الجمعة، 28 يناير 2022

الحنجرة الذهبيّة

تأليف : امل شانوحة 

تقليد الأصوات


خسر المراهق جاك حباله الصوتيّة بعد إزالتهم بعمليةٍ جراحية إثر سرطانٍ خبيث أفقده النطق ، ليُصاب بعدها باكتئابٍ حادّ جعله يترك الدراسة ويلازم منزله .. مما أحزن والده (الخبير التقني بالأجهزة الطبّية) الذي قبع في معمله لشهور ، في محاولة لاختراع حنجرة صناعيّة لإبنه 


وفي عيد ميلاده 18 ، أهداه الحنجرة التي تحوي حبالاً مصنوعة من أسلاكٍ طبّية (يتقبّلها الجسم البشري) ..وأخبره أن صديقه الطبيب وعده بالجراحة في عيادته ، في القريب العاجل  

فوافق جاك أن يكون فأر تجارب لإجراء أول عمليّة من نوعها ، فهو لم يتقبّل فكرة خسارته صوته نهائياً 

***


وفي آخر الليل من الموعد المحدّد ، فتح الجرّاح عيادته لأجلهما .. وتمدّد جاك على السرير لبدء العملية .. بينما انتظر والده في الخارج بقلقٍ شديد


وانتهت العملية بعد ساعتين ، ليخبر الطبيب صديقه أنه لن يعرف بنجاح العمليّة إلاّ بعد استيقاظ جاك في الصباح .. 

فقررّ الوالد النوم في صالة العيادة ، بينما عاد الجرّاح الى منزله 

***


في الصباح الباكر ليوم العطلة .. وفور دخول الجرّاح عيادته ، وجد صديقه يحتضن ابنه بسعادةٍ غامرة .. 

ثم توجّه نحوه لشكره على استعادة ابنه النطق بسهولة ، وبصوتٍ عذب خالي من المشاكل !


وبعد فحصٍ سريع .. تأكّد الطبيب من نجاح العمليّة ، بعد إدخاله منظاراً في حنجرة جاك الذي تمكّن بسهولة من رفع وخفض صوته دون مشاكلٍ او ألم 


واتفق الجميع على إبقاء الموضوع سرّاً لحين إجراء المزيد من الأبحاث عن الحنجرة الصناعيّة ، قبل نشر إنجازهم بالمجلّة الطبّية للحصول على براءة الإختراع الذي سيساعد آلاف البكم للنطق من جديد

***


في طريق عودتهما للمنزل ، طلب جاك من والده توصيله غداً للمدرسة 

فأجاب الأب بقلق : أبهذه السرعة ؟! مازلت بحاجة للراحة بعد قيامك بعمليةٍ خطيرة 

جاك : لي شهور وانا ادرس وحدي على الإنترنت ، وعليّ الّلحاق بأصحابي قبل بدء الإمتحانات النهائيّة .. فأنا لا اريد تفويت تخرّجي الثانويّ


الأب بفخر : أحسنت بنيّ !! لكن ماذا ستخبرهم بشأن إستعادتك صوتك ؟

- سأقول إنه خطأ بالتشخيص ، وإنني استعدّت صوتي بعد جلسات التأهيل الطبّي

- جيد !! الأفضل أن لا يعرف أحد باختراعي ، كيّ لا أُسجن انا وصديقي لعدم أخذنا الإذن من نقابة الأطباء ، خاصة إن العملية أُجريت في عيادةٍ عاديّة 

جاك : لا تقلق ابي ، لن أعرّض سمعتكما للأذى  

***


فرح اصدقاء ومعلمون جاك بعودته سليماً ، فهو من الطلاّب المميّزين في المدرسة 


وفي احد الأيام .. قرأ جاك اعلاناً في لوحة نشاطات الطلاّب عن مسابقة غنائيّة ، فسجّل اسمه مع المشتركين 

فسأله صديقه :

- وهل تجيد الغناء ؟

- لم أغني من قبل ، لكني اشعر بقدرتي على المشاركة 

- إذاً عليك التمرّن جيداً حتى لا تصبح إضحوكة امام الطلاّب والمعلّمين

جاك : سأتدرّب جيداً طوال الإسبوع

***


بوجود جاك وحده في المنزل ، أخذ يتمرّن على أغنيةٍ قديمة .. ليتفاجأ أن صوته يشبه صوت المغني الأصلي !

