الجمعة، 10 مارس 2023

الخالة الحنونة

تأليف : امل شانوحة 

 

التربية الصحيحة


في زيارتها للريف .. لاحظت تعامل زوج اختها السيء مع ابنه المراهق (وليد) الذي يمنعه من الكلام مع خالته ، ويفضّل ابنته الصغرى عليه ! وكان واضحاً  شخصيّة وليد المُدمّرة بسبب سلبيّة امه وقساوة والده..


وقبل انتهاء الزيارة .. طلبت الخالة جوّال وليد للإتصال بسائقها ، لأخذها الى نزل المسافرين ، بعد رفضها مضايقتهم بالمبيت في منزلهم الصغير


وبعد إعادة جواله ، اقترحت على والده : أخذه معها الى المدينة لإكمال جامعته على حسابها .. 

فوافق الأب دون تردّد ، طالباً من ابنه ترتيب اغراضه للسفر مع خالته صباحاً ، وهو يسخر منه :  

- أعانك الله على ابني الفاشل ، عديم التربيّة


فشعرت الخالة بضيق وليد وهو يحاول كتم غضبه ، امام تهليلات اخته المدلّلة لسعادتها بتحويل غرفته لمكان لعبها ! بينما التزمت امه الصمت بسلبيّتها المعتادة

***


في الطريق ، سألته الخالة :

- حقيبتك صغيرة يا وليد ! هل انت متأكّد أنك أحضرت جميع اغراضك ؟

فردّ وليد مُحرجاً : معظم ملابسي قديمة ولا تليق بالمدينة ، ولا املك سوى جوالي القديم

- لا تحزن ، سأهتم بك جيداً ..وسأشتري لك جوالاً وحاسوباً جديداً

وليد بدهشة : حاسوب !

- نعم ، ستحتاجه في الجامعة .. لكنك لم تخبرني بعد ، أيّ إختصاصٍ ستختار ؟ فعلاماتك جيدة بالثانويّة ..

فأجابها بحزن : ابي لم يهتم يوماً بتفوّقي العلمي !

الخالة : لا تفكّر بكلامه المُحبط ، وامحي سلبيات الماضي بكل آلامه .. وأعدك بأن أيّ اختصاصٍ ستختاره ، سأدفع جميع تكاليفه ..حتى المعاهد والنوادي التي تحتاجها لتطوير مواهبك 


وليد باستغراب : ولما كل هذا يا خالة ؟!

- لقد ورثت شركة زوجي ، دون إنجابي الأولاد ..لهذا سأعتبرك ابني من اليوم فصاعداً.. (ثم مسكت يده).. الآن إخبرني ، أتريد تعلّم الهندسة ام الطبّ ؟

وليد : حلمي الحقيقي أن أصبح كخالي

- رحمه الله ، كان ضابطاً قوياً.. 

- ليتني مثله ، لكن شخصيّتي ضعيفة وجسمي هزيل !

الخالة : عليك اولاً إنهاء جامعتك ، لتحصل على رتبة ضابطٍ بدل العريف

- اذاً سأتخصّص بالإدارة ، فهي ٣ سنواتٍ فقط 

- كما تشاء ، إن كانت هذه رغبتك 


وليد بقهر : ليت امي تهتم لرأيّ مثلك ، يا خالة

- هي تخاف إغضاب والدك ، فهو عصبيٌ جداً

- وعنيفٌ ايضاً

الخالة بقلق : هل يضرب أختي ؟!

- لا ، فهي لا تعترض على قراراته ..ولا تدافع عني ، عندما يضربني دون سبب !

- ولما يدلّل اختك فقط ؟!

وليد : لأنها تُشبهه بالشكل والطباع الحادّة ، اما انا..

مقاطعة : فتشبه خالك رحمه الله


وليد : هو مثلي الأعلى ، ليتني أصبح مثله

الخالة : بل ستصبح أفضل منه .. فقط أحرص على عدم إخبار عائلتك بنجاحاتك المستقبليّة فهم لن يقدّروها ، وسيحبطونك بنقدهم الدائم .. واكتفي بالسلام عليهم بالجوّال ، دون ذكر تفاصيل حياتك

وليد : ومتى ستسمحين بزيارة عائلتي ؟

- في الأعياد والعطل الرسميّة


ففكّر وليد قليلاً ، قبل أن يقول بحزم :

- لا !! سأراهم عندما أُثبت لأبي إنني لست فاشلاً ، كما يلقّبني دائماً

الخالة : هذا يتوقف على اجتهادك في الدراسة ، ومداومتك على النوادي التي سأسجّلك فيها

- وانا مستعدٌّ لذلك

فحضنته بحنان..

