الاثنين، 7 نوفمبر 2022

أَحِبَّني كما أنا

تأليف : امل شانوحة 

 

مُفترق الطرق


جلست ريم بعيداً عن المعازيم ، لشعورها في الفترة الأخيرة بالنفور من الناس على غير عادتها !  


فشخصيّتها تغيّرت بشكلٍ جذري منذ تعلّقها بكريم ، رئيس شركتها التي عملت لديه قبل سنتين ، والذي برأيها يُبادرها المشاعر .. فهو رغم انشغاله بالعمل إلاّ أنه يُخصّص وقتاً لنصحها بتغيّر طباعها ، لتُشابه نساء الطبقة المُخمليّة ..وذلك من خلال شرائه أفخم الملابس لها ، وتوكيله إخصائيّة تجميل لتغيّر لون شعرها وزينتها .. وتعيّنه استاذة لتعليمها اسلوب التحدّث الّلبق والجلوس وتناول الطعام بطريقةٍ صحيحة ، لمرافقته بالحفلات المهمّة التي يجتمع فيها مع رؤساء شركاتٍ اخرى


كل هذا أشعرها انه يريدها أن تُحسّن التصرّف ، لتصبح زوجته المستقبليّة ..فجميع الموظفات يطمحنّ للحصول على اهتمامه ، خاصة انها فتاةٌ ريفيّة بسيطة تركت عائلتها وانتقلت للمدينة ، لتصبح قريبة من عملها الجديد .. والتي داومت على إرسال مالٍ شهريّ لأهلها ، لمساعدتهم بحلّ مشاكلهم الماديّة

***


لم تشكّ ريم يوماً بأن مديرها الشاب يحاول تحطيم شخصيّتها القديمة ، بتحويلها لأمرأةٍ تُخالف ما تربّت عليه ، إلاّ بعد لقائها صدفة بزميلتها الجامعيّة في إحدى المطاعم .. 


في البداية لم تصدّق زميلتها حجم التغيّر في شكلها وتصرّفاتها ! 

وبعد ساعة من حديثهما معاً ، قالت لها :

- لقد تغيّرت كثيراً يا ريم !

ريم بحماس : للأفضل ، اليس كذلك ؟

- بالحقيقة لا !

- ماذا تقصدين ؟!

صديقتها بشفقة : ريم التي أعرفها تقول رأيها بصراحة دون تردّد ..ودائماً تقوم بالصواب ، ولوّ أغضب الآخرين .. ولم يكن يهمّها كلام الناس.. 

ريم مقاطعة : وهذه قلّة لباقة

- لطالما كنت مُحترمة بردود فعلك .. بالعكس !! صراحتك وروحك المرحة هي التي جذبت الناس اليك ، كما البساطة بتعاملك مع الآخرين .. والآن أصبحت مُصطنعة للغاية ! تفكّرين بالكلمة قبل نطقها ، وتلتفتين كثيراً خوفاً من نظرات الناس ! تبدين غير واثقة من تصرّفاتك .. وكلما سألتك عن شيء ، تخبريني انك بحاجة لأخذ رأيّ مديرك بالأمر .. فهل تزوجتما سرّاً ؟!

- بالطبع لا !!

صديقتها : اذاً لما كل هذا الإهتمام برأيه ؟!

فسكتت ريم بامتعاض ..


صديقتها : هل تظنين رجلاً غنياً مثله ، معروفاً بكثرة علاقاته النسائيّة سيختارك من بين النساء ، لتصبحي زوجته وام اولاده ؟

- ولما لا ؟

- هو يتسلّى بك ، او يريد إثبات وجهة نظره لأحد رفاقه

ريم بغضب : كفى !! انت تغارين مني

- اريدك فقط أن تنتبهي على تصرّفاته .. وهل يحاول تعريف مجتمعه عليك ، ام يُخفيك عن الأضواء امام اهله واصدقائه المقرّبين ؟ فهذه الخطوة تبيّن إن كان ينوي خطبتك ام لا 


وودّعتها وهي تدعو لها بالتوفيق ، تاركةً ريم  تفكّر بالأمر جدّياً 

***


في نهاية الشهر ..لبست ريم الثوب الأحمر الذي ارسله كريم الى شقتها ..وقدمت الحفل بكامل زينتها ، وهي تنوي التعرّف على أصدقائه المقرّبين بثقةٍ وحماس


ليحدث مالم تكن تتوقعه ! فكلما حاولت التحدّث عن نفسها ، أكمل الكلام عنها او قاطعها ، او سخر منها ضاحكاً .. مُحاولاً منعها تعريفهم بعلاقتهما  ، مما نبّهها على وجود مشكلة بينهما !  