فحاول تقليد مغني آخر معروف بأغانيه الصعبة .. ليكتشف قدرته على تقليد صوته بجميع طبقاته العالية والمنخفضة ، دون أدنى جهد! 

حتى انه استطاع تقليد المغنيات إلى حدٍ كبير ! مما جعله يطير فرحاً بموهبته الجديدة


وما أن قدم والده من العمل ، حتى حضنه شاكراً وهو يقول :

- ابي !! حنجرتك الذهبيّة جعلتني محترفاً

ولم يفهم والده مقصده ، إلاّ بعد غناء جاك امامه لأصعب المقاطع الغنائية

الأب بصدمة : يا الهي ! صحيح إنني وضعت في حنجرتك جميع الأوتار الصوتيّة ، لكني لم أتصوّر النتيجة 

جاك بحماس : ابي رجاءً ، اريدك أن تراني وانا افوز بالمسابقة 


الوالد بقلق : بصراحة بنيّ ، لا اريدك أن تلفت الأنظار اليك .. أخاف أن يصل الخبر للطبيب الذي أزال حنجرتك ، فيدقّق بالموضوع وينكشف أمري ، فأطرد انا وصديقي من العمل

- لا تقلق ابي ، لن تصل أخبار مسابقة الثانوية لطبيبي السابق.. اما سبب رغبتي بالفوز ، كيّ أصبح محبوباً وذوّ شعبيّة بين الطلّاب .. فهل يمكنك القدوم للحفلة ؟ هي بآخر الإسبوع 

الوالد : آسف جاك ، سأكون مشغولاً بعملي 

- حسناً لا يهم ، سأدع صديقي يصوّرني وانا استلم الجائزة ، لتكون فخوراً بإبنك.. والآن سأذهب لاختيار أصعب أغنية للمسابقة ، لأبهر الجميع !! 

وأسرع مُتحمّساً الى غرفته ، تاركاً والده بقلقٍ شديد

***


وحصل ما توقعه الأب ، حيث قام الطلبة المذهولين (من صوت جاك المميز) بتصويره بجوّالاتهم ، ونشر المقطع في معظم وسائل التواصل الإجتماعي .. ليتناقله الناس بعد نجاحه بتقليد مغني قديم ، فشل أشهر المغنيين الحديثين بتقليده ! 

***


لم يمضي اسبوع .. حتى تلقّى جاك دعوة لمقابلةٍ تلفزيونيّة ، للحديث عن مقطعه الذي وصل لملايين المشاهدات !

ورغم رفض والده إلاّ أن جاك أصرّ على الذهاب للمقابلة ، بعد أن وعده بعدم الحديث عن عمليّته السرّية

***


وعُرضت المقابلة مباشرةً على المحطة الرئيسيّة ..وقبل انتهائها ، وصلهم اتصال من طبيب السرطان (بعد إرساله نسخة من ملف جاك الطبّي على إيميلهم) ليؤكّد إزالته لحنجرة المراهق بالكامل ، بسبب سرطانٍ خبيث أصابها مع بداية السنة !


وانفضح أمر جاك الذي لم يستطع نكران الأمر .. ومع إصرار المذيع على معرفة ما حصل ، إنهار تحت الضغط لإخباره عن حنجرته الصناعيّة .. لتبدأ بعدها الصحافة بملاحقة والده وصديقه الطبيب في كل مكان !

***


وفي أحد الأيام ...واثناء هرب والده من صحفي لحوحّ (لحقه بدرّاجته الناريّة) لم ينتبه والده لمنعطف الشارع ، ممّا جعل سيارته ترتطم بعامود الإنارة أودت بحياته !

