الاثنين، 3 يناير 2022

العائلة الجديدة

تأليف : امل شانوحة

المراهق المشاغب


وافقت ندى أخيراً على الزواج من سمير (زميلها في العمل) بعد سنة من وفاة زوجها .. واتفقا على السفر لإسبوعين في شهر العسل ، قبل ضمّ اولادهما في منزل العريس .. 

وجاء خبر زواجهما في المحكمة صادماً على ربيع (إبن ندى الوحيد) الذي بلغ للتوّ سن 16 ! والذي لم يعجبه فكرة زواجها من رجلٍ مُطلّق ، ولديه إبنتين توأم بعمر التاسعة .. 


وأصرّ على البقاء وحده في منزل والده المتوفي ، فحاولت إفهامه الوضع بهدوء:

- سمير هو من سيصرف علينا .. 

مقاطعاً بعصبيّة : ما كان عليك الإستقالة من وظيفتك !! على الأقل إنتظري لحين تخرّجي من الثانويّة 

- تعبت من العمل ، وأحتاج للراحة .. ولأني لا استطيع دفع أجار شقة والدك ، فعلينا الإنتقال لمنزل سمير .. وهناك سنحاول قدر المستطاع تدبير أمورنا من خلال راتبه الشهريّ ، لذا علينا الإستغناء عن بعض المصاريف الزائدة  

ربيع بقلق : مثل ماذا ؟!


ندى : بصراحة يا ربيع ، لا استطيع إجبار زوجي على الدفع لناديك الرياضيّ 

ربيع بصدمة : امي ! انا بارعٌ جداً بالجمباز ، وعلى وشك أن يختارني المدرّب للذهاب مع فريقه للأولمبياد

- آسفة بنيّ .. كما سأنقلك من مدرستك الحاليّة الى مدرسةٍ حكوميّة

ربيع بعصبية : ما رأيك أن ترميني بالشارع طالما مسؤوليتي ثقيلة عليك لهذه الدرجة ؟!!

- تأدّب يا ولد !! ولا تنسى أن سمير مسؤول عن بناته ايضاً

- ما كان عليك الزواج منه .. كنّا بألف خير من دونه


ندى : عمري 40 ، واريد الإنجاب ثانيةً .. وأن تأخّرت أكثر ، سيصبح حلمي مستحيلاً

- ولما تريدين إنجاب المزيد ، طالما لا يمكنك تحمّل مصاريف ولدٌ واحد

- ربيع !!

وأكمل ربيع كلامه : أمّا إن كنت تريدين إنجاب البنات ، فهآقد صار لديك بنتين 


وذهب الى غرفته ، باكياً على فراق والده الحنون

***


لاحقاً أرسلت ندى ابنها لبيت جدّه ، وأرسل سمير إبنتيه لمنزل طليقته لحين انتهاء شهر عسلهما .. 

وبعد عودتهما ، تجمّعت العائلتان في شقة سمير الذي كان لطيفاً مع ربيع وهو يريه غرفته الجديدة :

- ربيع .. هناك هديّة على طاولتك ، إذهب وافتحها 


وكانت ندى سعيدة بإحضار زوجها حاسوباً جديداً لإبنها ، قائلةً له :

- سمير ، هذه هديّة لطيفة منك

سمير : ابنك في الثانوية ، ويحتاجه لأبحاثه المدرسيّة .. هآ ربيع !! هل أعجبك الحاسوب ؟

ربيع بلؤم : ماركة حاسوبي القديم أفضل من حاسوبك الصيني الرخيص

ندى بحزم : تأدّب يا ولد !! على الأقل أشكر والدك على الهديّة

ربيع بعصبية : زوجك ليس والدي ، ولن يكون ابداً !! 


