الجمعة، 11 نوفمبر 2022

سائق الأوبر

كتابة : امل شانوحة 

 

الليلة الماطرة


وصل سائق الأوبر (العجوز إريك) الى المكان المحدّد على جواله ، وسط غابةٍ مظلمة في يومٍ ماطر ! 

فظن انه التقت إشارة المكان خطأً ، وأوشك على المضيّ في طريقه .. قبل أن يُفتح بابه الخلفيّ ، ويدخل رجلٌ ملثّم بمعطفه المبللّ وهو يقول :

- تأخّرت يا رجل !

إريك : ابطأت حين وصلت لبداية الغابة ، ظنّاً بأني أخطأت المكان 

- سيارتي تعطّلت قبل خروجي من الغابة الموحشة  


فالتفت إريك يميناً ويساراً .. ورغم غزارة المطر بالخارج ، إلاّ انه لم يرى سيارة متوقفة بأيّ مكانٍ قريب منهما ! 

فقال الراكب بضيق :

- ماذا تنتظر ؟ أوصلني لأول محطّة موجودة على الشارع العام


فتابع إريك سيره ، وهو يسأله :

- طالما طلبت أوبر ، فدعني أوصلك الى منزلك .. فربما لن تجد سيارةً أخرى في هذا الجوّ العاصف

الرجل : أوصلني الى هناك ، ولا تُكثر الأسئلة

- كما تشاء 


وأكمل إريك طريقه ، لحين خروجه من الغابة .. ثم نظر من مرآته العلويّة ، ليجد الراكب مشغولاً بجواله ..

إريك : هناك سؤالاً يشغل بالي

الرجل : ماذا تريد ؟

- ماذا كنت تفعل بالغابة بهذا الوقت المتأخر ؟ 

- تمشيّت قليلاً ، قبل أن يُفاجئني المطر 

إريك : الم تقل انك كنت تقود سيارتك قبل تعطّلها ؟!


فنظر الراكب الى المرآة العلويّة للسائق بنظرةٍ حادّة مخيفة .. فغيّر إريك السؤال :

- أعني .. هل كنت تُمارس رياضة المشيّ ، ام كنت تُريح عقلك من مشاغل العمل ؟

الرجل وهو يتابع رسائل جواله : شيءٌ من هذا القبيل 


فقال إريك بنفسه :

((ياله من رجلٍ غامض ! وتصرّفاته تُشعرني بعدم الإطمئنان !)) 

ثم عاد لسؤاله : هل يُزعجك أن ادير المذياع ؟

الراكب : نعم

إريك : آه ! آسف .. قائلاً بنفسه بضيق : ((ياله من راكبٍ مزعج))


وعمّ السكوت الثقيل بينهما .. قبل ملاحظة إريك شيئاً داكناً على ركبة الرجل :

- أتلك دماء ؟!

الرجل : ماذا قلت ؟

إريك : هل أذيت ركبتك ؟


فنظر الرجل للدم على ركبته التي ظهرت من شقّ بنطاله ، قائلاً بارتباك :

- تعثّرت بحفرة ، ولم انتبه انني جرحتها

إريك : المناديل خلفك 

- شكراً لك 


وبعد مسح الراكب الدماء ، ظهرت ركبته سليمة !

ففهم إريك انها لم تكن دمائه ! لكنه خاف أن يسأله لمن تعود ؟ فلا توجد حيوانات شريدة بهذا الجزء من الغابة ، فمعظمها موجود في المحميّة التابعة لجمعيّة المحافظة على الحياة البرّية .. فهل هي لإنسانٍ ما ؟!

 

وثارت الشكوك في ذهن السائق العجوز ، وهو يتخيّل بأن الراكب قتل احدهم ودفنه بالغابة ، وتمزّق بنطاله بعد عراكٍ بينهما ! لكنه لم يرغب بإظهار خوفه له .. فالمحطّة على بعد كليومترين ، سيوصله الى هناك ويُكمل طريقه ..


