الخميس، 17 يوليو 2025

اللقاء الأخير

تأليف : الأستاذ عاصم 

الطلب المُوجع !


عاصم : الو زينب .. كيف حالك ؟  

زينب : بخير ، الحمد الله

عاصم بحماس : لجنة المسابقة ارسلت لي تفاصيل المشاركة

زينب بحزم : أخبرتك مراراً انني لن اشارك ، وهذا قراري النهائيّ!!  

- وكل مرة ترفضين توضيح سبب إصرارك الغريب على الرفض ! 

- من فضلك يا عاصم لا تتعبني ، فلا طاقة لديّ للجدال 

عاصم : لكن هذه المرة مُختلفة ، فالرواية التي كتبناها معاً إستثنائيّة ..وقد أخبرني احد اعضاء اللجنة ان إحتمال فوزنا كبيرٌ جداً 

زينب : وانا مازلت عند رأييّ 


عاصم : اذاً سآتي اليك ، لجعل والدتك تُقنعك بالمشاركة ..وبجميع الأحوال ، المسابقة بمدينة النقب القديمة (بين السعودية والأردن وفلسطين وسيناء) ولابد ان اسافر ، حتى لوّ اشتركت وحدي

- هل جننت ؟! وكيف ستخرج من الحدود ؟ هل تسعى للإعتقال ثانيةً؟! 

- لا يهم .. اساساً صحّتي متدهوّرة ، وربما اموت هذا العام 

زينب : عاصم !! توقف عن هذا الجنون 

- الليلة بإذن الله ، سأنطلق مع قريبي في شاحنة نقل لتهريب السلع عبر الحدود

زينب : صدّقني لن تصل بعنادك لشيء 

عاصم : ايّاً تكن النتيجة ... اراكِ قريباً على خير  

***


بالموعد المحدّد.. إنطلق عاصم مع قريبه برحلةٍ طويلةٍ وشاقة .. توقفا خلالها عدّة مرّات ..وسلكا طرقاً في الصحراء ، للتهرّب من الكمائن الأمنيّة.. وما ان وصلا لمدينة النقب سالميّن ، حتى ارسل لزينب : 

- لقد وصلت ..اين انت ؟

زينب : يعني نفّذت ما في رأسك ! 

عاصم مُعاتباً : أهذا ترحيب الضيوف عندكم ؟!

زينب : صدّقني ، انت تُعذّب نفسك دون نتيجة 

عاصم : لا يهم .. إرسلي فقط ، موقعكِ على الخريطة 

- حسناً ، ما دمت مُصرّاً .. سأرسله الآن  ، لأني اريد رؤيتك لسببٍ آخر

- آه ! يظهر على هاتفي انكِ على بعد 5 كيلومترات ! اراكِ قريباً 

***


وصل عاصم الى الموقع المحدّد على الخريطة.. 

- زينب ، اين انت ؟ لقد وصلت ، لكني لا ارى منازل قريبة من هنا !

زينب : لكني اراك .. إقترب اكثر  

عاصم وهو يلتفت حوله بارتباك : اين ؟! 

زينب : هل ترى ذلك السور القديم امامك ؟ إمشي حتى نهايته .. ثم أُدخل من البوّابة الحديديّة على يمينك

عاصم : هآ قد دخلت ، لكني مازلت لا ارى شيئاً !

- انا اراك جيداً 

عاصم بضيق : هل تسخرين مني ؟!

- صدّقني يا عاصم ، انا اراك بوضوح .. إقترب فقط من الحجر الكبير بجانب الشجرة 


فاقترب عاصم من الحجر ، وهو ينظر حوله : 

- واين صار منزلك ؟!

فسمع صوت زينب من اسفل الحجر : 

- ضع الهاتف بجيبك ، فلن تحتاجه بعد الآن 

عاصم وهو ينظر للحجر مذهولاً ! 

لتقول زينب : يبدو انك لم تفهم بعد 

عاصم : أفهم ماذا ! ولماذا تضعين ميكروفوناً اسفل الأرض ؟!  


وقبل ان تجيبه .. ازاح قماشةً بالية مُصفرّة من الشمس فوق الحجر ، ليجد شاهد قبر مكتوباً عليه : 

((كل نفسٍ ذائقة الموت .. إنا لله وإنا إليه راجعون 

المغفور لها بإذن الله : زينب بو صالح التي وُلدت :

29 يناير 1984 ميلادياً ...الموافق 25 ربيع الآخر 1404 هجرياً

والوفاة في يوم : 29 يناير 2000 ميلادياً ...الموافق 22 شوال 1420 هجرياً))


فجثا عاصم على ركبتيّه وهو يضع يده على قلبه الذي يكاد ينفطر من الصدمة !

