الاثنين، 21 يوليو 2025

نقطة تحوّل

تأليف : امل شانوحة 

القصة المُعدّلة


جلست امام كعكة عيد ميلادها ٤٧ ، ببيجامتها وشعرها المنكوش ..وهي تحتفل وحدها بعد زواج إخوتها ، وبقائها مفردها في منزل اهلها .. وأخذت تُدنّدن بنبراتٍ ساخرة ، أغنيّة عيد الميلاد .. قبل إطفاء شمعتها ، وهي تتمنى للمرّة الأخيرة تغيّر حياتها المُملّة !

ومن بعدها فتحت حاسوبها وهي تتأمّل مدوّنتها التي فيها ٨٥٠ قصة متنوّعة ، والتي أمضت سنوات شبابها بكتابتها.. ورغم جوّدة وإحترافيّة الأفكار ، الا ان لديها قلّة من المتابعين ! 

فقالت بحسرة :

- كان عليّ سماع نصيحة إخوتي ، بالعمل بأيّةِ وظيفة اداريّة بدل تضييع عمري بالإهتمام بموهبة ستتلاشى أهميّتها بعد الذكاء الإصطناعي الذي قضى على المواهب البشريّة !


وقبل إغلاق حاسوبها ، إنتبهت لرسالة في بريدها الإلكترونيّ من منتجٍ مشهور يعرض عليها مليون دولار بعد اختيار إحدى قصصها لتحويلها لفيلمٍ سينمائيّ ! 


شعورٌ لم تعهده من قبل ! قشعريرة سرت بكل جسدها ، كأنها نبتةً ميتة سُقيت بماءٍ مُنعش.. 

وبيدين مُرتجفتين ، سألته عن اسم القصة التي أعجبته ؟

لتتفاجأ باختياره قصة : عن رسّامة طموحة تقرّر انهاء حياتها بعد فشلها ببيع لوحاتها ، التي انشهرت بالإنترنت بعد وفاتها ! 

وهي القصة الوحيدة التي سردت فيها الكاتبة معاناتها من تعسّر احوالها ، من خلال البطلة (الرسّامة) التي جسّدت فيها يأسها من الحياة الغير عادلة ! وهي قصة كئيبة بامتياز ، بسبب كره الكاتبة لعنوستها وفشلها بإيجاد وظيفةٍ مُلائمة.. 


ولم تنتهي الصُدف باختيار المنتج لقصة حياتها لتحويلها لفيلم ، بل طلب منها تغيير نهاية القصة لتكون اكثر تفاؤلاً للشباب ! 

فوعدته بتنفيذ طلبه بأسرع وقتٍ ممكن

***


لتمضي ليلتها في صراعٍ نفسيّ مع قصةٍ تحكي تفاصيل حياتها .. مما جعلها بين ناريّن : صدقها الأدبيّ ، ورغبتها بالتأثير الإيجابي على المشاهدين .. من خلال إرغام نفسها على تغيّر اسلوبها الدراماتيكيّ التي اعتادت عليه لسنواتٍ طويلة !


فخطرت ببالها فكرة : وهي نشر النسخة المُعدّلة في مدوّنتها ، لمعرفة رأيّ قرّائها إن كانوا يفضلوّن النهاية القديمة اليائسة ، ام النهاية الإيجابيّة الجديدة : ((وهي تمكّن البطلة (الرسّامة) من بيع اول لوحاتها ، لمعجبٍ يعمل سرّاً كهاكر.. إستطاع نشر لوحتها ضمن موقعٍ الكترونيّ تابع لأهم معرضٍ فنّي ، مُختصّ بلوحات اشهر الفنانين العالميين.. ليقوم الأثرياء برفع سعر اللوحة بالمزاد العلني.. مما جعل مسؤولوا المعرض يطالبون الرسّامة بإرسال المزيد من لوحاتها بعد زيادة الطلب عليها ! وكلّه بمساهمة الهاكر التي وافقت الزواج به ، بعد تغيّره حياتها بذكائه ومكره ، دون ان يكشف خداعه احد !))

***


لتتفاجأ الكاتبة باليوم التالي ، بالكثير من التعليقات الإيجابية على قصتها المُعدّلة ! (رغم ان الكاتبة اعتادت سابقاً بوجود تعليق او تعليقيّن على كل قصة تنشرها ، مهما كانت قوّتها الأدبيّة) لكن هذه المرة تجاوزت المئة تعليق من قرّائها المُخلصين الذين تابعوا مسيرتها الأدبيّة لسنواتٍ بصمت !