سمير وهو يكتم حزنه : لا تضغطي عليه يا ندى ، هو بعمرٍ حسّاسٍ الآن .. عزيزي ربيع ، يكفي أن تناديني بالعمّ سمير .. وسأحاول أن اكون سندك دائماً .. وبما أني كاتب في جريدةٍ رسميّة ، يمكنني مساعدتك بواجبات اللغة العربية

ربيع بلؤم : امي عملت بنفس شركتك ، وهي أفضل منك بهذا المجال .. يعني لا حاجة لخدماتك

سمير بنبرةٍ حزينة : كما تشاء

ندى وهي تشعر بالإحراج : سمير ، انا آسفة حقاً

سمير : عليّ الذهاب للإطمئنان على يارا وسلمى  


وذهب الى غرفة بناته وهو مكسور الخاطر .. فدخلت ندى غرفة ابنها لتعاتبه على معاملته السيئة لزوجها .. فردّ بضيق :

- رجاءً امي لا تجبريني على البقاء معه ، لم أطقه هو وبنتيه المزعجتين

ندى : كم مرة عليّ إفهامك إن سمير هو المسؤول عنك ماديّاً ، فأخوالك وأعمامك احوالهم سيئة ولا يستطيعون التكفّل بمصاريفك ، لهذا تأدّب بالتصرّف مع زوجي وإلاّ سأغضب عليك !! 


فاستلقى حزيناً على سريره الجديد .. فقالت له : 

- جهّز حقيبتك ليوم الغد .. سمير سيذهب مباشرةً لعمله ، وأنا سأوصلكم للمدرسة 

ربيع : بالطبع ستوصلين بناته اولاً

- لأن مدرستهما قريبة من هنا 

ربيع بقهر : ومدرستي ايضاً !! لكنك أخرجتني منها ، رغم تعلّقي بأصدقائي القدامى !

ندى : لا تقلق ، ستجد اصدقاء جدّد بمدرستك الجديدة .. هيّا جهّز حقيبتك ، ثم نمّ على الفور..


وخرجت من غرفته ، تاركةً ابنها يشتعل غضباً لرفضه حياته الجديدة التي أجبرته عليها !

***


في غرفة النوم .. إعتذرت ندى من زوجها وهي تشعر بالإحراج من تصرّف ابنها الغير لائق .. 

سمير بابتسامةٍ حنونة : لا بأس حبيبتي .. هو مراهق ، وطبيعي أن يتصرّف هكذا .. يحتاج سنة على الأقل ، ليتعوّد على حياته معنا 

ندى : يعجبني تفهّمك للأمور  

وحضنته بحنانٍ وامتنان

***


ومرّت الأيام والوضع مازال على حاله ، فربيع لم يتأقلم جيداً بمدرسته الحكوميّة .. كما لم يعتدّ على زوج امه الذي يثير غضبه كلما غازل امه ، او عامله بلطفٍ زائد !  

كما لم يطقّ الصغيرتين الّلتين حاولتا التقرّب منه بشتّى الطرق ، إلى أن قرّر ملازمة غرفته منذ عودته من المدرسة حتى موعد نومه .. لهذا اضّطرت امه إعطائه الطعام في غرفته ، بعد رفضه الجلوس معهم على طاولة الطعام .. 


وقد أقنعها زوجها بتركه على راحته ، فطالما فضّل العزلة فهذا شأنه .. 

لتشعر الأم بغصّة في قلبها ، بعد انزواء ابنها الذي كان اجتماعيّاً ومرحاً قبل وفاة والده ! 

أمّا الصغيرتان فتعودتا سريعاً على ندى ، رغم إمضائهما ايام العطل في منزل امهما المطلّقة ..

***


بعد ثلاثة اشهر ، إزدادت تصرّفات ربيع غرابةً وعنفاً ! حصل هذا بعد إحضار سمير قطة صغيرة لمنزله ، على أمل أن تُقرّب الأولاد من بعضهم .. لكن ربيع رفض لمس القطة او الإعتناء بها .. بينما تعلّقت الطفلتان بها كثيراً ، واهتمتا بطعامها ونومها ..

*** 


وفي أحد الأيام ، بحثت الصغيرتان عن القطة في ارجاء المنزل ..وعندما لم تعثرا عليها ، طرقتا غرفة ربيع بقوة .. 

فخرج اليهما صارخاً :

- لما أيقظتماني من النوم ؟

- مازال الوقت عصراً !

ربيع : أعليّ استئذانكما لأنام ؟!!

