الأحد، 18 ديسمبر 2022

الليل والنهار

 كتابة : امل شانوحة

دوران الأرض


بعد تخرّج نور وصديقه ضياء من مدرستهما الثانويّة ، قرّرا إستئجار زورقاً للتمتّع بعطلتهما ، قبل تسجيلهما في جامعتين مختلفتين حسب الإختصاص الذي اختاراه !


وكان معروفاً عن نور حبه للسهر والحفلات ، وهو من اقترح نزهةً بحريّة  طوال اليوم .. إلاّ أن ضياء المعروف بحرصه ، إشترط عودتهما للشاطىء قبل غروب الشمس 


نور : مما انت خائف ؟ أخبرتك أن والدي علّمني قيادة الزوارق .. ستكون مغامرة رائعة لوّ اصطدنا من عرض البحر

ضياء : وهل تريد اصطياد سمكة قرش ؟

- لا ! لما تظن ذلك ؟

- الأسماك قرب الشاطىء لا تختلف عن الموجودة في المحيطات 

نور : هيّا كفاك جبناً ، سنستمتع بوجودنا وحدنا بعمق البحر

- وماذا لوّ تعطّل محرّك الزورق ؟

- نستخدم المجدافين 


ضياء بعصبية : وهذا ما قصدّته بعدم الإبتعاد عن الشاطىء ، فلست مُضّطراً لتجديف لأيام للعودة سالماً الى منزلي !!

نور : حسناً اهدأ .. لن نبتعد كثيراً ، أعدك بذلك .. (ثم سكت قليلاً).. لم تخبرني ، ماذا يوجد في حقيبتك الكبيرة ؟ فأنا جلبت السنّارتين والطُعم !

ضياء : دعنا نركب الزورق اولاً ، ثم أرتّب حاجيّاتي داخله 

***


بعد قيادة نور سفينته شمالاً ، صرخ ضياء وهو ينظر للشاطىء الذي أوشك على الإختفاء 

- توقف !! انت وعدتني بأن لا نبتعد لمسافةٍ طويلة

نور : يا لك من جبان .. حسناً ، أوقفت المحرّك .. ألن تريني مالذي أحضرته من منزلك ؟


فأخرج ضياء قارورتين كبيرتين من مياه الشرب ، ومرطبان من الشوكولا .. وربطة خبزٍ كبيرة .. ووسادتين صغيرتين .. وسكينة رحلاتٍ صغيرة متعدّدة الإستخدامات .. وكشّاف ومرآة وصفّارة .. وحقيبة صغيرة للإسعافات الأوليّة


نور : يا الهي ! ما كل هذا يا فتى ؟! نحن سنعود عصراً .. وفي حال جعنا ، نأكل السمك الذي سنصطاده .. فالقارب مزوّد بعدّة الطبخ

ضياء : وهل انت متأكّد من براعتك بالصيد ؟ ربما نمضي اليوم كلّه دون طعام 

نور : ولوّ حصل ذلك ، هل سنموت جوعاً خلال رحلتنا القصيرة ؟! ..لا ارى داعياً من إحضار اغراض الكشّافة..(ثم ضحك ساخراً).. وقاورتان كبيرتان يا رجل ! 

ضياء : انت تعرف حرصي الزائد .. وإن كنت ستقتلني بتهوّرك ، لا اريد الموت عطشاً 

فضحك نور : وسواسك سيقضي عليك يوماً ما .. المهم ، دعنا نضع الطُعم بالسنّارتين لبدء رحلة الصيد

***


بعد ساعتين ، لم يصطادا شيئاً !

ضياء : ارأيت !! شكّي كان في محلّه .. دعني أحضّر شطيرتا شوكولا

نور : بصراحة .. جعت كثيراً  


واثناء تناولهما الطعام ، هبّت عاصفةٌ فجائيّة ! 

ضياء بارتباك : ألسنا بفصل الصيف ، من اين أتت العاصفة ؟!