صوت زينب : مازلت اراك وأسمعك يا عاصم ..هل علمت الآن لماذا تجنّبت لقاءك؟! 

عاصم وهو منهار بالبكاء : 

- هل تمزحين معي ؟ أُخرجي من مخبئكِ الآن ، وكفّي عن هذه السخافات .. مستحيل ان أصدّق انك ميتة .. مستحيل !!!

زينب : كنت اعلم بعدم تقبّلك الحقيقة .. رجاءً توقف عن البكاء والعويل ، ماذا تركت للنساء اذاً ؟! 

عاصم : ايّةِ حقيقة ؟ هل تريدين ان أصدّق انك مدفونة في هذا القبر منذ 25 عاماً ! 

- لا تهتم كثيراً بالتواريخ ، فالزمن يتوقف في القبور  

عاصم بتهكّم : وكيف كنت اراسلكِ على الهاتف منذ سنوات ؟ هل اصبحت المقابر مزوّدة بالهواتف الآن ؟

زينب : ومن قال انني املك هاتفاً بهذا المكان الضيّق والمظلم ! 

عاصم : يعني انا توهّمت كل الأحداث الماضية ! هل كنتِ غير موجودة من الأساس  ، وانا اختلقتك داخل عقلي ؟ يعني كنت احادث شبحاً لسنواتٍ طويلة ؟ 

زينب : لم تكن تتوّهم ، ولم تختلقني يا عاصم 


عاصم : اذاً إشرحي ما حصل قبل ان افقد عقلي ! 

زينب : باختصار ، في عيد ميلادي ال16 .. كنت اسير بالطريق شاردة ، وانا ابكي من خذلان حبيّ الأول الذي حطّم قلبي .. فصدمتني سيارة ، ومُتّ على الفور ..ثم دُفنت كأيّ انسانٍ يموت .. وبُليّ لحمي وأكله الدودّ ، وصُرت تراباً .. لكن في إحدى الليالي المُقمرة .. سمعت غجريّة تجلس امام شاهد قبري ، وهي تنطق بعباراتٍ غير مفهومة .. بعدها سمعتها بوضوح ، كما تسمعني انت الآن ! وعرضت عليّ ان تمنحني قدرة التواصل والتخاطر مع ايّ شخصٍ اريده ، في مقابل حفنة من جسدي الذي أصبح تراباً ، بالإضافة لعظمة من جمّجمتي التي لم تكن تحلّلت بعد ! وحين سألتها عن السبب ؟ قالت ان هناك ارواحٍ مميّزة بخصائص معينة تستفيد منها ، ورفضت الإفصاح اكثر عن الموضوع ! 


عاصم مُعاتباً : ولما اخترتني من بين كل الناس ؟ لما لم تتواصلي مع احد من اقاربك ؟

زينب : كان هذا سيفقدهم صوابهم .. امّا لما اخترتك انت ؟ ربما لتشابه ارواحنا .. فكلانا نعشق كتابة القصص ، وعشنا حياةً صعبة .. لهذا كان سهلاً التواصل بيننا .. او ربما هناك حكمةً قدريّة لا نعلمها بعد !  


فانهار عاصم بالبكاء ، وهو مُنحنيّ الرأس : 

- كلامك يعني انني أحببت سراباً ! .. (ثم تنهّد بقهر) .. آه يا زينب .. كنت انتظر هذا اليوم بشوقٍ ولهفة.. أن اراك وأعانقك ، كما حلمنا معاً ..وأن نتسابق على الشاطيء ، كما وعدتك .. ونتراشق الرمال ، كالمراهقين ..كنت اريد مقابلة الإنسانة الوحيدة التي تعلم بوجودي ، والتي كنت أحيا لأجلها .. لطالما حلمت بلقائنا الأول ، لأروي حنيني بالنظر لعينيّك العسليتيّن اللتيّن تحدّيتني بفقد عقلي لوّ أطلت التحديق بهما ..وكنت اضحك من مزاحك العذب الطفوليّ ..اردت فعلاً مقابلة شقّ روحي ، ونصفيّ الآخر التي تعذّبت كما تعذبت ..والتي كانت تضمّد جراحي ، وتخفّف عني ما اكابده من مصاعب الحياة.. كنت الوحيده بهذا العالم ، التي فهمت ما بقلبي دون كلام ! كنت البلسم والدواء .. وكنت تصفينني بروحك وحبك الحقيقيّ ، وابنك وبهجتك الوحيدة بحياتك الصعبة ..كنت انتظر هذا اليوم ، كيّ اعانق روحك المُعذبة .. وأربت على قلبك الكسير ، وأجبر ما كسرته السنون فيك !  