وانهار جاك باكياً في جنازته ، وهو يلوم نفسه على فضح سرّ والده الذي مات غاضباً منه ..


لكن في المقابل ، ضغط اهالي المعاقين لإعطاء والد جاك براءة الإختراع (رغم موته) وطالبوا نقابة الأطباء بدراسة أبحاثه ، لصنع المزيد من الحناجر الصناعيّة لعلاج اكبر قدرٍ من البكم في العالم

وبضغطٍ من نقابة الأطباء على صديق والده ، وافق على تعليم الأطباء الجدّد طريقة زراعة الحنجرة الصناعيّة.. 

ورغم إن المصانع الطبّية أنتجت العديد منها ، إلاّ انها لم تملك مميزات وقدرات الحنجرة التي صنعها والد جاك بنفسه !

***  


لم تمضي شهور ، حتى أُجريت العديد من العمليات الجراحيّة للمعاقين تكلّلت جميعها بالنجاح .. مما أسعد اهاليهم لسماع أصوات ابنائهم من جديد ، والبعض سمعه للمرة الأولى .. ومع هذا لم يملك ابنائهم الموهوبة الغنائيّة لجميع طبقات الصوت ! لهذا ظلّت حنجرة جاك فريدة من نوعها والذي أنشأ (بعد خسارته والده) موقعاً على جميع وسائل التواصل الإجتماعي لقبول طلبات الناس بتقليد اصوات اقاربهم المتوفيين .. فطالما يملك جميع الحبال الصوتية ، فليس صعباً عليه تقليد أيّ شخص سواءً ذكراً او انثى ، صغيراً او كبيراً بمجرّد سماعه مقطعاً واحداً لهم !

مما أفرح متابعيه لحصولهم على تسجيلٍ بأصوات موتاهم وهم يقولون عبارات معينة لطالما تمنّوا سماعها مثل : ((انا فخورٌ بك بنيّ ، او كل عام وانت بخير ، او مبروك عزيزتي ، او احبك حفيدي)) وعبارات أخرى حنونة ولطيفة وتحفيزيّة ..

وبذلك وفّرت قناته المال الكافي لإكمال تعليمه ، إلى أن وصل للجامعة .. 

***


بعد سنوات ، وفي تلك الليلة .. عاد متأخراً من حفل تخرّجه الجامعيّ ، ليتفاجأ بسيارة ُمظلّلة تقف امام بيته ! 

وما أن اقترب منها ليطلب من السائق الإبتعاد عن باب كراجه ، حتى سحبه رجلٌ ضخم الى داخل سيارته ، ليقوم زميله بتخدير جاك بقماشةٍ مبلولة على أنفه .. ثم خطفاه لمكانٍ مجهول !

***


إستيقظ جاك ليجد نفسه في مقرّ المخابرات الأمريكيّة السريّة ، حيث أخبره القائد : أنهم بحاجة لحنجرته الذهبيّة في مهمةٍ قوميّة ، لكن بعد تعلّمه اللغة الكوريّة !

وكان مُجبراً على تعلّمها بشكلٍ مُكثّف لثلاثة أشهر ، حتى أتقنها تماماً ..


من بعدها أمروه بتسجيل صوته على إنه رئيس كوريا الشماليّة !

وأخذوا يراقبون نبرة صوته بأجهزتهم التي أظهرت إتقانه للصوت بنسبة 99 في المئة ! 

ثم أذاعوا مقطعه الصوتي : وهو يعطي اوامر بقطع علاقة بلاده بالصين وروسيا !


وأرسلت المخابرات الأمريكية (بطريقةٍ سرّية) تلك الأوامر المزيّفة لمخابرات الدولتين التي حصل فيهما بلبلة كبيرة ، بعد نقض الرئيس الكوري للإتفاق بينهم ضدّ أميركا ! 

ليس هذا فحسب ، بل قام جاك بتسجيل صوته (تقليداً للرئيس كيم جونغ أون) وهو يطلب من شعبه التجمّع امام الحدود ، بعد قبوله فتحها مع كوريا الجنوبيّة !


