السبت، 3 ديسمبر 2022

مراهنة الروح

تأليف : امل شانوحة 

بيت الشيطان


مشى برعب بين الغرف المهجورة بدهاليزها الطويلة ، حاملاً شعلة النار مع تجنّبه النظر في إنعكاسات المرايا الغريبة التي أخافته في كل زاوية ، اثناء هربه من الظلال السوداء والبيضاء التي تطفو كملاءةٍ خفيفة بالهواء المكتوم ، داخل القبوّ المعتم ! 

عدا عن صرير الأبواب التي تُفتح وتغلق وحدها ، مترافقة مع عويلٍ وصفيرٍ يعلو وينخفض بين الأدراج !


وظلّ الرجل الأربعيني في حالة ترقّبٍ ورعب طوال ساعتين ، لحين بزوغ الفجر .. وقدوم الحارس الشخصيّ لفتح قفل القبوّ ، طالباً منه الخروج من القصر الأثريّ المدفون هناك ! 

***


في مكتب المدير ، قال ساخراً :

- مبروك !! شعرك شابَ بالكامل ، فهل نضج عقلك ايضاً ؟

المقامر وهو مازال يرتجف : 

- أحلف بأني لن اراهن بشرف زوجتي وابنتي ..

المدير مُقاطعاً بنبرة تهديد : 

- إن رأيتك تقامر في البارّ ثانيةً ، سأدعّ الشيطان القابع بقبوّ ملهايّ بتحويلك عبدٍ له مدى الحياة 

- لن اعود الى هنا .. أحلف لك !!

المدير : وهل ستتابع العمل في متجرك ؟

فأجاب يائساً : لم يعد متجري ، بعد بيعه للمقامرة 

- أعرف هذا .. ومن حسن حظك أن البائع سمح ببقائك فيه ، للصرف على عائلتك التي راهنت بها قبل قليل !

المقامر : بعد رهاني على روحي لأكثر من ساعتين ، تبت لله توبةً نصوح 

المدير : إحمد ربك أن الشيطان لم يرك ، وإلاّ لمتصّ دمك بالكامل .. هيا أغرب عن وجهي !! 

***


بعد ذهاب المقامر ، سأله الحارس الشخصيّ :

- سيدي ، هذا رابع تائباً هذا الشهر !

المدير : وانا سعيد بذلك

- هكذا نخسر زبائننا !

- أتظنني بحاجة لمال القمار القذر ؟ انا اعمل بالتجارة ، وأصرف من ماله الحلال على عائلتي .. اما اموال البارّ ، فأرسلها اولاً بأول لجمعيّةٍ خيريّة

الحارس : لم افهم !

- سأخبرك قصتي منذ البداية ..


وأخذ المدير يستذكر ماضيه ، وهو يتنهّد بحزن :

- كان هذا البارّ لعمي الكبير المكروه من كل عائلته ، بعد تعويده ابي على القمار .. وبسببه تدمّرت حياتنا ، عقب مراهنة والدي على شرف امي التي جنّ جنونها وطردته من المنزل ، ليموت مشرّداً بالشوارع .. اما انا ، فتركت مدرستي التي كنت من اوائل طلاّبها ، كيّ أصرف على اخوتي الصغار .. وببلوغي سن الثلاثين ، أهداني عمي العقيم بارّه قبل موته بالسرطان ، كتكفير عن ذنبه معنا .. فطلبت امي بيعه على الفور ، وتوزيع ماله للفقراء ، لأنه محل فسوق .. وكنت سأنفّذ كلامها ، لولا عثوري على القصر الأثريّ الذي وجدته صدفة اثناء تصليحي القبوّ ..


الحارس : هل هو أثريّ بالفعل ؟

المدير : نعم ، لكني لم أخبر السلطات بذلك ، وإلاً لطردوني من البارّ بعد هدمه ، لنبش القصر المدفون .. وربما أعطوني شهادة المواطن الصالح ، دون تعويضٍ ماليّ .. لهذا هدّدت العمّال بالقتل إن باحوا بالسرّ ، بعد إنتهائهم من تنظيف الغرف وممرّات القصر ، وإضافة الشعلات الناريّة والمرايا بانعكاساتها المختلفة لتحويلها لمكان رعب ، لإجبار مدمني القمار على التوبة والعودة للطريق المستقيم  

- الهذا طلبت من موظفيك إرسال المقامرين اليك ، ممن وصلوا لمرحلة الإدمان ، بالمراهنة على أفراد عائلتهم لمتابعة اللعب ؟

- نعم ، فهي اشارة بأن سوسة القمار نخرت عقولهم وضمائرهم ، كما حصل مع ابي 


الحارس : اذاً هو ليس قصر الشيطان ، كما أخبرت المقامرين الذين وافقوا على المراهنة بأرواحهم ؟

- لا ، رغم انه ليس غريباً أن تسكن الجن الأماكن المهجورة .. وربما المدمنين شعروا بوجودهم فعلاً ، لهذا ابيّضت شعورهم بعد خروجهم من الجحيم الذي رأوه بالأسفل طوال الليل .. وربما الشيطان ساعدني بهدايتهم دون علمه !

- الهذا ترفض توسعة البارّ ، وإحضار ماكينات مراهنة جديدة؟

المدير : مستحيل ان أصرف على عائلتي بالحرام .. فأنا استخدم البارّ لتوبة الفاسدين .. أمّا من يقامر بمبالغ قليلة ، دون عودته الينا ..فهو لم يصل لمرحلة اليأس .. والإنسان بطبعه يحب تجربة كل جديد .. 

- لوّ كنت مكانك ، لحوّلت القصر الأثريّ لمزارٍ للسوّاح ..وكسبت المال الوفير منه..


وقبل إكمال فكرته ، شدّه المدير من معطفه بقوة .. مُهدّداً بعنف :

- إن عرف احد بقصري الأثريّ ، سأقطع لسانك وأرسله مشويّاً لعائلتك.. أفهمت ؟!!

- آسف سيدي ، لن ابوح بسرّك .. احلف لك !!

- جيد .. والآن أغلق البارّ ، فقد اشرقت الشمس .. أراك في المساء

***


بعد خروج المدير من البارّ ، نظر للسماء وهو يقول :

((يارب !! انت وحدك تعلم نيّتي الحقيقية بإبقاء المحل الفاسق ، فلا تكتبه ذنباً عليّ .. واجعل روح امي تسامحني على عصيان أمرها بإغلاقه .. فأنا وعدتك بجعله باباً لتوبة الفاسدين .. وليكن عملي ، كفّارة لذنب ابي معنا))


وعاد الى منزله المتواضع وهو يعلم بأن زوجته واطفاله ينتظرونه بالأحضان والقبلات ، لكونه ربّ اسرةٍ مثاليّ .. عاقداً العزم على تنظيف قريته من المقامرين ، ولوّ بإخافتهم حتى الموت !  


هناك 3 تعليقات:

  1. قصة تبرد القلب و لو بشوي، فعلاً فيه هذه النوعية من مدمنين القمار اللعين الي يدمرهم و يدمرنا و يفسد عقول شبابنا،

    شكراً امل عالقصة ☁️

    ردحذف
  2. انها تشبه ( 24 ساعه من حياة إمرأه ) لستيفان زفايج والتي تعلمنا ان علاج
    ادمان القمار شبه مستحيل

    ولكن لا بأس ببعض الخيال

    ردحذف
  3. القصه مفيده وجميله
    تحياتي لك،يا أمل

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...