***


اول ما فعلته الخالة بعد وصولهما للمدينة هو تسجيله بنادٍ رياضيّ لتقويم ظهره المنحني ، وبناء عضلاته التي ستزيد من ثقته بنفسه..


كما قصّت شعره المُهمَل ، وهذّبت شاربه ولحيته الخفيفة

واشترت له ملابس جديدة تناسب شخصيّته


وأدخلته ناديّاً للفنون القتاليّة ، لتعلّم الدفاع عن نفسه بعد معاناته مع التنمّر طوال سنوات دراسته.. ولم تنسى ايضاً إدخاله معهداً للغة الأجنبيّة وعلوم الحاسوب ، للإستفادة من ايام عطلته قبل بدء سنته الأولى الجامعيّة  

***


وبمرور السنوات ، تخرّج من جامعته بعلاماتٍ جيدة.. وتفوّق ايضاً بنادي الرماية والسباحة .. فكافأته خالته بسيارةٍ صغيرة


ولم ترضى بعودته للقرية قبل توسّطها عند صديق زوجها ، لإدخاله قسم الشرطة التي يعشقها..


وخلال التدريبات ، تفوّق على زملائه لإتقانه فنون القتال والرماية .. وعيّنوه بالإدارة لقوّة شخصيّته التي تحسّنت بعد عيشه مع خالته التي قدّرت آرائه ونفّذت اقتراحاته ، والتي حرصت على إشراكه برحلاتٍ ونزهاتٍ مع اصدقائه التي عزمتهم الى فلّتها كل شهر لزيادة شعبيّته.. 

بالإضافة لذهابها الى منزل حبيبته بالجامعة لخطبتها ، والتي ينوي الزواج بها بعد إخبار اهله عنها..


وبعد كل هذه النجاحات ، وافقت خالته اخيراً على زيارتهما لمنزل اختها التي ألحّت كثيراً لرؤية وليد خلال الخمس سنواتٍ الماضية 

***


وفور دخول وليد منزل اهله (بعضلاته المفتولة ، وبزيّ ضابط الشرطة) حتى استقبلته عائلته بالأحضان ، وهم متفاجئون من التغيّرات الإيجابيّة على شكله وشخصيّته المتميزة ! 

حيث بكت امه كثيراً لشبهه الكبير بأخيها المتوفي .. وترقّرقت عينا والده فخراً ، وهو يستمع لحديث ابنه الذي تكلّم بثقةٍ واتزان لم يعهدها من قبل !


وبعد ذهاب وليد مع اخته الى غرفتها ، سأل الأب الخالة عن سبب تغيّر ابنه ؟! فأجابته :

- كان وليد أشبه بزهرةٍ ذابلة وسط صحراءٍ خالية من العواطف ، فاضّررت لقلعها وزراعتها في بستانٍ مُزهر .. وحرصت على سقايتها كل يوم ، حتى ازهرت كما تلاحظون

فتضايق الأب من نقدها المُبطّن : 

- كنت أقسو عليه ، لأربّيه


الخالة : كان عليك مصاحبته بسن المراهقة وتقدير احلامه وتطلّعاته ، لا أن تأمره كولدٍ صغير وتهينه امام اصدقائه ! فأنا عاملته كرجلٍ بالغ ، وطلبت مساعدته كأنه سندي الوحيد بالحياة .. ولطالما أبهرني بأفكاره واقترحاته الذكيّة ! ولم أقمّ بخطوةٍ واحدة دون استشارته ، الى أن عادت ثقته بنفسه .. كما خطبت له فتاة احلامه ، مما جعله اكثر نضوجاً وتحمّلاً للمسؤوليّة

الأم معاتبة : كيف تخطبين لأبني دون رؤيتي للعروس اولاً ؟!


فأخبرت والديه بأنها تعرفها منذ دراسته الجامعيّة ، وانها من عائلةٍ محترمة ، وأن شخصيّتها تناسب وليد .. وانه الوحيد صاحب القرار باختيار شريكة حياته .. وهو من طلب منها عزيمتهما على عرسه القريب .. 

كما أخبرت عن مساهمتها بالدفعة الأولى لمنزله ، وهو سيتكفّل ببقيّة الأقساط من رواتب عمله


فشكرها الأب على تكاليفها الماديّة على ابنه طوال السنوات الماضيّة.. 