- كنّا نبحث عن القطة

- انتما تعرفان انني لا أدخلها غرفتي

- ربما دخلت اثناء وجودك في المطبخ او الحمام ..ارجوك إبحث عنها ، فنحن لم نجدها في غرف المنزل  

ربيع : إبحثا بنفسكما ، دون العبث بأغراضي .. سأذهب لعمل كوب من الكاكاو..

***


اثناء تواجد ربيع في المطبخ ، سمع صراخ الطفلتين ! 

فأسرع الى غرفته ، ليجد امه وسمير مرتعبين .. والصغيرتان تبكيان بحرقة ، بعد إيجادهم القطة مذبوحة اسفل سرير ربيع !

فسألته ندى بصدمة : ماذا فعلت ؟!

ربيع بدهشة : لم أفعل شيئاً امي ، أحلف لك

سمير وهو يحاول كتم غضبه : لما قتلت قطة بناتي ؟! 

ربيع : لم افعل عمّ سمير ! كنت نائماً قبل قليل


الفتاة الأولى باكية : ابي !! ربيع قتل قطّتنا

الفتاة الثانية بغضب : لا نريده في بيتنا !!

ربيع بعصبية : أصمتا !! لم ارى قطتكما منذ ايام 

سمير : ندى رجاءً .. إبعدي البنتين ريثما أخرج القطة من الغرفة ، وأدفنها بحديقة العمارة


وبعد ذهابهنّ .. نظر سمير بغضب للمراهق وهو يحمل القطة المذبوحة بين يديه ، دون إستيعاب ربيع ما حصل !

***


في تلك الليلة نامت الفتاتان بصعوبة ، بعد بكائهما الشديد على موت قطتهما .. ونام سمير دون حديثه مع ندى التي كانت مُحرجة تماماً من فعل ابنها الغير إنساني .. 


اما ربيع فكان مصدوماً ممّا حصل ، وأخذ يفكّر طوال الليل :

((هل يُعقل انني مشيت اثناء نومي ، وذبحت القطة دون علمي ! غير معقول ، لما أفعل ذلك ، لست سيئاً لهذه الدرجة ! ..ربما سمير وضعها تحت سريري للتخلّص مني ؟ لكن لما يقهر بناته بهذا العمل المشين ؟! الأمر مُربك بالفعل!)) 

ونام بعد أن أرهقه التفكير بالحادثة الغريبة ! 

***


لم يتوقف الأمر على هذه الحادثة .. فبعد ضياع جوّال ربيع طوال اليوم ، وجده سمير اسفل كنبة الصالة .. واستغلّ إستحمام ربيع لتفتيش جواله ، ليصعق برؤية صوراً فاضحة لا تناسب عمره ! 


وأخذ الجوّال لزوجته وهو يقول بعصبية :

- ابنك تجاوز الخطوط الحمر يا ندى !! 

فسألته بقلق : ماذا حصل ؟!

وما أن رأت الصور ، حتى شهقت بإحراجٍ شديد ! 

- من اين حصل على هذه الصور البذيئة ؟!

سمير : حتماً ليس من إنترنت بيتي ، فهو مُراقب لأجل بناتي .. أكيد أنزّلهم على جوّاله من مقاهي الإنترنت التي يذهب اليها مع اصدقائه الفاسدين 


ندى : رجاءً لا تعاقبه ، دعني أحدّثه بنفسي

- هو ابنك ، تصرّفي معه .. لا اريده أن يرى هذه القذارة بوجود يارا وسلمى 

- لا يا سمير ، ابني لن يجرأ على أذيتهما

- انا أب يا ندى !! ولي الحقّ أن أخاف عليهما من ابنك المنحرف

- أكيد هناك تفسير منطقي ل..

مقاطعاً بعصبية : تفسير منطقي ! هذا جوّال ابنك ، وهو مليء بالصور التي لا اجرأ انا على رؤيتها .. وتقولين تفسير منطقي !!

- حسنا إهدأ ، سأحدّثه فور خروجه من الإستحمام

سمير : تأكّدي أن يحذف جميع الصور قبل إعادة الجوّال اليه


ثم أخذ ابنتيه الى الحديقة العامة ، ريثما تهدأ اعصابه المتوتّرة 

***


وصُدم ربيع بما رآه في جوّاله ! وحاول تبرير موقفه لأمه :

- امي صدّقيني ، انا لا ادخل تلك المواقع لأنها مليئة بالفيروسات .. وأكيد تعطّل جوّالي بسببها ، وعليّ تنظيفه في الحال

ندى : اذاً من وضعها في جوّالك ؟

- ليس انا ، احلف لك !!

