السبت، 28 يناير 2023

عروس البحر

تأليف : امل شانوحة 

 

الرحلة المشؤومة


في ذلك العصر .. تجمّع عشرة من مشاهير الغناء والتمثيل داخل قاعة صغيرة بانتظار طائرتهم ، بعد انتهاء حفل تكريمهم الليلة الماضية .. 


واثناء تواجدهم هناك ، إقترب منهم الصحفيّ الشهير .. 

فقالت إحداهن بضيق :

- رجاءً ، لا نريد المزيد من المقابلات الصحفيّة 

الصحفي بإحراج : بالحقيقة .. أتيت لإجراء مقابلة سريعة مع الفائزة بالمسابقة العربية للقصّة القصيرة ، وهي قادمة الى هنا بعد قليل 

- وهل ستركب معنا ؟

الصحفي : لا ، طائرتكم خاصّة بكم .. بينما هي من ركّاب الدرجة الأولى بالطائرة السياحيّة .. ولأنه لا يوجد سواها ، أرسلوها الى هنا..


فسألته عجوز مشهورة بتنبؤاتها المستقبليّة ، والتي كانت ضمن المكرّمين بالحفل : 

- ما إسم الكاتبة ؟

وما أن أخبرها به ، حتى قالت :

- الأفضل أن توثّق مقابلتك معها ، عبر تسجيل إجاباتها على جوّالك .. فالصحافة العالميّة ستطلبها منك لاحقاً

الصحفيّ بدهشة : العالميّة !

البصّارة : نعم ، فبعض اعمالها ستصل للهوليوود 


فسألتها فنانة باستغراب : توقعتي ذلك من معرفتك لإسمها فقط ؟!

البصّارة : بل رأيت اكثر من ذلك.. فهي تعبت كثيراً للوصول الى هذه المرتبة ، بعد أن سحرتها قريبتها بتعويذةٍ لا يمكن فكّها ، والتي ربطت قميصها بثلاث عقدٍ دمويّة : أحدِها لمنعها من الزواج ، والثانية لتعسّر رزقها ، والثالثة لنفور الناس منها .. رغبةً في تعسير حياتها ، بعد أن أخبرتها المشعوذة بمستقبلها الباهر ! 


فسألها فنانٌ شاب باهتمام : أحقاً لا يمكنها الزواج ؟

البصّارة : مستحيل !! فهي متزوجة بماردٍ من الجن ، دون علمها .. والذي احتفظ بسحرها في منزله بأعماق البحر .. وهو غيورٌ للغاية ، وسيقتل كل من يحاول إنقاذها

الفنان باستنكار : انت تبالغين طبعاً  

البصّارة : أظنك لا تصدّق بالسحر ؟

الفنان : أعرف انه موجود ، لكنه ليس بهذه القوة 

فقال الصحفيّ وهو ينظر لصبيّةٍ ثلاثينيّة في طريقها اليهم : 

- أظنها وصلت 


واقترب منها ، ليجدها متفاجئة من وجود المشاهير بالقاعة التي أخبرها مسؤول المطار بالتوجّه اليها (بعد حصولها على تكريمٍ بحفلةٍ ثانية ، خاصّة بالكتّاب العرب) 

 

فسلّمت عليهم من بعيد بارتباك .. ثم جلست بجانب الصحفيّ الذي سألها باهتمام عن اعمالها (بعد تصديقه نبوءة البصّارة التي لم تخبّ توقعاتها سابقاً) 

***


بعد مقابلةٍ سريعة .. نادتها البصّارة للإقتراب منها ، لتقول لها :

- لا تحزني عزيزتي .. فأعمالك ستُشهر ، وإن لم تشاهديها 

الكاتبة بقلق : ولما لن أراها ؟!


وقبل أن تجيبها ، ناداها موظّف المطار للصعود الى مقعدها بالدرجة الأولى في طائرتها السياحيّة التي ستقلع قبل الطائرة الخاصّة بالمشاهير .. 


فسلّمت عليهم على عجل ، وتوجّهت الى هناك بحقيبتها الصغيرة ..دون علمها بأنها أثارت إعجاب الفنّان الشاب الذي لم يزحّ عينيه عنها طوال المقابلة ، بعد أن أعجبته بجمالها الطبيعيّ وردودها الذكية ، بعكس تصنّع الفنّانات بعملياتهنّ التجميليّة المشوّهة !


كما لم تعرف الكاتبة أنه استطاع نقل فيديوهاتها وصورها الى جواله ، بعد نسيان جوالها امام طاولة المشاهير اثناء مقابلتها الصحفيّة السريعة .. دون أن يتسنّى له رؤيتهم ، بعد أن ناداهم موظّف المطار للصعود لطائرتهم الخاصّة 

***


إختار الفنّان مقعداً بعيداً عن بقيّة زملائه ، لمشاهدة فيديوهات الكاتبة (وهو يضع السمّاعات).. ليتفاجأ بجمال صوتها وخفّة دمها التي صوّرتها بفيديوهاتها مع اخوتها ، مما جعل قلبه يخفق بشدة .. 


