الاثنين، 14 نوفمبر 2022

المعركة الحاسمة

كتابة : امل شانوحة 

 

المُعسكر الإجباريّ


كان ظهور جزيرة مُسطّحة في المحيط الهادىء علامة لإبليس لحربٍ مُدمّرة ، تُخلّصه من اكبر عددٍ من اعدائه البشريين .. لهذا أمر قادة الماسون في كل دول العالم بإرسال جيشٍ برّي بأسلحته البدائيّة الى تلك الجزيرة .. ومن يفوز منهم ، يحكم العالم بعملته النقديّة وسياسيته الخارجيّة.. وأعطى ابليس مُهلة عشرين سنة لبدء المعركة الدمويّة .. وألزم جميع دول العالم بالمشاركة ، بما فيها الدول المُسالمة التي منها سويسرا ، والتي شعر رئيسها بالإرباك بعد رفض جيشه البرّي الإنضمام للمعركة القادمة ! وهذا يعني إن عليه تجنيد شباب جدّد ، وتدريبهم على الوسائل البدائيّة : كالسيف والرمح والسهام ! والأسوء إن شعبه القرويّ رفض التجنيد الإجباريّ لأبنائهم .. 


فاجتمع الرئيس السويسريّ مع وزرائه لطلب الحلّ ، فهو لا يستطيع رفض طلب الماسون التي بإمكانها قتله او استبداله برئيسٍ آخر .. 


فاقترح وزيره : طالما لديهم مُهلة عشرين سنة لبدء المعركة ، فالأفضل تجنيد الأيتام .. لكن اقتراحه لم ينفع ، لأن عددهم لا يتجاوز المئتين .. فمعظم السكّان يعيشون حياةً ريفيّة مُحافظة ، بينما جيلهم الجديد يُفضّل حياة العزوبيّة !  

(مع العلم إن إبليس أجبر كل دولة بإرسال ألف جندي فقط للجزيرة .. ولهذا تحاول الدُول تجنيد أفضل عساكرها للمعركة الحاسمة) 


فاقترح وزيره الآخر :  

- لما لا نصنع جيشاً وحشيّاً ، نُشرف عليه منذ البداية ؟ 

وذلك بإنجاب بذورٍ شيطانيّة ، يتمّ عزلها عن العالم الخارجيّ في معسكراتٍ سرّية .. ويتمّ تدريبهم على ذبح الحيوانات وأكل لحمها نيئاً ، ومشاهدة افلام الرعب الدموية والجرائم الحقيقية منذ صغرهم لإنتاج جيشٍ بلا رحمة يفوز بالمعركة الدمويّة ، لتتحكّم سويسرا بالعالم أجمع !


وأيّد اقتراحه وزير الصحّة (الذي عمل بالمختبرات الطبّية سابقاً) وأطلعهم على تجربته السرّية على الحيوانات ، التي نتجَ عنها مخلوقات لا تملك قلباً في جسدها ! وفي حال طبّقها على الأجنّة البشريّة ، سينتجون جيشاً لا يملك عواطف او تأنيب الضمير ، والذين سيحسمون المعركة لصالح دولتهم


وتمّ الإتفاق سرّاً بينهم : على أخذ العيّنات من أخطر مجرميهم .. وحقنها في أسوء المُعقّدات نفسيّاً من نساء مستشفى المجانين .. ثم سحب البوّيضات المُلقّحة ، لوضعها بأرحامٍ صناعيّة .. لحين ولادة الأطفال داخل معسكراتٍ صارمة ، بعيدة عن الإعلام العالمي 

***


بعد عشر سنوات .. فقدت الحكومة السويسريّة السيطرة على الف جندي صغير من البنات والأولاد الهمجيين الذين رفضوا الإستحمام والإلتزام بالقوانين .. فمعظمهم يفهم لغة الضبّاط لكنهم لا ينطقون ، بل يصدرون اصواتاً تشبه الصراخ والصفير كلغة الحيوانات ..ويأكلون بأيدهم ويتضاربون رغم وفرة الطعام ، كأنهم يطبّقون قانون الغاب : الغلبة للأقوى !