- ربيع كفى كذباً ، جوّالك بحوزتك طوال الوقت .. وفيه مئات الصور ، وليس صورة او صورتين !

ربيع : أخبرتك إن جوالي ضائعاً منذ الصباح .. فربما زوجك أخذه لوضع الصور القذرة به ، كيّ يتخلّص مني ..

مقاطعة بعصبية : ربيع !! انت مُعاقب ، ولن تحصل على جوّالك قبل تفتيشي جميع ملفّاته ، وحذف الصور السيئة بنفسي ..

- امي !

ندى بحزم : أصمت !! سأراقب إنترنت جوالك من خلال جوّالي .. وإن فعلت هذا ثانيةً ، ستُحرم منه نهائياً .. الى غرفتك فوراً !! فأفعالك المستهترة جعلتني أفقد ثقتي بك 


وذهب الى غرفته ، وهو لا يفهم ما يحصل معه !

***


بعد اسبوع ، عاد ربيع من مدرسته غاضباً .. وحين سألته امه عن السبب ؟ أخبرها انه رسب في مادة التاريخ ، بعد إتهام معلمه بنقله البحث حرفيّاً من جوجل ، وهذا مخالف لقوانين المدرسة..

ندى مُستفسرة : وهل فعلت ذلك بالفعل ؟!

ربيع غاضباً : لا طبعاً ، الم أكن البارحة سهراناً طوال الليل لإنهاء بحثي اللعين؟!!

- لا تشتم امام الطفلتين

- أهذا كل ما يهمّك ! 

امه : إخبرني بهدوء ما حصل بالضبط

ربيع : أنظري امي للبحث

..وأخرجه من حقيبته :

ربيع : انا لم اكتب هذا المقال !

- ماذا تقصد ؟!


ربيع : أحدهم غيّر بحثي ، قبل طبعي له ! فمقالي مختلفٌ تماماً ، وكتبته بجهدٍ كبير 

ندى : ومن سيفعل ذلك ؟

- أظن زوجك سمير اراد أن ..

مقاطعة بعصبية : كفى يا ربيع !! انت تعرف إن سمير لم يدخل يوماً الى غرفتك.. ثم انت نسخت البحث صباحاً من طابعة سمير بعد ذهابه الى عمله ، هل نسيت ؟ 


ربيع بقهر : أكاد أجنّ يا امي .. هذا ليس بحثي ، أحلف لك !!

- ربما حصل خطأ بحاسوبك ، فلا تلمّ زوجي على كل مصائبك

ربيع بحزن : انت لا يهمّك سوى زوجك وعائلته ، أمّا انا فلا تهتمين بي ابداً ..ليتني متّ مع ابي في حادثته المروريّة ، لكنت ارتحت من بقائي مع زوجك البغيض !!

الأم بقلق : ربيع توقف !

ودخل غرفته باكياً..

***


لم يمضي شهرين ، حتى طلب المدير من ندى القدوم الى المدرسة 

وما أن ركنت سيارتها في موقف المدرسة ، حتى فهمت ما حصل ! بعد رؤيتها شتيمةً قذرة للمدير مكتوبة بالدهان الأحمر على جدار المدرسة الخارجيّ ، بتوقيع ابنها الذي كان متواجداً بمكتبه وهو يحاول الدفاع عن نفسه !  


فسألته بقلق : ربيع ! لما كتبت تلك القذارة على جدار المدرسة ؟!

ربيع : حتى انت تشكّين بي ! بالله عليكما إن كنت الفاعل ، فهل سأوقّع بإسمي ؟ سيدي المدير ، لست غبياً لهذه الدرجة

المدير : ومن فعل ذلك ؟

ربيع : ربما احد زملائي بالصف ، فأنا طالبٌ جديد وأتعرّض للتنمّر من وقتٍ لآخر 

ندى : ولما لم تخبرني عن مضايقاتهم لك ؟!