نور بقلق : لا ادري ! ... تمسّك جيداً بطرف السفينة !!

***


إستمرّت العاصفة الهوجاء لساعةٍ كاملة ، مرّت عليهما كأنها الدّهر .. حيث أرهقتهما الأمواج العاتية ، وهما يحاولان منع القارب من الإنقلاب وضياع الأغراض التي فيه .. 


وفور هدوء العاصفة ، وانتهائهما من إزالة المياه من قعر سفينتهما .. إنهارت قواهما ، واستلقيا بقعر الزورق .. وسرعان ما غرقا في نومٍ عميق ، فهما مستيقظان منذ الفجر ! 

***  


نهضا مرتعبين بعد شعورهما بارتطام سفينتهما فوق تربةٍ صلبة ! وظنّا أن الأمواج أعادتهما للشاطىء .. 

ليتفاجآ بوجودهما على جزيرةٍ صغيرة في عرض البحر .. والأغرب إن هذه الجزيرة التي لا تتجاوز عرضها بضعة ميترات ، مقسومة لجزئين بسبب الإضاءة القادمة من السماء !

فنصفها مضاء بالشمس ، ونصفها الآخر مُعتماً تماماً !


فنظرا لبعضهما بدهشة !

نور : ما أعرفه.. انه بسبب دوران الأرض توجد مناطق يكون وقتها نهاراً ، بينما الأخرى مساءً .. لكن وصولنا لمكانٍ تظهر فيه الشمس والقمر معاً ، لهو أمرٌ صعبٌ تصديقه ! 

ضياء : والأرعب إن منطقتنا بعيدة جداً عن منتصف الأرض ! 

- هل تظن الأمواج أخذتنا الى هناك ؟

- هل جننت ؟ هل سنعبر مئات الأميال خلال السّاعة التي غفونا بها .. لا طبعاً !! هذه الجزيرة هي لغزٌ علميّ ! ولوّ صوّرها الإعلام ، لاكتظّت بالعلماء لاكتشاف سرّها 

نور : ومالعمل الآن ؟


ضياء وهو ينظر للمياه التي عادت للتسرّب الى قعر السفينة ..

- دعنا نُنزل أغراضنا من الزورق ، فهو لم يعدّ صالحاً للملاحة


ثم قرّرا إكتشاف الجزيرة ، كونها صغيرة المساحة

نور : ترى اين نحن الآن ؟

- ألست انت من اقترحت نزهتنا دون جوّالات ؟ فكيف سنعرف موقعنا على الخريطة الآن ؟!

- وما الفائدة منها دون إنترنت ؟ 

ضياء : يا ذكي !! كنّا استخدمنا خطّ الطوارىء للإتصال بالأقمار الصناعيّة لتحديد موقعنا ، فأنا خبيرٌ بذلك .. ليتني أحضرت جوالي دون علمك  

نور : لا فائدة من العتاب الآن .. دعنا نكتشف الجزيرة .. فربما يجدنا احد الصيّادين قبل غروب الشمس

***


ومن حسن حظهما انهما وجدا حفرةً عميقة وسط الجزيرة (فاصلة بين خط النور والظلام) كأن نيزكاً قديماً أصابها ، أدّى لفجوةٍ عميقة إمتلات بمياه المطر.. حيث جازف نور بارتشاف بعضاً منها ، ليجدها صالحة للشرب


ضياء بارتياح : ممتاز !! كنت قلقاً من فقداني إحدى القارورتين اثناء العاصفة .. لكن ماذا بشأن الطعام ؟ فسنّارتي وقعت بالبحر !

