الأربعاء، 4 يونيو 2025

الحب الثوري

تأليف : الأستاذ عاصم

تنسيق : امل شانوحة 

المسابقة الشعريّة


كانت زميلته بالكفاح ضدّ الحكم الظالم .. شاركته الثورات الشعبيّة ، ونالت نصيبها من الضرب والإهانات.. ولخوف عائلتها من أسرها في سجون الإعتقال ، تمّ تهريبها برّاً لدولةٍ مجاورة.. وبدوّره افتقد وجودها مع فرقته من الشباب والمراهقين المناضلين ، لإسقاط الحكم الجائر.. فهي لم تكن زميلته بالمعارضة فحسب .. بل اعتاد الإجتماع معها في الخنادق ، للتنافس على حفظ وتأليف الأشعار .. فكلاهما يملكان الموهبة الأدبيّة ، لكن ظروف بلادهما منعتهما إكمال دراستهما الجامعيّة ! والأسوء انه لم يعرفها إلاّ بلقبها الحركيّ ، دون معرفة اسمها الحقيقي.. وهي ايضاً لا تعرف عنه ، سوى انه قائد ثورتهم الذي يتمتّع بالحكمة السياسيّة والأخلاق والدين!


وهاهي المعارضة فازت بعد نجاح مظاهراتٍ شعبيةٍ حاشدة ، قلبت النظام على الحاكم الظالم الذي لاذ بالفرار للخارج ! ليتمّ تحرير المساجين والأسرى.. بينما حصل هو على تأيّد الشعب ، لاستلام حكم البلاد

***


وبعد سنة من الإحتفالات الشعبيّة ، وزيارات الرؤساء العرب والأجانب الى قصره لتحسين ظروف بلاده ، بعد عقود من الفساد بجميع الدوائر الرسميّة .. عادت اليه ذكرى صديقته الشاعرة التي انقطعت اخبارها بعد هربها من الوطن ! 


وذات يوم .. خطرت بباله فكرة ، طالباً من وزير الثقافة : إعلان جائزةٍ ماليّة لمن يحلّ كلماتٍ متقاطعة بالجريدة الرسميّة (التي تُنشر على الإنترنت بشكلٍ دوريّ) على ان يكون اللغز مقاطع من أشعارٍ قديمة .. ومجموع الحروف المتبقيّة : هو لقب حبيبته الثوريّ .. فهي خبيرة بهذا المجال ، وحتماً ستكون فائزة (في حال علمت بالمسابقة) 


لكنها للأسف لم تكن ضمن آلاف المشاركين بالمسابقة (التي اُشترط فيها : تقديم صورةً شمسيّة للمشارك)

***


وبعد شهر ، سأله وزير الثقافة : 

- نجح بمسابقتك خمس رجال وسيدة عجوز ، فهل نتابع نشر المسابقة؟

القائد بيأس : حاولوا هذه المرة رفع مستوى الأشعار .. ولتكن من العصر الجاهلي ، فهي خبيرة بإسلوب شعرائهم المميّز .. ولطالما تفوّقت عليّ بحفظ ابياتهم الصعبة

***


وفي عصر إحدى الأيام ، دخل وزير الثقافة الى مكتب القصر .. ليجد القائد غافياً فوق الكنبة ، بعد انتهاء اجتماعه مع رئيسٍ أجنبيّ .. فأيقظه وهو يعطيه ثلاثة صور شمسيّة ، وصلت لبريد الجريدة الرسميّة :

- آسف لإيقاظك .. لكنه لم ينجح بمسابقتك الأدبيّة الأخيرة سوى ثلاث سيدات ، فهل حبيبتك من ضمنهم ؟

فنهض القائد بحماس وهو ينظر للصور ، لترتسم على وجهه ابتسامةً عريضة :

- هذه هي ! .. أخيراً وجدتها !! هل أرسلت رقمها مع المسابقة ؟

فأعطاه الوزير قصاصة ورق ، وهو يقول :

- ارقام السيدات الثلاثة مدوّنة هنا .. ورقم حبيبتك في الوسط 

^^^


ثم خرج من المكتب .. تاركاً القائد يتصل (من جوّاله الخاص) على حبيبته التي ما ان سمع صوتها ، حتى تنهّد بارتياح :

- اخيراً وجدتك !!