وانزوت بأبعد طاولة ، مُنتظرة نهاية الحفل .. وهي تراقب عدم إكتراثه لاختفائها ، حتى انه لم يبحث عنها او يطمئن عليها !


بعد ذهاب رفاقه ، قدم الى طاولتها قائلاً :

- هل غفوت هنا ؟

ريم بحزم : إجلس !!

- لا ، تأخر الوقت .. دعيني اوصلك الى منزلك

- قلت اجلس !! ولا تجعلني ارفع صوتي امام النُدُل

فجلس مستغرباً !

ريم : ماذا تريد مني يا كريم ؟

- ماذا تقصدين ؟

- لا تتحامق !! انت تعرف ما اقصده .. ماذا أعني بالنسبة لك ؟

- صديقتي

ريم : ومن قال انني اريد صديقاً ؟

- الا تدرين كم انت محظوظة لتكوني صاحبتي ..

ريم مقاطعة بعصبية : كفى غروراً ، وأجبني !! لما اهتممّت بي الفترة الماضية ؟ هل كنت تغيّر شخصيّتي لكيّ أصبح زوجتك ؟

فقهقه كريم ساخراً ، وهو يقول :

- أهذا ما ظنته 

ريم بصدمة : يعني لا !


كريم : بصراحة عزيزتي ، أشفقتِ عليك .. فحين توظّفتي بشركتي ، بدوتِ كسمكةٍ صغيرة في حوض اسماك القرش ..فأردّت تدمير شخصيّتك المُرهفة لتصبحي اكثر قوة

ريم : ومن قال انني لا احب شخصيّتي الواضحة الصريحة

- والمستفزّة

ريم غاضبة : لا شأن لك بذلك !! انت تراها مُستفزّة ، غيرك يعشقها

- لا احد يُحب الفتاة الساذجة

- ولا احد يُحب المتغطرس مثلك

كريم بحزم : إلتزمي حدودك !! وإلاّ ..

ريم مقاطعة : وإلاّ ماذا ؟ انا مُستقيلة بجميع الأحوال

- وماذا عن اهلك ؟ انهم يعتمدون عليك مالياً

- سأبحث عن وظيفةٍ اخرى


كريم مهدّداً : اصدقائي يملكون شركات المدينة ، وسأحاربك اينما ذهبت ..وسأمنعهم توظيفك في أيّ مكانٍ تختارينه

- اكيد لديك اعداء ، وسأتوظّف عند احدهم 

كريم بلؤم : حينها أُنهيك تماماً .. أسمعت !! أدمّر سمعتك ، ويمكنني فعل ذلك بسهولة 


فسكتت قليلاً ، قبل أن تقول :  

- أتدري يا كريم .. أُشفق على حياتك البائسة  

فردّ بسخرية : أحقاً 

- نعم .. يبدو ان اهلك كانوا صارمين عليك منذ البداية .. وأظنهم الزموك بالثياب الرسمية منذ الطفولة ، اليس كذلك ؟ 

- انت تبالغين

ريم : متى ضحكت من قلبك آخر مرة ؟ ومتى عشقت امرأة بجنون ؟ متى لعبت الكرة مع اصدقائك ؟ ومتى تبلّلت تحت المطر ؟ لا اظن اهلك سمحوا لك بهذه السخافات ، فأنت ابنهم الوحيد وعليك ادارة ثرواتهم المستقبليّة .. لهذا حوّلوك لرجلٍ آليّ دون مشاعرٍ او عواطف .. قتلوا كل شيءٍ جميل ، خلقه الله داخلك 


كريم بحزم : أصمتي !!

