السبت، 22 يناير 2022

إنتقام الشهداء

تأليف : امل شانوحة 

الأحزاب اللبنانيّة


في تلك الأمسية الباردة . وفي مقبرة شهداء الحرب الأهلية مجهولي الهوية ، حدث شيءٌ غريب بعد أن ضربت صاعقة مجموعة من المقابر ! حيث بدأت الأتربة القريبة من الشواهد تهتز وحدها ، قبل خروج يد لميت من القبر والذي أكمل الحفر حوله ، الى أن أخرج جسده بالكامل . وكذلك فعل بقيّة الموتى ! 

وكان هناك نوراً خافتاً قادماً من إنارة الشارع القريبة منهم ، فاستطاعوا فهم ما حصل.


والغريب انهم لم يتحولوا لهايكل عظميّة ، بل خرجوا بالهيئة التي ماتوا عليها ! بقصّة شعرهم وملابسهم التي تعود لسبعينات القرن الماضي. فمعظمهم مات برصاص القنّاصة. حتى من دُفن كأشلاء بعد انفجاره بسيارة مفخّخة ، عاد كما كان قبل وفاته بعد تجمّع اشلائه المدفونة معه الى جسده. والشيء الوحيد الذي يفرّقهم عن الأحياء هو وجوههم الشاحبة فحسب !


وما أن التفت احدهم للآخر ، حتى صرخ غاضباً :

- هل عدّت ايضا ايها الكتائبيّ ؟

- كنت أتمنى أن لا القاك ايها السنّي !!


وهجما على بعضهما .. لكن ضرباتهما اخترقت اجسادهما ، ففهما إنهما تحوّلا لأشباح !

- غريب ! ظننت اننا في الآخرة

- وانا ايضاً ! يبدو مازلنا في الدنيا ، ترى لماذا ؟!

- يبدو إن دورنا لم ينتهي بعد

- هل جننت ؟!! جميعنا متنا منذ...آه صحيح كم مرّ الوقت على وفاتنا ؟!

- سنعرف فور خروجنا من هنا

- هيا يا رفاق لنستغلّ الظلام ونخرج من هذه المقبرة الكئيبة

***


وتساعدوا فيما بينهم ، حتى وصلوا للجهة الأخرى من السور. واتفقوا أن لا يفترّقوا بعد رؤيتهم التغيرات في شوارع ومناطق بيروت.


ومشى الثلاثون شاباً معاً ، الى أن سمعوا صاحب القهوة يناديهم :

- يا شباب !! لدينا خصم على الأراجيل والقهوة. أسعارنا لن تجدوها في قهوة أخرى بعد ارتفاع الدولار

فقال أحدهم باستغراب : إرتفاع الدولار !

فهمس رفيقه : ظننت بأن لا احد يرانا !

- وانا ايضاً ، دعونا ندخل

- ليس معنا المال

- لن نشتري شيئاً ، فقط نشاهد التلفاز


ودخلوا القهوة وطلبوا من صاحبها رفع صوت الأخبار ، بعد أن أطلعهم على تاريخ اليوم


- هل تصدّقون انه مرّ اكثر من ثلاثين سنة على وفاتنا !

فقال الآخر هامساً : إخفض صوتك ولا تجعل الأحياء يشكّون بنا

- إنظروا للأخبار ، مازالت ذات الشخصيات السياسيّة تحكم لبنان !


وبعد سماعم نشرة الأخبار ، هلّل احدهم بفرح :

- القائد عون أصبح رئيس الجمهورية ، وأخيراً !!!!

فنظر المتواجدون في القهوة اليه بغضب ، فسكت على الفور !


فهمس زميله مُنبّهاً :

- إصمت ولا تفضحنا

- انا فقط سعيد لأن موتي لم يذهب سدى

- الم تشاهد اسوء الأحداث الحاصلة في البلاد التي عرضتها النشرة ؟ يبدو إن زعيمك أفسد إقتصاد البلد ! لهذا لا تُبيّن فرحك امامهم ، فيهجمون علينا


ثم قال الشبح الآخر لزميله ساخراً :

- أنظر ايها الكتائبيّ ، انك في صفّنا الآن

فردّ بدهشة : هل هذا ابن رفيق الحريري ؟!

- يبدو ذلك !

- هل اتفق المسيحون والإسلام ؟!

- ونحن من قُتلنا دفاعاً عن الدينين !

- لحظة يا شباب ! هل حزب الله مُتفقٌ الآن مع حركة امل ؟ وأنا من عاديت اخوتي بعد انضمامهم للحزب !

- ماذا يحصل بحقّ الجحيم ، اعداء الأمس أصبحوا زملاء اليوم ؟!

