الأربعاء، 18 يونيو 2025

العيد الحزين

تأليف : امل شانوحة 

العقوق والبرّ


قبل يوم العيد الكبير ، طلبت العجوز من خادمتها الجديدة تنظيف المنزل..

وبعدها استحمّت السيدة ، وكويّت عباءة العيد المزخرفة.. مع وصول عامل التوصيلات الذي أحضر الحلوى والشوكولا لضيوف الغد.. كما وضعت عيديّات احفادها في ظروفٍ صغيرة..

^^^


في المساء.. 

الخادمة : أنهيت كل عملي ، أتريدين شيئاً آخر ؟

العجوز : 

- إتصلت بالمطعم لطلبيّة الغد ، لذبح خروف الأضحيّة وطبخه بالأرز .. ومع وصول ابنائي ظهراً ، نأكله معاً .. ثم تقدمين العصير والحلويات ، بعد توزيعي الهدايا والمال على احفادي

- كم عدد احفادك ، سيدتي ؟

- لديّ اربعة اولاد ، ومجموع ابنائهم عشرة .. غداً تتعرّفين عليهم .. فأنت لم تري سوى ابني الكبير الذي وظفّك لديّ ، خوفاً من بقائي وحدي في المنزل 

الخادمة : حفظهم الله لك

***


في اليوم التالي ، اوصل المطعم الخروف المحشي ساخناً .. فسارعت الأم الإتصال بأبنائها..

لكن ثلاثة منهم ، لم يجيبوا على مكالمتها ! بينما ابنها البكر ، إعتذر عن القدوم لانشغاله بزيارة حماته !


وراقبت الخادمة العجوز وهي تنادي البوّاب ، لأخذ الطعام وتوزيعه على الفقراء وهي تكتم دمعتها ! كما وزّعت العيديّات والحلوى على اولاد الحارة

وبعدها اتكأت على خادمتها للعودة الى شقتها.. ودخلت غرفتها لتغيّر ملابسها الجميلة التي اشترتها لهذه المناسبة.. ثم طلبت القهوة لشربها على الشرفة

الخادمة بقلق : الن تأكلي ؟ فأنت لم تتناولي شيئاً منذ الصباح !

العجوز بحزن : لا أشتهي الطعام.. ثم الصحن الذي وضعته جانباً من الذبيحه ، هو لك.. كليه قبل ان يبرد


وأكملت نهارها شاردة الذهن في الشرفة ، وهي تراقب اولاد الحارة يلعبون ويطلقون مفرقعات العيد ، وهي غارقة بذكرياتها !

فشعرت الخادمة بحزنٍ وقهر من اولادها العاقّين الذين كسروا قلب امهم بهذا ليوم الجميل

***


وفي المساء .. نزلت الخادمة لأسفل عمارة لرمي النفايات ، بعد نوم العجوز باكراً.. فالتقت بحارس العمارة الذي سألته عن اولاد العجوز

ففاجئها بجوابه :

- طبيعي ان لا يأتوا لزيارتها

الخادمة : ماهذا الكلام ! هي ربّتهم بعد وفاة والدهم ، وهم صغار

الحارس : دعيني أصحّح معلوماتك .. هي من طلّقت والدهم ، رغم حنانه على اطفاله.. وحرمته رؤيتهم ، حتى توفيّ مكسور القلب والخاطر

- لم اكن اعلم ذلك !

