.. أطلق مراقب السجن النار عليكما .. فماتت هي ، وأُصبت انت بذراعك.. وبعد علاجك ، اعادوك للسجن من جديد !
جاك بحزن : لقد أحببتها بالفعل
اريك : كاذب !! انت لم تحب احداً في حياتك
- وما يدريك بمشاعر قلبي ؟!
اريك : انا احفظك ككتابٍ مفتوح .. وانت لم تعشّ تلك المشاعر مُطلقاً .. حتى مع جاكلين التي تقرّبت منها ، للشعور أنك طالبٌ جامعيّ بعد توقف تعليمك.. المهم ، دعني أختم جرائمك بالحادثة الكبيرة التي تسبّبت بحصولك على حكم المؤبّد.. فبعد خروجك من السجن ، تشرّدت مجدداً بالشوارع ..الى ان لمحت عائلةً ثريّة توقف سيارتها الفارهة امام حديقةٍ عامة ، بعد إصرار ابنهم المدلّل على اللعب فيها.. فسارعت بشراء الحلوى ، والإختباء خلف شجرة قريبة من الأرجوحة .. ثم ناديّت الصغير ، اثناء إنشغال والديّه بالشجار حول موضوعٍ ما.. وأغريّته بالحلوى لخطفه ، لأجل فديّةٍ كبيرة من اهله.. لكن سائق العائلة رآك مع الصبيّ .. وركض خلفك.. فكسرت قارورة وجدتها بحاوية النفايات ، ووضعت الزجاجة المكسورة على رقبة الولد الخائف
جاك : الصغير الغبي غافلني ، وأفلت من يدي بعد سماعه صرخة امه .. فقطعت الزجاجة جزءاً من عنقه (الوريد الوداجيّ).. ليعاجل السائق الضخم بضربي بعنف.. وعندما استيقظت في عيادة مركز الشرطة ، أخبروني بموت الولد.. (ثم تنهّد بضيق) ..كل ما اردّته هو بعض المال ، بعد عجّزي عن إيجاد عملٍ لائق
وانهار بالبكاء..
اريك : كفّكف دموع التماسيح !! فأنا اعرف تمثيلك دور النادم ، على امل ان اكون شرطياً ، لكتابة تقريرٍ يُخفّف حكمك .. لكن بسبب سوابقك الماضية ، ستبقى هنا لآخر عمرك الذي يبدو لن يطول كثيراً
فهجم جاك عليه .. وخنقه بقوّة ، وهو يسأله غاضباً :
- من تكون ايها اللعين ؟!! وكيف تعرف اسراري التي لم ابوح بها لأحد ؟!
وهنا سمعا صوتاً من خارج الباب الحديديّ :
- مع من تتكلّم ؟!!
فتوجّه جاك للباب ، قائلاً للحارس :
- إفتح بسرعة !! قبل ان اموت بسكتةٍ قلبيّة ، او اقتل اللعين الذي معي!!
وعندما دخل الحارس ، سأله :
- عن من تتكلّم ؟!
ليتفاجأ جاك بوجوده وحده بالزنزانة ! فسارع بالبحث في السرير العلويّ ، واسفل سريره .. وهو يقول بدهشة :
- كان هنا منذ قليل ! كيف اختفى ؟! هل يوجد بابٌ سرّي بالزنزانة ، لا اعرفه؟!
الحارس : من تقصد ؟!
- اريك اللعين الذي يبتزّني بمعرفته ماضيّ الأسود !!
الحارس : انت مسجونٌ وحدك هنا.. الم أخبرك أنك حوكمت بالإنفرادي ، ام بدأت تفقد عقلك منذ الآن ؟ .. من الأفضل ان تنام قليلاً ، فمازال هناك ساعتان على فترة العشاء
ورغم غرابة الموضوع الا انه استلقى على فراشه في محاولة للنوم ، حتى لا يفكر بما قاله اريك !
***
وبعد ساعتين ، أيقظه الحارس للنزول للقاعة الطعام..
وهناك لمح اريك من بعيد ، وهو يبتسم له !
