الأحد، 22 يناير 2023

المشفى المشبوه

كتابة : امل شانوحة 

وردة شبابي


الدكتور : توقف قلبه ، أعطني الجهاز الكهربائي !!

وبعد ثلاث صعقاتٍ قوية ، مازال جهاز القلب يصدر رنيناً متواصلاً ومزعجاً ، مُؤكّداً وفاة المريض العجوز ..


الطبيب متنهّداً بضيق : أنقلوه الى المشرحة ، لحين وصول اهله لاستلامه

الممرّض بقلق : دكتور ! هذا ثالث مريض يموت خلال اسبوع .. إن انتشر الخبر ، سيُشاع عن سوء علاجنا لمرضانا

- هل جميعهم من كبار السن ؟

- حتى الآن .. نعم

الطبيب : اذاً لن يجادلنا الأهل بشأنهم ، فهم يتوقعون الأسوء لهم  

وغطّى وجه المريض بالملاءة ، وخرج من الغرفة .. 


وقبل جرّ الممرّض للسرير ، أوقفته سعاد الأربعينيّة (رئيسة الممرّضات):

- دعه هنا ، سأتصل بموظف المشرحة لأخذه .. إذهب لتفقّد المرضى الآخرين بممرّ العناية المركّزة

*** 


بجانب المصعد .. تأفّف احمد (الثلاثيني) وهو يجرّ سرير المريض المتوفي ، لإنزاله للمشرحة .. فاقتربت منه سعاد :

- سأنزل معك لوضع البيانات على باب ثلاّجته

- نعم نعم .. كالعادة

***


في المشرحة ، سألته :

- اراك متضايقاً اليوم يا احمد ، ما المشكلة ؟ الم يعجبك العمل في مشفانا ؟

احمد : لم أكمل شهريّ الأول ، ونقلت للآن عشرة موتى للمشرحة ! والموظفون في قسمي ينادونني بعزرائيل .. فحسب كلامهم : بأن عدد الموتى زاد بعد عملي معكم ! 

- هم يغارون من نشاطك .. فأنت شاب مفتول العضلات ، بينما هم على وشك التقاعد ، فلا يحزنك كلامهم .. هل انت مشغول بعد الظهر ؟

- سأذهب لزيارة امي

سعاد بضيق : أفي كل مرة تزورها ! لما ترفض تناول الغداء معي؟!

- لم أقصد ذلك ! انا فقط..

مقاطعة بإصرار : سأعزمك على حسابي.. هناك مطعمٌ رائع قريب من هنا

- حسناً ، كما تشائين

***


بعد ايام .. غضبت سعاد من الممرّضة الجديدة ، لإعطائها ابرةً خاطئة لولدٍ صغير بدل العجوز (الذي ينام بالسرير المقابل ، بغرفتهما المشتركة) مما أدّى لوفاته ! 


لتضجّ المستشفى بصراخ الوالدين الّلذين صُعقا بموت ولدهما ، بعد عمليّته السهلة لاستئصال اللّوزتين ! 

فحاولت سعاد إفهامهما ما حصل : وأنه حُقن بإبرة مسيّل الدم عن طريق الخطأ ، أدّى لنزيفٍ حادّ .. فاختنق الطفل بدمائه اثناء نومه! 


وبحضور الشرطة .. برّرت الممرّضة الجديدة باكيةً : أن سعاد طلبت منها حقن الصغير بأبرةٍ عبّأتها (سعاد) بنفسها .. 

لكن رئيسة الممرّضات إستطاعت النجاة من هذه المصيبة ، بعد مراجعة الشرطة لكاميرات المراقبة : ورؤية الممرّضة الجديدة تسحب الإبرة من الطاولة دون إذن سعاد المشغولة بحاسوبها ، والتي كانت ستعطيها للمريض العجوز .. 


فاكتفت الإدارة بطرد الممرّضة الجديدة ، وإعطاء إنذار لسعاد التي تنفّست الصعداء بعد تقبّل العائلة لمصابها الكبير .. 

وكالعادة نزلت للمشرحة لكتابة بيانات الجثة الصغيرة

*** 


لم تمضي شهور ، حتى بدأت جائحة كورونا .. ومعها ازداد عدد الموتى الذين اكتظّت بهم غرفة المشرحة .. 