وبعد تعرّض احدهم للكسور بسبب التدافع ، لرفضهم النوم بوقتٍ معين .. إجتمع القادة لمناقشة المشكلة : وعرفوا إن احتجاز الأولاد لسنواتٍ طويلة داخل المعسكر ، أشعرهم بالإختناق والكئآبة .. 

فقرّروا ربطهم بسلاسل وإخراجهم مرة بنهاية الشهر للجبال ، لتنشّق الهواء في نزهةٍ قصيرة.. 


ولكيّ لا يفزع السكّان وحيواناتهم الأليفة ، حدّدوا وقت النزهة من العاشرة ليلاً ، وإعادتهم للمعسكر قبل شروق الشمس.. 

ولكونهم جنوداً مشاغبين ، تمكّن بعضهم الإفلات من رقابة الضبّاط ، وفكّ سلسلته التي تربطه برفاقه ، للإنطلاق بحرّية بجميع الجهات! 

مما أدّى لغضب القرويّن بعد هجومهم على المواشي والدواجن ، وأكل محاصيل مزروعاتهم كأنهم حيواناتٍ شريدة !

 

فأمرت الدولة شعبها بالبقاء في منازلهم طوال الليل ، دون مراقبتهم من النوافذ ، لأن نظراتهم تُغضب الجنود الصغار ، مع قفل زرائبهم جيداً.. وستقوم الحكومة بمدّ اسلاكٍ كهربائية حول المزارع والمراكز المهمّة بالبلد ، لحمايتها من هجمات المجنّدين الصغار ! 

وفي حال دمّروا مرافقاً في الشوارع والحدائق العامة ، فسيتم إصلاحه على كلفة الدولة بأقرب وقتٍ ممكن .. وسيحدث هذا الإستنفار مرة بنهاية كل شهر


فالتزم الجميع بالأوامر ، حيث باتوا ليلتهم مع اولادهم في قبو منازلهم .. فبالنهاية اولئك الجنود سيمثّلّون بلادهم في الحرب العالميّة القادمة ، رغم إستحقار الشعب لهم لكونهم اولاد شياطين (آباء مجرمين ، وأمهات مجانين)

***


في اواخر الربيع .. إستطاعت مُجنّدة في 12 من عمرها ، الإفلات من رقابة الضّباط .. والإنطلاق نحو كوخٍ في أعلى الجبل ، بعد ملاحظتها نوراً مضاءً فيه ! بعكس جميع المنازل الذين التزموا بقانون إطفاء نورهم طوال تلك الليلة ..


واستطاعت القفز من النافذة الى داخل الكوخ ، لتجد رجلاً عجوزاً يُعدّ العشاء بالمطبخ .. 

فنزلت الأدراج بهدوء نحو القبو المُضاء بالشموع .. لتجد صبيّاً في ١3 من عمره يقرأ قصة فوق فراشه الصوفيّ ، والذي كاد يصرخ بعد رؤيته ثيابها العسكريّة وهي حافيّة القدمين..

فأشارت الى سوارها الإلكترونيّ ، والخوف واضح في عينيها الزرقاوتين!


فعلم الصبيّ (بيتر) انها خائفة من ملاحقة الضّباط لها .. فأخرج من صندوق العدة كمّاشة ، كسر بها السوّار .. 

فحضنته بسعادة لتحرّرها اخيراً من المعسكر الإلزاميّ ، لكن فرحتها لم تدوم بعد رميّ العجوز الشبكة من خلفها ، صارخاً بحفيده لفتح باب المخزن..

الحفيد : جدي ! هي فتاةٌ مُسالمة 

الجد بحزم : قلت !! إفتح الباب


وفتح الغرفة مُجبراُ .. ليرمي العجوز الفتاة هناك ، ثم قفل عليها بإحكام ..

فأخذت تصرخ غاضبة ، وهي تطرق الباب بيديها وقدميها..


بيتر : رجاءً جدي ، أخرجها من الغرفة المظلمة

الجد : الا تعلم القوانين ؟ سأتصل فوراً بالخدمة السريعة للحكومة ، للقبض عليها


ليُفاجأ بحفيده يسحب الجوال من يده ، ويحطّمه بقّوة على الأرض ! مما جعل الجدّ يصفعه غاضباً :

- هل جننت يا ولد ؟!!

فأراه بيتر بقايا السوّار الإلكترونيّ ، قائلاً بعصبية :

- كسرته بنفسي ، ولن اسمح لهم بأخذها !! 