فظهر صوت زينب وهي تتأوّه بحرقة : 

- لما تقلّب عليّ المواجع يا عاصم ؟ رجاءً لا تنكأ جروحي .. إرفع رأسك .. يكفي هذا القدر من الآلام ، فالتواصل مع عالمكم يتعبني كثيراً ..وأريد ان ارتاح كبقيّة الموتى .. لهذا سأطلب منك خدمة اخيرة 


فاستعاد عاصم بعض قوته ، وهو يرتقّب ما ستقوله حبيبة قلبه : 

- بالطبع عزيزتي ، قولي ما تشائين .. حتى لوّ طلبتي ان نتبادل الأماكن ، فلن أترددّ لثانيةٍ واحدة 

زينب : ليس لهذه الدرجة ، اطال الله عمرك..


وقبل ان تخبره بطلبها ، لاحظت بعض الزوّار يدخلون المقبرة.. 

زينب : إبقى صامتاً حتى يذهبوا ، كيّ لا يظنوك مجنوناً 

عاصم : لم اعد اهتم بآراء الناس .. فقط إخبريني بطلبك 

زينب بصوتٍ خافت : باختصار ايها الكاتب الطموح .. كل قصة ولها نهاية .. واليوم سنختم حكايتنا معاً 

عاصم بقلق : لم افهم ما تقصدين ؟! 

- التواصل معك يُرهقني طاقيّاً ونفسيّاً .. وهو لن ينتهي الا بغلق الرابط بين العالميّن ، عن طريق رشّك الملح فوق قبري .. أخبرني بهذا الحل ، جني مسلم يسكن المقبرة  


عاصم بقلق : هل تدركين ما تطلبينه مني ؟! 

زينب : نعم ، فراقٌ ابديّ  .. لكنه بالدنيا فقط ، حتى نلتقي بالجنة بإذن الله .. هل ظننت انني سأتخلّى عنك بالآخرة ؟ 

عاصم : لا ، لن افعل !! وكأني أقتلك للمرة الثانية .. هذا حرام 

زينب : حرام ! انت آخر شخص يتحدث ناصحاً.. الم تخبرني انه ذات يوم خلال توصيلك لإحدى طلبيّات عميلك ، أغمضت عيناك وانت تقطع الشارع ! والمرة السابقة اوقفت سيارتك على سكّة القطار ، لولا العامل الذي غيّر المسار بآخر لحظة بعد ان رفق بحالك .. يعني لولا لطف الله وأجلك الذي لم يحن بعد ، ما كنا نتحدّث الآن .. ثم انا لست مثلك ، لأني اساساً ميتة.. وسيظلّ بإمكانك زيارتي متى تشاء..  وسأسمع كلامك بوضوح ، حتى لوّ عجزت الردّ عليك 


عاصم : أتقولين زيارتك ؟ انا لن ارحل من هنا ابداً !! 

زينب  : هل جننت ؟! وكيف ستعيش في المقبرة ؟!  

عاصم : سأفرش بجانب قبرك ، او أبني عريشة من فوقي .. سأدبّر اموري ، لا تقلقي بشأني

زينب : وماذا عن عملك ؟ 

عاصم : بعد فوزنا بالجائزة ان شاء الله .. سأرسل لوالدتك نصفها ، لتتصرّف بها كما تشاء .. ونصيبي ، أستأجر به بقالة صغيرة قرب المقبرة .. وإن لم أفزّ بشيء .. سآكل من حشائش الأرض ، دون تركك وحدك .. سأبقى هنا ، حتى أُدفن بجانبك .. اساساً صحّتي تسوء كل يوم  ! 


زينب : لا تفعل هذا بنفسك ، انا رضيت بقصر عمري.. لكن ما تزال امامك فرصة لعيش حياتك .. عُدّ الى بلدك ..

عاصم مقاطعاً : لن اغادر وأتركك !! اساساً ليس لديّ احد في بلدي  

زينب : يبدو اني عشقت مجنوناً ! ومع هذا ستطيعني هذه المرة .. ستتركني ، وتُكمل حياتك .. ستتزوج وتُنجب العديد من الأولاد .. وستحافظ على صحتك حتى يأتي اجلك بعد تجاوزك المئة عام بإذن الله .. ستفعل ذلك ، إن كنت تحبني فعلاً !! 

فسكت عاصم دون اجابة ..


زينب : المهم الآن ، هل ستنفّذ طلبي الأخير ؟

فتنفّس عاصم مطوّلاً ، قبل ان يقول بضيق : 

- إن كان هذا سيريحك ! 