ربيع بضيق : وهل ستسمعينني ؟ كل ما يهمّك هو إعداد الحلوى لبنات زوجك

المدير : يبدو انه يتعبك في المنزل ايضاً ؟

فاومأت ندى برأسها إيجاباً..


المدير : سأعطيه انذاراً هذه المرة ..وإن تكرّر الأمر ، سيُطرد من المدرسة

ربيع بعصبية : قلت لكما بأني لست الفاعل !!

المدير بحزم : أترى الدهان الأبيض امام الباب .. إذهب وادهن الجدار الخارجيّ ، وسيراقبك الحارس لحين محوّ الشتيمة بالكامل

فنظر ربيع بحزن الى امه التي قالت :

- إذهب ونفّذ طلب المدير

ربيع بقهر : كم أكره حياتي ..

وبعد ذهابه مع الحارس ..


ندى : أعتذر منك

المدير : عليك التحدّث معه ، فأنا أرفض وجود المشاغبين في مدرستي

- سأفعل ، شكراً لإعطائه فرصة جديدة


وخرجت من المدرسة وهي تشعر بالإحراج ، دون إلتفاتها لإبنها المنشغل بدهن الجدار الخارجي للمدرسة ، وهو يكتم دموعه لإحساسه بظلمٍ شديد

***


في المساء.. تكلّمت ندى مع زوجها عن تصرّفات ابنها التي تزداد غرابةً وقسوة كل يوم ! 

- ماذا أفعل معه ؟!

فتنهّد سمير بضيق : مع اني حاولت إخفاء تصرّفاته الأخرى ، لكنه حان الوقت لتعرفيها ايضاً 

ندى بقلق : ماذا تقصد ؟!

- قبل ايام ، أخذته باكراً من مدرسته.. وذهبنا للمطعم لنتكلّم رجلٌ لرجل

- لما لم تخبرني بذلك ؟!

سمير : لأنه لم ينجح الأمر

- ماذا حصل ؟


سمير : قال لي كلامه المعتاد ((لست والدي لتنصحني .. امي اخطأت بالزواج بك .. أكره عيشي معك ومع بناتك)) وكلامٌ آخر جرح مشاعري كثيراً.. 

فربتّت على ظهره وهي تشعر بالإحراج : آسفة حبيبي !

سمير : ليس هذا فحسب

- ماذا ايضاً ؟!


فأخرج من حقيبة عمله : مجموعة من اوراق المُقتطعة من كرّاسةٍ مدرسيّة ، مكتوباً عليها تهديدات بالقتل !

سمير : كنت أجدها دائماً في حقيبة عملي منذ انتقاله الى بيتي ، ولم أخبرك عنها حتى لا تعاقبيه 

- ربيع هو من دسّها في حقيبتك ؟!  

- الا ترين شعار مدرسته على صفحات الكرّاسة ؟

ندى : ولما لم تخبرني بتهديداته لك ؟!

- ظننته سيتوقف مع مرور الوقت ، لكنه اليوم تجاوز حدوده كثيراً 

- ماذا تقصد ؟!

سمير : هذا تهديده الأخير


وكان مكتوباً بالورقة :

((إن لم تطلّق امي في الحال ، ستلاقي ابنتاك مصير القطة))

ندى بخوف : يا الهي ! 

سمير : لهذا أرسلتهما لتناما عند امهما هاذين اليومين ، كيّ نقرّر ما سنفعله مع ابنك المتهوّر

- أظنه يُبالغ ، فهو لن يؤذي ابنتيك

سمير : الم ينكر سابقاً قتله للقطة ؟ وهاهو بالرسالة يعترف اخيراً بذلك.. إسمعي يا ندى .. حاولت على مدى ستة اشهر تحمّل تصرّفات ابنك المستفزّة ، وأن أكون لطيفاً معه قدر الإمكان .. لكن بناتي خطّ احمر !! وإن حاول أذيتهما ، فلن أتردّد بالإبلاغ عنه


ندى : ارجوك اهدأ .. سأعرضه غداً على صديقتي ، فهي طبيبة نفسيّة 

- يعني تكاليف جديدة ، انت تعلمين إن راتبي بالكاد يكفي ..