وجميعهم أيّدوا تغيير نمطها الكتابيّ .. وابتعادها اخيراً عن السوداويّة التي كانت تُنغّص نفوسهم رغم جوّدة افكارها الإبداعيّة !             


مما صدمها بالفعل ! فهي لم تكن تدري ان قصصها لها تأثير نفسي سلبي عليهم.. فهي حاولت إخراج يأسها من عقلها وقلبها على شكل قصةٍ خياليّة فحسب !

وهذا جعلها تشعر بالمسؤوليّة امام مئات الشباب والمراهقين الذين زوّدت إكتئابهم ونظرتهم المتشائمة للمجتمع طوال سنوات نشرها القصص !


فسارعت بنشر رسالة اعتذارٍ لهم :

((الى قرّاء مدوّنتي المُخلصين :

أعتذر عن كل قصة اطفأت نور الأمل في قلوبكم بسبب نهايتها المأساويّة .. فمن دون قصد تسرّب يأسي وحزني بين السطور ، دون إدراكي بظلالها السوداء التي حطّت على عقولكم وقلوبكم .. ليس رغبةً بإيذائكم ، بل جهلاً مني بتأثير الكلمة على نفوسكم وآمالكم المستقبليّة ! 

من اليوم فصاعداً ، سأكون على قدر المسؤوليّة لما تخطّه يُمنايّ.. رغم أنّي لن أُزيّف واقعنا الكئيب ، لكني سأبحث معكم عن نورٍ في آخر نفقنا الطويل المظلم.. 

الى ان نصل معاً ، لنهاية الألم والمعاناة.. ثم نتساعد للصعود الى سلّم النجاح خطوةً بخطوة.. 


شكراً لمرافقتكم دربيّ الطويل الشائك ، رغم افكاريّ السلبيّة .. انا مُمّتنة لعدم ترككم مدوّنتي المتواضعة.. 

ومنذ اليوم ، لن يكون هناك سوى قصصاً مُفعمة بالأمل والتفاؤل ، وإيماناً بقدرة الله على تغيير مستقبلنا نحو الأفضل .. 

انتم اجمل قصصي وأكثرها وفاءً.. 

كاتبتكم المُحبّة))


لتصلها مجموعة من الردود والمديح .. كما النقد البنّاء من قرّائها المُتمكّنين من اللغة الأدبيّة الذين قدّموا نصائح مفيدة تساعدها بمستقبلها القادم.. كما شجّعوها على تعاملها مع المنتج ، لتحويل قصة حياتها لفيلمٍ سينمائيّ

***


وهذا ما حصل لاحقاً .. بعد رفضها مبلغ المليون دولار من المنتج ، واستبداله بنسبة عشرين في المئة من ارباح الفيلم ، في حال نجح بصالات السينما بنسخته المُتفائلة ..فهي لا تريد الحصول على مبلغٍ كبير إن لم يشاهده احد (كيّ لا يتكبّد المنتج الخسارة وحده)


لكن مالا تعلمه الكاتبة انِِ هذه النسبة جعلتها تحصل على اضعاف المبلغ الذي كان سيقدّمه المنتج ، بعد ترجمة فيلمها لعدّة لغات ! حتى أصبح ايقونة ورمزاً ثقافيّاً للشباب ، بعد ان اعطاهم دفعة امل لمتابعة حلمهم ، وصولاً للنجاح والشهرة !

***


وفي المقابل .. أثّر الثراء المادي على نفسيّة الكاتبة التي اعتنت بجمالها لأول مرة منذ صباها ، بعد ان غيّرت اسلوب لبسها .. واشترت منزلاً صغيراً بالجبل ، لديه مطلّ رائع يلهمها المزيد من الكتابة.. 


كما تحسّنت علاقتها بإخوتها واقاربها بعد مساعدتهم ماديّاً ، عقب ظهورها بعدّة مقابلاتٍ تلفازيّة ، ومعارض الكتاب لتوقيع قصصها التي نشرتها مؤخّراً .. والتي حضرها مجموعة من قرّائها القدامى ، للتصوير معها.. 