زينب : شكراً يا عاصم 

- أتشكرينني على قتلك مرةً أخرى ؟!

زينب : أتفهّم غضبك ، لكني اعلم ايضاً انك تحبني ..وستفعل الشيء الذي يجعلني ارقد بسلام بعد ان ارتاح من الموجات والتردّدات التي تُنغصّ عيشي ، او الأصح موتي ! وعندما تشتري الملح وترشّه على قبري ، سينتهي الكلام بيننا .. حينها تقرأ الفاتحة ، ثم تمضي في طريقك دون مشاعر ذنبٍ او حنين .. وبذلك يكون وداعنا سهلاً .. اراك في الجنة بإذن الله ، يا حبيّ الحقيقي 

عاصم وهو يكتم دموعه بصعوبة : 

- الوداع يا زينب .. في حفظ الله ورعايته ، حتى لقائنا القريب 


وما ان خرج عاصم من المقبرة حتى انفجر بالبكاء والنحيب ، وهو يشهق بصعوبة .. وقلبه يكاد يتوقف من ثقل المهمّة التي ألقتها زينب على عاتقه ، دون ان يعلم كيف سينفّذها !


هناك 16 تعليقًا:

  1. طالما هذه القصة من تأليف الأستاذ عاصم من بدايتها حتى نهايتها ، فلن احسبها من ضمن قصصي للأمانة الأدبيّة

    ردحذف
  2. شكرا استاذه امل على وقتك وجهدك في اعادة كتابة القصه خاليه من الاخطاء الاملاءيه والنحويه وايضا لترتيب فقراتها وتنظيمها وتشكيل الكلمات وعلامات الترقيم والكتابه ايضا فكل هذه الاشياء لا اطيق التركيز فيها ...شكرا جزيلا

    ردحذف
    الردود
    1. بل الشكر لك استاذ عاصم .. قصتك رائعة فعلاً ، وانا سعيدة بنشرها في مدونتي .. تحياتي لك

      حذف
  3. حسنا يا استاذه حذفتلك عاما ونصف كاملا من عمرك لانك زبونتنا من نصف قرن ههههه
    واحببت وضع التهنءه مرة اخرى بعيد ميلادك ال 47
    على قصة المنحوسين
    لا تكثري فقط من الحلويات لءلا يرتفع السكر
    وهاكم 47 شمعه ملونه ومعطره لاختنا الكريمه 👋

    ردحذف
    الردود
    1. 47 شمعة ، ستشعل المدونة بمن فيها .. لنجعلها شمعتيّن برقميّ (7و4) اضمن للجميع .. وشكراً على كونك السبّاق بالتهنئة .. تحياتي لك

      حذف
  4. امل اريد ان اسألك عن اياد العطار ما اخپاره هل تعرفين عنه شيئا والله اشتقنا له و لموقع كابوس خسارة

    ردحذف
    الردود
    1. لا للأسف ، لي زمنٌ طويل لم احدّثه .. هو مشغول بعمله وعائلته ، وغير متفرّغ للموقع .. كما ان الذكاء الإصطناعي بكتابة المقالات ، اشعره باليأس وعدم الحاجة لمتابعة موهبته بالكتابة !
      اياد العطّار خسارة كبيرة بعالم الأدب

      حذف
  5. القصة مشابهة لقصة فيلم مصري اسمه الاعتراف الاخير لنور الشريف ونيلي عندما يكتشف انه يحب شبحا بالنهاية

    ردحذف
  6. لكن امل دخلت عليه اليوم و الصدفة وجدته يعمل و به قصة جديدة يبدو انه عاد جزئيا للعمل

    ردحذف
  7. موقع كابوس عاد يا اختاه

    ردحذف
    الردود
    1. قبل شهرين ، باركت لأياد عطّار عودة موقع كابوس .. فأخبرني ان احدهم سرق اسم الموقع منه ، وليس هو من يديره !

      حذف
  8. اه يعني الموقع لا يريده هو لكن الموقع عاد طبيعي للعمل

    ردحذف
  9. و توجد قصص جديدة بإسمه ايضا

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ اياد لا يكتب قصص ، فقط مقالات .. ربما هي مقالات قديمة له ، والله اعلم !

      حذف
  10. 😢 أعجبتني

    ردحذف
    الردود
    1. هذه قصة الأستاذ عاصم .. واكيد سيسعده انها اعجبتك

      حذف

العقوبة المتأخرة

تأليف : امل شانوحة  الماضي الأسود دفعه الحارس الى زنزانته ، وهو يقول : - هذه هي الضربة القاضية يا جاك ، ستبقى في ضيافتنا حتى مماتك فردّ جا...