فأراد الذهاب اليه ، لكن الحارس أجلسه على كرسيّه بالقوة .. وهو يقول :
- ممنوع التحرّك بالقاعة !! إنهي طعامك ، وعدّ الى زنزانتك فوراً
***
عندما عاد جاك الى زنزانته ، فتّش السرير العلويّ دون ايجاد احد..
- يبدو انهم نقلوا اللعين الى زنزانةٍ اخرى
وما ان استلقى على فراشه ، حتى أطلّ اريك من فوقه !
فانتفض جسم جاك ، وهو يسأله مرتجفاً :
- هل انت شبح ؟! كيف تظهر لي وحدي ، دون ان يراك احد ؟!
اريك : لأني بخيالك فقط
- انا لا اعرفك
- لكني اعرفك جيداً
جاك : قل لي من تكون !!
اريك : انا ضميرك الذي أسكتّني لأربعين سنة.. مع اني حاولت كل ليلة تذكيرك بمصائبك ، لكنك تجاهلت صوتي وتنبيهاتي.. واليوم جمعنا القدر ، لأذكّرك بتفاصيل جرائمك كل يوم ، حتى أصغر شعور قهرٍ مررّت فيه ..سأعيد عليك ماضيك مراراً وتكراراً ، حتى تعترف بغلطك
جاك بعصبية : انا لم اخطئ ابداً !! فأبي اعتذر للجار ، بدل منعه ضربي ! وعطّلت درّاجة اللعين ، بعد تفاخره بها على اولاد الحيّ الفقراء .. اما جاكلين فأحببتها بالفعل ، وكذبت لكيّ تقبل صحبتي .. اما صديقتها الفضوليّة ، فاستحقت الدهس لتفريق حبيبتي عني.. والغني المغرور ، إستحق حرق سيارته بعد ان شتمني بقسوة لتنظيف زجاجه ! اما البنك فحاولت سرقته بمسدس لعبة ، مُعرّضاً حياتي للخطر دون أذيّة احد.. فقد رغبتُ برزمة مالٍ ، أفتح به كشكاً أعتاش منه لبقيّة حياتي.. كما ليس ذنبي ان الحارسة المُطلّقة أحبّتني بجنون ، مما تسبّب بموتها .. اما الولد الصغير ، فلم انوي قتله .. هو تحرّك فجأة ، مُسبّباً جرحاً غائراً في رقبته .. كنت اريد مال الفديّة ، لتأمين طعامي .. (ثم تنهّد بضيق) .. كل ما تمنيّته بحياتي : هو منزلٌ دافىء وزوجة حنونة ، وطعامٌ شهيّ وعملٌ احبه.. جميعها احلام بسيطة يتمنّاها كل انسانٍ طبيعيّ.. لكني حرمت منها منذ الصغر !
اريك : لا تزيّف الحقائق .. كل جرائمك بسبب حقدك وغيرتك ، وهمّتك الضعيفة بالدراسة والعمل .. وهذا ذنبك وحدك
جاك غاضباً : اسكت !!
- أسكتّني سابقاً ، لكني الآن لن اصمت ابداً .. ايها المنحرف الفاشل !!
جاك : لا تقلّ فاشل ! اكره هذه الكلمة التي ردّدها ابي دائماً
اريك : ومعه الحق بقولها .. ايها الولد الفاشل .. فاشل !!!!
جاك صارخاً : قلت اسكت !! اسكت !!!!
وظلّ يصرخ هكذا ، حتى أيقظ حارس السجن الذي توجّه لزنزانته ومعه عصا الصعق ، بعد ان ضايق جميع المساجين بالزنّزانات المجاورة .. ليتفاجأ بجاك مُنتحراً بشرشف سريره الذي ربطه بسقف زنزانته التي سُجن بها بمفرده !
ربما أتأخّر بنشر القصة التالية للأسبوع القادم ، بسبب إنشغالي بمناسبةٍ عائليّة.. سأحاول ان لا اتأخر عليكم اكثر من ذلك .. تحياتي للجميع
ردحذفقصه صادقه تحياتي
ردحذفسعيدة انها اعجبتك .. تحياتي لك
حذف