قبل أن يقطع افكاره ، سؤال الراكب :

- مابك صامتٌ هكذا ؟ 

إريك : ظننت ان اسئلتي تضايقك

- لا ، أنهيت عملي على الجوال 

- جيد

الرجل : هل انت متزوج يا عمّ ؟

- ارمل

- وهل لديك ابناء ؟

- ابنٌ واحد ، في العشرين من عمره

الرجل : وماذا يعمل ؟

- عامل توصيلات لمحل بيتزا

الرجل بدهشة : أحقاً !

- نعم 

- وفي أيّ محل بيتزا يعمل ابنك ؟

فخاف العجوز أن يخبره بإسم المحل ، لشكّوكه نحوه .. فأجابه :

- محلٌ قريب من هنا

الرجل : أتقصد بيتزا هات ؟ 


فلم يجبه العجوز ، بعد أن ضايقه معرفته لإسم المحل !

فتابع الرجل اسئلته : هو يعمل بالمحل القريب من الغابة ، اليس كذلك ؟

إريك بقلق : ماذا تقصد ؟!

- طعامهم لذيذ ، لكن عمّالهم فضوليّن زيادة عن اللزوم 

إريك بخوف : هل طلبت بيتزا قبل قليل ؟

- نعم ، قبل ساعة من اتصالي بك

- الم تقل إن سيارتك تعطّلت ؟

الرجل بمكر : كذبت ، كنت في كوخي بالغابة .. سؤالٌ آخر يا عمّ .. هل يُطيل ابنك شاربه ، ولديه أثر جرحٍ قديم في جبهته ؟


فأوقف إريك سيارته ، والتفت اليه مرتعباً :

- ماذا فعلت بإبني ؟!

الرجل : ابنك وصل بالوقت الغير مناسب .. كنت حينها ألاحق صديقي بعد هروبه من كوخي 

ثم رفع مسدسه ، ووضعه في رأس السائق الخائف .. مُكملاً كلامه :

- لاحقته بسكين المطبخ .. كان بإمكاني استخدام المسدس ، لكني استمتع اكثر بالطعن .. اما ابنك الجبان ، فتجمّد مكانه وهو يراني أطعن صديقي خمس طعناتٍ في قلبه.. وبعد أن أجهزت عليه .. تفرّغت للّحاق بإبنك 


إريك صارخاً : ماذا فعلت به ، يا لعين ؟!!

- كان عليّ قتل الشاهد الذي قاومني ببسالة .. لكني تمكّنت منه ، بعد عراكٍ شديدٍ بيننا .. والدماء التي طلبت مني مسحها على بنطالي ، هي دماء ابنك

فصرخ إريك بصدمة : يا ملعون !!!

الرجل : اهدأ ايها العجوز  .. فأنا طلبتك بعد تعطّل سيارتي ، عقب دفني الجثتين .. وعليك توصيلي الى وجهتي .. فهناك رجلٌ سيعطيني المال مقابل قتل صديقي 

- هل انت شيطان ؟!


الرجل : لماذا تقول ذلك ؟ الأنني قتلت صديق عمري الذي عملت معه عشرين سنة ، كقاتلين مأجورين ؟ .. ربما اكون ابليس نفسه..  فالزبون طلب مني قتله ، بعد فشله بقتل زوجته الخائنة .. وبصراحة كان المبلغ مغرياً للتخلّص من صديقي .. وفي البداية فكّرت بوضع السمّ في البيتزا ..لهذا طلبت من المحل ، توصيل الطلبيّة لكوخ الغابة .. لكن صديقي علم بالكمين ، وحاول الهرب .. وابنك شهد الجريمة ، فكان عليّ قتله.. ولسخرية القدر ، طلبت سيارة اوبر يقودها والده الذي عليّ التخلّص منه ايضاً بعد معرفته بجرائمي.. لكن ليس قبل وصولنا للمحطّة ..والآن إكمل طريقك !!