وهي في المقابل اعطتهم هدايا قيّمة ، إمتناناً على دعمهم السابق طوال مسيرتها الكتابيّة

***


بعد سنوات ، وفي عيد ميلادها السبعين .. لم تكن وحدها ، بل مع مجموعة من المعجبين الذين اقاموا إحتفالاً لها بإحدى صالات السينما ، بعد عرض فيلمها العشرين الذي نجح عالميّاً كسابقيه


وبعد توديعها لهم ، عادت الى منزلها الجبليّ.. لكن فرحتها بنجاحها الأخير ، حرمها النوم .. فذهبت للشرفة المُطلّة على واديٍ مُزهر ، بنسماته العليلة .. واضاءت مصباحها .. لكتابة قصة جديدة متفائلة ، كعادتها بالسنوات الأخيرة .. والإبتسامة العريضة تعلو وجهها السمح .. يعكس نوراً داخليّاً ، سيضيء درباً للأجيال القادمة !


هناك 17 تعليقًا:

  1. قبل ثلاثة ايام.. طلبت من الذكاء الإصطناعي رسمي ، لإرسال الصورة لإخوتي تذكيراً لهم بعيد ميلادي.. فتفاجأت بالذكاء الإصطناعي يسألني : هل ارسل احدٌ هديّة لصاحبة الصورة ، جعلها تغيّر كآبتها وتصبح اكثر نشاطاً وتفاؤلاً ؟

    فخطرت ببالي هذه القصة.. وإن كنت لا اعلم اذا كنت سألتزم بوعد الكاتبة بقصصٍ تفائليّة ! لأنه احياناً أُجبر على النهايات السوداويّة ، ان كان بطل قصتي شريراً او احداثها تدور حول واقعنا الكئيب.. لذلك سأترك افكار قصصي القادمة للمستقبل

    ردحذف
  2. هل تصدقين أنني أتابع قصصك منذ عام ٢٠١٦؟

    ردحذف
    الردود
    1. يسعدني انك متابعني منذ البداية ... شكراً لإخلاصك لمدونتي المتواضعة

      حذف
    2. هل يهمك أن نترك لك تعليقا على القصص؟
      أنا أقرأ القصة ثم أعيد قراءتها ثم أقرأها مرة أخرى في كل مرة يكون إحساسي للقصة مثل أول مرة
      وأحيانا أتوهم بتغيير الأحداث لأنصدم وكأنني لم أقرأ

      حذف
    3. طبعاً التعليق يسعدني ، لأن آراؤكم تهمّني .. لكن بالنهاية يكفيني قراءتكم لقصصي .. تحياتي لك وللجميع

      حذف
  3. قصه استثناءيه مفرده لا تصنف ولا نقول الا مايرضي ربنا احسنت امل

    ردحذف
  4. عبدالحكيم

    ردحذف
    الردود
    1. اهلاً بك استاذ عبد الحكيم في مدونتي المتواضعة

      حذف
  5. روعة ليس بعدها روعة

    ردحذف
  6. انشالله تتحقق أمنيتك ويتصل بك منتج افلام خاصة انه عندك قصص تصلح لافلام متنوعة رغم انه كم ذكرت الذكاء الاصطناعي مثلما قضى على مواهب بشرية نخشى أن يقضي على مهنة التمثيل بسرعة خاصة انه قادر على إنتاج فيلم بدقائق معدودة وبصورة اي ممثل يريد المهم لا تندمي فموهبتك لم تذهب هباء



    ردحذف
    الردود
    1. نتمنى فعلاً الا تضيع 28 سنة هباءً ، بسبب الذكاء الإصطناعي .. لكني اؤمن بمقولة : ان لكل مجتهدٍ نصيب .. والله اعلم !

      حذف
  7. سعيدة اني وجدتك و لامستُ جزءاً منك من خلال قصصك المشوقة ، ألهمتني يا امل لابدأ مسيرة الكتابة الخاصة بي بعد مدة طويلة من الصراع بيني و بين افكاري و قلمي .. اشكرك جدا و اتمنى لك كل الخير و الحب و الامان يا صديقتي الخيالية.

    ردحذف
    الردود
    1. اذا كنت فعلاً لديك موهبة الكتابة ، فابدأي بتدوين افكارك .. لربما تصبحين كاتبة ملهمة بالمستقبل القريب بإذن الله

      حذف
  8. عزيزتي الغالية امل كل سنة وانت طيب 💗
    ودائما تمتعينا بكا ابداعاتك

    ردحذف

العقوبة المتأخرة

تأليف : امل شانوحة  الماضي الأسود دفعه الحارس الى زنزانته ، وهو يقول : - هذه هي الضربة القاضية يا جاك ، ستبقى في ضيافتنا حتى مماتك فردّ جا...