الجد : هل عشقت المتوحشة خلال دقائق ؟ هي ابنة الشيطان ، الا تفهم ؟ يعني والدها مُجرمٌ خطير وأمها مُجنونة .. وتربّت بوحشيّة في المعسكر السرّي ، وتعوّدت مع رفاقها على قتل الأسرى بأيديهم وأسنانهم .. الغرض الوحيد منهم : هو ضمان فوزنا بالمعركة العالميّة القادمة .. يعني هي وحشٌ صغير ، وليست طبيعيّة مثلنا 


بيتر : لوّ عاملناها بلطف ، ستتغيّر.. انا متأكّد من ذلك

- الم تقرأ خطاب الحكومة جيداً ؟ .. وزير الصحّة حقنهم بهرمونات مُحرّمة دولياً منذ إن كانوا أجنّة.. هذه المخلوقات وُلدت دون قلب او عواطف او ضمير.. يعني ممكن أن تقتلنا نحن الأثنين دون رحمة .. علينا إعادتها للمعسكر قبيل الفجر

- رجاءً إبقها معنا يا جدي ، ولنحاول معاً تغيّرها .. لما انت خائف ؟ الست نقيباً متقاعداً ؟ الم تتعامل مع اسوء الأعداء ؟ ..إعتبرها اسيرة ، ودعنا نعاملها بإنسانية ولوّ مرة بحياتها


ففكّر جده مطوّلاً ، قبل أن يقول : 

- اذاً سأقيّدها بالسلاسل .. ولتبقى معنا بضعة ايام .. فقط !! لأثبت بأن نظريتك مستحيلة ..فهي مخلوق مُستحدث بالمعامل المخبريّة ، وليست بشريّة 

- حسناً ، لنبقها عاماً هنا 

الجد : مستحيل .. الدولة تعرف عددهم وارقامهم التسلسليّة ، وستبحث عنها في كل مكان .. ولا اظننا سننجح بإخفائها اكثر من عدة ايام

بيتر : اذاً لنأخذها الى مكانك السرّي

الجد بصدمة : كيف علمت بأمر سردابي الجبليّ ؟!

- قرأت مذكراتك اثناء نومك

- سأعقابك لاحقاً ايها المشاغب


وهنا سمعا صوت شاحنة عسكريّة تقترب من جبلهم ! 

فنظر الجد من شقّ الستارة السميكة ، بعد اطفائه النور المخالف للقوانين .. ليجد مجموعة من الجنود ينتشرون في المنطقة بحثاً عن الفتاة المفقودة ، فأمامهم اربع ساعات قبل بزوغ الفجر .. وأجهزتهم لا تلتقط إشارة التعقّب بسوّارها ، مما استوجب إستنفارهم العسكريّ!

الجد : حسناً ، سنأخذها للسرداب من الباب الخلفيّ قبل وصولهم الينا


ووضع منوّماً سائلاً فوق قطعةٍ قماشيّة .. وفتح باب المخزن بحذر ، لتهجم الفتاة عليه بغضبٍ شديد .. 

لكن بيتر استطاع تهدأتها بصعوبة ، كيّ لا تأذي جده بأسنانها وأظافرها الطويلة الوسخة ! 


وبعد هدوئها .. التفّ الجد خلفها ، واضعاً القماشة على انفها .. ولم يتركها ، حتى أغميّ عليها ..

ثم حمل يديها وحفيده قدميها ، وخرجا في الظلام لأعلى الجبل الذي حفر فيه الجد قديماً مقرّه السرّي ، خلف الشجرة الضخمة.. 


ومشيا في سردابٍ طويل ، الى أن وصلوا للغرفة المجهزة بالأغراض الضروريّة للحياة بعيداً عن المدينة .. 

ثم حمل الجد المُجنّدة الصغيرة ، ووضعها خلف زنزانة صغيرة (خصّصها  لمن يجرأ على اقتحام مقرّه)  


وكان في زاوية الغرفة : صناديق مليئة بالمعلّبات ، ومياه الشرب

بيتر وهو يقرأ تاريخ الصلاحيّة على علب الفاصولياء والسردين : 

- غريب ! المُعلّبات مازالت صالحة للإستخدام .. وأنا قرأت بمذكراتك انك حفرت السرداب قبل ثلاثين سنة ..