ندى مقاطعة : سأبيع ذهب والده لعلاجه ، قبل أن أخسره تماماً

- حسناً إخبرني بما ستقوله الطبيبة بنهاية كل جلسة ، وأتمنى لها النجاح بعد فشل جميع محاولاتي معه ، وبُتّ فعلاً أتضايق من وجوده في بيتي 

ندى : صديقتي بارعة في عملها ، وأظنها ستعالجه بوقتٍ قصير 

- أتمنى ذلك


وادار ظهره لينام وهو يشعر بالضيق ، تاركاً ندى قلقة من تصرّفات ابنها المخيفة !

***


ورغم اعتراض ربيع على الذهاب لجلسات العلاج النفسيّ ، إلاّ أن والدته أجبرته على ذلك .. 

ومنذ الجلسة الأولى شعر ربيع بالإرتياح لإيجاده شخصاً يسمعه ، وهو يفضّفض عن مشاعره الغاضبة اتجاه زوج امه .. 


ومع مرور الوقت .. بدأت تصرّفات ربيع تتحسّن مع عائلته ، بعد قبوله تناول الطعام معهم ، واللعب احياناً مع الطفلتين ! 

حتى علاماته بالمدرسة تحسّنت بشكلٍ ملحوظ ..وصار يتقبّل خروجه مع سمير في نزهاتٍ بمفردهما !  


وسارت الأمور على خير ، الى أن وجدت إحدى الفتاتين لعبة في غرفتها ..  وأخبرت والدها بسعادة بأنها هديّة من ربيع !  

فقرأ سمير البطاقة الموجودة على اللعبة ، وفيها : 

((هذه اللعبة لأميرتي الصغيرة ، حبيبك ربيع))


فشعر سمير بقلقٍ شديد من كلمة (حبيبك) فهو لم يكتب أخاك مثلاً ..

وأسرع الى المطبخ لإعطاء البطاقة لزوجته بيدٍ مرتجفة..

وحين قرأتها ، إبتسمت قائلة :

- هو لم يقصد ما فهمته ، هو يحبّها كأخته 

سمير وهو يهمس غاضباً : أنسيت الصور القذرة التي وجدناها بجوّاله ؟

- ماذا تقصد ؟!

- اين هو الآن ؟

ندى : مع صديقه في الحديقة

- صديقه لؤيّ ؟ 

- نعم ، كيف عرفت ؟!


سمير بعصبية : الم اخبرك قبل اسبوع إن والد لؤيّ مسجون بتهمة القتل ، ولا اريده أن يصاحبه بتاتاً ؟

- نصحته كثيراً ، لكنه صاحبه الوحيد 

سمير بعصبية : انت مثل ابنك ، لا تتقبلين نصائحي ابداً !! 

- لما كل هذا الغضب ! يجب أن تفرح بعد إهدائه لعبة جميلة لإبنتك 

- ما يخيفني هو نواياه الحقيقية .. اريد تفتيش غرفته بالحال !!

- هو يقفلها عادةً قبل ذهابه

سمير : لديّ مفتاح إضافي بدرج الخرداوات ، سأحضره لتفتيش غرفته .. فقلبي يشعرني بمصيبةٍ قادمة


ولم تستطع ندى منعه من تفتيش ادراج ابنها ، إلى أن وجد دفتر مذكّراته.. 

وما قرأه بالصفحة الأخيرة ، أغضبه كثيراً !!!

حيث كتب ربيع :

((تعجبني يارا أكثر من اختها سلمى ، رغم انهما توأمتين ! فهي رقيقة وحنونة جداً..أفكّر جديّاً بالزواج منها ، ولا أظنني سأنتظر ريثما تكبر))


فجنّ جنون سمير ، وطلب من زوجته أن تختار حالاً بينه وبين ابنها!! 

ندى بارتباك : رجاءً اهدأ قليلاً

سمير بعصبية : اهدأ ! أتريدني أن انتظر لحين إغتصابه ابنتي ؟.. ندى !! اما انا او ابنك ، قرّري الآن !!

- وأين تريدني أن ارسل ابني ؟

- لمدرسةٍ داخليّة ، وسأتكفّل بكل مصاريفه .. لا اريد هذا المشاغب في بيتي لحظةً واحدة 

- لكن سمير !