ونشرت المخابرات الأمريكية تلك الأوامر بعد لصق صوت جاك على وجه الرئيس كيم ، مع تلاعبهم بحركة الشفاه لتناسب اوامره المزيّفة !  

ولم يصدّق الشعب ما سمعه ، وأسرعوا بالتجمّهر امام حدود وهم يحملون حقائبهم وأغلى ما عندهم ، للمرور الى كوريا الجنوبية بأكبر نزوحٍ جماعيّ عرفه التاريخ ! وسط ذهول جنود الحدود الذين انتظروا الأوامر النهائيّة لفتح بوّابة العبور 

 

ولم يستطع ظبّاط كيم وقف تدفّق الناس الى هناك ، مما أجبر رئيسهم على القدوم بنفسه ! والذي خاطبهم مباشرةً بمكبّر الصوت : بأنه لم يعطي تلك الأوامر ، وأن عليهم العودة فوراً الى بيوتهم ، وأنه سيعدم من زوّر صوته امامهم بسبب تدخلّه بأمور دولته

فعاد الشعب مهموماً الى مساكنهم وهم يجرّون اذيال الخيبة ، بعد تكذيب رئيسهم للإشاعة التي ظنوا انها ستُنهي عذابهم أخيراً ! 


من بعدها طالب كيم مخابراته بإيجاد الفاعل وإحضاره الى كوريا الشماليّة حيّاً وبكامل صحته ..

ولقوّة مخابراته ، إستطاعوا معرفة استغلال المخابرات الأمريكية لحنجرة جاك الذهبيّة والفريدة من نوعها

***


وفي إحدى الليالي الباردة .. وبعد عودة جاك من إحتفالٍ مع أصدقائه ، خُطف من جديد ! بعد أن غرز رجلٌ مجهول ابرة مخدّر في ذراعه


وعندما استيقظ ، وجد نفسه مُحاطاً بالعساكر الآسيويين ! وما أن سمع لغتهم ، حتى عرف انه في كوريا شماليّة 

فصار يحدّثهم بلغتهم (التي أتقنها في الشهور الماضية) بأنه قلّد صوت زعيمهم مُجبراً  

فأخبره قائدهم : أن الرئيس كيم أمره بعدم إيذائه الى يوم محاكمته العلنيّة امام العالم أجمع !  

***


وأمضى جاك اياماً في زنزانةٍ منفردة ، بعد أن حقّقوا معه أكثر من مرة .. واثناء نومه في ذلك السجن الضيّق ، بكى حسرةً وهو يقول في نفسه :

((ليتني سمعت كلامك يا ابي ولم أشترك بتلك المسابقة الغنائية ، لكن أغرتني الشهرة والثروة السريعة .. وليتك لم تصنع حنجرتي الذهبيّة وتركتني أخرساً ، بدلاً من مواجهتي لأرعب حاكم دكتاتوري في العالم))

***


وفي اليوم المحدّد ..تجمّع الكوريون في ملعبٍ كبير ، لرؤية جاك الأمريكي وهو مقيّد اليدين والقدمين بالسلاسل ، بحدثٍ منقول مباشرةً على جميع قنوات الإخبارية العالميّة .. حيث شاهدوه وهو يبكي ويعتذر للرئيس كيم لتجاوزه الخطوط الحمراء ، وانه فعل ذلك مُرغماً من المخابرات الأمريكيّة


من بعدها أطلق كيم صافرته ، لفتح الأقفاص الحديديّة وإطلاق الكلاب الجائعة التي هجمت على جسد جاك دون رحمة .. ليشاهده العالم وهو يُنهش لحمه حتى الموت ، ولم يبقى من أثره سوى حنجرته الصناعيّة المُحطّمة بأسلاكها المُبعثرة ! 


هناك تعليق واحد:

  1. اروع من الخيال ولكن كيم ليس بكل هاذة الوحشية انه زعيم ليت لنا زعيم . مشل كيم وليس الدكتاتور النازي الفاشي البربغاندي البرهان علوج الكيزان

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...