- اذا كان لديك فيديوهات وانت صغير .. برأيّ شاهدها ، وتذكّر كيف كنت قبل أن يدمّرك من حولك .. فالله يخلقنا بأجمل صورة .. وربما لوّ تركوك على حرّيتك ، لأصبحت اروع شابٍ بالمدينة

كريم : حاولت تغيّركِ لأجلكِ ، كيّ تجدين من يحبك

- ما لا تعلمه ، أن الشخص يحب دون شروط .. ويعشق عيوب حبيبه ونواقصه وعاداته السيئة .. يحبه كما هو ، دون رغبته بتغيّر أيّ شيءٍ فيه .. لكنك لن تفهم هذا.. وستظلّ تبحث عن الكمال الذي لن تجده مُطلقاً .. إلاّ في حال نجحت إحدى الشياطين بإيهامك بذلك ، لغرض القضاء عليك لاحقاً .. مسكين يا كريم ، أشفق عليك حقاً.. لا تنتظرني غداً بالشركة ، فأنا أستقيل !!


وخرجت من الحفلة ، مباشرةً الى شقتها .. ولمّلمت ثيابها التي قدمت بها الى المدينة ، تاركةً بخزانتها كل الملابس الفخمة التي اهداها لها في عدّة مناسباتٍ اجتماعية .. 


وانتظرت الصباح للتوجّه لمحطة القطار ، عائدةً الى قريتها .. ورغم أن قلبها مكسور ، الا أنها شكرت الله على إنقاذ ما تبقى من شخصيّتها ، قبل أن يدمّرها كريم بتحكّمه المسيّطر النرجسيّ

***


في المقابل ، عاد كريم الى قصره وهو مازال يفكّر بكلامها الذي منعه من النوم تلك الليلة .. فصعد للعلّية للبحث بأغراضه القديمة ، وأخرج شريط فيديو ، شاهده بغرفته : 

((حيث صوّرته امه وهو يلعب مع اصدقائه كرة القدم بعمر السابعة ، قبل أن يناديه والده غاضباً)) ..وانتهى الفيلم ! 


فتذكّر كيف منعه ذلك اليوم من لقاء اصدقائه الفاشلين مجدداً ، وانه خلق لهدفٍ اسمى : ليُصبح اهم رجل اعمال بالبلد .. 

ومن يومها رمى والده كل العابه وثيابه العصريّة.. واشترى له بدلات رسميّة ، وسجّله بمدرسةٍ خاصة داخليّة .. حيث قضى عطلاته الصيفية بالنوادي الرياضية وتعلّم المحاسبة والأمور البنكيّة رغم صغر سنه .. 

وكأنه حوّله بالفعل لرجلٍ آلي ، كما اخبرته ريم !

حتى زميلته بالجامعة التي احبها بجنون ، ورغم انها من عائلةٍ ثريّة الا ان والده رفضها لأن ابيها مُنافسٌ له بالعمل ، ليكسر قلبيهما معاً .. ومن يومها لم يعدّ يصدّق بالحب !


وظلّ حتى الصباح يفكّر بريم وإعجابه بشخصيّتها البسيطة ..وتساءل لما اراد تغيّرها رغم روعتها ، فبراءتها هي التي اثارت اهتمامه منذ البداية !

***


بعد شهرين .. لم يعد باستطاعته تحمّل فراقها ، فتوجّه الى قريتها للسؤال عنها ..ليُفاجأ بخطبتها لإبن عمها بعد توظّفها في مدرسة اطفال ، رغم براعتها بمحاسبة الشركات والمعاملات البنكية !


فانتظر خروجها من المدرسة ، ليسألها جانباً :

- لما تؤذين نفسك هكذا ؟ تتركين عملاً يجلب لك آلاف الدولارت لعملٍ بالكاد تصرفين منه .. وتقبلين خطبة رجلٍ لم يُنهي تعليمه

ريم : لكنه يُحبني كما انا

- أيّ شخص سيحبك كما انت

- لم يكن هذا كلامك ، وأنت تحاول تغيّر كل مبادئي وأفكاري  

كريم : كنت مخطئاً .. ارجوك اتركي عالمك الرديء ، وعودي إليّ

- ارأيت !! مازلت تستهزأ من البيئة التي عشت فيها.. انا ابنة قرية وانت من المدينة ، تربيّتنا وأفكارنا واسلوبنا مُختلف .. ولا شيء يمكننا فعله بهذا الشأن