فقام من كرسيه متوجهاً للبصّارة ، ليسألها بصوتٍ منخفض عن ما قصدّته من كلامها المُقلق للكاتبة ؟

فأخبرته بنبرةٍ حزينة بأنها شاهدت رؤية سريعة عن موت الكاتبة قريباً ، وشهرة اعمالها بعد وفاتها !


ورغم عدم تصديقه بكلام المتنبّئين ، الا أن توقعها أثار رعبه .. 

وفور لمحه من النافذة : للعمّال وهم يزيلون السلّم عن الطائرة السياحيّة ، حتى سارع بالنزول من الطائرة ، وسط دهشة زملائه المشاهير ! 

ليطلب من العمّال السماح له بصعود الطائرة السياحيّة ، بعد أن وعدهم بدفع ثمن التذكرة من الداخل ..

***


في الطائرة السياحيّة ، قسم الدرجة الأولى .. جلست الكاتبة وحدها ، مُغمضةً عينيها بإرهاق ، لعدم نومها منذ يومين بسبب حماسها لحضور اول تكريمٍ لها ..


لتتفاجأ بالفنّان يجلس بجانبها ، وهو يقول لاهثاً : 

- لحقت بك بآخر لحظة

فسألته بدهشة :

- أتركت طائرتك الخاصّة لأجلي ؟!

- نعم

الكاتبة بقلق : ولماذا ؟!

الفنان مبتسماً : لا ادري ، اريد التحدّث معك قليلاً .. أقصد بشأن اعمالي المستقبليّة ، فأنت كاتبة وانا ممثل .. فهل لديك قصصاً تصلح لشخصيّتي ؟ 

ففكّرت قليلاً ، قبل أن تقول : 

- نعم ، لديّ قصة مناسبة لك  


وبعد إقلاع الطائرة .. إستمع إليها باهتمام ، وهي تحكي تفاصيل قصتها الفريدة التي أعجبته ، لدرجه إعطائها رقمه الخاصّ للتواصل معه ، وإرسال المزيد من قصصها ، لتحويلها الى افلام عربية ومسلسلات .. مما أسعدها كثيراً..

***


بعد ساعة ، بدأت المضيفات بتوزيع الوجبات الغذائية .. 

وكانت المضيفة المسؤولة عن قسم الدرجة الأولى أجنبية .. فسألت الفنان اولاً باللغة الإنجليزية : إن كان يريد وجبة دجاج او لحم ؟ 


وبعد إعطائه وجبته ، عادت المضيفة لتسأله : 

- ماذا بشأن زوجتك ؟

فأجابها مبتسماً :

- زوجتي تحب الدجاج.. (ثم نظر للكاتبة) .. اليس كذلك عزيزتي ؟

فأومات الكاتبة برأسها خجلاً ..


وبعد ذهاب المضيفة ، عاتبته الكاتبة برقّة :

- لما لم تخبرها اننا زملاء عمل ؟

فقال مبتسماً : ستعرفين الجواب في المستقبل القريب


وغمزها برومنسيّة .. بينما حاولت تجاهل الوضع المربك ، باستعدادها لتناول وجبتها .. وهو يراقبها بطرف عينه ، سعيداً بمعرفتها لأتيكيت الطعام ..فهو معروف بحرصه الشديد على واجهته امام الناس ، واهتمامه بأدقّ التفاصيل

***


بعد ذهاب الكاتبة الى دورة المياه .. شعر الفنّان بصداعٍ مُفاجئ ، جعله يريح عينيه قليلاً.. 

حينها شاهد مناماً غريباً : كأنه يسبح في بحرٍ نتن ! ليرى امرأة ترمي قميصاً في البحر ، بعد ربطه بثلاثة عقدٍ صعبة .. فتذكّر كلام البصّارة .. وغاصّ في البحر ، ملاحقاً القميص التي وضعت بداخله حجارة ثقيلة لإغراقه.. وهو مصممّ على فكّ سحر حبيبته ..


وظلّ يغوصّ ، الى أن وصل لمنزلٍ زجاجيّ بعمق البحر .. ليجد بإحدى غرفه ، صندوقاً قديماً بداخله القميص المعقود ! 

وبصعوبة استطاع فكّ العقدة الأولى ، لتظهر ورقة فيها كلمة ((الرزق)) مكتوبة بالدماء ! 

وفكّ الثانية ، ليجد كلمة ((نفور الناس منها)) .. 


فعرف إن العقدة الثالثة : هي لحرمانها من الزواج .. وقبل فكّها ، سمع صوتاً مهيباً من خلفه :

- إبتعد عن زوجتي ايها الحقير !!