الجد : كنت أغيّر الطعام كل عام ، هي إحدى عاداتي الغريبة ..حتى جدتك لم تعلم بهذا المكان


وهنا ! إستيقظت الفتاة لتجد نفسها في زنزانةٍ ضيّقة ، فأخذت تضرب القضبان غاضبة ..

الجد بحزم : لن نخرجك من هنا ، حتى تصبحي فتاةً مطيعة !!


واقترب بيتر منها :

- لا تخافي .. أعرف انك تفهمين كلامي .. ماهو اسمك ؟ 

فأشارت الى الرقم الموجود على قميصها.. 

بيتر : هل كانوا ينادونك (277) ؟

فأومأت برأسها إيجاباً ..

بيتر : إذاً سأسمّيك (جانيت) ، هل يعجبك الإسم ؟

فابتسمت له ..


بيتر : وانا اسمي بيتر .. إعتبريني صديقك منذ اليوم ، وسأحاول تعليمك القراءة والكتابة.. وسألاعبك بألعاب الحاسوب الذي سأحضره غداً الى هنا.. وسنُشاهد عليه الرسوم المتحرّكة ، والأفلام الجميلة .. ومن وقتٍ لآخر سأشتري لك الحلوى اللذيذة ، فسويسرا مشهورة بالشوكولا .. فأنت من حقّك أن تعيشي كأيّ ولدٍ بمثل عمرك


واقترب الجد من الزنزانة ، قائلاً لها بحزم : 

- اما انا !! فسأعلّمك التصرّف كآنسة مُهذّبة ..وكيف تأكلين بالشوكة والسكين .. وكيف تطلبين الإذن ممّن يكبرك سناً .. وانت عليك وحدك تعلّم الإستحمام ، فرائحتك كريهة .. وسأجلب لك ملابس جديدة 


فهمس بيتر لجده بقلق : هل تظنها بالغة ؟ أقصد ..هل علينا إحضار مستلزمات النساء ؟

الجد : لا .. فحسب تقرير الحكومة ، ازالوا رحمهنّ منذ الطفولة

بيتر بقهر : هذا إجرام !

الجد : هم يريدونهنّ جنوداً ، لا أن يتزوجنّ وينجبنّ الأطفال .. وكذلك عقّموا الجنود الذكور ، لهذا ليس لديهم عواطف .. فلا تنجذب لها من هذه الناحية ، فهي جسد دون قلب .. وسنعاملها كرهينة 

بيتر بجدّية : بل سأعاملها كصديقتي !!

الجد : كما تشاء .. كلاً منا يعاملها على طريقته .. بالنهاية سنرى من اسلوبه ينجح بتغيّر طباع هذه المخلوقة .. أأسلوبي الحازم الذي تعوّدت عليه بالمعسكر ، ام لطفك وتفاهة الصغار ؟

***


بعد مرور أشهر على إحتجاز الفتاة بالمكان السرّي ، بدأت جانيت تتحدّث قليلاً .. ونجح الجد بتعليمها آداب التحدّث والجلوس والطعام ، وتلقّي الأوامر بطواعيّة واحترام .. 


بينما استطاع بيتر تعليمها الكتابة والقراءة ، بكتب طلّاب اول وثاني ابتدائي ..وبدورها استمتعت بمشاركته العاب الكمبيوتر والحلوى من خلف القضبان .. 

واستطاع بيتر بعد الكثير من الإلحاح ، إقناع جده بإخراجها من زنزانتها الضيّقة ، بعد تقيّد قدمها بالسلاسل كيّ لا تهرب من الكهف

***


بعد أن تمكّنت جانيت من تكوين جملٍ مفيدة .. أخبرتهما عن التعذيب وقساوة المعسكر : حيث يرمون لهم الطعام وسط القاعة كالكلاب..والأقوى بينهم يحصل على النصيب الأوفر .. بينما الضعيف يحصل على الفتات الذي بالكاد يُشبعه ! 