نور : اولاً لنحمد الله على وجود هذه الشجرة .. ويمكننا تناول جوز الهند لاحقاً ، فأنا متعب لتسلّقها الآن 

- وانا ايضاً

- كما مازلت أحتفظ بسنّارتي التي سأصيد بها الكثير من الأسماك .. لا تقلق .. الآن إخبرني ، أيّة جهةٍ من الجزيرة ستختار ؟

ضياء : الجهة المُنيرة طبعاً ، لا اريد البقاء في جزيرةٍ مهجورة بالظلام

نور : اذا سأنتقل للجهة المقابلة ، فأنا مازلت نعساً واريد إكمال نومي .. أعطني احدى الوسادتين 

ضياء : خذّ !! ليتني أحضرت البطانيّات ايضاً

نور : الجوّ صيفي ، ولا حاجة لذلك .. اراك غداً ، تصبح على خير 

***


في اليوم التالي ، أيقظ ضياء صديقه بعصبية :

- هيا !! لقد نمت مطوّلاً 

نور : ماذا تريد ؟ .. هل رأيت سفينة من بعيد ؟

- لا لكني نعسٌ للغاية ، لم استطع النوم بالجهة المضاءة .. والجزيرة ضيّقة ، دعنا نتبادل الأماكن 

نور : حسناً نمّ مكاني ، وانا سأحاول إصطياد سمكة بجهتك المضاءة  

***


ومرّت الأيام .. قضى فيها نور معظم وقته في الظلام الذي جعل خياله يسرح بأحلامه المستقبليّة.. بينما قضى ضياء جلّ وقته وهو يراقب البحر بانتظار سفينة تنقذهما من هذه الورطة ، وهو قلقٌ من غضب والده بعد تأخّره بالعودة لمنزله ..

***


وفي أحد الأيام ، تناقش المراهقان حقائق علميّة :

نور : تخيّل لوّ لم تكن الأرض تدور .. وكان نصفها مُضاءً للأبد ، والنصف الآخر مُعتماً طوال الوقت .. كيف ستكون الحياة ؟

فقال ضياء : 

- هذا ما تخيّلته البارحة : بأن كل المدن من هذه الجهة ، مُضاءة بعد توقف الأرض عن الدوران ، لسببٍ غامض ! بينما المدن من تلك الناحية ، يعانون من الظلام الدامس

- ولما يعانون ؟! لا شيء اجمل من السهر 

- وماذا عن المزروعات ؟ هي تحتاج لنور الشمس لتنمو


نور : أتظن سكّان الظلام مُعرّضون للموت جوعاً ؟

- إحتمالٌ وارد ، فلا حياة دون شمس.. فنحن نحتاج نورها بكافة مجالات حياتنا .. فأشعّتها تمدّنا بالفيتامين (د) لتقوية العظام والعضلات والمناعة ، وتقليل الالتهابات وتحسين وظائف القلب .. كما تخفّف من الإكتئاب ، فالليل يُشعرنا بالوحدة .. وأيضاً تقينا من السرطان.. وحرارتها تساعدنا على تخفيف الوزن  

نور : لطالما كنت بارعاً بالعلوم ، لكنك لم تتكلّم عن أخطار التعرّض الدائم للشمس : مثل تصبّغات الجلد واحمراره وحروقه المؤلمة ، عدا عن تعتيم عدسة العين

- ومع ذلك يبقى دور الشمس كبيراً في حياتنا اليوميّة

- تتكلّم وكأن الليل لا فائدة له 

ضياء : مثل ماذا ؟ 


نور : الظلام ينتج عنه الميلاتونين المساعد للإسترخاء والنوم.. ويقينا من اضّطرابات الجوع ، ويحسّن الذاكرة والتفكير والتركيز.. فأنت نمت اكثر من مرة في منطقتك المُضاءة ، وهاهي حبوب الشباب زادت في وجهك ، كما عصبيتك وتوتّرك .. لهذا سنتبادل الأماكن ، فلا ننام إلاّ بالظلام ، ولا نصطاد إلاّ بالمنطقة المُنارة .. إتفقنا ؟

ضياء : إتفقنا !!


بهذه الأثناء .. قفزا من مكانهما فور سماعهم لبوق سفينةٍ من بعيد ، تقترب من جهة الظلام ! 