وكان كائناً ازرقاً مخيفاً ، نصفه انسان ونصفه سمكة ! 

فعرف انه زوجها المارد من العالم الآخر .. 


وهنا ! إستيقظ ، ليجد الكاتبة تضعّ جهاز الأكسجين على وجهها ، بهلعٍ شديد .. وهي تشير له بوضع جهازه المتدليّ فوق رأسه .. بينما ركّاب الدرجة السياحيّة يصرخون من خلفه ، اثناء هبوط الطائرة بقوّة نحو البحر 


ولم يعرف إن كان هذا حلماً ام حقيقة ، حتى قامت الكاتبة بوضع الأكسجين على انفه ، وهي تقول بخوف : 

- قلّ الشهادة !! سنموت جميعاً


وخلال ثواني ، غمرت المياه هيكل الطائرة .. ليشاهد الفنّان يداً زرقاء ضخمة ، تسحب حبيبته من نافذتها المحطّمة ! 

فسارع بفكّ حزام الأمان للّحاق بها ، قبل غرقه مع هيكل الطائرة بركّابها المئة ..

وآخر شيءٍ شاهده : هو المارد الأزرق يقول له :

- شكراً لإحضارك زوجتي ..


وتابع الجني الغوصّ ، مُمسكاً بيد الكاتبة (فاقدة الوعيّ) نحو منزله الزجاجيّ في الأعماق .. بينما يصارع الفنّان لالتقاط أنفاسه ، والذي فشل بالوصول لسطح الماء .. ليغرق مع بقيّة الركّاب في رحلتهم المشؤومة !  


هناك 6 تعليقات:

  1. اهذه عروس البحر ام عروس النحس !
    اسمحوا لي ان ادلي بدلوي في هذه المندبه
    لانني اصلا برج الدلو ولا يسخرن احدا ..
    فلقد بحثت في الابراج الصينيه تجنبا للحرج فوجدت يناير برج " الفأر " .!!
    هذا هو النحس المقيم

    المهم ان نهاية القصه ممتعه جدا للواقعيين
    وغدا ازفت من اليوم واشنع من امس
    وهذا شيء يعني ما اطينه
    اسوا شيء فقط ان يصل المرء عياذا بالله
    لان يقول لماذا ؟
    ولئن استراحت من ظهر الارض وصارت لاعماق البحر فلا تقلقون اينما تكونوا يدرككم النحس ..
    لا اعتراضا وحاشاه وان غابت الحكمه
    لقصور عقولنا
    ساكتفي بهذا القدر اليسير من الولوله
    لان اليوم عيد مولد الباءس ال390
    والهدايا تترى هههه لم اعد اجد موضع لها

    شكرا على القصه الحصيفه الملهمه المدلهمه
    ولا حرمنا من نكأ الجروح وفتح الكلوم
    ودحس الصدور وعيش القبور
    وكما قالت عمتي اصاله
    ابرحل ياصدى شوجي
    واداري الهم بعروجي
    ولا اشكيييه
    ولا اشجيك

    ردحذف
    الردود
    1. وماذا تريد اكثر من ذلك ؟ أهديناك عروساً منحوسة مسحورة بعيد ميلادك .. كل عام وانت بخير ، وعقبال 400 سنة ايها المعمّر الخرف .. ضحكة شريرة !!!!

      حذف
  2. قصة جبارة ومناسبة لهذا الواقع البائس
    سلمت أناملك أستاذة أمل

    تقبلي تحياتي.. أخوك محمد بيومي آل غلاب

    ردحذف
    الردود
    1. اهلا بزميل المهنة ، سعيدة انها اعجبتك

      حذف
  3. امل
    اولا شكرا على القصه .. انها ممتعه، سلمت يداك
    ثانياً لدي سؤال مهم، اخي عندما كان طفلا أي ب14 او ب15 من عمرة.. تعرض للأعتداء جنسياً اكثر من 5 مرات.. ولان بلغ 28 من عمرة وبعد اسبوع سيتزوج من فتاة،
    وانا قرإت في قصصك كثيرا، بأن مَن يتعرض للأعتداء لا يستطيع الأنجاب فهل هذا صحيح؟؟؟
    اذ كان صحيح فاخبريني حتى امنعه من الزواج.. لست خائف على خسارة المال ،بل خأئف على حياة الفتاة ،فما ذنبها تتزوج شخص لا ينجب؟!

    ردحذف
    الردود
    1. لا دخل لذلك بالإنجاب مطلقاً .. والأفضل ان لا تخبري خطيبته بذلك .. الله طلب منا الستر على فضائح غيرنا ، فكيف اذا كان اخوك .. المهم ان يكون تعالج نفسياً من المشكلة .. وكان الله في عونه

      حذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...