كما إن رائحة العنابر لا تُطاق ، بسبب رفض أكثريتهم الإستحمام .. حتى إن القادة يدخلون عليهم ، وهم يلبسون الكمّامات .. ويجبرونهم طوال النهار على التدرّب المبارزة فيما بينهم : بخشبٍ منحوتٍ كالسيوف (كيّ لا يقتلوا بعضهم) وإطلاق السهام لاصطياد الحيوانات البرّية ، وصولاً لقتلهم بوحشيّة أسرى الحرب والمجرمين المحكوم عليهم بالإعدام ! وربما قتلوا آبائهم دون علمهم ..وأعربت عن رفضها العودة لمعسكر الجحيم ، حسب وصفها ! 

***


بهذه الأثناء .. كان العساكر مازالوا يمشّطون الطرقات والمنازل ومراقبة كاميرات الطرق ، بحثاً عن المجنّدة المفقودة .. 

ليلاحظوا بالكاميرا القريبة من الجبل : العجوز وهو يحمل الأغراض ، متوجّهاً ليلاً لأعلى الجبل ! 

فعلموا انه يُخفي شيئاً .. وارسلوا جنوداً لمراقبته خلف الأشجار ، ليروه وهو يفتح باباً سرّياً بالكهف ! 

فهجموا عليه وأوسعوه ضرباً ، حتى اعترف بمكانها ..


فاقتحموا الغرفة السرّية.. ليقوم بيتر بمقاومتهم ببسالة ، الى أن أفقدوه وعيّه بصعقه كهربائياً ! وقيّدوا الفتاة التي انهارت باكية ، لعدم رغبتها العودة لمعسكرهم المخيف 

***


بعد ذهابهم ، استيقظ بيتر .. ليجنّ جنونه بعد اختفاء صديقته جانيت! 

ونزل الجبل .. ليجد الناس مُتجمّعين حول جثة جده الذي مات بسكتةٍ قلبية ، بعد ضربه بقساوة من العساكر لخطفه المجنّدة (277) ! 

***


فور رجوع جانيت للمعسكر ، تمّ استجوابها عمّا فعلته بالشهور الماضية .. ليلاحظوا هدوئها ، وإجابتها الأسئلة بوضوح ! 

فتذكّروا أن الصبيّ بيتر (قبل فقدانه الوعيّ) أخبرهم أنه تمكّن مع جده من تغيّرها للأفضل .. 

لكن عليهم مراقبتها اولاً ، للتأكّد من ادّعائه الغير منطقيّ ! 

***


بعد ايام من مراقبتها داخل المعسكر وطريقة تعاملها مع رفاقها ، شعروا باختلاف عاداتها ! حيث أكلت وجبتها باحترام ، بعكس همجيّة زملائها .. كما أجابت بأدب على اوامر الضّباط .. وهي الوحيدة بين الأولاد التي تحسّن نطقها بشكلٍ ملحوظ ! 


فاستدعوا بيتر (الذي عاش عند عمه بعد وفاة جده ، فهو يتيم الأبويّن) الذي أخبرهم بكل ما حصل في الكهف ..

قائد الجيش : هذا مستحيل ! فهم مُخلوقين دون قلب 


وطلب من طبيب المعسكر تصوير جانيت بالأشعة ، ليلاحظوا نموّ قلبٍ صغير الحجم ، مع تحسّن إشارات دماغها (عن فحصها الأخير قبل هروبها) .. 

فقال لهم بيتر معاتباً : 

- انتم تعاملونهم كوحوش او آلاتٍ حربيّة منذ صغرهم ، فكيف سيتعلّمون التصرّف كبشر بعد أن لقبّتموهم ببذور الشياطين ، وحرمتموهم الحنان والعطف ؟! لوّ عاملتموهم كأولاد طبيعيّن ، لحصلتم على جنود مطيعيّن لأوامركم ، بدل جيشٍ همجيّ لا يمكنه تنفيذ مخطّطاتكم العسكريّة بالمعركة القادمة ، التي سنخسرها حتماً


ووصل نقده لرئيس الدولة الذي أصدر بياناً للشعب عن رغبته بمتطوّعين لتربية الجيش الفاسد براتبٍ مغري .. 

فتقدّم للوظيفة : آباء عقيمين حنونين ، واساتذة صارمين ، وقادة متقاعدين ، ومعلمي الّلباقة الإجتماعيّة ، وعلماء نفس .. ليبدأوا جميعاً بتدريب الجنود الصغار على امورٍ لم يعتادوها من قبل : مثل الإستحمام ، والردّ باحترام ، والأكل بهدوء ، والقراءة والكتابة ، وروح التعاون اثناء ممارستهم الرياضة الجماعيّة .. 