سمير بحزم : ندى !! أحلف ان اخترته ، سأطلّقك على الفور


ففكّرت قليلاً ، قبل أن تقول بتردّد : 

- أقبل بشرط !! أن تختار مدرسة داخليّة ، جيدة السمعة

سمير : لا تقلقي .. توجد واحدة بالمدينة المجاورة ، وأقساطها مقبولة ..سيبقى هناك حتى تخرّجه من الثانويّة

ندى مُستفسرة : ثم يعود الى هنا ؟

- طبعاً لا !! لن يقترب من بناتي ثانيةً ، سأرسله بعدها للعسكريّة

- لكنه بارع بالرياضيات ، ويحلم أن يصبح مهندساً

- ليكمل تعليمه داخل العسكريّة ، فأنا لا اريده في بيتي مُطلقاً!! 

ندى بحزن : حسناً لننتظر عودته ، وسأكلّمه بالموضوع

***


ولم يصدّق ربيع ما سمعه ! وصرخ بعصبية :

- من سمح لسمير بتفتيش غرفتي ؟!!

ندى : اولاً هذا بيته !! ثم لا يمكنك الإنكار هذه المرة ، فهذا دفترك وهذا خطّك ..

ربيع : لا !! انا لم اكتب ذلك ، ولم أحضر هديّة لإبنته .. هما طفلتين ، ولا أفكّر بهما بهذه الطريقة.. امي صدّقيني !!

- لم تدعّ لي حلاً آخر ، سينخرب بيتي بسببك 

ربيع بعصبية : امي !! لن أذهب الى مدرسةٍ داخليّة


وهنا سمعهما سمير اثناء مروره بجانب غرفة ربيع ، فقال له بحزم:  

- إمّا المدرسة الداخليّة او الشارع !!

ربيع بخوف : امي ارجوك !

سمير : رتّب اغراضك ، سآخذك غداً الى هناك

ربيع باكياً : امي ! لم افعل شيئاً ، صدّقيني


فأخرج سمير زوجته من هناك ، وأقفل الباب على ربيع من الخارج كيّ لا يهرب من المنزل ويورطّهم بمصيبةٍ جديدة .. 

ثم سحب يد زوجته الى غرفتهما ، وهي تبكي على مصير ابنها الذي أحرجها بتصرّفاته الطائشة 

***


وفي عصر اليوم التالي .. أخذ سمير عائلته الى المطعم ، بعد وضعه ربيع في مدرسته الداخليّة صباحاً .. 

وفي الوقت الذي كان يعاني فيه ربيع من تقبّل مصيره الجديد ، كانت امه تمسح دموعها بقهر وهي تسأل زوجها :

- هل تحتفل بتخلّصك من ابني ؟

سمير : رجاءً لا تفهميني هكذا ، أردّت التخفيف عنك بعد بكائك طوال الطريق 

ندى بحزن : وكيف لا ابكي ، ومصير ابني مجهول 


سمير : لا تضخّمي الأمور .. المدرسة رائعة ، وسمعتها جيدة

ندى بقلق : لكن إدارتها معروفة بالحزم والشدّة

سمير : وابنك بحاجة لذلك ، بعد فشلنا بتقويم تصرّفاته المنحرفة.. اليس الأفضل ان ندخله مدرسة قوية ، على أن ينتهي به المطاف مقتولاً او بالسجن ؟ 

فأومأت برأسها إيجاباً ، بحزنٍ شديد.. 

***


وفي الجهة المخصّصة للعب الأولاد في المطعم ، تكلّمت الفتاتان جانباً بصوتٍ منخفض : 

سلمى بارتياح : 

- لا أصدّق إننا نجحنا بالتخلّص من ابنها البغيض


((وكانت تقصد : ذبحها للقطة ، ووضعها اسفل سرير ربيع ! كما استعانتها بطالبٍ مشاغب بالصفّ السادس لتزوير خطّ ربيع لكتابة التهديدات لوالدها ، من الكرّاسة المدرسيّة التي سرقتها من حقيبته .. كما دفعها لمصروفها الشهريّ لطالبٍ سيء السمعة ، لوضع الصور الفاضحة في جوّال ربيع التي سرقته ذلك اليوم .. أمّا أختها يارا فهي من ذهبت باكراً الى مدرسة ربيع ، لكتابة شتيمة مديره على الجدار.. وهي من بدّلت بحثه قبل طباعته ، لترسيبه في تلك المادة .. اما هديّة اللعبة والمغازلة ، فخطّطا لها سوياً .. كما كذبتا على والدهما بأن زميلتهما في الصفّ من أقارب لؤي التي أخبرتهما عن والده المسجون بتهمة القتل ، فقط لتحرمانه من صديقه الوحيد !)) 