كريم : ماذا لوّ قلت لك انني سأتغيّر لأجلك

- مستحيل ، فعملك سيلزمك مجدداً لاتباع التقاليد والعادات التي تربّيت عليها .. وقد حاولت جاهدة التغيّر لأجلك ، مما أرهقني جسديّاً ونفسيّاً .. وكأنك تطلب من عصفور الزواج بسمكة ..لا انا استطيع الطيران معك ، ولا انت تستطيع التنفّس تحت الماء .. برأيّ ليتزوج كلاً من مجتمعه

- أهذا قرارك النهائيّ ؟

ريم : نعم .. كل ما اريده منك في حال وجدّت السيدة المناسبة ، أن تحبها كما هي ..لا تحاول تغيرها .. ولا أن تتغيّر لأجلها .. فقط حاولا الإلتقاء في منتصف الطريق ، لتكملا الحياة معاً .. هذه نصيحة من اختك الصغرى

كريم بقهر : اختي !

ريم : نعم اختك التي كدّت تقتلها بسيطرتك وانتقاداتك المدمّرة ..لكني أحمد الله انني عدّت لصوابي ولعالمي الذي استطيع التصرّف فيه على طبيعتي .. وانت ايضاً عدّ لعالمك ، وجدّ الفتاة التي تناسبك .. بالتوفيق لك


وصافحته ببرود ، مُتوجهةً لحافلة الطلّاب للعودة الى منزلها .. 

بينما استقل سيارته الفارهة عائداً للمدينة بعد فشله مع الفتاة الوحيدة التي غيّرت تفكيره ، مُطالبةً باسترداد روحه المغصوبة بعيداً عن تحكّم الآخرين ! 


هناك تعليقان (2):

  1. نهايه باءسه وشنيعه وماتعه للبؤساء

    والمكءوبين ولكن المشكله احيانا تكون في

    الندم ابد الدهر ولكن ايضا كل التجارب

    فعلا تثبت ان التشابه خاصة في الطبقه

    الاجتماعيه هام جدا ومن ناحيه اخرى

    فتغيير الطباع يكاد يكون مستحيل اما

    الاختلافات الاخرى فليس فيها مشكلهكبيره

    ولكن حفاظا على ماتبقى من الاعضاء الذين

    لم ينتحروا بعد فقد نأمل بجزء آخر حيث

    تجلس فيه ريم على الشاطيء مكان ندى

    والبيك وليد امام مطعم البيتزا وتدندن

    وتنوح :

    لو مارجعتش ليا بقلبك تاني هنا ...

    لو ما اكلتش كل الباميه اللي طبختها ...

    لو مارجعتش تبكي عشان ترجعلي اناااا ...

    مبقاش انا ...

    انا عن نفسي راح اسكت لكن مطمنه ...

    قلب المؤمن هو دليله وانا مؤمنه ...

    اااااااه

    مبقاش انااااا ...
    .......................................................
    وهنا يظهر كريم وينهار افقيا وراسيا ويظهر

    الماذون وتعلو الزغاريد في كل الشاطيء

    الكءيب

    لكن برضه عشان ميخلصناش القصه تختم

    بسعاده فهنلاقي كل ده كان حلم ونفس

    ذات النهايه الحزينه والكءيبه هي هي

    ومفيش اي زفت فايده لاي تغيير ولا

    اي شوية فرح ومن لم يقتل نفسه حتى

    الان هو المسؤول عن حياته الباءسه

    ولا يلومن الا نفسه ..

    💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣💣







    ردحذف
  2. لافيكيا سنيورا

    😇😇😇😇😇😇😇😇

    كريم وريم

    مثلنا وانتي بشأن نهايات قصصك ..ام انها مجرررد صدفه

    ام انك تريدين حقاً ان تزوجي نمله بفيل

    كان بيني وبين الجنون شعره ولكن قصتك هذه رجعتني لصوابي..
    ههههههههههه

    انا زعلان لان في تعليقي ع قصتك السابقه لم اكتب بنهاية التعليق التحيه

    لافيكيا سنيورا
    لافيكيا سنيورا

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...