وقرّرت سعاد المداومة في القبو مع احمد لإنهاء البيانات سريعاً ، قبل إرسال الجثث للدفن الجماعيّ

***


بعد سنتين ، إنتهت مشكلة كورونا .. ومع هذا مازال عدد الموتى ثابتاً كل اسبوع ! 

وانتشرت إشاعة عن رداءة المستشفى ، مما أجبر أفضل الأطباء فيها لتركها والعمل بمستشفياتٍ اخرى .. كما تجنّب المرضى الدخول اليها ، بعد تشاؤمهم منها ، حيث سمّوها : ((مستشفى عزرائيل)) 


وبذلك اضّطرت الإدارة لطرد بعض الموظفين ، لقلّة المرضى بالمستشفى .. إلاّ ان سعاد وافقت على تقليل معاشها ، والبقاء في المستشفى القريب من منزلها ، على حدّ قولها ! 

***


في ظهر أحد الأيام ، طرق احمد باب مكتبها .. فاستقبلته سعاد بابتسامةٍ عريضة :

- الوسيم احمد عندنا ! يا اهلاً وسهلاً  .. كيف خطرنا على بالك ؟ هل أتيت للإطمئنان عليّ ؟

احمد بتردّد : بصراحة .. قدمت لتوديعك

- ماذا !

- لم يعد يناسبني قلّة الراتب 

فقالت على عجل : أدفع لك من راتبي

- لحظة يا آنسة ، لم اكمل كلامي .. انا احتاج لمصاريف كثيرة ، لأني مُقدم على الزواج من ابنة عمي و..

مقاطعة بعصبية : أستتزوج انت ايضاً ؟!! 

- عفواً !


سعاد غاضبة : جميع الأطباء الذين عرفتهم تزوجوا ، حتى المطلّقين منهم .. وبعد أن رضيت بتقليل مستوى تطلّعاتي ، ووافقت على موظفٍ بسيط .. تتركني انت ايضاً ، للزواج من قريبتك ! 

- لا افهم سبب غضبك

فاقتربت منه بعصبية : مالذي لا يعجبك بي ؟ انا آنسة متعلّمة وجميلة ، بل فاتنة الجمال !! ولديّ منزل وسيارة ، ومن عائلةٍ محترمة ..ماذا تريد اكثر من مواصفاتي الرائعة ؟ 


احمد بارتباك : لطالما اعتبرك زميلة

بغضب : زميلةٌ فقط !! أهذا جزائي بعد كل ما فعلته لأجلك

- وماذا فعلتي لأجلي !

سعاد : لا تعرف اذاً .. كنت أقتلهم لأراك ، ايها الغبيّ !!

احمد بصدمة : ماذا قلتي ؟!

- كنت أحقن العجائز الميؤوس منهم بإبرةٍ قاتلة ، كيّ اراك  

احمد غاضباً : هل جننت ؟! أتقتلين ولداً صغيراً لتخيّلاتك الرومانسية الحمقاء ؟!

- لا ! ذاك كان خطأ الممرّضة الغبية .. فقد كنت أنوي قتل العجوز الذي بجانب سرير الصغير 

احمد مهدّداً : لابد للإدارة من معرفة جريمتك الشنعاء !!


سعاد بخبث : جريمتي ، بل قلّ جرائمي .. فكل من مات بالكورونا ، قطعت عنهم الأكسجين ، للنزول الى القبو والتحدّث معك.. كم مرة أحضرت لك الغداء على حسابي ؟ عدا عن الهدايا الثمينة بمناسباتٍ عدّة .. ماذا عليّ فعله لتحبني ، ايها الأحمق ؟.. لما حكم القدر عليّ بالعنوسة ؟! اليس لديك عينين لترى جمالي ، او قلب لتشعر بحبي لك ؟!


ففاجأها أحمد بإخراج جواله ، قائلاً :

- لقد سجّلت كل اعترافك

- انت كاذب !

فأسمعها بعض ما قالته..


سعاد بصدمة : لا يعقل هذا ! لم ارك تضغط زرّ التسجيل 

احمد : خطيبتي شعرت باهتمامك الزائد بي ، وأخبرتني بشكوكها حولك .. فضغطت زرّ التسجيل قبل دخولي غرفتك ، لأسمعها بأن لا شيء بيننا .. وإذّ بي أسجّل إعترافك الخطير الذي سأنقله لمدير المستشفى ، لأخذ الإجراءات القانونيّة ضدّك 


وما ان ادار ظهره ، حتى أخرجت ابرة القتل الرحيم من جيبها (التي عبّأتها سابقاً ، لقتل المريض الجديد) وحقنتها في رقبته .. لتشاهده وهو ينتفض امامها على الأرض .. 