- هي امرأة تحب نفسها كثيراً .. ورغم حصولها على معاش طليقها التقاعدي بحجّة اولادها .. الا انها بخلت عليهم كثيراً ، للإهتمام بنفسها ! فأنت لا تعرفين طباعها القديمة ، كجيرانها القدامى التي لطالما افتعلت المشاكل معهم.. فأنا أعمل بهذا المبنى قبل طلاقها ، ايّ ما يقارب ٢٥ سنة ..وأعرف حياة عائلتها جيداً

الخادمة باهتمام : اذاً إخبرني الموجزّ ، فالسيدة نائمة الآن


((فأخبرها عن نرجسيّة الأم وقسوتها على ابنائها الصغار ، خاصة بعد وفاة زوجها الطيّب .. حيث منعتهم الخروج من المنزل الا للدراسة .. وكانت تتفننّ في عقابهم على اقل تقصيرٍ منهم.. كما حرمتهم زيارة الأقارب التي قاطعتهم مُسبقاً ، بسبب إفتراءاتها الكاذبة .. 

ثم أخبرها عن اختهم الصغرى التي انتحرت بعد رفض الأم زواجها من قريبها الذي تحبه كثيراً ، فقط لكرهها والدته ! وموت الصغيرة ، دمّر ما تبقى من نفسيّة إخوانها الذين زاد كرههم لأمهم بسبب تدخّلاتها بزيجاتهم .. بل هناك اشاعة باستخدامها السحر ، لتفرقة اثنين منهما عن زوجاتهما .. لهذا قرّرا العيش بعيداً عنها ، والزواج ثانيةً دون إخبار امهما بذلك.. 

اما أحنّهم عليها ، فهو ابنها البكر الذي يدفع اجرة الخادمة للإهتمام بها .. رغم انها أذته كثيراً ، بضربه دون رحمة .. حتى ان العلامة البارزة على جبينه ، بسبب رميها الطنجرة على رأسه وهو مراهق ! عدا عن إخراجه من الثانوية رغم تفوّقه ، لإدارة متجر والده المتوفي .. وبدوّره حرص على دفع اقساط جامعات إخوته وتزويجهم))


الخادمة : أتقصد ان لديهم اسباب قوية لعقوق والدتهم ؟

الحارس : نعم ، ولا احد من جيرانهم القدامى يلوموهم على قلّة زياراتهم لها .. فصراخها العالي ونقدها المدمّر لأولادها ، سمعناه جميعاً.. حتى انها اعتادت طردهم من الشقة في الليالي الباردة ! وكثيراً ما سمحت لولديّها المبيت في شقتي حتى الصباح.. كما حرمتهم الطعام ومصروفهم المدرسيّ في حال عصوا اوامرها.. لهذا لا تلومينهم على هجرها ، فهي لم تكن اماً صالحة.. وكما تقول المقوّلة الشهيرة : ((برّوا اولادكم قبل ان يبرّوكم))

الخادمة باستغراب : لكني معها منذ اسبوع ، وتعاملني بلطفٍ وحنان!

- ربما تغيّرت بعد هجرهم لها .. لكن توبتها أتتّ متأخرة ، بعد ان فقد اولادها ثقتهم بها !

^^^


فعادت الخادمة الى الشقة حزينة ، بعد فهمها سبب هجر الأولاد للعجوز التي يبدو انها ستعيش وحيدة لآخر يومٍ في حياتها !


هناك تعليقان (2):

  1. aدوران حاد مفاجيء وانقلابه بالاحداث. قصه حزينه والواقع اشد مراره.قضيت تقريبا 44عيدا بمفردي رغم كثرة البشر
    شكرا مول واحسنت يااستاذه🌹

    ردحذف
    الردود
    1. كم من ام واب لا يستحقون هذا اللقب .. لكن هذه هي الحياة : على احد الزوجيّن ان يكون قاسياً ، ليتعلّم اطفالهما تحمّل الصدمات باكراً !

      لا تحزن اخي ، ربما المستقبل افضل
      او تحدث حربٌ نوويّة ، ونرتاح جميعنا من عذاب الدنيا !

      حذف

العيد الحزين

تأليف : امل شانوحة  العقوق والبرّ قبل يوم العيد الكبير ، طلبت العجوز من خادمتها الجديدة تنظيف المنزل.. وبعدها استحمّت السيدة ، وكويّت عباءة ...