ورغم إن المسدس موجّهاً على رأس العجوز من الخلف ، الذي أكمل القيادة وهو يكتم دموعه بصعوبة .. إلاّ انه استطاع سحب العتلة الحديديّة بقدمة من اسفل مقعده ، والإمساك بها ..  

ليُفاجأ القاتل بإيقافه السيارة ولفّ جسمه بسرعة ، وضربه بقوّة بالحديدة على رأسه ، مما أفقده الوعيّ .. 


ثم خرج العجوز من السيارة ، ورمى الراكب تحت المطر .. وعاد لسيارته التي قادها ، هارباً من المكان ..


وكان ينوي الإتصال بالشرطة للقبض على القاتل الغائب عن الوعيّ ، واستخراج الجثتين المدفونتيّن بجانب كوخه .. 

لكن جميع ذكرياته مع ابنه الوحيد عادت اليه بتلك اللحظة ، منذ طفولته ومراهقته حتى شبابه ..وحلمه بتزويجه ورؤية احفاده ..فنظر بحقد للقاتل المرمي بالشارع العام الخالي من السيارات في ذلك الوقت المتأخر.. 


مما جعله يوقف سيارته ويعود للخلف مسرعاً ، ليقوم بدهسه ذهاباً وإيّاباً بغضبٍ شديد .. حتى سوّى عظامه بالإسفلت ، تاركاً قطع لحمه المتناثرة تسبح في بركة دمائه .. 

وعاد للغابة ، للمكان ذاته الذي ركب فيه السفّاح ..

***


وحين وصل هناك .. نزل من سيارته ، مُضيئاً نور جوّاله ..وأخذ يبحث كالمجنون وهو منهار بالبكاء عن كوخ القاتل ، الى ان وجده بأعماق الغابة

ثم بحث في الأرض القريبة من الكوخ ، عن تربةٍ نُبشت حديثاً ..وهو يدعو ربه أن لا يكون المطر مسح أثر قبر ابنه .. 

ليجد واحداً خلف الكوخ .. فنبشه بكلتا يديه ، ليعثر على القاتل المأجور الآخر ... فأعاد طمّه .. 


ثم أكمل بحثه عن قبر ابنه .. ليجد القبعة الحمراء الخاصة بعمل ابنه قرب الشجرة .. فنبش حولها الى ان وجده مشوّهاً تماماً ، كأنه ضُرب بشيءٍ حادّ على وجهه ! 

فحضنه باكياً بقهرٍ شديد .. وظلّ يبكي ، حتى توقف المطر .. فقلق أن يراه احد ، ويظنه قاتل ابنه .. 

فحمل جثته ، ومشى مسافة الى أن وضعه بسيارته .. وخرج من الغابة باتجاه المقابر .. 

***


وقبل شروق الشمس ، دفن ابنه داخل قبر زوجته.. وخرج من هناك قبل استيقاظ حارس المقبرة ..عائدا الى منزله ، وهو يحاول النوم بصعوبة على سرير ابنه الذي قُتل غدراً

***


في الصباح .. أبلغ بائع الحليب الشرطة بعد رؤيته من النافذة ، السائق العجوز مشنوقاً بالصالة ! 

ليجدوا في جيبه رسالة الإنتحار وهو يُطالب بدفنه في قبر زوجته وابنه ، بعد شرحه ما حصل في ليلته المشؤومة !


هناك تعليق واحد:

  1. يعني صديق القاتل قتل والقاتل قتل وابن الساءق قتل والساءق انتحر وزوجته ميته
    هذه مقبره جماعيه ام قصه هههه

    عامة كنت اتمنى لو تعيدي للحياه هيام وحنان وخاصة هيام بطيرانها في السقف بطلتا سيناريو روح زوجتي في روايه او سلسله

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...