فجلست امامه بهدوء ، وهي تقول :

- أحببتك كالدكتور طارق الذي تزوّج غيري ، فعطّلت فرامل سيارته ليموت هو وعروسته بعد نزولهما من الجبل.. وأحببتك كسمير : جرّاح القلب الذي فضّل ابنة الجيران عليّ ، فضربته بالعصا الحديديّة على رأسه حتى الموت ، بموقف عمارته .. وأحببتك كفؤاد زميلي في الجامعة وحبيبي الأول ، الذين وجدوا جثته منتحرة من الطابق العاشر ، دون أن يشكّ احد انني دفعته من شرفته .. وهآ انت تموت الآن ، ويموت معك جزءاً من قلبي ! ..لما تصرّون على إذبال وردة شبابي ؟!


وهنا سمعت صرخة الخادمة (التي مرّت من امام مكتبها ، ورأت احمد واقعاً دون حراك)

فاضّطرت سعاد للقول لها :

- إسرعي بمناداة الطبيب !! 

الخادمة بخوف : ماذا حصل له ؟!

سعاد : يعاني من سوء التنفس ، إذهبي وناديه فوراً !!


ثم أخفت سعاد الإبرة القاتلة في جيبها .. وسرعان ما قدم حرّاس أمن المستشفى الذين منعوا الجميع من الإقتراب من الجثة ، في انتظار قدوم المحقّق  


وهنا تذكّرت سعاد جوّال احمد ! فحاولت جاهدة العودة الى مكتبها .. لكن الأمن منعوها من الإقتراب .. 

فعلمت انه كُشف امرها ! فبمجرّد سماع المحقّق لاعترافها المسجّل ، ستسجن مؤبداً او تحصل على الإعدام ..


فانسحبت بهدوء بين الموظفين الذين تجمّعوا امام الجثة ..ونزلت لموقف السيارات للمستشفى .. 

لكن لسوء حظها ، لم يدرّ المحرّك بأيّةِ طريقة .. 

فركضت للخارج لإيقاف سيارة اجرة تعيدها لمنزلها ، لأخذ جواز سفرها والسفر لأوروبا.. 


لكن زحمة السير جعلتها تصل متأخرة لبيتها.. 

وهذا ما جعل الشرطة توقفها قبل صعودها الطائرة ، لأن جوال احمد سجّل كل شيء : حتى اعترافها بقتل الطبيبين وزميلها الجامعيّ ! 

***


لاحقاً .. أقتيدت للمحاكمة التي ضجّت بأهالي الموتى الذين طالبوا بإعدامها بإبرةٍ قاتلة تحقيقاً للعدالة الإنسانيّة ، بعد تحوّلها من ملاك الرحمة الى ملاك موتٍ لا يرحم !

*****

ملاحظة :

القصة مستوحاة من احداث حقيقية لممرّضة امريكية قتلت 30 مريضاً لترى حبيبها الحانوتيّ !

رابط المقال :

https://www.youm7.com/story/2019/5/20/%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D9%85%D9%85%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%82%D8%AA%D9%84%D8%AA-30-%D9%85%D8%B1%D9%8A%D8%B6%D8%A7-%D8%A8%D9%85%D8%AE%D8%AF%D8%B1-%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%89/4249906 


هناك تعليقان (2):

  1. كثير من الجراءم ترتكب فقط لان القاتل يتألم بشده ولم يعد يتحمل ويريد ان يقول انا هنا.. انا موجود.. انا اعاني ايها الاوغاد .. ولكن طبعا الضحايا لاذنب لهم ولكن المجتمع باكمله
    كما قال رجاء عليش كلهم أعدائي

    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    كنت أقتلهم لأراك أيها الغبي!!
    والله والله والله روووعه
    والاروع من ذالك قصيدتك التي قمتي بتأليفا: أحببتك كالدكتور......الى اخره


    والله حلوه القصه
    سلمت أناملك بعدد حروف القصه وبعدد ضحايا الحُب.

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف

المحطّة الأخيرة

كتابة : امل شانوحة    المصيّدة الدمويّة ركبت الصبيّة الحافلة بعد انتهاء عملها الليليّ في إحدى المطاعم ، وهي تشعر بالإنهاك والتعب الشديد.. وم...