- ما أسمعه يا رفاق يضايقني للغاية

- وانا ايضاً ، أشعر إن حياتنا ضاعت بلا مغزى


وهنا أعلن رئيس الجمهورية (في الأخبار) عن إجتماعٍ عاجل للنّواب في صباح الغد

فقال الشبح لزملائه بقهر :

- هل تفكّرون بما أفكّر به ؟

- نعم !! سنعلّمهم درساً لن ينسوه ابدا

***


في صباح اليوم التالي.. إستطاع الأشباح الثلاثين المرور بسهولة من حرس مجلس النّواب بعد تحوّلهم لظلال . الى أن قرّروا الظهور بمظهرهم الشاحب امام حارس بوّابة المجلس النيابي ، مما جعله يفقد الوعيّ.

ومن بعدها فتحوا الباب ، ودخلوا وهم يحملون العصا والسكاكين الحادّة ...


فصرخ عليهم رئيس المجلس :

- من سمح لكم بالدخول ؟!!

فأجابه الشبح :

- أتدرون من نحن ؟!!

- نحن شهداء الحرب الأهليّة

- وقفنا سابقاً مع احزابكم ونحن نؤمن بمبادئكم ، وإذّ بكم الآن تتفقون مع الأعداء ، غير مباليين بدمائنا التي أُهدرت بسببكم

- ويبدو اللبنانيون مازالوا يعانون منكم حتى وقتنا الحالي

- لهذا قرّرنا أخذ حقّ المظلومين في الماضي والحاضر .. هجوم يا شباب!!


وصرخ النّواب والوزراء بفزع وهم يحاولون الهرب من الأشباح الغاضبين . حتى بعضهم توسّل بأنها السياسية التي تتغير حسب الوقت والوضع الراهن ، لكن هذا لم يشفع لهم

***


بعد ساعتين ...أُذيع الخبر العاجل بالأخبار عن موت من في المجلس ! قائلا المذيع بذهول :

((تفاجأ الحرس قبل قليل بجثث النّواب والوزراء ! ولم تُظهر كاميرات المراقبة مُرتكب الجريمة ، بالرغم من تسجيل صراخ المجني عليهم وتطاير دمائهم واشلائهم . فهل هجم الجن والشياطين عليهم ؟! شاهدوا الفيديو واحكموا بأنفسكم))


ورغم غرابة الحدث ! إلاّ أن اجواء لبنان امتلأت برصاص الفرح والزغاريد ، وساد الإعتقاد : (أن الملائكة قتلت السياسين الفاسدين بعد تدميرهم اقتصاد البلد في السنتين الفائتتين ، مُعرّضين الشعب للهلاك والفقر)


وعمّت الإحتفالات البلاد ، فيماعدا القلّة من رجال السياسيين وأزلامهم الذين سارعوا بالفرار للخارج خوفاً من غضب الشعب

***


في هذه الأثناء ...عادت اﻷشباح للمقبرة بضميرٍ مرتاح ، قائلاً احدهم :

- اخيراً انتقمنا لموتنا

- وانتقمنا للشعب اللبناني بجميع طوائفه

- أشعر أن روحي ارتاحت اخيراً

- وانا ايضاً ، يكفي تعليمنا الظالمين درساً لن ينسوه ابدا

- اظننا سنلتقي ثانية ، لكن في الآخرة هذه المرة

- الوداع يا اصدقاء !!


وفور استلقائهم في قبورهم حتى اختفوا تحت الأرض ، لتعود المقبرة هادئة كما كانت طوال العقود الماضية !


هناك 7 تعليقات:

  1. ارسلت هاذه القصة لموقع (Nadi Lekol Nas) من جوالي قبل ايام ، وسأحاول نشر المزيد من القصص في الأيام التالية ..تحياتي لكم

    ردحذف
  2. صدقيني استاذة امل لو عادو فعلا من الموت سوف يعيدون للقتال إلى جانب احزابهم وزعمائهم هكذا هو الواقع اللبناني لن يتغير الا بمعجزة

    ردحذف
  3. عزيزتي امل هلا تشرحي الازمه الحاليه للشعب اللبناني؟

    ردحذف
    الردود
    1. بعد تدمير الميناء الرئيسي في لبنان ، عانينا من تلاعب قيمة الدولار ، مما أدّى لارتفاعٍ جنونيّ بالأسعار مع وجود أزمة الوقود والكهرباء .. وكلّه بسبب مجموعة من الفاسدين السياسين بالإضافة لجشع كبار التجّار في لبنان .. ومع ضغوطات كورونا والعواصف الثلجيّة التي نعاني منها هاذين الإسبوعين أصبح الوضع خانقاً للغاية ، حتى باتت أمنيتنا أن تقام حرب ، لربما فرّ الفاسدون للخارج ورحمونا من ظلمهم !

      حذف
  4. عزيزتي امل كنت انتظر جديدك بشغف والله دمتي متألقة و دامت قصصك الرائعة و تحية للبنان الجميلة من الجزائر 💙

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...