فتوجّها الى هناك ، ليشاهدا نورها وهي تبتعد عنهما .. فأسرع ضياء بإنارة كشّافه وإطفائه ، بإشارةٍ  تعلّمها من الكشّأفة (تعني المساعدة) .. بينما نفخ نور بالصافرة بشكلٍ مستمرّ .. 

لكن السفينة تجاوزت المنطقة المظلمة ، مُتجهةً للمنطقة المضاءة ! 


فأسرعا للجهة الأخرى من الجزيرة ..مُستخدماُ ضياء مرآته لعكس اشعة الشمس ، باتجاه السفينة .. 

ليسمعا بعد قليل ، صوت رُبّانٍ يحدّثهما من مكبّر الصوت :

- هل هناك احد على الجزيرة المهجورة يُعطينا اشاراتٍ ضوئيّة ؟!!

فصرخا بعلوّ صوتهما :

- نعم !! نحن هنا !! أنقذونا رجاءً !!


ولم تمضي لحظات .. حتى غيّرت السفينة مسارها ، مُتجهةً نحوهما .. فحضنا بعضهما ، وهما يقفزان بسعادة لانتهاء الأزمة الصعبة.. 

وفجأة ! سقطا نياماً قرب بحيرة الجزيرة 

***


إستيقظا بعد قليل على الشاطىء ، والمُصطافين حولهما ! 

فسألوهما عما حصل .. فأخبرهما الصيّاد : أنه وجد سفينتهما عائمة وسط البحر ، وكلاهما نائمين في قعرها دون حراك .. ويبدو انه أغميّ عليهما بضربة شمسٍ في وقت الظهيرة .. فربط زورقهما بسفينته ، وأعادهما للشاطىء .. 


وحين سألاه عن الجزيرة الغريبة ؟ ضحك المصطافون ، لظنّهم بأن حرارة الشمس أثّرت على سلامة تفكيرهما .. 

حيث أكّد الصيّاد بعدم وجود تلك الجزيرة الخياليّة .. وطلب منهما العودة الى منزلهما قبل غروب الشمس ، كيّ لا يقلق أهاليهم !


لكن ضياء ونور عرفا بوجود تلك الجزيرة الغامضة وسط البحر ، فمن المستحيل أن يشاهدا نفس المنام ، وبتسلّسل الأحداث ذاتها ! 

لكن فضّلا كتمان الأمر ، كيّ لا يسخر الناس منهما .. وحمدا الله على ظهور تلك الجزيرة التي علّمتهما أهميّة الليل والنهار بحياتنا اليوميّة كدرسٍ علميّ فريدٍ من نوعه ، أنهيا بها صداقتهما المدرسيّة بعد انتقالهما لجامعتين مختلفتين .. لتصبح الجزيرة الغامضة من أهم ذكريات مراهقتهما الشقيّة !


هناك 3 تعليقات:

  1. هي قصة خيال علمي ، تصلح للأطفال فوق سن العاشرة .. اتمنى ان تعجبكم

    ردحذف
  2. سبحان الله ! توقعت بقصتي السابقة ان تنتهي مباراة البطولة بركلات الترجيح بين الأرجنتين والمغرب ، كنت اعرف ان امنية وصول المغرب للنهائي صعبة ، لكني سعيدة بلبس ميسّي للعباءة الخليجيّة التي ستظهر بصورته وهو يحمل الكأس بهيئةٍ عربية .. شكراً قطر التي شرّفت العرب والمسلمين بمونديال خيالي وراقي للغاية

    ردحذف
  3. لافيكيا سنيورا

    مرحبا أملانو وكمان طلعتي رياضيه

    المباراة كانت اسطوريه والطرفين بذلا مجهود اكثر من رائع ..

    ..
    انا متأكد ان ضياء ونور كانا يحلمان فلاتحاولي اقناعي بغير ذالك ههههههههه

    لافيكيا سنيورا

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...