وكل هذه الأمور أهملها الضّباط السابقين ، لعلمهم بأن هذا الجيش المُستحدث : ذاهبٌ لمعركةٍ دمويّة دون رجعة .. ككبش فداء ، تنفيذاً لأوامر الماسون فقط  

***


بعد سنوات .. نجحت الدولة السويسريّة بتنظيم جيشٍ من الشباب المُتفانين لحماية بلدهم ، بعد تعلّمهم حبّ الوطن والتضحيّة لأجله .. ليصبحوا جنوداً اكثر تعقّلاً ونضجاً ، بعد تعلّمهم الكثير من القواعد والقوانين من قبل المتطوّعين المحترفين 

***


وفي اليوم المنشود الذي حدّده ابليس.. تجمّع ألف جندي من (206) دولة في العالم بمختلف الجنسيّات ، فوق الجزيرة النائية لبدء الحرب العالميّة !

 

الفرق أن جميع الدول أرسلوا جيشاً نظاميّ من ابناء شعبهم ، بعكس الجيش السويسريّ المكوّن من مجموعة ايتام لا يُعرف نسبهم ، والذي بقيّ امرهم سرّاً عن الإعلام العالميّ .. والذين تربّوا بأصعب الظروف ، ليصبحوا جيشاً لا يعرف الرحمة والشفقة ، هدفهم الوحيد هو تحقيق الفوز لبلدهم .. بعد ان أخبرهم قائدهم : أنهم لن يروا سويسرا ثانية ، لأنهم امام نتيجتين فقط : إمّا الفوز واحتلال العالم ، او موت آخر جنديٍّ فيهم !


واصطفّ جنود البلاد في فريقين مُتعارضين .. 

وقبل إطلاق صافرة البداية من رئيس الماسون لبدء المعركة الدمويّة الحاسمة ، تفاجأت جانيت بشابٍ مُجنّد يقترب منها ويمسك يدها بحنان ..


وحين التفتت اليه ، عرفته على الفور .. فهو صديقها بيتر الذي افترقت عنه لسنوات ، والذي تطوّع بالجيش (ليعتبر الوحيد من خارج المعسكر السرّي) قائلاً لها :

- إمّا أن نعيش معاً ، او نموت معاً

جانيت بابتسامةٍ حنونة : 

- لن نموت ، فنحن الجيش الهمجيّ الوحيد بينهم .. بذور الشيطان ، أنسيت ؟ .. سنربح عليهم ، لجعل سويسرا حاكمة العالم

بيتر : ستحتلّين العالم كما احتللتِ قلبي ، حبيبتي

جانيت : بحنانك نمى قلبي من جديد ، ولأجلك سأقاوم حتى آخر نفس


وهنا ! سمعا من مكبّر الصوت (المُثبّت في طرف الجزيرة) رئيس الماسون (المُوكّل من ابليس الذي يراقبهم من بعيد) يقول بصوتٍ جهوريّ: 

- هل انتم مستعدّون ؟!!

فأجاب كل فريق بلغته : نعم !!

الرئيس : جيد !! ستبدأ المعركة ، والرابح سيحكم العالم .. إقتربوا من وسط الجزيرة ، واشهروا سيوفكم .. سأبدأ العدّ التنازليّ الآن : ٣ ٢ ١ ..إنطلقوا !!


وهجم الجنود على بعضهم وهو يصرخون بعلوّ صوتهم .. ومن بينهم بيتر وحبيبته جانيت ، لخوض حربٍ عالميّة مجهولة النتائج والمصير !


هناك 3 تعليقات:

  1. هولاء كقوم يأجوج ومأجوج ولكن عالمنا

    ايضا به امثال هؤلاء من الساسه والمجرمين

    وهذه التجارب موجوده بالفعل في عدة دول
    خيال فادح ...

    ردحذف
  2. انا فقط اعشق قصصك سيدتي الاكسترااوغديناغ 💙

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة بتعليقك اخت شيماء ، واتمنى ان تنال قصصي اعجابك دائماً

      حذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...