فردّت عليه : كنت اعلم انك ستبحث عني

معاتباً : ولماذا لم تتصلي بي ؟ كان اسهل إيجادي ، من البحث عنك بالدولة المجاورة


فأخبرته ان سبب بُعدها : هو عدم رضائها عن بعض قراراته بشؤون الحكم ، وبأن مبادئه تغيّرت مع الأيام ! 

فأفهمها انه مُضّطر لمجاراة الأوغاد الذين حوله ، الذين يتربّصون الفرص للقضاء عليه .. ثم أخبرها بدمار البلد ، وحاجته لإعادة البناء والإعمار .. 

لكن الأهم من ذلك ، انه يريدها بجواره .. وانه لم يعد يحتمل فقدها من جديد ..

فوافقت على ملاقاته بالقصر .. وبدوّره أرسل لها طائرةً خاصة لإعادتها الى الوطن

***


وماهي الا اسابيع ، حتى احتفل الشعب بزواجهما الذي تناقله الإعلام العربي والأجنبي ..

وبالفعل استحقّت لقب السيدة الأولى بامتياز ، ليس فقط لجمالها الراقي.. بل لرجاحة عقلها ، لأن أفكارها ساهمت بتحسين القطاع العلمي بالبلد .. خصوصاً تحويل المواد العلميّة للغة العربيّة ، والإهتمام بقسم الآداب بالجامعة .. حتى اصبحت بلادها منارة للشعراء والأدباء وكتّاب العرب 

***


وبعد إنجابها ولداً وابنتيّن ، وعقب سنوات من حكم زوجها العادل الذي استفاد من مشورتها الحكيمة .. إنتشر خبر إصابتها بالسرطان ، وعمّ الحزن القصر الملكي وعموم الشعب الذين أحبّوا تواضعها وكرمها عليهم .. خصوصاً وطنيّتها ، بعد رفضها العلاج بالخارج ، حتى بعد ان ساءت حالتها ! 

***


وفي يوم دفنها .. تجمّع الشعب في الطرقات ، لرؤية موكب جنازتها الذي حضره القائد واولاده ، مع نخبة من رؤساء العالم .. 

وبعد تنكيس الأعلام وإغلاق الدوائر الرسميّة ، وتعليق الدراسة لثلاثة الأيام .. أعلن القائد تنحّيه عن الرئاسة ، رافضاً إستلام ابنه الوحيد الحكم ! مُلزماً نائبه بالإشراف على الإنتخابات الشعبيّة لتعيّن رئيسهم الجديد .. 


بينما اعتزل العالم في بيته الريفيّ ، بعد موت زوجته الحبيبة .. الى ان وافقته المنيّة بعدها بعامين .. ليُدفن بجوار زوجته ، ويصبح قبرهما مزاراً سياحيّاً .. بشاهدٍ رخاميّ محفوراً عليه : ((قبر الحاكم العادل ، وزوجته الرحيمة))


هناك 6 تعليقات:

  1. اركم ان شاء الله بعد العيد ، وكل عام وانتم بخير

    ردحذف
  2. قصه مؤلمه كالحال والمآل جيد انهما ماتا بدلا من العيش بهذا العالم المنافق شكرا امل على الصياغه والتنقيح
    وعيد اضحى مبارك عليك 🐏ونراك على خير

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة انها اعجبتك ، وكل عام وانت بخير

      حذف
  3. هل هذا ممكن الحدوث

    ردحذف
    الردود
    1. هذه قصة الأستاذ عاصم ، فليجيبك هو عن سؤالك

      حذف
    2. حسب الحرب الأهلية اللبنانية حصلت الكثير من الزيجات بين الجنسيّن المنضميّن للحركات المقاتلة .. فالحب يحصل فجأة ، دون التأثّر بالبيئة المحيطة

      لكنها بالنهاية قصة إفتراضيّة ، من افكار الأستاذ عاصم

      حذف

الحب الثوري

تأليف : الأستاذ عاصم تنسيق : امل شانوحة  المسابقة الشعريّة كانت زميلته بالكفاح ضدّ الحكم الظالم .. شاركته الثورات الشعبيّة ، ونالت نصيبها من...