تأليف : امل شانوحة
إيقاظ الوحش
اراد كاتبٌ مُبتدىء (يحلم بالشهرة) كتابة قصّة بوليسيّة مستوحاة من احداثٍ حقيقيّة . وبعد حصوله على إذن الشرطة ، بحث في أرشيفها عن قضايا قديمة صدر بها حكمٌ نهائيّ
وبعد البحث والتدقيق لأسابيع ، وجد جريمة حصلت منذ 10 سنوات : حيث قام قاتلٌ متسلّسل بقتل وأكل ضحاياه العشرين الذين أوقفوا شاحنته لأجل نقلهم للمدينة بالمجّان ، وأكثرهم من النساء الهاربات من بيوتها .
وكلما بحث الكاتب بأقوال المجرم تأكّدت شكوكه بكونه مريضاً نفسيّاً ، إثر معاناته من طفولةٍ سيئة لوالدٍ قاسي وأمٌ مستهترة .
فبعد موت والده ، ربّاه زوج امه الذي أجبره على العمل بسن المراهقة في مجال الكهرباء ، بعد إخراجه من مدرسته المتوسطة
وبعد مقتل والدته بحادث سيرٍ مروّع ، هرب من منزله لعدم تحمّله قذارة زوجها الذي حاول التحرّش به اثناء سكره ! ليُصبح مُشرداً بالشوارع حتى سن الثلاثين ، قبل رؤيته إعلاناً عن وظيفة سائق شاحنة لإحدى المصانع
فعمل بتوصيل المؤن بين المدينتين لعشر سنوات ، قبل ارتكاب جرمه الأول : بعد أن أوقفته فتاة ليل مساءً ، لتوصيلةٍ مجانيّة.
وقبل الوصول لوجهتهما ..حاول التقرّب منها ، فصفعته بقوة ! فجنّ جنونه وقيّدها بجانب بضاعته .
وعندما حاول الإعتداء عليها .. عضّت أذنه بقوةّ ، وقصّت جزءاً منها !
فلم يجد نفسه إلاّ وهو ينقضّ على رقبتها ويقطع عرق عنقها . ثم يقف مذهولاً وهو يراقب إحتضارها !
وبعد سرده الحادثة للمحقّق ، قال المجرم مُبتسماً :
((كانت ما تزال قطعة من لحمها في فمي وبدلاً من بصقها ، بلعتها فأعجبني مذاقها ! فنقلت الجثة الى منزلي وبدأت بتقطيعها ووضع لحمها بالثلاجة . ثم عزمت رفاقي من سائقي الشاحنات بنهاية الإسبوع على حفلة شواء . وقد وفّر لحمها الرخيص الكثير من تكلفة الحفلة))
وكانت هذه جريمته الأولى ، التي تكرّرت مع كل تعساء الحظ 19 الذين أوقفوه لأجل توصيلةٍ مجانيّة أنهت حياتهم !
ورغم محاولة محامي الدفاع إرساله لمصحّةٍ نفسيّة ، إلاّ أن القاضي أصرّ على الحكم عليه بالسجن المؤبد .. قضى منها حتى الآن عشرين سنة ، ليصبح عمره 60 عاماً
وقد أُعجب الكاتب بقضيته كثيراً ، حيث استطاع بموهبته الفريدة تحويلها لقصةٍ مثيرة ، مُحاولاً التركيز على ماضي القاتل الحزين والمؤلم .
***
ولاحقاً وافق المنتج على تحويلها لفيلمٍ دراميّ ، الذي سرعان ما آثار ضجّة في صالات السينما .. حيث تعاطف المشاهدون مع المجرم ، مُتناسين حجم الألم الذي سبّبه لأهالي الضحايا !
وأدّى ضغط الرأيّ العام على طلب الإستئناف في قضية المجرم ، واستحقاقه للعلاج النفسي بدل السجن المؤبد
وبسبب تقاعد القاضي السابق ، واستلام قاضي جديد قضيته (الذي ظهر تأثّره بسياق الفيلم الدراميّ) حيث وافق على طلب الدفاع بنقل المجرم الى مصحٍّ نفسي ، بشرط وضعه في غرفةٍ مشدّدة الحراسة
وأدّى تغيّر حكم القضيّة ، لغضب اهالي الضحايا الذي كان موقفهم ضعيفاً هذه المرة بسبب الفيلم السينمائي الذي قلب اراء الناس ضدّهم !
***
وبعد شهر من انتقال المجرم لمستشفى الأمراض النفسيّة ، قابله الكاتب الذي عرّف عن نفسه بفخر : بكونه من غيّر مجريات القضية لصالحه
ففاجأه المجرم بجوابٍ صادم :
- أتعلم إن حراسة المصحّ غير مشدّدة كالسجن الذي كنت فيه ، وهذا يعني إن هربي ليس صعباً .. وأول شيءٍ سأفعله بعد خروجي من هنا ، هو تذوّق لحم جسدك
فارتعب الكاتب من كلامه ! وأسرع بطرق الباب للخروج من الغرفة
وبعد عودته للمنزل .. شعر الكاتب بارتكاب خطأٍ فادح بإطلاقه وحشاً من السجن ، وتمنّى موته بالمصحّ قبل ارتكابه جريمةً أخرى
***
بعد شهرين .. تعرّض الكاتب لكوابيس وأرقٍ شديدين بعد علمه بفرار المجرم من المصحّ ، عقب قتله زميله وحارسيّ أمن وجرحه لممرّض وطبيبه المعالج بعد جلسة علاجٍ جماعيّة ، حيث ثار جنونه بعد سؤال الطبيب عن موقف امه من تعذيب زوجها له ؟
ولم يستطع احد إيقافه بعد قفزه من سور المستشفى ، رغم إصابته برصاصة في قدمه !
***
لاحقاً قام الكاتب بتركيب جهاز إنذار وكاميرات مراقبة في بيته ، وإحضار كلباً بوليسيّاً لحمايته من أيّ دخيل
وفي ليلةٍ باردة .. شعر الكاتب بشيءٍ لزجّ يُصبّ على خدّه !
ففتح عينيه بتعب ، ليجد المجرم امام سريره وهو يسكب العسل على وجهه قائلاً :
- اللحم البشري مالحٌ جداً ، والعسل يجعله قابل للبلع
وقبل نهوضه من سريره بفزع ، ثبّته المجرم بيده الضخمة على صدره بعد إطباق يده الثانية على فمه لإسكاته ، وهو يكمل قائلاً :
- كان عليك إطعام كلبك ، قبل قتله بلحمٍ مسموم .. اما أجهزتك الغبيّة فسهلٌ عليّ فكّها ، أنسيت انني عملت كهربائي في مراهقتي ؟ والآن لنتذوّق لحم الكاتب الفضولي الذي أعادني لعالم الجريمة
وقبل صراخ الكاتب ، إنقض المجرم على رقبته لقطع عرق عنقه ، ممّا جعله ينتفض إنتفاضة الموت .. بينما يراقب المجرم خروج روحه ليبدأ بتقطعيه ، وهو يفكّر بحفل شواءٍ لأصدقائه القدامى !
ماشاء الله
ردحذف