فردّت الخالة : هو ابني ايضاً ..وانا سعيدة بتحوّله من مراهقٍ ضعيف الى رجلٍ قويّ ، يمكننا جميعاً الإعتماد عليه

***


في يوم العرس .. قبّل وليد يد خالته :

- انا مدينٌ لك بنجاحي ، فأنت في مقام والدتي

الخالة بفخر : لوّ رزقني الله بولد ، لتمنّيته رائعاً مثلك

فحضنها بحنان..

***


بعد سنوات ..زارها في فلّتها ، ليخبرها عن شقاوة طفليه التوأمين ..

وفي سياق الحديث ، سألها :

- لليوم لم أعرف سرّ إصرارك تلك الليلة لذهابي معك الى المدينة ؟!

الخالة : لأني حينها طلبت جوالك للإتصال بسائقي ، أتذكر ؟

وليد : نعم كنتِ نسيتي جوالك في نزل المسافرين ، وجوال والدي لم يكن مشحوناً 

- حينها رأيت بحثك بالإنترنت عن طرق الإنتحار ! وشعرت انني سأخسرك إن بقيت يوماً آخراً مع والدك المُتزمّت 


فطأطأ وليد رأسه حزناً :

- في تلك الليلة ، ضربني والدي بعنف قبل قدومك ، لأني تأخّرت بشراء العصير ! فدخلت غرفتي باكياً ، ودعوت الله أن تكون آخر ليلةٍ مع عائلتي .. ولم اكن اعرف انه بالفعل آخر يومٍ معهم ! جيد انك أخذتني ، قبل إقدامي على فعلٍ يُغضب الله ويُحزن عائلتي 

الخالة : هذه مشكلة الآباء الأقوياء ، يظنون أن قسوتهم تقويّ شخصيّة ابنائهم ! لكنهم بالحقيقة يدمّرون ثقتهم بنفسهم.. الحمد لله انني قرّرت زيارتكم تلك الليلة لأحميك من قرارك المتهوّر .. فهآ انت أصبحت رجلاً نفتخر به جميعاً ، وفي المستقبل ستكون اباً رائعاً لطفليك 

وليد : سأربّيهما بحنّيةٍ وتفاهم ، كما فعلتي معي .. فأنت امي الثانية وصديقتي الوحيدة .. حماك الله يا خالتي العزيزة

وحضنها بحنانٍ وامتنان ...


هناك 5 تعليقات:

  1. احب كثيرا قصصك التربوية.. هي مفيدة' وتناسبني
    سلمت يداك

    ردحذف
  2. الخالة الشغالة التحية لكل الخالات انها اغاني ثعبية تراثية سودانية اي اغاني بنات . قصة عن التخلف و تدمير الزات لاجيال من اجل تبجيل الخال الوفي ضد العم الطماع بنسب الفراخ الي حظيرة الديك الفسي

    ردحذف
  3. المفترض ان يعكس الادب الواقع وهذه القصه كبطلتها من سكان اليوتوبيا المدينه الفاضله او كائن خيالي ليس له اصل كالتنين نافخ النار او العنقاء ..الخ
    ربما لو مررتي يوما على التيكتوك وغيره ..ستجدين اباءا وامهاتا بل ومعلمين وواعظين
    من جيل الاندرويد وقبله لو قرأ أحدهم مثل قصتنا هذه لاتهمنا باننا ليس من سكان الارض
    لا أقصد تثبيطك طبعا فأنتي تحاولين الإصلاح ما استطعتي وتقديم أدب نادر عز وجوده ...
    ربما يترحم عليه من جاءوا بعدنا ..لو كانوا مازالوا يحسنون القراءه .
    ❤💙💚💛💜💓💔💕💖💗💘💝💞💟

    ردحذف
  4. قصصك حلوة جدا... بس تعاليق عاصم لا معنى لها وهذا ينقص من جمال القصة

    ردحذف
    الردود
    1. الأخ عاصم شاعر مصري وصديق مخلص للمدونة ، وانتظر دائماً تعليقه هو وابن اليمن على قصصي ، فهما من القرّاء الصعب ارضاؤهما ، لهذا اعرف من خلال تعليقهما ان كانت قصتي جيدة ام لا .. كما يهمّني بالطبع بقية التعليقات من القرّاء الكرام .. تحياتي لك

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...