يارا بقهر : مع اني حزنت على قطتنا عندما ذبحتها امامي !

سلمى : كان لابد من قتلها بوحشيّة ، ليخاف والدي من ربيع .. ومنذ الغد !! سنبدأ بالتخطيط للتخلّص من امه ندى

يارا : سأشتاق لحلوياتها اللذيذة 

سلمى : أمنا أفضل منها بكثير .. ولأجلها ، سنطرد كل دخيل على عائلتنا ..الى أن يقرّر ابي إعادتها من جديد .. هل اتفقنا ؟

يارا : إتفقنا !!

وابتسمتا بخبثٍ ومكر ! 


هناك 6 تعليقات:

  1. احسنتي...يا إلهي ما امكرهن واخبثهن ....اكيد امهن من علمتهن..

    ردحذف
  2. من اروع القصص التي قرأتها فعلا جميلة جدا واجمل لو تالفي لها جزء ثاني تحياتي انسة امل

    ردحذف
  3. اووف كاد نفسي أن ينقطع كي اعرف من الفاعل.
    فقد كنت محتارا جدا . كنت اتمنى ان يعرف سمير أفعال بناته لأني كنت اشك فيه قليلا
    اذا هنا انتهت هذه القصة التي تشد القارئ بحماسة
    مشكورة يا اخت أمل على هذا الابداع المتميز وعلى هذا الاسلوب الجميل هنالك قصص لك لم أقرأها في المرحلة الفائتة لانشغالي بأمور خارج ارادتي ففي قصصك اجد النزهة ومتعة القراءة ويجب عليا قرائتها حرف حرفا كما اتمنى أن أقرأ لك قصة يعود فيها الأمل بعد يأس طويل كما تعود الحياة الى شجرة عفا عليها الزمن بعد أن كادت لتموت لتعود اليها الحياة من جديد فتصبح مخضرة ناظرة الشجرة للتشبيه فقط . فأنا أجزم بأن أفكارك باستطاعتها أن تألف قصة عن هذا الموضوع لتعيد الروح وترفع المعنويات فأسلوبك القصصي هو تحفة فنية بحد ذاتها . فلا يسعني إلا أن أشكرك مرة أخرى مشكورة يا بنة الكرام حتى يفيض القلب شكرا ودمتي في أمان الله وحفظه

    ردحذف
  4. شكراً جزيلاً لكم ، سعيدة انها اعجبتكم

    ردحذف
  5. تحيه لك استاذه امل
    قصصك دوما رائعه وملهمه لنا
    بنهرب بها بواقع مؤلم
    كنت اتمنى ان تكشف الفتتان
    توقعت الاب يكون الفاعل
    اقصد زوج الام
    يمكن زيارة الام المطلقه هي السبب
    كنت اتمنى نهايه سعيده ولكن الزين مايكمل
    اتمنى تعاون جديدك بينك وبين اختك استاذه اسمى بما انه العطله الشتويه
    تكون تعاون رائع
    اتمنى منك ان تعملي القصه التي اهبرتك عنها سابقا

    ردحذف
  6. القصه رائعه جداً
    بس افضل لو اضفتي انو انهم هي الي كانت تقول الهم يسوون هاي الاشياء ، لان مو معقوله طفلتين عمرهن 9 سنين يفكرن هيك ..

    ردحذف

التوأمتان المتعاكستان

تأليف : امل شانوحة  الطيّبة والشريرة دخلت السكرتيرة الى مكتب مديرها (جاك) لتجده يفكّر مهموماً :   - إن كنت ما تزال متعباً ، فعدّ الى قصرك ...